|
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركانية
خورخي مارتن
الحوار المتمدن-العدد: 8218 - 2025 / 1 / 10 - 19:29
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يشهد الوضع العالمي برمته اضطرابا هائلا في العلاقات الدولية. وهذا نتيجة للصراع على الهيمنة بين الولايات المتحدة، الدولة الإمبريالية الأكثر قوة في العالم، والتي تمر بمرحلة انحدار نسبي، وبين قوى أخرى أضعف لكنها صاعدة، والتي أهمها الصين الأكثر شبابا ودينامية.
إن الانحدار النسبي للإمبريالية الأمريكية وصعود الصين على وجه الخصوص قد خلقا وضعا صار فيه من الممكن لبلدان أخرى أن تتوازن إحداها ضد الأخرى. وبذلك تمكنت من اكتساب قدر ضئيل من الاستقلالية لملاحقة مصالحها الخاصة، على الأقل على المستوى الإقليمي.
إن ما نشهده الآن هو تحول ذو أبعاد تكتونية في القوة النسبية للقوى الإمبريالية المتنافسة. وكما هو الحال مع حركة الصفائح التكتونية على قشرة الأرض، فإن مثل هذه الحركات مصحوبة بانفجارات من كل الأنواع.
القوى الإمبريالية تتصارع من أجل إعادة تقسيم العالم عندما وصف لينين الإمبريالية في كتابه الشهير “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية”، الذي ألفه عام 1916، لم يتصورها كشيء ثابت جامد إلى الأبد، بل إنها نتيجة للصراع الدينامي بين القوى الإمبريالية المختلفة (انظر هنا للتعرف على الأفكار الرئيسية التي طرحها لينين وأهميتها اليوم)، وقال:
«… الأساس الوحيد الذي يمكن تصوره في ظل الرأسمالية لتقسيم مجالات النفوذ والمصالح والمستعمرات وما إلى ذلك، هو حساب قوة المشاركين، وقوتهم الاقتصادية والمالية والعسكرية العامة، وما إلى ذلك. إلا أن قوة هؤلاء المشاركين في التقسيم لا تتغير بدرجة متساوية، لأن التطور المتساوي للمشاريع المختلفة، والتروستات وفروع الصناعة أو البلدان، مستحيل في ظل الرأسمالية. […] التحالفات السلمية تمهد الطريق للحروب، وتنمو بدورها من الحروب؛ أحدهما يحدد الآخر، وينتج أشكالا متناوبة من الصراع السلمي وغير السلمي على نفس الأساس من الروابط والعلاقات الإمبريالية داخل الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية.»
هذا هو بالضبط ما نشهده الآن: الصراع على تقسيم وإعادة تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية المختلفة. والحرب في أوكرانيا -حيث يتم الإعداد لهزيمة مهينة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي- والصراع المتنامي في الشرق الأوسط، والذي يهدد بالتحول إلى حرب إقليمية، هما تعبيران عن ذلك الصراع. وهذه ليست نقاط الاحتكاك الوحيدة في العلاقات العالمية.
الانحدار النسبي للإمبريالية الأمريكية عندما نتعامل مع الإمبريالية الأمريكية، يتعين علينا أن نؤكد على أن تراجعها نسبي، أي أنه تراجع فقط بالمقارنة مع وضعها السابق وبالمقارنة مع وضع منافسيها. فالولايات المتحدة تظل، بكل المقاييس، القوة الأكبر والأكثر رجعية في العالم.
في عام 1985، كانت الولايات المتحدة تساهم بـ 34,6% من الناتج الإجمالي العالمي. والآن انخفضت هذه النسبة إلى 26,3%، لكنها ما تزال أكبر اقتصاد في العالم، وأحد أكثر الاقتصادات إنتاجية، والبلد الذي تتجلى فيه هيمنة رأس المال المالي بأشد الطرق حدة.
الولايات المتحدة تظل، بكل المقاييس، القوة الأكبر والأكثر رجعية في العالم. / الصورة: Irisoptical، ويكيميديا كومنز وفي نفس الفترة، تطورت الصين من 2,5% من الناتج الإجمالي العالمي إلى 16,9%. أما اليابان، التي بلغت ذروتها عند 17,8% في عام 1995، فقد انهارت الآن إلى 3,8%. وفي الوقت نفسه، تراجع الاتحاد الأوروبي، الذي بلغ أعلى مستوياته في عام 1992 (28,8%) إلى 17,3%، وهو ما يعكس التراجع المطرد للقوى الإمبريالية الأوروبية (بيانات صندوق النقد الدولي، الناتج الإجمالي بالأسعار الجارية).
ما تزال الولايات المتحدة تهيمن على الاقتصاد العالمي من خلال سيطرتها على الأسواق المالية. فحوالي 58% من احتياطيات النقد الأجنبي في العالم هي بالدولار الأمريكي (مقابل نحو 2% فقط بالرنمينبي الصيني)، على الرغم من أن هذا الرقم انخفض من 73% في عام 2001. كما يستخدم الدولار في 58% من فواتير الصادرات العالمية. أما من حيث صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر فالولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى في العالم بواقع 454 تريليون دولار، في حين تأتي الصين (بما في ذلك هونج كونج) في المرتبة الثانية بـ 287 تريليون دولار.
إن النفوذ الاقتصادي لأي بلد هو ما يمنحه القوة على الساحة الدولية، لكن هذا يحتاج إلى دعم من القوة العسكرية. يمثل الإنفاق العسكري الأمريكي 40% من إجمالي الإنفاق العالمي، وتأتي الصين في المرتبة الثانية بنسبة 12%، وروسيا في المرتبة الثالثة بنسبة 4,5%. تنفق الولايات المتحدة على الجيش أكثر من البلدان العشر التالية في الترتيب مجتمعة.
وبالإضافة إلى النظر إلى الوضع الحالي كما هو قائم أمامنا، من المهم تحليل مساره: فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم. تم تنفيذ غزو العراق، سنة 1991، تحت رعاية الأمم المتحدة، حيث صوتت روسيا لصالحه واكتفت الصين بالامتناع عن التصويت. لم تكن هناك أية معارضة تقريبا لهيمنة الإمبريالية الأمريكية. هذا أمر لا يمكن تصوره اليوم.
لقد وصلت هيمنة الولايات المتحدة إلى حدودها القصوى. تورطت الإمبريالية الأمريكية لمدة خمسة عشر سنة في حربين لا يمكن الفوز بهما في العراق وأفغانستان، وذلك بتكلفة باهظة بالنسبة لها من حيث الإنفاق وعدد القتلى. وفي غشت 2021، أُجبرت على الانسحاب المهين من أفغانستان.
تلك الحروب المكلفة والمطولة جعلت الشعب الأمريكي معارضا للمغامرات العسكرية الأجنبية، كما أن الطبقة السائدة الأمريكية فقدت شهية إرسال القوات البرية إلى الخارج. لكن الإمبريالية الأمريكية لم تتعلم شيئا من تلك التجارب. فبرفضها الاعتراف بميزان القوى الجديد ومحاولتها الحفاظ على هيمنتها، تورطت في سلسلة كاملة من الصراعات التي لا يمكنها الفوز بها.
وقد كان رفض الولايات المتحدة استخدام القوات البرية، بعد تجاربها في العراق وأفغانستان، عائقا كبيرا أمام قدرتها على التدخل في الحرب الأهلية السورية، على سبيل المثال. ففي عام 2012، أعلن أوباما أن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية سيكون “خطا أحمر”، وهدد بالتدخل بشكل مباشر في حالة حدوثه. لكن وبما أنه لم يكن مستعدا لتنفيذ تهديداته بتدخل عسكري حاسم على الأرض، فقد أصبحت روسيا هي الفاعل الرئيسي في ذلك الصراع.
لقد تدخلت الولايات المتحدة فعلا في الحرب الأهلية السورية، لكنها فعلت ذلك بشكل رئيسي من خلال وكلاء بدلا من إرسال قواتها مثلما سبق لها أن فعلت في العراق وأفغانستان. كما تدخلت العديد من القوى الإقليمية الأخرى، والتي كل منها تسعى للدفاع عن مصالحها الخاصة وترغب في تقسيم سوريا (المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وإيران وتركيا) من خلال تسليح وتمويل مجموعات مختلفة من العصابات الأصولية الإسلامية الرجعية.
التزمت الإمبريالية الروسية بالدفاع عن حليفها الأسد وعن قاعدتها البحرية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط. وأرسلت قوات برية ودفاعات جوية وطائرات مقاتلة. وتمكنت بتلك الطريقة من إجبار تركيا (التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي) على إبرام صفقة، وألحقت الهزيمة بالقوى الجهادية التي تمولها الولايات المتحدة وغيرها من القوى الإقليمية. مثل تلك النتيجة، في منطقة جيوستراتيجية مهمة للغاية مثل الشرق الأوسط، كانت لتكون غير ممكنة قبل 10 سنوات.
أسفر ذلك عن توازن جديد للقوى في الشرق الأوسط. فقد خرجت إيران أقوى، مع العديد من الحلفاء الإقليميين: حماس، وحزب الله، والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن. وفهمت تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الوضع الجديد وتصرفت على ذلك الأساس. تمت إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وأدى اتفاق بين إيران والسعودية بوساطة صينية إلى إنهاء الحرب في اليمن. وبرزت الصين، التي تعد أكبر مستورد للنفط في العالم، باعتبارها أكبر زبون لصادرات الطاقة من بلدان الخليج.
كانت اليد العليا التي اكتسبتها روسيا في سوريا، متزامنة مع الوقت الذي توترت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها الرئيسية في المنطقة: المملكة العربية السعودية. وقد كانت هناك عدة عوامل ساهمت في ذلك الوضع: عجز واشنطن عن إبقاء مبارك في السلطة في مصر أثناء الثورة العربية؛ وتطور إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، مما جعلها منافسا لصادرات النفط السعودية؛ والصراع حول مقتل خاشقجي؛ وتحول الصين المتعطشة للطاقة إلى السوق الرئيسية لتصدير نفطها، إلخ.
الإمبريالية الروسية ملتزمة بالدفاع عن حليفها الأسد وعن قاعدتها البحرية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط./ الصورة: الكرملين روسيا وبالتالي تم دفع المملكة العربية السعودية إلى تطوير سياسة أكثر استقلالية، بما في ذلك: مساعدة روسيا في الحفاظ على أسعار النفط مرتفعة للتغلب على العقوبات الأمريكية بسبب حرب أوكرانيا؛ وإبرام “اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة” مع الصين؛ والموافقة على اتفاق سلام بوساطة صينية مع إيران.
كان هذا هو الوضع قبل هجوم 07 أكتوبر 2023، الذي شنته حماس. وسوف نتناول لاحقا الصراع الحالي في الشرق الأوسط.
صعود الصين باعتبارها قوة إمبريالية ليست الصين بلدا رأسماليا فحسب، بل لقد أصبحت قوة إمبريالية. وباعتبارها وصلت متأخرة إلى الساحة الدولية، فقد استعرضت قوتها بشكل رئيسي من خلال الوسائل الاقتصادية، لكنها تعمل أيضا على بناء قوتها العسكرية. وقد سعت إلى السيطرة على مصادر المواد الخام والطاقة لصناعتها، ومجالات الاستثمار لرساميلها، وطرق التجارة لوارداتها وصادراتها، والأسواق لمنتجاتها.
إن تحول الصين إلى قوة إمبريالية كبرى على مدى ثلاثين عاما، والذي ناقشناه في مكان آخر، كان نتيجة للاستثمار الهائل في وسائل الإنتاج والاعتماد على الأسواق العالمية. وقد استغلت، في البداية، احتياطياتها الكبيرة من العمالة الرخيصة لأجل تصدير سلع مثل المنسوجات والألعاب إلى السوق العالمية. أما الآن فهي اقتصاد رأسمالي متقدم من الناحية التكنولوجية يتمتع بمكانة مهيمنة في سلسلة من القطاعات التكنولوجية عالية التقنية (المركبات الكهربائية وبطاريات المركبات الكهربائية والخلايا الكهروضوئية، إلخ)، وتصدير الرساميل أيضا.
إلا أنها الآن قد وصلت إلى حدودها. تواجه الصين أزمة فائض إنتاج رأسمالية كلاسيكية، وتصاعد التركيب العضوي لرأس المال. وفي الوقت نفسه، تواجه الصادرات الصينية حواجز التعريفات الجمركية والحمائية، في حين توقف فيه توسع التجارة العالمية. لم يعد نفس القدر من الاستثمار ينتج نفس القدر من النمو الاقتصادي، وما تنتجه أصبح من الصعب بيعه في السوق العالمية.
تواجه الصين أزمة فائض إنتاج رأسمالية كلاسيكية / الصورة: Kremlin.ru، Wikimedia Commons ما يزال الاقتصاد الصيني ينمو، لكن بوتيرة أبطأ بكثير. فمنذ عام 1990، استمرت الصين تنمو بوتيرة مذهلة بلغت 9% سنويا، مع ذروة بلغت 14%. وفي الفترة من عام 2012 إلى عام 2019، نمت بمعدل يتراوح بين 6% و7%. وهي الآن تكافح للوصول إلى 5%.
لقد مكنت حزم التحفيز الاقتصادي الضخمة -التدابير الكينزية- من تفادي حدوث هبوط أكثر حدة. لكن هذه حالة من العوائد المتناقصة، ولديها أيضا التأثير الجانبي المتمثل في الارتفاع الكبير في المديونية.
في عام 2000، كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين تساوي 23% فقط. بينما ارتفعت في عام 2023 إلى 83%. ما يزال هذا أقل من معظم الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة، لكنه مع ذلك يمثل زيادة كبيرة. ووفقا لبعض الحسابات، فإن إجمالي الدين (بما في ذلك الديون العمومية وديون الأسر والشركات وأدوات التمويل الحكومية المحلية) قد يصل إلى 297% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم لا يمكن تحمله.
إن التطور الاقتصادي للصين على مدى العقود الثلاثة الماضية يشبه في بعض النواحي التطور الذي شهدته اليابان. ففي ستينيات القرن العشرين نمت اليابان بسرعة كبيرة، حيث بلغ متوسط نمو ناتجها المحلي السنوي 10%، ثم تباطأ النمو في السبعينيات والثمانينيات. ثم دخلت في فترة مطولة من الأزمة والركود في عام 1992، ولم تتعاف منها قط على الرغم من خطط التحفيز الضخمة المتعاقبة.
هذا لا يعني أن الصين سوف تتبع نفس المسار بالضبط من الآن فصاعدا، وهناك بالطبع اختلافات مهمة بين البلدين. لكن ما يشير إليه هذا هو أنه بعد أن وصلت الرأسمالية الصينية إلى مرحلة الثبات، فسوف يكون من الصعب للغاية عليها استعادة معدلات النمو التي شهدتها في الماضي.
وفي الوقت نفسه، نشأت في الصين طبقة عاملة ضخمة، اعتادت على مدى فترة طويلة على الزيادة المطردة في مستويات عيشها. وهي طبقة عاملة شابة يافعة، غير مثقلة بالهزائم، وغير مقيدة بالمنظمات الإصلاحية. وعندما ستبدأ في التحرك سوف تثير انفجارا هائلا.
روسيا روسيا قوة إمبريالية أضعف بكثير. فاقتصادها أصغر بكثير من الصين، لكنها بنت جيشا قويا وصناعة دفاعية متطورة، وتمتلك ترسانة نووية ورثتها عن الاتحاد السوفياتي.
في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي والنهب الشامل للاقتصاد المخطط، سعت الطبقة السائدة الروسية إلى أن يتم القبول بها على مائدة العالم على قدم المساواة. بل إنها طرحت فكرة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. لكن تلك الفكرة قوبلت بالرفض. كانت الولايات المتحدة تريد ممارسة هيمنتها الكاملة غير المقيدة على العالم، ولم تر أية حاجة إلى إشراك روسيا الضعيفة الغارقة في الأزمات. وقد كان يلتسين، السكير الأحمق والدمية في يد الإمبريالية الأمريكية، ممثلا لتلك الفترة.
لقد انكشفت إهانة روسيا بشكل صارخ، أولا عندما هندست ألمانيا والولايات المتحدة للتفكيك الرجعي ليوغوسلافيا، في مجال النفوذ الروسي التقليدي، ثم قصف صربيا في عام 1999. وانتهت بمواجهة الدبابات الروسية وقوات حلف شمال الأطلسي في مطار بريشتينا في عام 1999.
إلا أن الرأسمالية الروسية تعافت من الأزمة الاقتصادية. وبدأت في صد تقدم حلف شمال الأطلسي شرقا، وهو التقدم الذي خالف كل الوعود التي قدمت للروس في عام 1989. لم تعد الطبقة السائدة الروسية وأجهزة الدولة الروسية مستعدين لقبول إذلالهم على الساحة الدولية، فبدأوا في فرض أنفسهم. وقد أنتجت هذه الفترة الجديدة بوتين، البونابرتي الماكر والمناور، الذي استخدم أساليب العصابات لفرض إرادته.
في عام 2008، شنت روسيا حربا قصيرة وفعالة في جورجيا، فدمرت جيش البلاد، الذي كان قد استفاد من التدريب والتسليح على يد حلف شمال الأطلسي. وكانت تلك هي الطلقة التحذيرية الأولى. وكانت سوريا هي الطلقة التحذيرية التالية.
لقد كشف انسحاب الإمبريالية الأمريكية المهين من أفغانستان (غشت 2021) عن ضعفها النسبي. وفي هذا السياق قالت الطبقة السائدة الروسية “كفى”، وسعت إلى إعادة تأكيد مصالحها الاستراتيجية، في مواجهة 25 سنة من الاعتداءات الإمبريالية الأمريكية على مجال نفوذها. وكانت الحرب الأهلية في أوكرانيا بمثابة اختبار عملي للقوة النسبية للإمبريالية الروسية على الساحة الدولية.
كان الغزو الروسي لأوكرانيا النتيجة المنطقية لرفض الغرب تقبل مخاوف الأمن القومي الروسي، والتي عبرت عنها بمطالبتها بحياد أوكرانيا ووقف توسع حلف شمال الأطلسي شرقا.
كانت الحرب في أوكرانيا غير ضرورية من وجهة نظر مصالح الإمبريالية الأمريكية. فالغرب لم يفكر بجدية في ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، لأنهم كانوا يعلمون أن ذلك سوف يعني الدخول في صراع مباشر مع روسيا. لكنهم رفضوا بعناد قبول هذا رسميا، حيث كان من شأنه أن يظهر على أنه علامة ضعف في مواجهة روسيا. كانت الإمبريالية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي مدركين تماما أن هذا كان خطا أحمر من وجهة نظر مصالح الأمن القومي للرأسمالية الروسية.
في وقت لاحق، في أبريل 2022، كانت المفاوضات التي انعقدت في تركيا بين أوكرانيا وروسيا متقدمة جدا، وكان من الممكن أن تؤدي إلى إنهاء الحرب، على أساس قبول عدد من المطالب الروسية. لكن الإمبريالية الغربية، في شخص بوريس جونسون، قوضت المحادثات، وضغطت على زيلينسكي لعدم التوقيع، مع وعد بتقديم الدعم غير المحدود الذي من شأنه أن يؤدي إلى انتصار أوكرانيا الكامل.
أصبحت الصين وروسيا الآن حليفتين أوثق في معارضتهما للهيمنة الأمريكية على العالم./ الصورة: Kremlin.ru، Wikimedia Commons اعتقدت الإمبريالية الأمريكية أنه في إمكانها أن تستخدم أوكرانيا كوقود للمدافع في حملتها لإضعاف روسيا وشل دورها في العالم. لا يمكن السماح لبلد مثل روسيا، التي تعتبر منافِسة الإمبريالية الأمريكية، بغزو بلد حليف للولايات المتحدة. وأرادت واشنطن أيضا بعث رسالة واضحة إلى الصين بشأن تايوان. وفي مرحلة ما، أثار بايدن، المنتفخ بغطرسته، حتى فكرة تغيير النظام في موسكو! لقد اعتقدوا أن العقوبات الاقتصادية والإرهاق العسكري من شأنهما أن يوصلا روسيا إلى نقطة الانهيار.
تواجه الولايات المتحدة اليوم هزيمة مهينة في أوكرانيا. لم تحقق العقوبات التأثير المطلوب. وبدلا من أن تؤدي إلى عزل روسيا، فإن روسيا أقامت الآن علاقات اقتصادية أوثق مع الصين، وقام عدد من البلدان، التي من المفترض أن تكون في دائرة نفوذ الولايات المتحدة، بمساعدتها على التحايل على العقوبات: الهند والمملكة العربية السعودية وتركيا وغيرها.
أصبحت الصين وروسيا الآن حليفتين أوثق في معارضتهما للهيمنة الأمريكية على العالم، وجمعتا حولهما سلسلة كاملة من البلدان الأخرى. وعندما ستتحقق الهزيمة الأمريكية في أوكرانيا أخيرا، ستكون لذلك عواقب هائلة ودائمة على العلاقات العالمية، مما سيزيد في إضعاف قوة الإمبريالية الأمريكية في جميع أنحاء العالم. من الواضح ما هي الاستنتاجات التي ستستخلصها الصين من ذلك فيما يتعلق بتايوان.
سترسل هزيمة الولايات المتحدة في أوكرانيا رسالة قوية. وهي أن أعظم قوة إمبريالية في العالم لا تستطيع فرض إرادتها دائما. كما أن روسيا ستخرج من هذه الحرب بجيش ضخم، مدرب على أحدث أساليب وتقنيات الحرب الحديثة.
الحرب في الشرق الأوسط لا يمكن فهم الصراع الحالي في الشرق الأوسط إلا على خلفية الوضع العالمي. فقد ضعفت الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط، في حين تعززت قوة روسيا والصين وإيران. وصارت إسرائيل تشعر بالتهديد. وكان هجوم السابع من أكتوبر بمثابة ضربة قوية للطبقة السائدة الإسرائيلية. فقد دمر أسطورة القوة التي لا تقهر وشكك في قدرة الدولة الصهيونية على حماية مواطنيها اليهود، التي هي المبرر الرئيسي الذي استخدمته الطبقة السائدة الإسرائيلية لحشد الاسرائيليين خلفها.
كما كشف بوضوح عن انهيار اتفاقيات أوسلو، التي وقعت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، عندما تم القول بأنه من الممكن حل صراعات العالم من خلال المفاوضات. لم ترحب الطبقة السائدة الصهيونية قط بأي فكرة تتعلق بتمكين الفلسطينيين من وطن قابل للحياة. بل اعتبرت السلطة الوطنية الفلسطينية مجرد وسيلة للاستعانة بها لقمع الفلسطينيين. لقد أدى هذا إلى تشويه سمعة فتح والسلطة الفلسطينية، اللتان يُنظَر إليهما، بحق، على أنهما مجرد دمى في يد إسرائيل، مما أدى، بموافقة إسرائيل، إلى صعود حماس، التي صار يُنظَر إليها باعتبارها القوة الوحيدة التي تسعى إلى النضال من أجل الحقوق الوطنية الفلسطينية.
كانت اتفاقيات إبراهيم، التي تم توقيعها في عام 2020، تهدف إلى ترسيخ مكانة إسرائيل في المنطقة كفاعل شرعي وتطبيع العلاقات التجارية بينها وبين البلدان العربية. كان من شأن ذلك أن يؤدي إلى دفن التطلعات الوطنية الفلسطينية، وهو الأمر الذي تشعر الأنظمة العربية الرجعية بالسعادة الغامرة بفعله. فجاء هجوم السابع من أكتوبر بمثابة رد يائس على ذلك.
نتنياهو، الذي كان يواجه احتجاجات جماهيرية مباشرة قبل ذلك، استخدم ذلك الهجوم كذريعة لشن حملة إبادة جماعية ضد غزة. لكن ورغم مرور عام، لم تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة، والتي هي: إطلاق سراح الرهائن وتدمير حماس. وقد أدى ذلك إلى مظاهرات حاشدة شارك فيها مئات الآلاف، وحتى إضراب عام قصير الأمد.
لا يمكن فهم الصراع الحالي في الشرق الأوسط إلا على خلفية الوضع العالمي./ الصورة: العمل الخاص لم يكن هدف تلك المظاهرات دعم القضية الفلسطينية، ولا معارضة الحرب في حد ذاتها، إلا أن حقيقة وجود مثل تلك الدرجة من المعارضة الجماهيرية لرئيس الوزراء في خضم الحرب هي مؤشر على عمق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي.
انهيار قاعدة الدعم دفع نتنياهو إلى تصعيد الموقف بغزو لبنان والهجوم على حزب الله، والذي كان مصحوبا باستفزازات مستمرة ضد إيران. ومن أجل إنقاذ نفسه سياسيا، أظهر مرارا أنه سيكون مستعدا لإشعال حرب إقليمية من شأنها أن تجبر الولايات المتحدة على التدخل مباشرة إلى جانبه.
كانت واشنطن قلقة من أن تؤدي المذبحة في غزة إلى مد ثوري يزعزع استقرار الأنظمة العربية الرجعية (في السعودية ومصر وقبل كل شيء في الأردن) التي لم تحرك ساكنا لدعم الفلسطينيين. ولهذا قامت بتحركات شكلية لمحاولة كبح جماح نتنياهو. ومع ذلك، فقد أوضح بايدن منذ البداية أن دعمه لإسرائيل هو دعم “صلب”، وقد استخدم نتنياهو ذلك الشيك المفتوح مرارا للاستمرار على طريق التصعيد نحو حرب إقليمية.
حقيقة أن المصالح الشخصية الضيقة لرجل واحد يمكن أن يكون لها مثل هذا التأثير الضخم على الأحداث، هي انعكاس للاضطراب الهائل في الوضع العالمي بأكمله. إن الطبقة السائدة ليست قادرة دائما على التصرف بطريقة عقلانية، وفق ما تقتضيه مصالحها. إن الولايات المتحدة، التي تواجه التحديات من طرف القوى المنافسة، وترفض الاعتراف بتراجع دورها في العالم، تنتهج سياسة يائسة (في أوكرانيا والشرق الأوسط)، والتي ستؤدي في النهاية إلى الكارثة.
روسيا، التي تواجه استفزازات مستمرة من جانب الإمبريالية الأمريكية في أوكرانيا (تسليم أسلحة أكثر تطورا، والسماح بشن ضربات عميقة في الأراضي الروسية، وما إلى ذلك)، ردت بطريقة مشابهة ومتناسبة من خلال زيادة دعمها لإيران والحوثيين أيضا. تمتلك روسيا تكنولوجيا صواريخ تفوق سرعة الصوت وأنظمة دفاع جوي متفوقة، والتي يمكن أن تكون مفيدة لأعداء الولايات المتحدة في المنطقة.
في الفترة الأخيرة، تعرض النظام الإيراني في الداخل للضعف بسبب الاحتجاجات الجماهيرية والنمو الاقتصادي الأبطأ من المتوسط. وقد كانت، قبل الهجمات التصعيدية المتهورة التي شنها نتنياهو عليها، تسعى إلى التوصل إلى تسوية مع الغرب للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي، والذي قد ينهي العقوبات.
لقد انعكس الوضع الآن بشكل كامل. فلدى إيران حافز قوي لتسريع تطوير الأسلحة النووية. المعادلة بسيطة: لم تكن لدى العراق ولا ليبيا أسلحة دمار شامل، فسحقتهما الإمبريالية وقتلت قادتهما، لكن من ناحية أخرى، تمتلك كوريا الشمالية أسلحة نووية، ولهذا السبب بالذات لم تهاجمها الإمبريالية الأمريكية.
يعتقد قسم من الطبقة السائدة الإسرائيلية أنه يمكن استخدام ذريعة هجوم حماس، في السابع من أكتوبر، من أجل إضعاف وإهانة أعدائها (حماس وحزب الله وإيران) من خلال جر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية. من الواضح أن إسرائيل كانت منذ مدة طويلة تستعد لضرب حزب الله من خلال تجميع المعلومات الاستخبارية منذ أن أجبرت على الخروج من لبنان في نهاية غزو سنة 2006. وتبين لنا التجارب السابقة أنه من المستحيل التوصل إلى السحق الكامل لمنظمات مثل حماس وحزب الله، والتي تستمد دعمها من حقيقة أنها تقاوم العدوان العسكري والاحتلال الأجنبي.
لقد نشأ حزب الله نتيجة للغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، ونشأت حماس نتيجة لخيانة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. يمكن للضربات الجوية والهجمات التي تقودها الاستخبارات على الاتصالات والقيادات أن تلحق أضرارا جسيمة بها، لكنها لا تستطيع حقا تدميرها. يحتاج القصف الجوي إلى عمليات برية بقوات على الأرض. وهذه القوات معرضة لمواجهة تكتيكات حرب العصابات، والكمائن، وتقاتل في أراضي العدو، حيث تتمتع القوات المدافعة بميزة معرفة المحيط، فضلا عن دعم السكان. إن وحشية الأساليب التي تستخدمها إسرائيل، إلى جانب الهجمات العشوائية على السكان المدنيين والبنية التحتية، تعمل كوسيلة تجنيد لصالح تلك المنظمات.
لقد أدى الانهيار المفاجئ وغير المتوقع لنظام الأسد في سوريا إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي مرة أخرى. تُعَد تركيا قوة رأسمالية صغيرة من وجهة نظر الاقتصاد العالمي، لكنها قوة ذات طموحات إقليمية قوية. لقد استغل أردوغان بمهارة شديدة الصراع بين الإمبريالية الأمريكية وروسيا لصالحه. ومن الأمثلة على ذلك محاولته الحصول على أكثر أنظمة الدفاع الجوي الروسية تطورا، مع الاستمرار في التودد إلى الولايات المتحدة للحصول على أحدث الطائرات المقاتلة.
وبعد أن شعر بأن إيران وروسيا، اللتين أبرم أردوغان معهما صفقة في سوريا في عام 2016، منشغلتان في أمور أخرى (روسيا في أوكرانيا وإيران في لبنان)، حاول إرغام الأسد على منحه حصة أكبر من الفطيرة السورية. وعندما رفض الأسد، قرر أردوغان دعم هجوم جهاديي هيئة تحرير الشام من إدلب. ولدهشة الجميع، أدى ذلك إلى الانهيار الكامل للنظام. إن درجة الضعف الذي تسببت فيه العقوبات الاقتصادية والفساد والطائفية كانت أعظم كثيرا مما تصوره أي كان.
سقوط الأسد يشكل ضربة لمكانة وهيبة كل من روسيا، باعتبارها قوة عالمية ثانوية، ولإيران، باعتبارها قوة إقليمية. والآن يشعر أردوغان بالقوة وسيواصل الضغط ضد الأكراد في شمال شرق سوريا. أما نتنياهو، الذي شجعه ضعف إيران والضربات التي تلقاها حزب الله في لبنان، فسوف يحاول الآن إعادة تأكيد مصالح إسرائيل في مواجهة حماس، ولكن أيضا في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان وحتى في داخل سوريا.
إن التقسيم الحالي لسوريا هو استمرار لأكثر من 100 عام من التدخل الإمبريالي منذ اتفاقية سايكس بيكو.
لا يمكن أن يكون هناك أي سلام في الشرق الأوسط طالما لم يتم حل القضية الوطنية الفلسطينية. وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الرأسمالية. إن مصالح الطبقة السائدة الصهيونية في إسرائيل (المدعومة من قبل أقوى قوة إمبريالية في العالم) لا تسمح بتشكيل وطن حقيقي للفلسطينيين، ناهيك عن حق العودة لملايين اللاجئين.
مصالح الطبقة السائدة الصهيونية في إسرائيل لا تسمح بتشكيل وطن حقيقي للفلسطينيين/ الصورة: عمل خاص من وجهة نظر عسكرية بحتة، لا يستطيع الفلسطينيون هزيمة إسرائيل، التي هي قوة إمبريالية رأسمالية متطورة تمتلك أحدث التقنيات العسكرية وأجهزة استخبارات لا مثيل لها. إن النضال الفلسطيني يحتاج إلى حلفاء، ويمكن العثور على هؤلاء الحلفاء في الطبقة العاملة القوية في المنطقة، في مصر وتركيا قبل كل شيء، ولكن أيضا في السعودية وبلدان الخليج والأردن. إن حدوث ثورة ناجحة في أي من تلك البلدان توصل الطبقة العاملة إلى السلطة، من شأنها أن تخلق الظروف لحرب ثورية لتحرير الفلسطينيين.
لا يمكن إلحاق الهزيمة بدولة إسرائيل وطبقتها السائدة الصهيونية إلا من خلال تقسيم سكان البلد على أسس طبقية. في الوقت الحالي، يبدو احتمال الانقسام الطبقي في إسرائيل بعيدا. لكن هجوم السابع من أكتوبر، إلى جانب الحرب والصراع المستمرين، قد يقود في نهاية المطاف قطاعا من الجماهير الإسرائيلية إلى استنتاج مفاده أن السبيل الوحيد إلى السلام هو من خلال حل ديمقراطي للقضية الوطنية الفلسطينية.
إن الحروب في الشرق الأوسط لن تحل شيئا. ففي ظل سيطرة الإمبريالية، لن تؤدي الهدنة المؤقتة واتفاقيات السلام إلا إلى إعداد الأساس لحروب جديدة. لكن الاضطراب العام، الذي يشكل سببا للحروب ونتيجة لها، سوف يخلق الظروف الملائمة لحركة ثورية للجماهير في الفترة المقبلة. فإذا كانت تلك الحركة بقيادة حزب ماركسي واع -أي أممي بروليتاري- فإنها ستتمكن من شق طريقها عبر عقدة التناقضات التي تبدو غير قابلة للحل، والإشارة إلى الحل الدائم الوحيد الممكن: فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط.
لن يتمكن الفلسطينيون من تحقيق التحرر الوطني إلا كجزء من الثورة الاشتراكية في المنطقة. ويمكننا أن نقول الشيء نفسه عن الكورد، الذين يتعرضون الآن للهجوم في روج آفا. لا يمكن تحقيق الحل النهائي للقضية الوطنية إلا في ظل الفدرالية الاشتراكية. حيث سيكون لجميع الشعوب، الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، وأيضا الكورد وجميع الشعوب الأخرى، الحق في العيش في سلام داخلها. وسوف تتحقق الإمكانات الاقتصادية للمنطقة على أكمل وجه في إطار خطة إنتاج اشتراكية مشتركة. وسوف تصبح البطالة والفقر شيئا من الماضي. وعلى هذا الأساس وحده، سيكون من الممكن التغلب على الأحقاد القومية والدينية القديمة. وسوف تصبح مثل ذكرى كابوس سيء.
التمرد ضد الولايات المتحدة كما سبق لنا أن أوضحنا، هناك صراع من أجل إعادة تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية المتنافسة المختلفة، وخاصة بين الولايات المتحدة، القوة المهيمنة القديمة، التي تمر الآن بمرحلة انحدار نسبي، وبين الصين، القوة الدينامية الصاعدة الجديدة التي تتحدى الولايات المتحدة على الساحة الدولية.
يمثل صعود مجموعة البريكس (BRICS)، التي انطلقت رسميا في عام 2009، محاولة من جانب الصين وروسيا لتعزيز موقفهما على الساحة العالمية، وحماية مصالحهما الاقتصادية، وربط سلسلة كاملة من البلدان بمجال نفوذهما بحزم.
لقد فشلت العقوبات الاقتصادية واسعة النطاق التي فرضتها الإمبريالية الأمريكية ضد روسيا في تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في إضعاف منافستها إلى الحد الذي يجعل من المستحيل عليها مواصلة الحرب في أوكرانيا. فمن أجل تجنب العقوبات والتغلب عليها، عقدت روسيا سلسلة من التحالفات مع بلدان أخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والهند، ودخلت في تعاون اقتصادي أوثق مع الصين.
يمثل صعود مجموعة البريكس، التي انطلقت رسميا في عام 2009، محاولة من جانب الصين وروسيا لتعزيز موقفهما على الساحة العالمية/ الصورة: President.az، ويكيميديا كومنز إن فشل العقوبات كشف عن عجز الإمبريالية الأمريكية عن فرض إرادتها، ودفع عددا من البلدان إلى إعادة النظر في بدائل للهيمنة الأمريكية على المعاملات المالية. وقد توسعت عضوية مجموعة البريكس مع دعوة بلدان جديدة وتقدم بلدان أخرى بطلب الانضمام، بما في ذلك العديد من البلدان التي من المفترض أن تكون حليفة أو تابعة للإمبريالية الأمريكية.
إلا أنه عند التعامل مع هذه المسألة، نحتاج إلى امتلاك حس النسبية. فبقدر أهمية هذه التغييرات، فإن مجموعة البريكس مليئة بجميع أنواع التناقضات. فالبرازيل، على الرغم من كونها جزءا من مجموعة البريكس، فهي، في نفس الوقت، عضو من ميركوسور (Mercosur)، التي هي بصدد توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. ويتم تداول أسهم العديد من الشركات البرازيلية الرائدة في بورصة نيويورك. والهند، التي هي عضو أساسي في مجموعة البريكس، لديها في نفس الوقت “شراكة استراتيجية” مع الولايات المتحدة. كما أنها جزء من التحالف الأمني والعسكري الرباعي مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، وتجري قواتها البحرية تدريبات عسكرية منتظمة مع الولايات المتحدة.
إن درجة التكامل السياسي والاقتصادي لبلدان مجموعة البريكس ما تزال ضعيفة للغاية. وعلاوة على ذلك فإنهم، وعلى الرغم من كل الكلام الذي يقولونه، بعيدون كل البعد عن إرساء وسيلة بديلة للمعاملات المالية الدولية، أو بديل لهيمنة الدولار الأميركي في النظام المالي العالمي.
والأمر المهم هنا هو أن الهند، التي تعتبر حليفة للولايات المتحدة ومنافسة للصين، قد لعبت دورا مهما في مساعدة روسيا على تجاوز العقوبات الأمريكية. فالهند تشتري النفط الروسي بسعر مخفض ثم تعيد بيعه إلى أوروبا في شكل منتجات مكررة بسعر أعلى. وفي الوقت الحالي، قررت الولايات المتحدة عدم اتخاذ أية تدابير ضد الهند. في عام 2023 أصبحت الصين الشريك التجاري الرئيسي للهند، مما أدى إلى إزاحة الولايات المتحدة من المركز الأول.
لا تعد مجموعة البريكس، حتى الآن، أكثر من تحالف فضفاض من البلدان، لكل منها مصالحها الخاصة. فالهند، على سبيل المثال، تحجم عن السماح لأعضاء جدد بالانضمام إلى المجموعة لأن هذا من شأنه أن يقلل من وزنها داخل الكتلة. إن التنمر الإمبريالي الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد منافسيها هو ما يدفعهم إلى التقارب ويشجع الآخرين على الانضمام.
الأزمة في أوروبا في حين تعاني الولايات المتحدة من تراجع نسبي في قوتها ونفوذها على الصعيد العالمي، فإن القوى الإمبريالية الأوروبية القديمة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، قد تراجعت بشكل أكبر منذ أيام مجدها السابقة، إلى قوى من الدرجة الثانية. ومن الجدير بالذكر أن أوروبا، باعتبارها تكتلا إمبرياليا، ضعفت بشكل خاص في العقد الماضي. وقد أدت سلسلة من الانقلابات العسكرية إلى تراجع فرنسا من وسط أفريقيا ومنطقة الساحل، لصالح روسيا.
لقد اتبعت القوى الأوروبية بحماس الإمبريالية الأمريكية في حربها بالوكالة في أوكرانيا ضد روسيا، وهو الأمر الذي كان يتعارض بشكل مباشر مع مصالحها الخاصة. فمنذ انهيار الستالينية في سنتي 1989 و1991، اتبعت ألمانيا سياسة توسيع نفوذها إلى الشرق، منفذة لتوجه طويل الأمد لسياستها الخارجية، وأقامت روابط اقتصادية وثيقة مع روسيا.
لقد استفادت الصناعة الألمانية من الطاقة الروسية الرخيصة. قبل حرب أوكرانيا، كان أكثر من نصف الغاز الطبيعي في ألمانيا، وثلث النفط، ونصف واردات ألمانيا من الفحم، تأتي من روسيا.
كان ذلك أحد أسباب نجاح الصناعة الألمانية في الفترة السابقة، وكان السببان الآخران هما تحرير سوق العمل (الذي تم تنفيذه في ظل حكومات اشتراكية ديمقراطية) ودرجة عالية من الاستثمار الإنتاجي. لقد شكلت هيمنة الطبقة السائدة الألمانية على الاتحاد الأوروبي، والتجارة الحرة مع الصين والولايات المتحدة، عاملا مفيدا.
وقد كان الوضع مماثلا بالنسبة للاتحاد الأوروبي ككل فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، حيث كانت روسيا أكبر مورد للبترول (24,8%)، والغاز (48%) والفحم (47,9%). كان من الحماقة أن يعلن الرأسماليون الأوروبيون فرض عقوبات على روسيا. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، مع تأثير متسلسل على التضخم وفقدان القدرة التنافسية للصادرات الأوروبية.
في النهاية صارت أوروبا مضطرة إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال الأكثر تكلفة من الولايات المتحدة ومنتجات النفط الروسية الأكثر تكلفة عبر الهند. والواقع أن جزءا كبيرا من الغاز الذي تستهلكه ألمانيا ما يزال يأتي من روسيا، لكنه الآن يأتي عبر بلد ثالث، وبسعر أعلى بكثير.
لقد أطلقت الطبقات السائدة الألمانية والفرنسية والإيطالية النار على أقدامها، وهي الآن تدفع ثمنا باهظا. فقد كافأت الولايات المتحدة حلفائها الأوروبيين بشن حرب تجارية ضدهم من خلال مجموعة من التدابير الحمائية والإعانات الصناعية.
اضطرت أوروبا إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال الأكثر تكلفة من الولايات المتحدة ومنتجات النفط الروسية الأكثر تكلفة عبر الهند/الصورة: Rawpixel كان الاتحاد الأوروبي يمثل محاولة من جانب القوى الإمبريالية الضعيفة في القارة للتجمع معا على أمل أن يكون لها رأي أكبر في السياسة والاقتصاد العالميين. لكن ما حدث في الممارسة العملية، هو هيمنة رأس المال الألماني على الاقتصادات الأضعف الأخرى. وعندما كان هناك نمو اقتصادي، تم تحقيق درجة معينة من التكامل الاقتصادي، بل وحتى عملة موحدة.
ومع ذلك فقد استمرت الطبقات السائدة الوطنية المختلفة، التي تشكل الاتحاد، قائمة، ولكل منها مصالحها الخاصة. وعلى الرغم من كل ذلك الحديث الذي قيل، فإنه لا توجد سياسة اقتصادية مشتركة، ولا سياسة خارجية موحدة، ولا جيش موحد لتنفيذها. وفي حين كان رأس المال الألماني يعتمد على الصادرات الصناعية التنافسية ومصالحه في الشرق، فإن فرنسا تستمد من الاتحاد الأوروبي مبالغ كبيرة من الإعانات الزراعية، ومصالحها الإمبريالية موجودة في المستعمرات الفرنسية السابقة، وخاصة في أفريقيا.
لقد أدت أزمة الديون السيادية التي أعقبت الركود العالمي سنتي 2008 و2009 إلى استنزاف الاتحاد الأوروبي إلى أقصى حدوده. وقد ساء الوضع الآن أكثر من ذلك. يصور التقرير الأخير للرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، والذي سبق لنا أن ناقشناه، أزمة الرأسمالية الأوروبية بعبارات مثيرة للقلق، لكنه ليس مخطئا. إن السبب وراء عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على المنافسة مع منافسيه الإمبرياليين في العالم هو، في الأساس، حقيقة أنه ليس كيانا اقتصاديا سياسيا واحدا، بل مجموعة من العديد من الاقتصادات الصغيرة والمتوسطة الحجم، كل منها له طبقته السائدة الخاصة، وصناعاته الوطنية الخاصة، ومجموعات من القواعد التنظيمية، وما إلى ذلك.
أزمة الرأسمالية الأوروبية لها آثار سياسية واجتماعية مهمة. ويعتبر صعود القوى اليمينية الشعبوية والمشككة في الاتحاد الأوروبي والمناهضة للمؤسسات في مختلف أنحاء القارة نتيجة مباشرة لهذا. وانهيار الحكومتين الفرنسية والألمانية هو أحدث مظاهر تلك الأزمة. إن الطبقة العاملة الأوروبية، بقواها السليمة إلى حد كبير والتي لم تهزم، لن تقبل جولة جديدة من التقشف والتسريحات الجماعية للعمال دون نضال. لقد أصبح المسرح مهيأ لانفجار الصراع الطبقي.
السباق نحو التسلح والعسكرة تاريخيا، كان أي تغيير كبير في القوة النسبية للقوى الإمبريالية المختلفة يحسم، في نهاية المطاف، من خلال الحرب، وخاصة الحربين العالميتين في القرن العشرين. لكن وجود الأسلحة النووية اليوم يجعل احتمال اندلاع حرب عالمية مفتوحة مسألة مستبعدة للغاية في الفترة المقبلة.
يذهب الرأسماليون إلى الحرب من أجل تأمين الأسواق، ومجالات الاستثمار، ومناطق النفوذ. لكن الحرب العالمية اليوم من شأنها أن تؤدي إلى تدمير شامل للبنية الأساسية والحياة، وهو ما لن تستفيد منه أية قوة. وسوف يتطلب الأمر قائدا بونابرتيا مجنونا يتحكم في قوة نووية كبرى، حتى تحدث حرب عالمية. كما يتطلب تعرض الطبقة العاملة لهزيمة حاسمة أو أكثر، وهو ما ليس مطروحا في المنظور المباشر أمامنا.
ومع ذلك، فإن الصراع بين القوى الإمبريالية، والذي يعكس الصراع من أجل تأكيد إعادة تقسيم جديدة للكوكب، يهيمن على الوضع العالمي. ويتجلى هذا في العديد من الحروب الإقليمية، التي تسبب دمارا هائلا وعشرات الآلاف من القتلى، وكذلك في التوترات التجارية والدبلوماسية التي تتزايد طوال الوقت. لقد شهد العام الماضي، على سبيل المثال، أعلى عدد من الحروب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقد أدى هذا إلى سباق جديد نحو التسلح، ونمو للعسكرة في البلدان الغربية، وزيادة الضغوط في كل مكان لإعادة بناء القوات المسلحة وتجهيزها وتحديثها. ومن المقرر أن تنفق الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 1,7 تريليون دولار على مدى 30 عاما لتجديد ترسانتها النووية. وقد قررت الآن نشر صواريخ كروز على الأراضي الألمانية لأول مرة منذ الحرب الباردة.
الصراع بين القوى الإمبريالية، والذي يعكس الصراع من أجل تأكيد إعادة تقسيم جديدة للكوكب، يهيمن على الوضع العالمي/ / الصورة: المجال العام هناك ضغوط قوية من الولايات المتحدة على جميع بلدان حلف شمال الأطلسي لزيادة إنفاقها العسكري. وقد أعلنت الصين عن زيادة بنسبة 7,2% في الإنفاق العسكري. نما الإنفاق العسكري لروسيا، في عام 2023، بنسبة 27% ليصل إلى 16% من إجمالي الإنفاق الحكومي و5,9% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا وقد بلغ الإنفاق العسكري العالمي في عام 2023 أكثر من 2,44 تريليون دولار، بزيادة قدرها 6,8% عن سنة 2022. كانت هذه أكبر زيادة يشهدها الانفاق العسكري منذ سنة 2009، وأعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق.
هذه مبالغ طائلة، دون أن نتحدث عن الإهدار الكبير لقوة العمل والتطور التكنولوجي، واللذان يمكن استخدامهما لخدمة أغراض اجتماعية ضرورية. وهذه نقطة يجب أن نؤكد عليها في دعايتنا وتحريضنا.
إن القول بأن الرأسماليين يشرعون في سباق تسلح جديد من أجل تعزيز النمو الاقتصادي يعتبر تبسيطا للأمور. الواقع هو أن الإنفاق على التسلح يؤدي إلى التضخم بطبيعته، وأي تأثير على الاقتصاد سيكون قصير الأجل وسوف يتم تعويضه من خلال التخفيضات في قطاعات أخرى. إن الصراع بين القوى الإمبريالية من أجل إعادة تقسيم العالم هو ما يغذي الزيادة في الإنفاق العسكري. والرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية تؤدي حتما إلى اندلاع الصراعات بين القوى الامبريالية، وتؤدي في نهاية المطاف إلى الحرب.
لقد أصبح النضال ضد العسكرة والإمبريالية قضية مركزية في عصرنا. نحن معارضون شرسون للحروب الإمبريالية وللإمبريالية، لكننا لسنا مسالمين. ويتعين علينا أن نؤكد على أن السبيل الوحيد لضمان السلام هو القضاء على النظام الرأسمالي الذي يولد الحروب.
عكس مسار العولمة في مجال الاقتصاد، أدت المنافسة المتزايدة على الأسواق ومجالات الاستثمار في وقت الأزمة الاقتصادية إلى صعود النزعات الحمائية.
لقد كانت “العولمة” (توسع التجارة العالمية) أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي طيلة فترة كاملة، بعد انهيار الستالينية في روسيا واستعادة الرأسمالية في الصين، إلى جانب اندماجهما في الاقتصاد العالمي. لكن ما لدينا الآن هو الحواجز الجمركية والحروب التجارية، بين جميع الكتل الاقتصادية الكبرى (الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) كل منها يحاول إنقاذ اقتصاده على حساب الكتل الأخرى. سبق لدونالد ترامب أن قال إن: “التعريفة الجمركية هي أجمل كلمة في القاموس”!
مثلت التجارة العالمية، في عام 1991، 35% من الناتج الإجمالي العالمي، وهو رقم ظل دون تغيير بشكل أساسي منذ عام 1974. ثم بدأت فترة من النمو السريع إلى ذروة بلغت 61% في عام 2008، مما كان يعكس زيادة حادة في تكامل الاقتصاد العالمي. لم تكن تلك بالطبع سيرورة محايدة استفادت منها جميع البلدان. فتخفيض الحواجز الجمركية بين الولايات المتحدة والمكسيك، على سبيل المثال، قد أفاد رأس المال الأمريكي ودمر الزراعة المكسيكية.
ومنذ أزمة سنة 2008، بقيت نسبة التجارة العالمية من الناتج الإجمالي العالمي راكدة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تنمو التجارة العالمية بنسبة 3,2% سنويا على المدى المتوسط، وهي وتيرة أقل بكثير من متوسط معدل نموها السنوي للفترة 2000-2019 البالغ 4,9%. لم يعد توسع التجارة العالمية محركا للنمو الاقتصادي بنفس المستوى الذي كان عليه في الماضي.
سنة 2023، طبقت الحكومات في جميع أنحاء العالم 2500 تدبير حمائي (حوافز ضريبية، وإعانات مستهدفة، وقيود تجارية)، وهو ثلاثة أضعاف الرقم الذي كان قبل خمس سنوات. زادت التعريفات الجمركية الأمريكية على السلع الصينية ستة أضعاف لتصل إلى 19,3%، وفي حالة المركبات الكهربائية فقد فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على الواردات الصينية بنسبة 100%.
خلال رئاسة ترامب الأولى، تبنت الولايات المتحدة موقفا حمائيا عدوانيا، ليس فقط ضد الصين، بل وأيضا ضد الاتحاد الأوروبي. واستمرت تلك السياسة في عهد بايدن. فقد سنت سلسلة من القوانين (قانون CHIPS، وما يسمى بقانون خفض التضخم، وما إلى ذلك) والتدابير التي تهدف إلى خدمة الإنتاج الأمريكي على حساب الواردات من بقية العالم.
دعونا نتذكر أنه بعد سنة 1929 كان ذلك التحول العام نحو الحمائية التجارية هو الذي دفع العالم من الركود الاقتصادي إلى الكساد. وبين سنتي 1929 و1933، انخفض حجم التجارة العالمية بنسبة 25%، وكان جزء كبير من ذلك نتيجة مباشرة لزيادة الحواجز التجارية.
عالم متعدد الأقطاب؟ فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في هذا السياق من التوترات الإمبريالية المتزايدة. ويعكس برنامجه “أمريكا أولا” تلك التناقضات في العلاقات العالمية.
من الصعب التنبؤ بسياسات ترامب، لكن هدفه المعلن المتمثل في الحد من التدخل المباشر للولايات المتحدة في الصراعات حول العالم، يبدو وكأنه اعتراف بالتضاؤل النسبي لقوة الإمبريالية الأمريكية. كما أن فكرته في مد الولايات المتحدة يد الصداقة لروسيا بقيادة بوتين، حتى تتمكن من التركيز بشكل أفضل على الصين، المنافس الرئيسي للولايات المتحدة، تبدو أكثر منطقية من استفزازات بايدن المتهورة.
فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في هذا السياق من التوترات الإمبريالية المتزايدة./ الصورة: جيج سكيدمور، فليكر لكن أيا كانت نوايا ترامب، فإن الإمبريالية الأمريكية هي القوة العظمى المهيمنة على العالم. ولا يمكنها النأي بنفسها، لأن أي تراجع حقيقي من جانب واشنطن في الساحة العالمية سيكون بمثابة انتصار لمنافسيها. وكما سبق للينين أن أوضح، فإن إعادة تقسيم العالم من قبل القوى الإمبريالية على أساس قوتها النسبية المتغيرة لن يتم من خلال اتفاقيات ودية، بل من خلال “الصراع السلمي وغير السلمي”.
يقول البعض إن الوضع العالمي الحالي يقود نحو عالم “متعدد الأقطاب”، حيث من المفترض أن يؤدي ضعف قوة الإمبريالية الأمريكية إلى خلق توازن بين القوى المختلفة، والتي ستحترم بعضها البعض وتحل مشاكلها من خلال الحوار السلمي. لقد قيل لنا إن هذا، بشكل ما، هدف تقدمي يجب على الطبقة العاملة والشعوب الخاضعة لسيطرة الإمبريالية في العالم أن تتطلع إليه، بل وربما تناضل من أجله.
هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. ما نراه ليس صراعا من أجل إقامة نظام عالمي أكثر عدالة، بل هو بالأحرى صراع بين لصوص إمبرياليين مختلفين لتقسيم الغنائم. اسألوا الشعب السوري عما إذا كان يعتقد أن الصراع بين القوى الإقليمية والعالمية المتنافسة على أرضه قد أدى إلى نتيجة تقدمية. واسألوا فقراء الكونغو عما إذا كان صراع الصين من أجل السيطرة على الثروة المعدنية في بلادهم قد أدى إلى السلام والازدهار. واسألوا الطبقة العاملة في أوكرانيا عما إذا كان استفزاز واشنطن لروسيا قد عزز السيادة الوطنية لبلدهم.
كلا! لا يوجد شيء تقدمي في استبدال الهيمنة الوحشية والافتراسية للإمبريالية الأمريكية بهيمنة العديد من القوى الإمبريالية التي تتقاتل فيما بينها على جثث مئات الآلاف من العمال والفقراء وملايين النازحين.
لا يمكن التغلب على هيمنة الإمبريالية بطريقة تقدمية إلا من خلال الإطاحة الثورية بالرأسمالية ووصول الطبقة العاملة إلى السلطة. حينها فقط سيصير من الممكن بناء مجتمع عادل حقا حيث سيتم تحويل وسائل الإنتاج، التي أنشأتها البشرية على مدى آلاف السنين، إلى ملكية جماعية، وتسخيرها بموجب خطة إنتاج ديمقراطية من أجل تلبية احتياجات الأغلبية، وليس خدمة العطش الذي لا يشبع للأرباح لدى أقلية طفيلية.
عنوان ومصدر النص الأصلي: Tectonic shifts in world relations provoke volcanic explosions
#خورخي_مارتن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نضال لينين ضد الحرب الإمبريالية
-
“معذبو الأرض” لفرانز فانون: نقد ماركسي
-
لقد بدأ الغزو الإسرائيلي للبنان: ناضلوا ضد الحرب، ناضلوا ضد
...
-
الهجوم الإسرائيلي الإرهابي على حزب الله: نتنياهو يريد حربا إ
...
-
انفجار الغضب ضد نتنياهو في إسرائيل: “دماء الرهائن على يديه”
-
مئات القتلى في قصف على مستشفى في غزة: انتفضوا ضد حملة القتل
...
-
روسيا: مغامرة بريغوزين الفاشلة
-
بيرو: الانقلابية بولوراتي تعلن حالة الطوارئ لسحق الإضراب الو
...
-
فرنسا: تدخل الدولة ضد عمال النفط المضربين يؤدي إلى اندلاع إض
...
-
روسيا: بوتين يعلن التعبئة الجزئية
-
أوكرانيا: بوتين يزيد الأمر سوءا باعترافه بجمهوريتي دونباس وإ
...
-
ديفيد هارفي ضد الثورة: إفلاس “الماركسية” الأكاديمية
-
كوبا واجهت استفزازا رجعيا يوم 15 نوفمبر: كيف ندافع عن الثورة
...
-
الانقلاب الدستوري في تونس: لا ثقة في أي فصيل برجوازي
-
الاحتجاجات في كوبا: فلندافع عن الثورة!
-
الغضب والانتفاضات يجتاحان الولايات المتحدة
-
الجزائر: مقاطعة جماهيرية واسعة لانتخابات العار
-
بوليفيا: الانقلاب الرجعي يجبر إيفو موراليس على الاستقالة
-
ترامب يسعى لتغيير النظام، ونحن نقول: إرفعوا أيديكم عن فنزويل
...
-
واشنطن تسرع محاولاتها للإطاحة بالحكومة الفنزويلية
المزيد.....
-
العدد 587 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الكرملين يعلق على تصريحات الرئيس الليتواني بشأن كالينينغراد
...
-
الإعلام التركي: أوجلان قد يدعو أنصاره إلى إلقاء السلاح قريبا
...
-
زاخاروفا تذكّر رئيس فنلندا السابق بمواعيد زيارة ضريح لينين
-
م.م.ن.ص// استقبال المعتقلة السياسية المناضلة سميرة قاسمي بص
...
-
رئيسة حزب -البديل من أجل ألمانيا-: هتلر كان شيوعيا!
-
“شارك تانك” وأساطير ريادة الأعمال
-
مصادر في وزارة الدفاع التركية: على قيادة حزب العمال الكردستا
...
-
تجمع ما بين الحداثة والوحشية السوفييتية..نظرة على الروائع ال
...
-
على طريق الشعب: لماذا التغيير الشامل؟
المزيد.....
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
المزيد.....
|