|
الأسر والأسرى في كتاب -حسن اللاوعي- إسماعيل رمضان
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8219 - 2025 / 1 / 11 - 12:41
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
الأسر والأسرى في كتاب "حسن اللاوعي" إسماعيل رمضان أهمية الأدب الفلسطيني تكمن في عدة مسألة، منها توثيق أحداث ووقائع يمكن أن يغفلها من يتناولون التاريخ، وأعتقد أن هذا الأمر أكدة العديد من الروائيين والأدباء الفلسطينيين، في على سبيل المثل يمكن لقارئ أن يتعرف على وقائع وأحداث وشخصيات من الصعب الوصول إليها في كتب التاريخ، لكنه يجدها بسهولة في الأعمال الروائية ل"أسامة العيسة" طبعا بالإضافة إلى جمالية التقديم وسلاسته واللغة الروائية الجاذبة. كتاب "حسن اللاوعي" من الكتب الأدبية المهمة فلسطينيا، لأن الكاتب يوضح الترابط والتكامل بين دور الإنجليز والصهاينة في فلسطين، من خلال تناوله شخصية "حسن اللاوي" الذي لم يقدر، لم يقبل انتهاك حرمة المسجد الأقصى من قبل "ستيوارت" الجندي الإنجليزي الذي تعامل معه بجلافة، حينما طلب منه "حسن" الخروج من المسجد، لكنه كجندي محتل، رأى في نفسه سيد المكان وسيد على من هم فيه، فرد مستهترا بكلام "حسن" فما كان منه إلا أن أخرج سكينه وطعن الجندي وأراداه قتلا. يحكم على "حسن" عام 1939 بالإعدام، تدخل مفتى القدس يجعل الاحتلال الإنجليزي يخفف الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبد، في عام 1948يخرج الإنجليز من فلسطين ويحل محلهم الصهاينة الذي يخفوا "حسن" من الوجود، من خلال عدم إعطاء أي معلومات عنه، حتى عام 1967 حيث يستطع أهله معرفة أنه ما زال قابع في السجن، وأن الاحتلال أخفى كل المعلومات عنه، يتم التواصل معه، وفي عام 1982 يتم الإفراج عنه بعد أن قضى 42 عاما في السجون، ولكن لا يخرج إلى بلدته، بل يتم نفيه إلى الخرج، فبلدته تم محوها من الوجود في عام 1948، مما زاد من معاناته وألمه. هذا هو "حسن اللاوي" الذي قضى في السجون 42 سنة، يخرج شبه رجل، فقد تعرض للعزل الانفراد لفترات طويلة، ولمدة سجن أطول، مما أثر على ذاكرته، وما عنوان الكتاب "حسن اللاوعي" إلا صورة عن واقع حقيقية حسن اللاوي الذي خرج فاقد الذاكرة، بعد أن كان من علماء الدين قبل سجنه، وبهذا يكون الإنجليز سبب (موت) للفلسطيني، موت "حسن اللاوي" وجاء الاحتلال الصهيوني ليكمل دور الإنجليز بوضع الفلسطيني/حسن في عزلة وظروف اعتقال في غاية القسوة، مما أثر علي ذاكرته ونفسيته، فيخرج من السجن وهو أقرب إلى (جثة حية) جسد بلا روح، رجل بلا ذاكرة، شخص بلا وطن. هذا هو "حسن اللاوي" وهذه قصته وحكايته مع الاحتلالين، الإنجليزي والإسرائيلي، فالفلسطيني عندما يدافع عن أرضه، عن كرامته، عن دينه يكون إرهابيا، ويتم التعامل معه بوحشية، وما سجنه لمدة اثنين وأربعين سنة إلا صورة عن بربرية الاحتلالين. إذن نحن أمام حالة وطنية إنسانية، تم التعامل معها بوحشية مفرطة من قبل المحتلين، وما فقدان "حسن" الوعي إلا نتيجة المعاملة البربرية التي تعرض لها، فحالة اللاوعي انعكست على السارد من خلال استخدمه لصبغة تداعي ضمير المخاطب ـ المتحدث يتكلم مع نفسه ـ بمعنى أنه جن/مجنون/مضطرب ـ فحجم الضغط الواقع عليه جعله بحالة مزرية، يتحدث مع نفسه. وها أذكر برواية "اليركون" لصفاء أبو خضرة، ورواية "كوانتوم" لأحمد أبو سليم حيث أقرن حجم الضغط/الجنون/الاضطراب بصيغة تداعي ضمير المخاطب، وهذا يشير إلى أن السارد تقمص/حل في الشخصية الروائية وأخذت يتكلم بصوتها، بمعاناتها، بما فيها من ألم/وجع، واللافت في هذه الأعمال أنها جاءت بثلاثة صيغ للسرد، أنا السارد، السرد الخارجي/العليم، وتداعي ضمير المخاطب، وكلها تحدثت عن شخصيات تعرضت لضغوط نفسية هائلة، مما انعكس على (الوعي/الذاكرة/ النفسية) فجعلها تتحدث مع ذاتها. العنوان "حسن اللاوعي" إشارة إلى ما قلنا آنفا: إن صيغة تداعي ضمير المخاطب تعكس حالة التوحد/التماهي/الحلول بين السارد وبين الشخصية التي (جنت/فقد الوعي/الذاكرة) يقول الكاتب: "كذلك نادر العفوري وسامي مطير اللذان عوملا كما اللاوي على انهما مجنونان، ووضعا في القسم نفسه والغرف نفسها مع الجنائيين (اليهود) ومع المصابين بالأمراض النفسية والعقلية سواء كوسيلة ضغط وتعذيب، أو اعتقادهم أنهم مجانين والتخلص منهم بإبقائهم في قسم المرضى النفسيين. حسن اللاوعي، حسن اللاوي تجاوز الوعي، لذلك أحيانا أكتب أسمه حسن اللاوعي" ص53، في هذا المقطع يربط الكاتب بين حالة اللاعي ومضمون الكتاب، وبين طريقة السرد التي استخدمها، وأيضا يربط العديد من الشخصيات التي تناولها وتعرضت لتعذيب وحشي من قبل الاحتلال. الحكم الكتاب يتناول شخصيات وطنية، مبدئية، قاتلت وصمدت واستشهدت، من هنا نجد العديد من الحكم تتحدث عن الصمود والثبات ومقاومة المحتل، من هذا الحكم: "لا يجوز أن يكون لنا أسير دون أن نحرر" ص101، " أن تقتل وأنت فدائي في منظمة، فلأنك مقاتل لأجل الحرية، أما أن تقتل لأمر فردي فأنت مجرم، وهما أمران مختلفان" ص128، "أن تكون متفوقا على غيرك فهذا اغتراب، وأن تكون صاحب رؤية فهذا خطر عليك" ص178، "فمن العار أن تعطي بندقيتك لعدوك" ص200، "السجانون يستخدمون بعض المساجين عمالا لمساعدتهم، يبدو أن البعض يتشرب الدور ويتقنه بسرعة، هذا العزّات ليحافظ على وظيفته المهينة يمارس دور السجان بصرامة أكثر من السجان نفسه" ص231، مثل هذا الأقوال تمثل خلاصة تجربة الكاتب النضالية، وهي بمجملها متعلق بالنضال، بالثبات على الحق/المبدئ. الجنس والمرأة الجنس يعتبر حاجة أساسية للإنسان كحاجته للطعام والشراب والهواء، وقد بين "فيلهلم رايش" في كتابه "ما الوعي الطبقي" دور الجنس في تحريك الجماهير ودفعهم للتغيير والثورة، فالجنس مسألة مهمة في الحياة ويجب التوقف عندها وتناولها بجراءة، لأن الحرمان منه يؤدي إلى الاضطراب النفسي وخلل في سلوك الفرد، يتحدث الكاتب عن "أبو العبد" السجين والمقاتل" وعن أثر الجنس عليه: "أنا ابن الجبهة وابن الوطن، ولكني أريد الزواج وأريد العلاج مقابل تضحيتي وفناء شبابي، يحق لي أن أختار أي إنسانة عمرها ست عشرة سنة وأتزوجها دون أن يعترض أهلها أو هي أو أي أحد" ص201، هذا القول يشير إلى أن عدم حصول الفرد على حاجته الجنسية، يجعله (يرتد) عن مبادئه ويجعله أقرب إلى الجنون، ما قاله "أبو العبد" آنفا يؤكد أنه فقد اتزانه، ولم يعد يعي ما يقول، لهذا يريد تجيير نضاله إلى مكاسب (جنسية). وفي مشهد آخر يتحدث عن "الشيخ" الذي لم يستطع تحمل مشاهدة فلم فيه مشاهد جنسية مما جعله يخرج إلى الحمام، ليقضي (وطره) فيه. أهمية كتاب "حسن اللاوعي" ليس في مضمونه وتعريفنا ب"حسن اللاوي" الذي (استشهد) دفاعا عن الأقصى والكرامة الفلسطينية العربية فحسب، بل في تناوله لمجموعة كبيرة من الشخصيات تم أسرها من قبل الاحتلال، فيتحدث عن "نادر العفوري" وطريق التعذيب الكثيرة والعديدة التي استخدمها الاحتلال لنزع اعتراف منه، لكنه صمد رغم تعدد الاعتقالات وكثرة المحققين وتعدد أساليب التحقيق معه. يتناول الكتاب مجموعة كبيرة من الشخصيات مثل: "أبو علي إياد، عمر النايف، سامي مطير، نادر العفوري، بسام الشكعة، إبراهيم أبو غوش، ماجد عطير، محمود فنون، أحمد سعدات، سامي مطر" " وغيرهم، واللافت في تناولها انه يجعلها مكملة لدور "حسن اللاوي" فقد جعل الصمود/الثبات على الموقف هو أساس للحكم على طبيعة الرجال. نادر العفوري بتوقف الكاتب عن "نادر العفوري" في اكثر من موضع في الكتاب، وهذا يعود إلى صموده وقدرته على تحمل التعذيب الجسدي والنفسي، وقدرته على استكشاف مواضع الخطر/الكمائن التي يضعها الاحتلال، يصف حال نادر في الأسر بقوله: "فهو بالسجن لم يكن يعاشر سوى الهراوات تنهال على جسده ورأسه، وكل موضع في جسمه وأعقاب السجائر تكوي جسده في كثير من المواضع والأسلاك الكهربائية" ص58، ولم يقتصر الأمر على التعذيب في مكان واحد، بل تعددت الأماكن وتعدد المحققون عليه، ينقل لنا الكاتب هول ما تعرض له من تعذيب في أقبية التحقيق: "نعوه شهيدا أربع مرات حتى يتبين أنه نقل إلى أقبية تحقيق في سجن آخر، ليجرب محققون آخرون مهاراتهم وحظهم معه في نزع اعتراف دون جدوى"ص59. هذا نظرة عامة لما تعرض له "نادر" أما عن تفاصيل التعذيب فلم يمارسها إلا البرابرة في العصور الغابرة: "انتزاع حلمات صدره بكماشة وكأنها مسمار في حائط...وفكه السفلى يتحرك بشكل دائم حركة لا إرادية...إذ نقص وزنه من 100 كلغ إلى 47 كلغ" ص60-62، وهذا ما جعل "نادر العفوري" أسطورة في الصمود والقدرة على تحمل التعذيب، حيث استطاع أن (يتخلى) عن جسده، أو استطاع أن يميت جسده لتبقى روحه/أرادته نقيه حرة: "نادر أخرج روحه وحدها، وبقى جسده وحده يتلقى الضربات، وكأنه كيس من ورق، فهو صامت لا يتكلم لا يحس ولا يشعر" ص62، الجميل في هذا المشهد الروحية التي جاء بها، فهو يقودنا إلى (اليوغا) وما تحمله من فكرة، قدرة الفرد على فصل الجسد عن الروح/الإرادة، التي أكد حقيقتها "نادر العفوري" وبهذا يكون الكاتب قد جمع وأصل وأكمل قصة "حسن اللاوي" الفلسطيني من خلال تناوله فلسطينيين آخرين "العفري، وعبدالله البرغوثي" وغيرهم من الأسرى الذين ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال، مما يجعل حالة/فكرة "حسن اللاوي" الأسير باقية وحاضرة ومستمر ما دام هناك احتلال، وهذا ما يعطي الكتاب قيمة معرفية متعلقة بالمضمون وبالفكرة التي تتحدث عن الأسر والاعتقال والتعذيب الوحشي، وقيمة أدبية تتمثل في الأسلوب والفنية التي عرضت وقدمت الفكرة. الكتاب من منشورات دار الفارابي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى2019.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-إضاءات على رواية المعتقلين الأدباء في المعتقلات الإسرائيلية
...
-
الثورة في ديوان -أعرني بعض إيمانك- فكري القباطي
-
صلاح أبو لاوي والموت
-
السلاسة والوحدة في مجموعة -أسرار خزنة- هدى الأحمد
-
أثر القمع رواية -الثانية وخمس وعشرون دقيقة- طايل معادات
-
التمرد في كتاب -النهر لن يفصلني عنك- رمضان الرواشدة
-
مهدي نصير وتقديم الألم
-
جواد العقاد والارتباك - وفي إيابي
-
البياض في قصيدة -معراج واسع للقصيدة- سائد أبو عبيد
-
الإيجابية في رواية -زمن القناطر- عامر سلطان
-
الأخلاق وجمالية الكتابة في رواية -لم أكن أتوقع- راشد عيسى
-
الواقع في قصة -الكابوس- مأمون حسن
-
فشل حركة التحرر العربية
-
سورية الجديدة (4)
-
سورية (الجديد) 3
-
سورية الجديدة (2)
-
سورية
-
سامح أبو هنود قصيدة -كن بين شكك واليقين-
-
قصائد -أنا وليلى- للشاعر موسى أبو غليون
-
الإثراء الثقافي والثراء الإنساني في كتاب -الثرثرات المحبّبة-
...
المزيد.....
-
عودة النازحين وملف المفقودين على طاولة مباحثات نجيب ميقاتي و
...
-
إيغور محتجزون في تايلاند يطالبون بوقف ترحيلهم إلى الصين وسط
...
-
سقوط نظام الأسد يحيي آمال النازحين السوريين بالعودة إلى ديار
...
-
بقرار يخص المهاجرين.. بايدن يراكم العصي في عجلات ترامب
-
الأمم المتحدة تتوقع استقرار نمو الاقتصاد العالمي عند 2.8% في
...
-
لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتا
...
-
انتهاكات عديدة ترتكبها الجماعات التابعة للسلطة الجديدة ضد ال
...
-
الأمم المتحدة: 3.2 مليون طفل دون الخامسة يعانون من سوء التغذ
...
-
الامم المتحدة: توقعات بمعاناة 3.2 مليون طفل سوداني من سوء ال
...
-
غموض مصير الأونروا يشعل الجدل بين الأمم المتحدة وإسرائيل
المزيد.....
-
١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران
/ جعفر الشمري
-
في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية *
/ رشيد غويلب
-
الحياة الثقافية في السجن
/ ضرغام الدباغ
-
سجين الشعبة الخامسة
/ محمد السعدي
-
مذكراتي في السجن - ج 2
/ صلاح الدين محسن
-
سنابل العمر، بين القرية والمعتقل
/ محمد علي مقلد
-
مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار
/ اعداد و تقديم رمسيس لبيب
-
الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت
...
/ طاهر عبدالحكيم
-
قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال
...
/ كفاح طافش
-
ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة
/ حـسـقـيل قُوجـمَـان
المزيد.....
|