|
نماذج من الخلاف بين تَقَدُّمِيِّي -المركز- و -المُحيط-
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8218 - 2025 / 1 / 10 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الوطني إلى الأممي مقدّمة يُعْتَبَرُ هذا النّصّ مُكَمِّلاً لنُصُوص أخرى سابقة منشورة بشأن نفس الموضوع، ومن بينها نص بعنوان " هيمنة الإيديولوجية الإمبريالية في الغرب الإستعماري" ( أوائل تشرين الثاني 2024) و نص بعنوان "فلسطين – نقد بعض أطروحات مارْكسِيِّي الدّول الإمبريالية" ( منتصف حزيران/يونيو 2024 )، ويحاول هذا النّص التّأكيد على نماذج من اختلافات القوى التقدمية العربية مع القوى التقدّمية "الغربية" بشأن قراءة الإحداث الجارية في الوطن العربي والعالم، منذ رُبع قرن. بعد ثلاثة عشر سنة من الحصار والتّفكيك والتّجويع والإحتلال، أصبحت هيئة تحرير الشام تُمثّل السّلطة الجديدة، ومن الإجراءات التي بدأت تطبيقها: خصخصة المنظومة المصرفية – بما فيها المصرف المركزي – لصالح شركة للتحويلات المالية أنشأتها هيئة تحرير الشام في إدلب، وإجراء آخر بشأن التّعليم، ويتمثل في حَذْف الدّروس التي تُشير إلى "الإنفجار الكبير" لتفسير التّطورات التّاريخية وأهم مراحل التّطوّر، وأقرّت هيئة تحرير الشام إلغاء الدّروس المتعلقة بتاريخ سوريا قبل الإسلام، وإلغاء كل الإشارات السلبية إلى فترة الإحتلال العثماني للبلدان العربية، مُقابل تعزيز الكراهية ضدّ "اليهود والنّصَارى والأقْوام الضّالّة"، ونشر مَوْقع الصحيفة التّقدّمية الأسترالية "ريد فلاغ" ( الرّاية الحَمْراء" أو Red Flag )يوم الخامس من كانون الثاني/يناير 2025، مقالاً عن "الإعدامات المَيْدانية والقَتْل العشوائي وعمليات التّفتيش التي عقبتها اعتقالات عديدة" في سوريا، و"مُضايقة النّساء غير المُحجّبات، ولم تُثِر وسائل الإعلام السائد في الدّول الإمبريالية، ولا في دويلات الخليج هذه القضايا لأن هيئة تحرير الشام تُمثل أحد وجوه الرأسمالية الرّثّة والتّابعة للإمبريالية، والتي تحاول الإلتفاف على الإنقسامات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية في المجتمع السّوري، مثله مثل المجتمعات الأخرى التي هيمن عليها رأس المال الخاص ( المَحَلِّي أو الأجنبي ). صَفّق بعض اليسار "الغربي" لانهيار أنظمة عديدة، آخرها نظام سوريا، ودعم مليشيات الأكراد – في شمال شرق سوريا - التي تدعمها الإمبريالية الأمريكية و"الغربية، فكيف يمكن للإمبريالية أن تدعم حركة ثورية أو حركة تحرّر. تأثير النيوليبرالية يعود اختلاف الرُّؤية بين الإشتراكيين أو التّقدّميين في البلدان الإمبريالية ورفاقهم في بلدان "المُحيط" أو "الأطراف" إلى اختلاف تقييم المرحلة الإمبريالية من الرّأسمالية، وذلك منذ أكثر من قَرْن، وإلى اختلاف وجهات النّظر بشأن "الليبرالية الجديدة" (النيوليبرالية) التي بدأت خلال الرّبع الأخير من القرن العشرين ثم سادت خلال القرن الواحد والعشرين، كما اختلفت وجهات النّظر بشأن أهمية ما سُمِّي "وفاق واشنطن" ( منتصف سنة 1989) الذي هَيّأ الأرضية لما بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، واختلفت وجهات النظر بشأن نتائج وأَبْعاد هذا الإنهيار ( بغض النّظر عن طبيعة الحكم خلال العُقُود الأخيرة من عُمر الإتحاد السوفييتي ) واختلاف تقييم تأثيرات هيمنة ما أصبح يُسمّى "القُطْب الواحد" بقيادة الإمبريالية الأمريكية... تعتبر معظم تيارات "اليسار" في بلدان الأطراف إن انهيار الإتحاد السوفييتي ( بغض النّظَر عن التقييم أو الموقف من الإتحاد السوفييتي ) أدّى إلى تقهقر القوى الثورية وحركات التّحرّر في بلدان "المُحيط" ( أو الأَطْراف) وإلى تراجع العمل النقابي والفكر التّقدّمي وتراجع مظاهر التّضامن الدّولي ( أو التّضامن مع الشّعوب ) في بلدان "المركز" أي البلدان الغنية والإمبريالية، وتجسّد هذا التراجع في معظم بلدان العالم في زيادة وتيرة خصخصة القطاع العام والمرافق والخدمات العمومية كالرّعاية الصّحّيّة والتعليم والنّقل والطّاقة والمياه وغيرها وفي هيمنة البرامج النيوليبرالية لمؤسسات "بريتن وودز" ( صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية...) على الخطط والبرامج الإقتصادية في معظم بلدان العالم، وإن اختلفت أساليب التّدخّل والهيمنة، وتجسّدت في الحياة اليومية للمواطنين من خلال انتشار عقود العَمَل الهش ( غير الثابت) وبدوام جُزْئِي وبرواتب منخفضة، وفي خسارة المكتسبات التي تمكنت أجيال من الطبقة العاملة والشعوب من الحصول عليها بنضالاتها، وتميزت هذه المرحلة بانتشار واسع للفقر والبطالة وللفكر الرجعي اليميني المتطرف، بغشاء "علماني" في الدّول الرأسمالية الإمبريالية، وانتشار الفكر الظّلامي للدّين السياسي في البلدان ذات الأغلبية المُسلمة... لم تكن هذه الخلافات ذات بُعْد "جغرافي" ( شمال وجنوب أو شرق وغرب) ولا "ثقافي" ( صراع أو صدام الحضارات ) بل هي خلافات سياسية بشأن فهم وتقييم الأحداث الجارية وطُرُق مواجهة الوضع السائد محليا ودوليا، اقتصاديًّا وسياسيا واجتماعيا، وخلافات بشأن الأهداف التي تطمح القوى التّقدّمية إلى تحقيقها... ظَهرت هذه الخلافات في وضح النهار في مناسبات عديدة، من بينها العدوان الأمريكي على غرينادا والإطاحة بالرئيس الإشتراكي موريس بيشوب سنة 1983 والعدوان الأمريكي على بنما وتغيير رئيسها بالقوة سنة 1989 لأنه أراد السيطرة على قناة بنما، والموقف من تبعات انهيار جدار برلين ( التّاسع من تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1989 ) وانهيار الإتحاد السوفييتي سنة 1991، والموقف من العدوان الأطلسي على يوغسلافيا والعراق والصّومال وتفكيك هذه البلدان وإرهاقها بالحصار و"العقوبات" خلال العقد الأخير من القرن العشرين، فضلا عن الحروب بالوكالة ( ضد روسيا في الشيشان أو تقسيم السودان أو إثارة القلاقل في فنزويلا ونيكاراغوا وغيرها ) حيث كان اشتراكيُّو وتقدّمِيُّو بلدان المحيط يُعارضون التّدخّل الإمبريالي فيما كان مُعظم نُظرائهم في دول "المركز" يُرَدِّدُون خطاب الحُكّام والمنظمات ووسائل الإعلام السائد بشأن "ضرورة القضاء على النظم الإستبدادية التي تنتهك حقوق الإنسان أو الأقليات..." ثم ظهرت نفس الخلافات منذ بداية القرن الواحد والعشرين، بشأن العدوان الصهيوني/"الغربي على لبنان سنة 2006 وقبله العدوان على أفغانستان والعراق ثم العدوان على ليبيا لاحقًا وعلى اليمن وسوريا وغيرها، بداية من شباط/فبراير 2011، بالتوازي مع تقهقر الفكر الثوري والمنظمات التقدّمية والإشتراكية في جميع أنحاء العالم، وتعاظم قُوّة اليمين المتطرف وقوى الدّين السياسي... العلاقة بين المسألة الوطنية والنضال من أجل الدّيمقراطية ترى معظم القوى الوطنية والتّقدّمية والإشتراكية في البلدان الواقعة تحت الهيمنة إن المسألة الوطنية لا تنفصل عن المسألة الدّيمقراطية، لأن أغلبية الأنظمة الحاكمة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية عميلة للإمبريالية وترتبط قضية الحُرّيات السياسية والدّيمقراطية بالنّضال ضد هذه الأنظمة ومن يقف وراءها من القوى الإمبريالية، فيما تفصل معظم الأحزاب التّقدمية والمنظمات الإشتراكية والنّقابات "الغربية" مسألة الحريات الفردية والحريات السياسية عن المسألة الوطنية، لأنها غير مطروحة في بلدانهم التي أنجزت ثورات برجوازية، رغم الحيّز الهام الذي لا تزال تحتلُّهُ الكنيسة والفكر اللاّهوتي – غير العَقْلاني - في أمريكا الشمالية وبعض بلدان أوروبا وتشيلي والبرازيل وغيرها... ينعكس الرّبط بين التّحرّر الوطني ( من الهيمنة الإمبريالية ) والنضال من أجل الدّيمقراطية في برامج القوى التقدمية العربية والإفريقية وغيرها، كما ينعكس في شعارات القوى النقابية والإنتفاضات الشّعبية التّلقائية التي حدثت سواء في البلدان العربية أو غيرها، مثل شعار "خبز ( أو شُغل) وحرّية وكرامة وطنية" في تونس ومصر وشعارات مُشابهة في المغرب أو الأردن، كما ينعكس هذا الرّبط في الوعْي الحِسِّي الذي يُعبّر عنه المواطنون في الأقطار العربية للتنديد باندماج المصالح والأهداف بين الإمبريالية الأمريكية والصّهيونية، بشأن فلسطين أو العراق ولبنان، رغم التّضْليل الإعلامي لوسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية ( خصوصًا الناطقة بالعربية مثل بي بي سي و فرانس 24 و دوتشه فيللّه ) وشبكات النفط العربي مثل "الجزيرة" أو "العربية" التي تدّعي الدّفاع عن الدّيمقراطية في سوريا أو ليبيا أو إيران، وتتجاهلها في قَطَر أو الإمارات أو السّعودية، لأنها ناطقة باسم آل سعود أو آل ثاني أو آل صهيون والأنظمة المُطبّعة التي تدعمها الإمبريالية... تُمثّل وسائل الإعلام جزءًا من الدّعاية الإيديولوجية ضدّ الأنظمة التي تُحاول السّيْطَرة على ثَرَواتها وتُدافع عن استقلالية قرارها، وما الإعلام سوى أداة مُكَمِلَة للوسائل السياسية والعسكرية التي استخدمتها الإمبريالية ضدّ الأنظمة الوطنية أو التّقدّمية في أمريكا الجنوبية ومنطقة بحر الكاريبي ( تشيلي 1973 ونيكارغوا سنة 1979 وغرينادا 1983، فضلا عن كوبا وفنزويلا ) وفي آسيا ( إندونيسيا وماليزيا سنة 1965 فضلا عن العدوان المُسَلّح على فيتنام ولاوس وكمبوديا ) وضد شُعوب العالم وخصوصًا ضدّ شعب فلسطين، حيث تدعم كافةُ الدّول الإمبريالية الكيانَ الصّهْيُونيَّ ضدّ الشّعب الفلسطيني والشُّعُوب العربية... لا تُراعي معظم القوى الإشتراكية والتّقدّمية "الغربية" ( في ال{ذول الإمبريالية) هذا الوَعْي الشّعبي ضد الإمبريالية في دول "المُحيط" أو "الأطراف"، وتقتصر على ترديد شعارات تُفيد إن الصّراع الطّبقي – المَحَلِّي – ضدّ الرأسمالية يُجسّد جَوْهر النضال، مع إهمال ( بقصد أو بدون قصد ) الصّراع على الصعيد الدّولي، أي الصراع ضدّ الإمبريالية الذي لا يقل أهمّيّةً عن الصراع الطبقي الدّاخلي، بل هو جزء منه ومُكمّل له، لأن النضال ضد الإمبريالية هو نضال ضدّ الرأسمال المُعَوْلَم الذي بلغ درجة من التّركيز والإحتكار مَكّنته من استنزاف الموارد المحلية واحتكار الأسواق الدّاخلية لينتقل إلى البحث عن الموارد والمواد الأولية في جميع مناطق العالم واكتساح الأسواق الخارجية وسَحْق المُنافسين، داخل حدود الدّولة القومية وخارجها، وهو ما يحدث حاليا بين الولايات المتحدة والقوى التي قد تنافسها، مثل الصّين... خلافات تاريخية تستخدم الإمبريالية وسائل عسكرية وسياسية وإعلامية وأيديولوجية هائلة وغير مسبوقة لتدجين العمال والشعوب، ولذا يظل العدو الرئيسي هو الرأسمالية، سواء على المستوى المحلي أو الدولي (الإمبريالية)، التي تفرض علاقات الاستغلال والهيمنة على نطاق عالمي، ولكن لا تزال هناك اختلافات هائلة بين القوى التقدمية في "الشمال" (الدول الإمبريالية) و"الجنوب" (الدول التي تهيمن عليها الإمبريالية)، وتشمل هذه الخلافات الموقف من "الثورات المُلَوَّنَة"، و قضايا "التحرر الوطني" و النِّضَالات المناهضة للإمبريالية لشعوب "الجنوب"، كما تشمل تقييم أسباب انهيار الإتحاد السوفييتي ( كقوة موازية للإمبريالية الأمريكية ) ودور العوامل السياسية والإيديولوجية ( الإبتعاد عن الإشتراكية) وتشكيل جيش "جهادي إسلامي" بتمويل سعودي وتسليح أمريكي، والعوامل الإقتصادية التي تمثلت في زيادة إنتاج النفط السعودي ( بداية من 1985) وإغراق الأسواق الدّولية وحرمان الإتحاد السوفييتي من إيرادات صادرات النفط بالعملات الأجنبية... تم التعبير عن العديد من الاختلافات بشأن تحليل الدّور الإمبريالي في استدامة "تَخلُّف" البلدان المُهَيْمَن عليا، منذ عُقود وبشكل صريح، من قِبَل رُوّاد "مدرسة التَّبَعِيّة" التي تصر على اعتبار التبادل غير المتكافئ بين "المركز" (الدول الإمبريالية) و"المحيط" (الدول الخاضعة للهيمنة)، كنتيجة للاستعمار والهيمنة الإمبريالية وكاستمرار للإستعمار في شكل جديد، كما أكّدت مدرسة التّبعية على ضرورة القَطْع مع الرأسمالية لإنجاز التنمية في البلدان الخاضعة للإستعمار الجديد، أي إنه ليس من الضّروري المُرور بنفس المراحل التي مرّت بها أوروبا، لأن الوضع يختلف، ولأن أوروبا ليست مركز العالم، ويختلف تاريخها وظروفها عن آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية... تستخدم الإمبريالية كذلك أساليب مختلفة لزعزعة الاستقرار: العدوان المسلح و "الثورات الملونة" و المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن "الديمقراطية" أو "حقوق الإنسان" أو حقوق الأقليات، وما إلى ذلك، وأصبحت حقوق الإنسان - التي لا تُحْتَرَمُ في البلدان الإمبريالية- ذريعةً لشن حروب عدوانية إمبريالية من أجل الإطاحة بالأنظمة السياسية التي ليست بالضرورة ثورية أو حتى تقدمية، ولكنها ترفض الوصاية الإمبريالية، وأدّى الخلاف المتعلق بـ"حقوق الإنسان" إلى تفاقم الخلافات بين القوى التقدمية في "الشمال" و"الجنوب"، فيما يتصل بتدمير العديد من الأنظمة، وتفكيك العديد من البلدان (يوغوسلافيا، السودان، ليبيا، العراق، سوريا...)، مما خلق شَرْخًا في صفوف المنظمات المناهضة للإمبريالية واختلافات عميقة بشأن شعار "ياعمّال العالم اتّحدوا" والتي أضافت لها الأممية الثالثة مفهوم "التضامن الأُمَمِي بين شعوب العالم" لكي يتجسّد الإتحاد ضدّ الرأسمالية والإمبريالية في شعار "ياعُمّال العالم وشعوبه المُضْطَهَدَة اتّحِدُوا"، وشيئًا فشيْئًا اتّسَعت الفجوة بين المناضلين الإشتراكيين في الدّول الإمبريالية ورفاقهم في البلدان المُضْطَهَدة والمُسْتَعْمَرَة، وعاد إلى السّطح ذلك النّقاش بخصوص مواقف الأحزاب الدّيمقراطية الإشتراكية التي ساندت برجوازيتها المَحلِّية خلال الحرب العالمية الأولى، وأدّى الخلاف إلى تأسيس الأممية الثالثة ( سَبَقَ لي أن تناولتُ هذا الموضوع بإسهاب في مقال سابق ) وعادت هذه النقاشات إلى السّاحة منذ أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، بمناسبة ما سمّاه بعضهم ب"الإنتصار التّاريخي" للإمبريالية الأمريكية وانتقال العالم والبشرية إلى "صدام الحضارات" بانهيار الإتحاد السوفييتي الذي اعتبره فرنسيسكو فوكوياما "نهاية التّاريخ" وانتصار "الدّيمقراطية" ( كما تراها الإمبريالية الأمريكية ) على ما اعتبرها الفلاسفة والمُفكّرون الرجعيون منذ أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين "الإيديولوجيات" و " الأنظمة الشّمولية"، وهي نظرِيّات تُساوي بين النظام الإشتراكي في الإتحاد السُّوفييتي والنظام النّازي في ألمانيا أو الفاشي في إيطاليا، ولا تزال "الشّمولية" مرجعيةً ( غامضة وغير مُحدّدة التّعريف والملامح والحدود ) تعتمدها العديد من المنظّمات التي تعتبر نفسها "ثَوْرِيّة" ( كالمنظمات التروتسكية) في الدّول الإمبريالية، ولا تزال هذه التيارات تعتبر الولايات المتحدة دولة ديمقراطية، رغم القمع الدّاخلي والقوانين الإستثنائية التي تَحُدّ من حرية التعبير والإحتجاج، ورغم عَسْكَرَة العلاقات الخارجية والدّبلوماسية بالإعتماد على التهديد والإبتزاز والإحتلال والقَصْف والحِصار... رغم الصّعوبات النّاجمة عن العدوانات العسكرية الإمبريالية ( مُباشرةً أو بالوكالة ) لا تزال كوبا صامدة ولا يزال الشعب الفلسطيني يُقاوم ثالوث الإمبريالية والصّهيونية والرّجعية العربية، ولا تزال الشُّعوب والطّبقات الكادحة في جميع بلدان العالم تَصْمد وتُقاوم المَدّ الفاشي (أحزاب اليمين المتطرف ) في أوروبا وأمريكا الشمالية وكوريا الجنوبية وغيرها، وتُقاوم الإستغلال الطّبقي الذي استفحل منذ انتصار تيار الليبرالية الجديدة في بريطانيا (مارغريت تاتشر ) والولايات المتحدة ( دونالد ريغن ) وإنهاك المنظمات النقابية والتيارات الإشتراكية، وتُقاوم تراجع حَيِّز الديمقراطية والحُرّيات، وتندرج مُقاومة الشُّعوب العربية في فلسطين ولبنان واليمن ضمن النّضال العالمي ضدّ الإمبريالية، وما الإمبريالية سوى "أعلى مراحل الرأسمالية" وفق فلاديمير لينين، وضدّ المُخطّط الإمبريالي الأمريكي/الصّهيوني المُسمّى "مشروع الشّرق الأوسط الكبير" والذي يستهدف شُعوبَ كل البلدان الواقعة بين أفغانستان وموريتانيا. خاتمة لقد بدأ ماركس أو إنغلس نضالهما في ألمانيا ثم في أوروبا، بنقد الفلسفة الألمانية ونقد هيغل، وبدأ لينين نضاله في روسيا، قبل أن يُوَسِّعَ هؤلاء القادة الإشتراكيون مجال النّضال إلى خارج حدود بلدانهم، فيما يُهْمل بعض رفاقنا وأصدقائنا في الدّول الإمبريالية هذه الحقيقة التّاريخية، فلا يمكن لإنسان أن يكون أُمَمِيًّا، دون المُشاركة في النّضال "الوطني"، سواء كان هذا النضال طَبَقِيًّا ضد استغلال الطّبقة العاملة أو كان النّضال ضدّ الإمبريالية ( الفرنسية أو البريطانية أو الأمريكية وغيرها ) التي تُعتَبَرُ امتدادًا لاستغلال الكادحين مَحَلِّيًّا وتوسيعًا لمجالات الإستغلال والإضطهاد إلى خارج الحُدُود القومية، باستخدام العُنف العسكري والهيمنة الإيديولوجية والثقافية ومحاولة نهب الموارد المادية وتشويه المَوْرُوث التّاريخي والثقافي... في الوطن العربي، تُشكل الوحدة العربية ( التي يتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، بدون استثناء) خطوة نحو الأُمَمِيّة، وقُوّةً تُمكّن الشعوب من استغلال ثرواتها، دون تدخّل الإمبريالية مُباشرةً أو عبر وكلائها، ويُشكل تعبير المواطنين ( بمختلف دياناتهم ومذاهبهم وأثنياتهم وجنسهم...) عن تضامنهم المُطْلَق مع الشعب الفلسطيني مَظْهرًا من مظاهر التّعبير عن التّطلُّعات والإنتماء القومي والطّموح المُشْتَرَك لقرابة أربعمائة مليون مواطن امتدّت جذورهم في أعماق هذه الرُّقْعَة الجغرافية الواقعة بين المُحيط الأطلسي ( المغرب وموريتانيا والصّحراء الغربية) والخليج العربي والعراق... خلافًا لما تُرَوِّجُ بعض أطراف اليسار في بلدان "المَرْكز" الإمبريالي، يمتلك الناس في بلدان "الأطْراف"( البلدان الواقعة تحت هيمنة الإمبريالية ) وفي كل بلد في العالم القُدْرَة على فهم وضعهم وظروفهم المادّيّة والمَعْنَوِيّة، وعلى إدْراك مَصْلَحتهم وتمتلك شُعوب البلدان المُضْطَهَدَة والمُسْتَعْمَرَة القُدْرَة على خدمة أوْطانها وشُعُوبها ومجتمعاتها، وبدل التحالف مع القوى التّقدّمية في بُلدان الأطراف ودعمها، تُردّد العديد من قوى اليسار في الدّول الإمبريالية ( دول المَرْكَز) دعاية وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بشأن "ضرورة التّدخّل العسكري لوضع حدّ لانتهاكات حقوق الإنسان" في كوبا وفنزويلا وإيران والصين وروسيا وليبيا ( خلال فترة حُكْم معمر القذافي) وسوريا (خلال فترة حكم حافظ وبشار الأسد) والعراق (خلال فترة حُكْم صدّام حسين ) وغيرها، وهي تدعم كذلك القوى الرجعية والظّلامية في هذه البلدان وغيرها، وتعتبرها قوى تحرّر أو حتى "قوى ثورية"، مثل الإخوان المسلمين في مصر وهيئة تحرير الشام أو مليشيات الأكراد في العراق وفي سوريا، والمدعومة من قِبَلِ الدّول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة التي تتَدَخّل في الشُّؤُون الدّاخلية للبلدان والشعوب، واحتلت البلدان المجاورة مثل المكسيك، واستحوذت على أكثر من نصف أراضيها، منتصف القرن التّاسع عشر واستحوذت عليها وضَمَّتْها نهائيًّا إلى أراضيها التي أباد المُستعمِرُون المستوطنون الأوروبيون أصحابها من السّكّان الأصْلِيِّين، ولا تزال الولايات المتحدة تُهَدّد أي نظام سياسي تعتبره خَصْمًا أو منافسًا أوعَدُوًّا، رغم انهيار الإتحاد السوفييتي وانتفاء مُبَرّرات "الحرب الباردة"، ورَغْمَ تَخَلّى النظام الرّوسي أو الصيني أو غيرهما عن تَبَنِّي الإشتراكية ( شكلا أو مضمونًا)، وتبنِّي هذه الأنظمة النّهج الرّأسمالي، لجأت الإمبريالية الأمريكية والإتحاد الأوروبي إلى استخدام ذريعة "انتهاك حقوق الإنسان وعدم احترام مبادئ الدّيمقراطية" لمضايقة مثل هذه الأنظمة... إننا كتقدّمِيِّين واشتراكيين عَرَب أو عَجَم نهدف بناء مجتمع عادل يتساوى فيه جميع المواطنين الذين يخدمون وطنهم بما استطاعوا وتتم مكافأتهم حسب عَمَلِهم، مع توفير الضّروريات المادية والثقافية والمعنوية التي يحتاجها كل مواطن... هذه أهداف التّقدّميين الإشتراكيين في أي مكان من العالم، وهي نقيض الإصطفاف وراء الإمبريالية الأمريكية أو أي قوة رجعية تلتزم بقواعد النّظام الرّأسمالي، بدعم من الحكومة الأميركية ووكالاتها الإستخباراتية التي لا تتردّد في التّحالف مع قُوى الدّين السياسي أو اليمين المتطرف إذا كان ذلك يخدم مصالحها...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بَعْضُ تداعيات انهيار النظام في سوريا
-
صناعة الرّقائق والحرب التكنولوجية والإيديولوجية
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس بعد المائة، بتاريخ الرا
...
-
اليمن في مُخطّط -الشّرق الأوسط الكبير-
-
أوروبا- زيادة الإنفاق العسكري وتمويل احتلال فلسطين
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الرَّابَع بعد المائة، بتاريخ ا
...
-
سوريا في خِضَمّ الصّراعات الدّولية *
-
قناة بَنَما نموذج من -الإستعمار الجديد-
-
ألمانيا مِرْآة لوضع الإتحاد الأوروبي
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث بعد المائة، بتاريخ الوا
...
-
سوريا ضمن مًخَطّط -الفَوْضى الخَلاَّقَة- أو -الشرق الأوسط ال
...
-
تونس 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 – 2024
-
سوريا - من الأهداف الخَفِيّة للولايات المتحدة
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني بعد المائة، بتاريخ الرّ
...
-
عيِّنات من الديمقراطية الأمريكية
-
سوريا بعد انهيار النّظام – من المُستفيد وأية آفاق ؟
-
سوريا في ظل الصراعات الدّولية
-
مصر، وضع اقتصادي سيّء وآفاق محدودة
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد بعد المائة، بتاريخ السا
...
-
اليمن بين العمل الإنساني والجَوْسَسَة
المزيد.....
-
تركي آل الشيخ يحذر من حسابات -تصطاد في الماء العكر- بين السع
...
-
أول تعليق إيراني على انتخاب رئيس جديد في لبنان
-
البيت الأبيض يتهم -حماس- مجددا بعرقلة التوصل إلى صفقة تبادل
...
-
البيت الأبيض: ترامب سيحتاج إلى موافقة الكونغرس لرفع العقوبات
...
-
الخارجية الأمريكية تعلن عن عقوبات قاسية ضد قطاعي النفط والغا
...
-
الخارجية الفرنسية تستدعي السفير الإيراني وتطالب بالإفراج عن
...
-
حرائق كاليفورنيا: النيران تلتهم منازل وقصور مشاهير هوليوود
-
خبراء: تراجع نفوذ إيران وحلفائها أتاح انتخاب رئيس للبنان
-
لبنان.. قتلى في غارة قالت إسرائيل إنها على -شاحنة صواريخ-
-
-الصندوق السعودي للتنمية- يمول بناء مستشفيين في تونس
المزيد.....
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
المزيد.....
|