|
الحركة الثقافية وحياة خليل كلفت
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1789 - 2007 / 1 / 8 - 12:20
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
ارتجفت يدي وأنا أسجل على رأس المقال يناير 2007 ! إنه عام جديد حقا ، إنه يعلن عن نفسه ، ويقول لنا إنه عام جديد حتى لو واصلنا نحن حياتنا القديمة ، وتظاهرنا بأن شيئا لم يحدث ! وكل وقت جديد يرتبط بإحياء آمال ما في النفس ، وبعث ذلك التصور المتفائل بأن الزمن يمنحنا فرصة أخرى ، وصفحة بيضاء جديدة ، ويرقبنا ليرى إن كنا سننتهز هذه الفرصة ونعيش بشكل مختلف أم لا . أمنيات عديدة تصحو مثلما تتفتح أوراق الشجر ، وكلها أمنيات بسيطة ، أقرب إلي السير على الأرض منها إلي تحليق يعبر السماء بعنفوان وقدرة ورغبة جارفة . في مقدمة أمنياتي مع مطلع العام الجديد ، وربما تكون تلك كل الأمنيات ، أن أرى أصدقائي أصحاء لا أكثر . لم يعد يهمنى كثيرا ما يكتبون ، ولا ما يفعلون ، المهم أن يكونوا أصحاء سالمين . أن أرى نعمات البحيري تواصل إطلاق ضحكاتها ، وتهب الجميع الأمل الذي هي أحوج ما تكون إليه . وأن أرى خليل كلفت الكاتب والمترجم وقد شفي من مرضه ، واستطاع أن يجوب القاهرة كلها من جديد ، وأن يواصل الكتابة والإبداع . وأن يتوفر الدواء الغالي لابن الكاتب أمين ريان ، فلا يعاني من الضائقة التي تمسك بخناقه . وأن أجد أنور إبراهيم وقد تخلص من هم تكاليف عملية القلب المفتوح . أريد أن أتمنى لنعمات البحيري من صميم القلب عاما جديدا سعيدا ، تواصل فيه وهي المريضة شفاءنا جميعا بالتفاؤل وبثقتها الغامرة في أن كل يوم جديد هو مكسب يجب أن نحياه ، حتى لو كانت الدولة واتحاد الكتاب مازالا كالعادة يتظاهران بالعجز عن تقديم شئ لها في محنتها الصحية . ولكني أود أن أتوقف عند حالة خليل كلفت ، الناقد ، والمفكر السياسي ، والكاتب ، والمترجم ، الذي أثرى الثقافة المصرية بالعديد من الأعمال الهامة . فقد أصيب خليل بفيروس الكبد الوبائي سي ، الذي تطور منذ عامين لورم غير حميد ، وفي حينه ساهمت الدولة في إجراء عملية قسطرة في المستشفى العسكري بالمعادي ، ثم انتهت مدة سريان القرار الكريم ، وتوقف علاج خليل كلفت ، وأجرى خليل عملية أخرى بمساعدة مالية من أصدقائه ، ومع مرور الوقت وتراجع الحالة الصحية ، لم يعد ممكنا لانقاذ حياة خليل كلفت سوى عملية زراعة كبد ، وهي جراحة لا تجرى في مصر ، وتترواح تكلفتها ما بين مائة ألف إلي مائتي ألف دولار أمريكي ، أي حوالي نصف المليون جنية مصري . وقد بدأ أصدقاء خليل كلفت في جمع تبرعات لإجراء العملية . لكن المبلغ المطلوب يفوق قدرات كل الأصدقاء . لقد رحل من قبل أمام أعين الجميع شاعر شاب وصحفي شريف هو فتحي عامر ، وكان بحاجة لعملية مماثلة ، فلم يتحرك أحد ، و ادعى اتحاد الكتاب في حينه ، والدولة ، ومؤسساتها الثقافية ، ومجالسها المختلفة ، أنها لم تسمع نداء فتحي عامر ، وطلبه العلاج . وها هي نعمات البحيري تعاني من المرض في صمت وكبرياء فلا يعيرها أحد انتباها . وأذكر من قبل الأزمة التي استحكمت حين مرض طاهر البرنبالي . والمحصلة دائما واحدة : لا شئ . وقد اعتدنا ألا تتحرك الدولة ، لأنها ليست بحاجة لمثقفين خارج إطار السياسة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للدولة ، ومن ثم فإنها تعتقد وتتصرف على أساس أن ذنب المثقف على جنبه ، وعلاجه على حسابه ، ما دام قد تخير أن يكون خارج الحظيرة . لكن تكرار حالات المرض المستعصية أصبحت تستلزم أكثر من مجرد إلقاء اللوم على الدولة ، أصبحت تستلزم أن يتحرك المثقفون أنفسهم دفاعا عن حياتهم بالمعنى المباشر لكلمة حياة . وحل تلك المشكلة لا يتطلب من المثقفين معجزة ، ولا هو إجراء خياليا . والشعور بالتضامن بين قطاع كبير من المثقفين كفيل بتأمين العلاج لهم ، ولغيرهم ، ووضع أساس لتفادي ذلك الشعور بالعجز والحيرة في مواجهة كل صديق مريض . لقد أصبح المثقفون بحاجة ماسة إلي شكل محدد ، وليكن صندوق الأدب ، يشارك فيه من يرغب باشتراك شهري ، ويكفي جدا أن يكون هناك ألف مثقف يدفع كل منهم شهريا عشرة جنيهات ، ليتجمع لذلك الصندوق مبلغ ضخم ، يوضع كوديعة تتزايد وترصد فقط لعلاج الأدباء والكتاب ، على أن يعمل من يريد في خدمة الصندوق ، شرط أن يكون عمله بلا مقابل . لقد حاول الكتاب منذ زمن إنشاء أكثر من شكل يجمعهم ، ويستجيب لمطالبهم السياسية والاجتماعية ، لكنهم لم يتمكنوا – للأسف – من القيام بتلك الخطوة . أذكر أنه كان هناك محاولة لإقامة اتحاد كتاب مستقل ، ثم جبهة مثقفين ، ثم حركة أدباء وفنانين من أجل التغيير ، ولكنها جميعا لم تستطع أن تستوعب لا مطالب ، ولا حركة الكتاب ، واكتفت كلها في الأغلب الأعم بالتجمع لحظات ظهور أزمة هنا ، وأخرى هناك ، ثم الانفضاض . إنني أدعو الجميع للمشاركة ، وللتحرك ، ولانشاء الصندوق ، وليكن إنقاذ حياة خليل كلفت خطوة أولى نحو ذلك الهدف . إما إذا كنا غير قادرين على حماية أنفسنا ، رغم توفر الإمكانية ، فلماذا نلوم الدولة ؟ مازلت في مطلع العام الجديد لا أتمنى سوى أن أرى أصدقائي سالمين أصحاء ، يكتبون وقتما يريدون ، أو لا يكتبون ، يترجمون حينما يعن لهم ، أو لا يترجمون ، فلم تعد القضية حماية الثقافة ، لكن الدفاع عن الحياة بالمعنى المباشر لكلمة حياة . عام سعيد للجميع .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة بهاء طاهر إلي المعارضة المصرية
-
عن أي حجاب يدور الحديث في مصر؟
-
الناس يصعدون إلي السماء
-
بلاغ ضد الشعب
-
الإمبراطورية الأمريكية تحكم الرقابة على العالم
-
د. رشاد الشامي .. رحيل عالم كبير
-
المسلسلات المصرية
-
غزة تفطر على مدافع الاحتلال
-
قوات الديمقراطية الأمريكية والصحافة العراقية
-
إسرائيل عدو الثقافة الأول
-
نجيب محفوظ لحظة وداع
-
حجر وورد .. وجوه لبنانية
-
تحرير الانتصار اللبناني من الكذب القادم
-
المقاومة اللبنانية وتفكيك الشخصية الصهيونية
-
لن نغفر ولن ننسى
-
المقاومة اللبنانية وفلاسفة الهزيمة
-
الليل طويل والطيارات مش نايمة
-
لم يبق في غزة سوى الهواء
-
نبيل الهلالي . سحابة العدل
-
انطفاء أحمد عبد الله .. قمر على جيل السبعينات
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|