أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - في حضرة الأم ووداعها.















المزيد.....


في حضرة الأم ووداعها.


سعاد الراعي

الحوار المتمدن-العدد: 8216 - 2025 / 1 / 8 - 00:40
المحور: الادب والفن
    


مطار عمّان الدولي، منتصف التسعينات، كان الليل قد أرخى سدوله والساعة تشير إلى التاسعة مساءً. تجمع القادمون إلى الاردن بالمئات. وكانت تقف وسط الحشود مع طفليها، تحيطهم ضوضاء المسافرين وصفوف المنتظرين أمام شباك فحص جوازات الواصلين. في ذلك الزحام، تقدم أحد موظفي المطار نحوها بخطى واثقة، وابتسامة مليئة بالاحترام، طلب منها أن تتجاوز صفوف المنتظرين لإنهاء إجراءات الدخول سريعًا. ادهشتها شهامة تصرفه، فشكرته بحرارة.
لم يكن في ذهنها سبب واضح لذلك التقدير والاحترام والتميز الاستثنائي، الا انها عزتها الى مظهرها المحتشم، ولباسها الإسلامي الملتزم الذي غطى كل جزء منها، من رأسها حتى أطراف قدميها، والذي يمكن ان يكون قد ترك انطباعًا جليلًا ومهيبًا. لقد بدت كما صورتها في جواز السفر اليمني الذي حملته خلال رحلتها إلى عمّان.
استقبلتها أختها التي لم ترها منذ عقدين وزوجها سلام، بفرحة غامرة. امتلأ البيت بحفاوة اللقاء، ودفء الكلمات، وكرم الضيافة. بعد العناق والحديث الطويل، أفصحت عن نيتها السفر مع طفليها طلبًا للجوء في إحدى الدول الأوروبية. طلبت مساعدتهم للحصول على فيزا لإحدى الدول كخطوة أولى للوصول الى الهدف، خاصة، وأنها تحمل جواز سفر يمني، وهو أمر، ربما، يجعل المهمة صعبة.

أبدى سلام كامل استعداده للمساعدة دون تردد. وخلال أيام التحضيرات، وبينما كانت الامسيات المليئة بالأحاديث والذكريات، فجرت أختها نبأ غير متوقع، حين قالت بهدوء:
"سلام مسافر إلى بغداد فجر الغد، وهو يريد اصطحابك معه لزيارة والدتنا".
كانت كلماتها صاعقة، أشعلت في ذهنها سيلاً من التساؤلات والمخاوف. مضت سنوات طويلة منذ ودّعت والدتها عند مطار بغداد الدولي. ها هي أمام فرصة قد تكون الوحيدة لرؤيتها مجددًا. لكنها كانت تعرف جيدًا ما تعنيه بغداد لها رغم ولعها وحبها لها.. وشغفها في رؤية والداتها.. ولكن بغداد الان بالنسبة لها، مدينة مليئة بالمخاطر، خاصة وهي من السياسيين المطلوبين لأجهزة أمن النظام الصدامي الحاكم.
غاصت في بحر أفكارها، تائهة بين الرغبة في لقاء والدتها والخوف من عواقب الزيارة. لم يمهلها ذهنها الكثير من الوقت حتى قطعت أختها حبل تفكيرها قائلة:
"لا تخافي. أنت تحملين اسمًا وجواز سفر أجنبيًا. سلام لا يمكن أن يغامر هكذا إلا إذا كان واثقًا من النجاح. السفرة كلها سوف لن تستغرق سوى يوم واحد، بل أقل من ذلك".
لكن ماذا عن الأولاد؟ سألتها بقلق. فأجابتها: "سيبقون معي. لا تقلقي بشأنهم".

رغم كل تلك التطمينات، ظلّ قلبها مثقلًا بالهموم. فكرت في الاحتمالات التي قد تُفسد خطة الرحلة الى بغداد.. عيون الحراس عند نقاط التفتيش، النظرات والاسئلة المحتملة التي قد تؤدي الى الشك في شخصها وهويتها.. وسواها من الأسئلة.. فكرت أيضًا في زوجها، وفي إخباره بما تنوي وما ستقدم عليه. فهي ستترك طفليها في عمّان وتغامر بمصير مجهول.
أمام كل تلك الأفكار، بدت أختها مطمئنة بشكل يثير الدهشة. قالت لها بحزم:
"سيكون كل شيء على ما يرام. لا داعي لإبلاغه الآن؛ أخبريه عندما تعودين بالسلامة". ثم أضافت بابتسامة: "نامي، فغدًا سيكون يومًا طويلًا".

كان سلام يتابع الحديث بصمت، لكنه قطع الصمت بنبرة مليئة بالثقة:
"أنا أتحمل كامل المسؤولية. سأوصلك إلى الوالدة وأعيدك إلى أطفالك بسلام. ولن يحدث شيء".
نظرت إليه مليًا، تقرأ ملامح وجهه، تبحث عن ذرة تردد أو خوف، لكنها لم تجد سوى الإصرار هكذا هو كما عهدته أيام الدراسة.
تنهدت بعمق، ثم قالت:
"هذه فرصة العمر بالنسبة لي، رغم ما تحمله من مخاطر. من يدري متى أستطيع رؤية والدتي إن لم أغتنم هذا الظرف؟"
كانت تعلم أنها تقامر بكل شيء، لكنها كانت على استعداد لخوض هذه المغامرة.

في فجر اليوم التالي، كانت الرحلة قد بدأت. رحلة ليست فقط نحو بغداد، بل نحو ذاكرة عمرها عقدين، نحو حضن أمٍّ كانت بعيدة لكنها لم تغب يومًا عن القلب. بينما كانت السيارة تقطع اولى الكيلومترات، كان قلبها يخفق بالأمل والخوف معًا.

تذكرت وجه زوجها، شريك روحها، وهو يودعهم بصمت مثقل بالألم وقلب مكسور. لم تستطع أن تنسى ملامحه الحزينة وهو يغلق باب المنزل خلفه، محاولاً أن يخفي دموعه وآهاته عن أعينهم. كان ذلك المشهد محفورًا في ذاكرتها ولما يزل.. صورة لن تفارقها أبدًا، تتوارى ملامحها رويدًا رويدًا كلما ابتعدت بهم سيارة الأجرة عن الدار، وهي متجهة إلى مطار عدن الدولي. كان الوشاح الذي يلف رأسها قد تشبع بالدموع، في حين نسجت عيونها خيطًا واهيًا بين لحظات الوداع القاسية وعالم الذكريات الذي بات ملاذًا، بالرغم من هشاشته، أمام واقع لا مفر منه.

لم يستطع الزوج مرافقتهم، ليس بقراره، بل لظروف قاهرة حالت دون ذلك. وعدها بأنه سيبذل قصارى جهده لتجاوز تلك العقبات واللحاق بهم قريبًا، لكن وعده لم يكن كافيًا ليبدد مخاوفها. تضاربت مشاعرها بين ألم الفقد وأمل اللقاء. تساءلت وهي تغرق في دموعها: هل سأراه مجددًا؟ متى وكيف؟ أسئلة كبرت معها لتصبح ثقيلة كالصخر، تحجب عنها الرؤية نحو المستقبل الذي تتمناه.

كان قرار السفر ضرورة فرضها الواقع. عطلة المدارس كانت توقيتًا مثاليًا لتنفيذ الخطوة دون أن يُثير غيابها وأطفالها الريبة. لكن قلبها ظل مثقلاً بالذكريات الموجعة، خاصة بعد ما خلفته حرب صيف 1994 بين شطري اليمن. كانت تلك الحرب بمثابة الطعنة التي قسمت حياتهم إلى ما قبل وما بعد. الآثار النفسية الثقيلة التي ظهرت بوضوح عليهم وعلى الاولاد، لا سيما ابنها البكر، الذي كان أكثرهم تأثرًا.

لم يكن تجاوز الصف الرابع الابتدائي حينما هاجروا للعمل في اليمن بعد سنوات من الدراسة والعمل في بلغاريا. لكن الحياة في بلد تحكمه التقاليد الصارمة والدين المتزمت، والتي كانت قاسية عليه، بحيث لم يستطع التكيف مع القيود المفروضة على التعبير عن وجهة النظر الحرة والمغايرة للسائد آنئذ.. حتى أن السنوات الست التي قضاها في اليمن كانت بالنسبة له كابوسًا لا يكاد ينتهي، لتأتي الحرب وتجعل الواقع أكثر سوءًا.

قرار الرحيل إلى المجهول لم يكن سهلاً. ان أول عقبة واجهتها كانت انتهاء صلاحية جوازات السفر العراقية للعائلة، وهو أمر لا يمكن تجاوزه بسهولة بسبب المحاذير السياسية والأمنية المتعلقة بالنظام العراقي الذي لا تزال معارضته تشكل خطرًا عليها. تدخلت إحدى زميلاتها في العمل، والتي كانت تتمتع بنفوذ قوي، لمساعدتها في استصدار جواز سفر يمني لها وللأولاد وبأسماء زائفة، ثم ان السفر من مطار عدن وبجواز سفر يمني، يتطلب المزيد من الحذر. كان عليها أن تتخفى تحت العباءة اليمنية الصارمة، ومكملاتها، من نقاب، برقع، جوارب وقفازات، لتبدو كجزء من الصورة التي يرسمها المجتمع اليمني التقليدي للمرأة الملتزمة.
السؤال الأكبر ظل معلقًا: إلى أين؟
كان الأهم هو الخروج من دوامة اليمن بأي وسيلة. جاءت الإجابة عبر الأردن، حيث تقيم أختها المتزوجة من أردني، زميل دراسة سابق في بلغاريا. هذا الرابط ساعد في تسهيل الخطة، لكن تبقى أمامها عقبة أخيرة: عبور مطار عدن، الذي كانت إجراءات التفتيش فيه صارمة إلى حد الاختناق.

تطوع أحد زملاء زوجها لتحمل مسؤولية تأمين المرور. ورغم كل التدابير الاحترازية، لم يكن المرور سهلاً. حين وقفت عند بوابات التفتيش، شعرت أن قلبها يوشك على التوقف. الخوف كان جاثمًا على صدرها، يكاد يكشفها رغم شجاعتها الظاهرة. حتى أولادها، الذين أدركوا حجم المخاطر، كانوا ملتصقين بها، يحاولون إخفاء وجوههم تحت قبعاتهم الصغيرة.
عبرت المرحلة الأولى بنجاح، لكن التوتر لم يهدأ. في صالة الانتظار، جلست بجوارهم إحدى زميلات العمل التي تعرفت على الأولاد. أثارت الزميلة شكوكها عندما لاحظت تنكرها بزي لم يعتده أحد منها، خاصة أنها كانت مثالاً للأناقة في العمل. طلبت منها بلهجة مرتجفة ألا تكشف سرها، ففهمت قصدها
عندما استقرت هي وطفليها أخيرًا على مقاعد الطائرة، تنفست الصعداء، لكنه لم يدم طويلاً. قبل إقلاع الطائرة بقليل، صعد ثلاثة رجال من أمن المطار لتفقد ركاب الطائرة او لغرض اخر.. الامر الذي اشعرها وكأن العالم بأسره قد توقف.. وما صعودهم الا مقصودا.. ومن اجلها. انكمشت على نفسها، تمسك أيدي طفاليها المرتجفة، محاولة بث الطمأنينة في قلوبهم. كان الوقت يمر ببطء قاتل، كل ثانية تحرق روحها كالجمر. شعرت أن مصيرهم معلق بخيط رفيع.
وأخيرًا، نزل رجال الأمن من الطائرة. أغلقت الأبواب، وأقلعت الطائرة. عندها فقط، تنفس الأطفال بارتياح، وهتفوا بفرح عفوي: "هورا!" وكأنهم قد انتصروا في معركة مصيرية. ضمتهم إلى صدرها، ودموع الفرح تمتزج بدموع القلق. نظرت من نافذة الطائرة وهي تردد في قلبها دعاء صامتًا: أن يجتازوا فضاء اليمن بسلام، وأن تكون هذه بداية رحلة جديدة نحو الأمان.
شعر زوج أختها بشيء من شرودها العميق، فتوجه إليها بنبرة صوته الهادئة والواثقة التي كانت دومًا ملاذًا للطمأنينة والثقة لمن حوله. أراد أن يخفف عنها، ربما لينتشلها من دوامة أفكارها، أو ليبدد بعضًا من قلقها الممزوج بالحنين، فتحدث عن المسافة الطويلة التي تفصلهم عن بغداد وعن محطاتها المتعددة. بدت كلماته كنسيم بارد يلامس أطراف الحيرة ويبدد الهواجس التي كانت تأخذ بتلابيبها. ابتسمت له امتنانًا. لقد أدركت في أعماقها أن تلك الرحلة لم تكن لتكتمل لولا شجاعته.

حين وصلوا إلى محطة "طربيل"، كانت الحدود الفاصلة بين الأردن والعراق أشبه بعالمٍ جديد يفتح أبوابه ببطء. إجراءات الخروج من الأردن مرت بسلاسة، لكن ما أن اقتربوا من نقطة التفتيش العراقية، حتى انطلق سباق من الهمسات والحركات المتسارعة. موظفي الجمارك تسابقوا نحو السيارة وهم يتهامسون: "خليجية؟". لم تفهم ما يجري حتى التقطت أذنها حديثًا عن السيارة، ومحاولة أحدهم لعرض "شراء نوبة التفتيش" مقابل مبلغ مالي، من زميله المناوب
نزل الجميع من السيارة لاستكمال الإجراءات. كانت جوازاتهم اليمنية والأردنية كافية لإثارة فضول رجال الحدود، الذين طرحوا أسئلة لا تنتهي عن صلة القرابة، وسبب الزيارة، ووجهتها ومدتها. استغرقت هذه المرحلة وقتًا بدا كأنه يمتد بلا نهاية، حتى جاء دورها للتوجه إلى قسم النساء. هناك، استقبلتها نساء شابات من موظفي التفتيش، كل منهن تحمل في نظراتها مزيجًا من الفضول والريبة.
إحدى المفتشات استوقفتها بسؤال فاجأها:
"هل أنتِ يمنية حقًا؟ لم أرَ يمنية بهذه الأناقة والترتيب من قبل."
أرادت أن ترد على هذه الملاحظة التي شعرت أنها تحمل في طياتها عنصرية خفية، لكنها آثرت كتمان انفعالها. أجابت بجفاء واضح وبلهجة يمنية خالصة، محاولة الحفاظ على هويتها دون أن تُفصح عن مشاعرها.

انتهت إجراءات التفتيش الشخصي بعد طلبات لا تنتهي شملت العطر وغيره حتى مشبك الشعر لم يسلم من التسليب.

شعرت براحة عميقة حين تجاوزا هذه المرحلة، وأخبرها سلام بأنهم قد اجتازوا العقبة الأصعب من الطريق إلى بغداد. تحدث بصوته الواثق عن أمان الطريق نهارًا، وخطورته ليلًا، حين تسيطر عليه عصابات وقطاع طرق يشكلون تهديدًا حقيقيًا للمسافرين قد يصل الى حد الخطف والقتل.

فتحت زجاج نافذة السيارة، لتستنشق الهواء الذي حمل لها رائحة العراق/ بغداد، عروس العواصم العربية، كانت في انتظارها. تدفقت ذكريات طفولتها وصباها أمام عينيها كلوحة مرسومة بألوان متداخلة، تزدحم فيها اللحظات السعيدة والحزينة، حتى آخر مشهد وداعٍ جمعها بوالدتها ودموعها
حين اقتربوا من حيهم الذي تركته حينذاك، شعرت وكأنها تعود إلى قلب الزمن، حيث توقف كل شيء عند آخر لحظة غادرت فيها المكان. عرفته رغم تغير ملامحه، لكنه ظل ينبض بذكريات لا تموت. فجأة، اجتاحها شعور بالغيبوبة، وكأن الزمان والمكان تآمرا ليسلباها قواها. مال رأسها إلى الخلف، لكن صوت سلام أعادها إلى الواقع:
"لقد وصلنا، اجمعي قواكِ."
ساعدها على النزول من السيارة، وقادها بخطى ثابتة نحو الباب. استقبلتهم زوجة أخيها، التي لم ترها من قبل، بابتسامة دافئة. طلب لها سلام قدحًا من الماء، وعندما هدأت قليلاً، تساءلت بلهفة: "أين أمي؟"
تفاجأت زوجة الأخ من سؤال الضيفة، إذ ظنّت في بادئ الأمر أنها أخت سلام. ولما كانت تخشى وقوع صدمة مفاجئة قد تهدد صحة والدتها عند معرفتها بعودتها بعد سنوات من الغياب، فقد رتّبت مسبقًا مع شقيقها، قبل قدومها إلى العراق، أن يُمهّد لحضورها بطريقة مدروسة. اتفقا على الادعاء بأن المرأة التي ترافق سلام هي أخته، ليترك للوالدة فرصة اكتشاف الحقيقة بنفسها دون تعجل.
وللتغلب على هذا الالتباس، بادر سلام بتوضيح الأمر قائلًا: "إنها أم يسار". حينها، استدركت زوجة الأخ الموقف، وأعادت الترحيب بها بحرارة، موضحة أن عمتها قد خرجت إلى السوق برفقة ابنها، وأنهما سيعودان قريبًا.
لم تكد تلتقط أنفاسها حتى عانقت عيناها صورة والدها الراحل المعلقة على الحائط. ابتسامته الحنونة كانت وكأنها ترحب بها من عالم آخر. انفجرت بالبكاء، وقبل أن تستجمع قواها، سمعت وقع خطوات أمها تقترب. هبت واقفة لتحتضنها، وانهارت على الأرض تقبّل قدميها. لم تستوعب الأم هذا المشهد، فظنت أنها أخت سلام. لكن صوتًا مرتعشًا اخترق الصمت: "ماما، أنا أم يسار، ابنتك!"
سقطتا أرضًا متعانقتين، والدموع تروي لحظة اللقاء بعد سنوات طويلة من الغياب. كانت الأم تتفحص ملامح ابنتها بذهول، وكأنها تقرأ في تفاصيل وجهها فصول الغربة والمعاناة. شكرت الله، وسجدت ركعتين حمدا له.
بالاتفاق مع العائلة، تقرر التكتم على أمر الزيارة لأسباب أمنية تضمن سلامة العودة إلى الأردن. ومع حلول الليل، اكتمل جمع الأسرة، وحضرت الأخت الأخرى وعائلتها. امتلأت الأجواء بفرحة اللقاء، وتبادلت الأحاديث عن أحوالهم وعن الرحلات التي اعتادت عليها، بحثًا عن الأمان المفقود.
رغبت بتفقد ما تركته من صور ووثائق، وكأنها تريد الإمساك بخيوط الماضي لتعيد ربطه بحاضرها. لكنها صُدمت عندما أخبرتها والدتها، انها دفنت كل ما يتعلق بها تحت الأرض خوفًا على سلامة العائلة، أملًا في الحفاظ عليها وعليهم من أيدي الأمن. لكن رطوبة الأرض أتلفت كل شيء. حاولت أن تخفي حزنها. تفهمت دوافع أمها وعذرتها.
بقيت الأم بجانبها طوال الليل، تتفحص يديها وأصابعها، وكأنها تقرأ فيها تعب السنين. كان وداع الفجر يقترب. احتضنت والدتها بقوة، وأوصت الجميع برجاء ملح:
"اوصيكم بأمّي.. فهي أعز وأغلى ما نمتلك"
حين انطلقت السيارة، شعرت أن قلبها بقي هناك، مع أمها، فيما جسدها يتجه بعيدًا.
نظرت إلى سلام، وقد ملأتها مشاعر الامتنان، وقالت له بصوت خافت:
"لقد منحتني أعظم هدية في حياتي. سأحملها معي حتى قبري."
***



#سعاد_الراعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين غربتين
- الخيانة الزوجية: أبعادها، دوافعها، وسبل التعامل معها
- التبني كخيار انساني


المزيد.....




- السينما في ياقوتيا
- بين البنيوية الشكلية والتداولية.. دراسة تحليلية للإشاريات ال ...
- بنزيما يوجه رسالة باللغة العربية بعد تأهل الاتحاد إلى نصف نه ...
- -لعبة الحبار- الأكثر مشاهدة في تاريخ -نتفليكس-
- سوريا ولبنان يتصدران ترشيحات الجائزة العالمية للرواية العربي ...
- -أنا ست مصرية أصيلة-.. الفنانة داليا مصطفى ترد على أنباء طلب ...
- رفض طلب ترامب بشأن -قضية الممثلة الإباحية-
- امتحانات الثانوية العامة بالسودان.. كيف تهدد الحرب مستقبل ال ...
- خالد أرن.. رحلة 40 عاما في خدمة الثقافة والفنون الإسلامية
- لابد للكاريكاتير أن يكون جريئاً ويعبر عن الحقيقة دون مواربة ...


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الراعي - في حضرة الأم ووداعها.