أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد إنفي - في بلد عاش دائما تحت عباءة الاستعمار، فعلى أية قيم تمت تنشئة شعب هذا البلد؟















المزيد.....


في بلد عاش دائما تحت عباءة الاستعمار، فعلى أية قيم تمت تنشئة شعب هذا البلد؟


محمد إنفي

الحوار المتمدن-العدد: 8219 - 2025 / 1 / 11 - 21:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذا السؤال يجد سنده وتبريره، من جهة، في عنتريات الجزائريين، من قبيل نحن الأفضل، نحن الأقوى، نحن "شواكر" أفريقيا، نحن أصحاب النيف، نحن أصحاب تاريخ، نحن دمنا حامي، نحن بلاد ملايين الشهداء، نحن الأحرار، ونحن... ونحن... لكن عندما تحمر العين ويبدأ المعقول، يتحولون إلى قطط وديعة، مسالمة، منبطحة؛ ومن جهة أخرى، يجد هذا السؤال مشروعيته وحتمية طرحه في المحاولات اليائسة والبئيسة التي يقومون بها من أجل صنع تاريخ وإيجاد تراث لا قبل لهم بهما. فالتاريخ والتراث لا يصنعان بأحلام اليقظة وتزوير الحقائق أو سرقة موروثات الغير؛ بل هما تراكم لإنجازات سياسية وديبلوماسية واجتماعية، وكذا فنية وثقافية تعكس مدى حيوية المجتمع صانع هذه الإنجازات.
وحتى يتمكن المجتمع من الإبداع في مختلف المجالات، فلا بد من توفر شروط تساعد على ذلك؛ ومنها وجود دولة وطنية ذات سيادة وشعب ينعم بالاستقلال والاستقرار. وهنا، يبرز البون الشاسع بين المغرب والجزائر. فهذه الأخيرة لم تتأسس فيها الدولة إلا في مطلع ستينيات القرن الماضي، وبسيادة غير كاملة (الجزائر لا توجد بين الدول المستقلة عن فرنسا في اللائحة الممشورة بالأمم المتحدة). وإذا كانت الجزائر دائما تحت الاستعمار إلى حدود سنة 1962، فإن المغرب ظل، على امتداد قرون (أقلها إثني عشر قرنا)، إمبراطورية ممتدة، إفريقيا، إلى نهر السنغال دون أن ننسى امتداها إلى الأندلس. وحتى خلال فترة الحماية من سنة 1912 إلى سنة 1956، ظلت الدولة المغربية قائمة وظلت المقاومة الشعبية مستمرة.
وتجدر الإشارة إلى أن الاحتلال الفرنسي للجزائر لم يكن، في البداية، سوى احتلالا للإيالة العثمانية، والتي سماها أحد رواد التواصل الاجتماعي المغاربة "جمهورية الداي". لكن فرنسا لم تكن لتقنع باحتلال ما يعرف اليوم بولاية الجزائر (Alger)؛ فطموحها التوسعي كان كبيرا. فبعد أن جعلت من الإيالة العثمانية السابقة مقاطعة فرنسية تنتمي لأقاليم ما وراء البحار، لجأت إلى عملية التوسع على حساب جيران هذه المقاطعة (المغرب، تونس، ليبيا، مالي، النيجر...)، فكانت الأراضي المغربية الضحية الأساسية للتوسع الفرنسي، حيث التهم المستعمر أراض مغربية شاسعة حتى أصبحت الحدود بيننا وبينهم أطول حدود في المنطقة وأصبحت الإيالة العثمانية أو جمهورية الداي أكبر بلد في إفريقيا مساحة.
لن نستعرض الشعوب والدول التي تعاقبت على استعمار الجزائر؛ بل سنكتفي بالحديث عن الاستعمار العثماني والاستعمار الفرنسي، دون أن نستفيض في ذلك، ما دمنا قد قدمنا الأهم في الفقرات السابقة. فالدولة العثمانية استعمرت الجزار زهاء ثلاثة قرون ونصف، والاستعمار الفرنسي ظل فيها مائة واثنين وثلاثين سنة (132) بالتمام والكمال.
وهذا يكفي لدحض كل ما يقال في الجزائر عن الرجولة والنخوة والنيف وغير ذلك من العنتريات الفارغة. فالهواري بومدين لم يكن مُخطِئًا عندما تحدث عن أزمة الرجال في الجزائر؛ لكن هو نفسه لم يكن فيه شيء من خصال الرجولة. فهذه الكلمة التي تحمل كل معاني المروءة والشهامة والشجاعة والكرم ونبل الأخلاق، لم يكن لبوخروبة (سارق اسم بومدين الحقيقي) نصيب منها. فقد أعطى الدليل القاطع على أنه كان نذلا وعديم الأخلاق والمروءة، لما قرر أن يطرد خمسا وأربعين ألف عائلة مغربية من الجزائر يوم عيد الأضحى في دجنبر 1975؛ أي بعد شهر من المسيرة الخضراء. وليس هذا فقط؛ فقد تعامل كلص حقير مع الضحايا، فسلبهم كل ما يملكون من عقار أو منقول أو أموال؛ ومن الضحايا من وُلدوا في الجزائر ونشأوا فيها وبنوا مستقبلهم هناك، لكن الوغد حرمهم من عرق جبنهم وألقى بهم إلى الحدود في ظروف لا إنسانية تعكس مدى تدني أخلاقه ومدى الغل والحقد الذي كان يحمله في قلبه ضد بلد آواه وأطعمه يوم كان في أمس الحاجة إلى ذلك. وقد مزق هذا الحقير بدم بارد كثيرا من الأسر المغربية الجزائرية حيث طرد كل مغربي متزوج بجزائرية وطرد كل مغربية متزوجة بجزائري، فحرم أطفالا إما من أبيهم أو من أمهم حسب الحالة.
وإذا أخذنا في الاعتبار المدة التي ظلت فيها الجزائر مُستعمَرَة، فيمكن أن نستنتج بأن الشعب المعني قد طبَّع مع الذل والهوان ورضي بالخنوع والاستسلام، وتوارثت ذلك الأجيال المتعاقبة. لذلك، فإن الشجاعة المعبر عنها بالنيف، والدم الحامي، والرجولة وغير ذلك من التعابير التي تملأ حاليا منصات التواصل الاجتماعي، ما هي إلا وسيلة لخداع الذات والكذب على النفس قصد التنفيس عليها والتقليل من معاناتها مع أزمة الهوية وعقدة التاريخ؛ ذلك أن عنتريات التواصل الاجتماعي لا تخلق رجالا ولا تصنع أبطالا، وتؤكد فقط حقيقة أزمات المجتمع الجزائري الذي يعاني من كل أنواع العقد؛ مما جعله غير قادر على الافتكاك منها، خصوصا وأن النظام استثمر في هذا الجانب لتضبيع الشعب وبردعته. ورغم المجهودات التي يبذلها بعض المعارضين الجزائريين وكذا نشطاء التواصل الاجتماعي المغاربة، فإن المعركة تبدو طويلة ومع البعض مستحيلة.
وعلاقة بالاستعمار، لا بد من التمييز بين الاستعمار العثماني والاستعمار الفرنسي. فبالنسبة للأول، يجب التذكير بأن المغاربة قاوموا الأتراك ومنعوهم من دخول المغرب. لذلك، لم يعرف هذا الأخير الاستعمار العثماني، في حين حكم باقي بلدان شمال إفريقيا. وبعد الاستعمار العثماني، سوف يحط الرحال الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وسوف يتسرب منها إلى البلدان المجاورة. وقد أشرنا أعلاه إلى الطبيعة التوسعية لهذا الاستعمار على حساب هذه البلدان.
وإذا استحضرنا السياق التاريخي الذي حصلت فيه الجزائر على استقلالها المنقوص، سندرك الفضل الكبير لجيرانها (خصوصا المغرب وتونس) على الصحوة التي حصلت فيها والتي تكللت بالحرب التحريرية التي انطلقت سنة 1954 واستمرت إلى سنة 1962. لقد حصل المغرب وتونس على استقلالهما في نفس السنة (1956) بعد معارك سياسية مع سلطات الحماية ومعارك عسكرية ضد جيوشها. ففي المغرب بدأت المعركة السياسية بوثيقة المطالبة بالاستقلال التي تقدمت بها الحركة الوطنية يوم 11 يناير 1944، لتتلوها عدة خطوات على يد الحركة الوطنية، قبل أن يتطور الأمر إلى حرب تحريرية. ونظرا للتنسيق الذي كان قائما بين القصر الملكي والحركة الوطنية، فقد أقدمت سلطات الحماية على نفي الملك محمد الخامس وأسرته إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر؛ وذلك سنة 1953. وقد حاولت فرنسا أن تُنصِّب دمية مكان الملك الشرعي، لكن المقاومة أفشلت ذلك (لقد هاجم المقاوم علال بن عبد الله بالسلاح الأبيض، داخل باحة القصر، السيارة المكشوفة التي كانت تحمل بن عرفة، فأفشل بذلك المؤامرة الاستعمارية). يعد ذلك، انطلقت في البلاد ثورة شعبية ببعد سياسي وديبلوماسي وبعد عسكري تحرري.
في هذا السياق المغربي المشحون بالشعور الوطني، انطلقت الحرب التحريرية في الجزائر سنة 1954؛ أي بعد سنة من نفي الملك محمد الخامس واندلاع الحرب التحريرية ضد الحماية الفرنسية. وقد وجدت المقاومة الجزائرية في المغرب الشرقي (وجدة، بركان، جرسيف، الناظور...) قاعدة خلفية للثورة الجزائرية سواء من حيث توفير الإقامة لقادة حرب التحرير أو من حيث الإمداد بالسلاح والأموال. لكن النظام الجزائري سوف يتنكر لكل هذا، ويتنكر للجورة ولكل حقوقها وواجباتها.
خلاصة القول، رحم الله الملك الحسن الثاني على هذه المقولة الخالدة: " لاَ نَنْتَظِر من العالم أن يَعترفَ بصحرائنا المغربية.. بل كنا نريد أن يعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار".
ورحم الله الشاعر أبا الطيب المتنبي القائل: إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ
وإن أنتَ أكرمتَ اللَّئيمَ تَمَرَّدا
مكناس في 11 يناير 2025



#محمد_إنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغرب ليس مسؤولا عن استفحال الجنون في الجزائر، والإعلام نمو ...
- أين اختفى مغاربة إيران؟
- كيف ستتعامل الجزائر الشمالية مع الجزائر الجنوبية في ضوء الوض ...
- إعلام الوضاعة والقذارة والحقارة
- الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء له طعم خاص ودلالة قوية
- مغاربة إيران عملاء وخونة أم ضحايا الخطاب التضليلي للنظام الإ ...
- حين يسقط التحليل في آفة التعميم
- إيران محور مقاومة أم محور مساومة؟؟؟
- استمراء العيش في الأوهام
- أين يتجلى دور محور المقاومة فيما يجري في غزة وفي لبنان؟
- رسالة إلى الإخوة التونسيين: احذروا عدوى الغباء الجزائري
- قراءة في عنوان مقالة دعائية لوكالة الأنباء الجزائرية
- هنيئا لنشطاء التواصل الاجتماعي المغاربة بالولاية الثانية لعب ...
- المغرب ليس مسؤولا عن أزمة الرجال في الجزائر
- ئمتلازمة (syndrome) -المروك- حوَّلت الجزائر إلى مارستان مفتو ...
- صدق أو لا تصدق: إيران تمثل محور المقاومة...!!! ؟؟؟
- هنيئا لدولة لا وزن لا هبة لا مواقف بجمهورية الجزائر الجنوبية
- أفريقيا والرؤية الملكية الجيو-استراتيجية
- حكومة التغول وبدعة حوارات المواطنة: صيغة منقحة في الإفساد وا ...
- التغول السياسي إفساد متعمد للمؤسسات التمثيلية


المزيد.....




- بمجال جوي محظور.. -درون- تضرب طائرة مكافحة حرائق وتتلف جناحه ...
- إسرائيل ترسل رئيس الموساد إلى قطر لإجراء محادثات بشأن وقف إط ...
- لقطات تظهر حجم الحرائق بكاليفورنيا
- الجزائر تعلق على قضية مؤثر جزائري طردته فرنسا وتوضح سبب رفض ...
- وفاة أكبر معمرة ليبية في مدينة زوارة عن 114 عاما (صور)
- هل تسعى إسرائيل لتقسيم سوريا لكانتونات؟
- المرشحة لمنصب المستشار الألماني تتعهد بإعادة استئناف -السيل ...
- إعلام: مقتل 7 جنود إسرائيليين وإصابة 33 آخرين في حدث صعب جدا ...
- انخفاض احتياطات الغاز في بريطانيا
- القبض على 7 مصريين ويمنيين في السعودية تشاجروا في مكان عام


المزيد.....

- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد إنفي - في بلد عاش دائما تحت عباءة الاستعمار، فعلى أية قيم تمت تنشئة شعب هذا البلد؟