أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-21















المزيد.....



نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-21


أمين بن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8216 - 2025 / 1 / 8 - 00:14
المحور: كتابات ساخرة
    


منذ سنوات... نهاية 2017، كان الليل، وكنتُ أنوي وبرغم التعب، أن أبدأ قراءة كتاب... صعلوك يتكلم عن تاريخ البلد، ويرى نفسه مثلما يراه الكثيرون... "عالما" و "مؤرخا" و "دكتورا" و "بروفسورا"... بـ "صعلوك" قصدتُ الفقر، الفقر المعرفي، والكثيرون يُمضون حيواتهم صعاليك جهلة درسوا الجهل منذ المدرسة حتى الجامعة، ثم أصبحوا دكاترة فيه، يدرّسونه لطلبتهم، ويبثونه في الكتب والإذاعات والتلفزات، ويُسمون "علماء" و "فلاسفة" و "مفكرين" و "مثقفين"، بهم سيتقدم البلد، وبجهلهم سيستنير المجتمع، وسيخرج من كهوفه وسجونه... لكن ملاك أصرّتْ على أن أشاهد معها فيلما، ففعلتُ... الأمر كان بيّنا... وراءه رسالة، عليّ أن أفهمها ثم أتكلم و... أعطي رأيي، أو أواسيها، أو أحاول اقناعها برأيي إذا كان مخالفا لما أرادتْ من رسالتها... هكذا العادة مع رسائل ملاك... الخفية... المشفرة. وعندما انتهى الفيلم...
- أفتقدها أيضا
- ...
- هل أنا ملام في شيء ولم أتفطن؟!
- ليست متحفا ليبقى منها فقط... الصور!
- أنتِ غاضبة إذن... لكن فيما قصّرتُ؟
- آخر مرة تكلمتَ عنها؟ ذكرتَها؟
- لا أحتاج لذلك
- أنا أحتاج!!
- والنتيجة؟
- لن تستطيع ذلك! تعلم أنكَ واهم!
- الواقع الذي عندي أنها رحلتْ، ولن أرض بأن تتحولي إلى زومبي!
- رحلتْ؟!
- جسدا نعم
- ...
- أكثر من 15 سنة الآن... ونحن لا نزال طلبة صغار... في تلك الكلية...
- لن يتغيّر شيء حتى بعد ألف سنة!
- طيب... فهمتُ... الملكة تريد كيس الملاكمة المعهود... أنا حاضر
- ليست لحظة مزاح!
- ولستُ أمزح... لا يوجد شيء أُلام عليه، لكنكِ تفعلين... أقبل بذلك... وأتفهم
- لستُ بحاجة إلى نفساني!!
- من أنتِ بحاجة إليها... لن تعود، ولا أحد سيملأ الفراغ الذي تركتْه... للأسف!
- كنا نستطيع منعها!! ولم نفعل!!
- لا أحد كان يستطيع... وإن كان أحد، فقطعا لم يكن... أنتِ!
- كنتُ أستطيع ولم أفعل...
- غير صحيح... ولا أريدكِ أنـ
- كنتُ أستطيع ولم أفعل!! تعرف ذلك... تعرف الذي بيننا!!
- إذا أردتِ الحقيقة... نعم أعرف لكني أحيانا كثيرة... لا أزال أتساءل كيف وُجدتُ بينكما...
- أسلوب ذكي... تُحاول تحويل الكلام عنكَ لا عنها... أعرف قصدكَ... وذلك لا يُعجبني!
- أستسلم إذن... لكنكِ لستِ مسؤولة عن أي شيء... إلا إذا رأيتِ المعزة تطير
- كانت تكره قصة طيران المعيز هذه...
- أقول وتعدينني ألا تغضبي؟
- لا أعد بشيء... لكن قل
- احكمي مثلما شئتِ... خيار صعب... أو يظهر كذلك مع أنه ليس كذلك... يهمني منه فقط النتيجة النهائية
- قل
- لو خُيّرتُ بين أن أُعيدها للحياة مكانكِ لن أفعل، أما أنتِ فستفعلين... صحيح؟
- دون تردد
- غير صحيح
- ماذا؟
- سأفعل!
- لم أغضب، لكني
- استغربتِ؟
- نعم
- لأنكِ، منذ مدة طويلة، غائبة عن واقعكِ
- غير صحيح... أنتَ لا تتكلم!
- وأنتِ لا ترين...
[https://en.wikipedia.org/wiki/Lovesong_(film)]
قبل ذلك بسنين طويلة، وبعد أن علمتْ ملاك بكارين... حصل الكثير، وكان القرار الأخير أني كلما شعرتُ بأني سأنحرف عن الطريق، يجب أن أتصل بها، أن أمشي إليها، أن أقف أمامها... مهما كان الوقتُ، المكان، الظرف... لكني لم أفعل لسنوات ولم ألتزم... لم أنحرف حقيقة، لكني رأيتُ أني كذلك، وكان انحرافا سيزيدنا خرابا، وسيزيد ملاك غرقا في الماضي لو هرعتُ إليها طالبا العون والنجدة... انحرافي كان... إيمان... التي لم تغب منذ أن رحلتْ... كل قصص الجامعة انتهت، لم تبق مجرد ماضي ومجرد مغامرات شباب نعم، لكن كأيقونات معلقة في سمائي، أتذكرها، لا أنساها، ولا أنف من كل شيء فيها ذرة... لكنها بقتْ ماضيا، جميلا بكل ما كان فيه، لكنه انتهى ولن يعود، ولا رغبة لي في إعادته... باستثناء إيمان التي لم تكن يوما من الماضي، بل كانت حاضرة في كل خطوة نخطوها... أنا وملاك التي فعلتْ الكثير وقبلتْ مني كل ما حصل... كثيرا ما قالت لي أنها قبلتْ بذلك الأمر أو بغيره من أجل إيمان... لأنها أحبتني وكانت الأضعف... ولو كانت حاضرة ما قبلتْ أن تتصرف ملاك ذلك التصرف في شأني... مع مرور الأيام والأعوام، ينسى البشر عادة، لكن غيرهم لا ينسون، فيتحول الماضي عندهم إلى أرباب تُعبد! احتقرتُ الأديان منذ صغري، ولأستاذة الإسلامية ماما، الدور الأكبر في ذلك، لكني لم أكن أرى أي فرق بين من يسجد أمام أيقونة العذراء ويكلمها، وبين ملاك عندما تقف أمام صور إيمان أمامي وتُكلمها، وبيني عندما أفعل نفس الشيء... وحدي، عندما أمشي بجانب البحر وأكلمها... وكثيرا ما أراها وأسمعها وأجري وراءها وهي تهرب مني ضاحكة! ثم تتركني واقفا وترميني بملابسها وترتمي في البحر، فتسبح وتناديني، فأراها وأسمعها، وأفكر في اللحاق بها، وأستيقظ لأتفطن ألا أحد معي وأن الطقس بارد ربما أهلكني لو تبللتُ! وألعن نفسي وأغضب وأنظر حولي وخلفي فأطمئن ألا أحد رآني!! وعندما أعود لسيارتي، أجد أن ملاك اتصلت مرات عديدة، فاتصل وأعتذر، وأقول أني توقفتُ بجانب الطريق ونمتُ!! نعم، الحادية عشرة ليلا، الوقت شتاء، ولستُ في المنزل لأني... نمتُ في الطريق! وعندما أعود تفهم أن ما قلته غير صحيح لكني لم أستطع إخبارها بالحقيقة... لم أستطع إغراقها أكثر! انتهينا من مسألة المغامرات منذ زمن، ويستحيل أن تُفكر ملاك في ذلك... لكنها كانت تعلم أن هناك شيئا ما... وذلك الشيء، ضعفتُ وأخبرتُها به ليلة ذلك الفيلم... فيلم بسيط وربما بائس نعم، لكن في آخره إعلان حب بين صديقتين، حب إلى الأبد، وقبلة... تلك النظرات الصامتة التي قالت كل شيء... ذلك المشهد فقط... ذكّر ملاك بما حدث سنوات طويلة خلتْ... ودامتْ الحيرة شهرا كاملا... الشهر الذي أخذتُه سارة... والذي لم أُنكره! لا وقتها ولا بعد... حتى بعد مرور السنين... لم أفعل.
تلك الليلة علمتْ ملاك الكثير مما أخفيتُ عنها لوقت طويل، لكنها لم تكن تتصور إطلاقا أن تسمع آخر ما قلتُ لها... "وقتها كانت الجنس وكنتِ الحب، ومنذ أن رحلتْ صرتِ الجنس وبقتْ هي الحب!"... ليلتها كانت ملاك غارقة منذ زمن، فزدتها طنا من المعادن ربطته بساقيها! كان تعبد ربّتها وحدها أو كذلك كان يظهر الأمر، فاكتشفتْ مؤمنين أشد إيمانا منها! وذلك حتما سيزيدها إيمانا وصلابة فيه! ولذلك لم أستطع منعها من لايتيسيا!! التي لا يزال يظن مقربونا أن ملاك عوّضتْ فيها الأطفال الذين لم تنجبهم... اللعنة على الأطفال، آخرُ آخرِ اهتماماتنا!
ردتْ ملاك، أني لا أزال أتخبط... ولم أفهم بعد طبيعتي؛ جيناتي معجونة بحب الجميلات، ليس النساء بل الجميلات، وما عزوفي عنهن منذ كارين إلا رحلة إعادة تأهيل فرضتُها على نفسي... وكانت غيرة جميلة منها، فالأمر لم يكن كذلك، لأنه حتى إن كان، فهو لا يُفسّر بقاء إيمان... الجميلة بقتْ أيقونة في سمائي، تُتذكر، لا تُنكر أكيد، لكنها لا تُتذكر كل لحظة و... لا تُعبد... مثل إيمان! غريب جدا ولا منطق في تأثيرها المتواصل علينا! وغريب جدا كيف لم يتغير ما نشعر به نحوها! لا تزال ملاك تغار منها، ولتهرب من تلك الحقيقة، ألصقتْ كل شيء بي... وبطبيعتي! وذلك حال المؤمنين عامة فهم يُبعدون أربابهم عن كل نقيصة، ويحاولون إلصاقها بالآخرين، وإن عجزوا اتهموا أنفسهم لا آلهتهم... وفيما رأيتُ وقلتُ، نفس ما فعلتْه ملاك، فأنا ألصقتُ بها واتهمتُها مثلما فعلتْ... نحن سيان! مؤمنان! من نفس الطائفة... نتفق على الأصول، وعلى أغلب الفروع... ولا نختلف إلا في القليل، والقليل جدا، الذي لا يضر... لا يُفرق بيننا. مسألة الأصول، لم أفهمها وألتزم بها إلا بعد كارين... يوم وعيتُ جيدا أني مُوحّد في عالم الواقع، عالم ملاك... ومُوحّد في العالم الآخر، عالم إيمان، الذي سأعيش فيه أبدا... يوم فهمتُ أن ملاك سترحل قطعا، ولن تعود، إن ارتددتُ مرة أخرى... وكانت ستفعل، فالزنديق أخطر من غيره على الإيمان مثلما رأتْ... لكني لم أر نفسي زنديقا، بل كنتُ أقرب إلى الاستهتار وضعف الإيمان، كذلك الذي يقرأ في كتب الملل الأخرى ويُعجبه ما فيها لكن دون أن يُنكر كتُبَه... وسارة كانت، من أهم الملل، ومن أروع الكتب التي قرأتُ...

تركتني إيمان أمام كافتيريا الكلية، وغادرتْ، بعد أن قالتْ: "سأذهب إلى ملاك... أرجو أن تفتح لي!"... في عقل إيمان، لم تكن وفاء مجرد صديقة جديدة غضبت ملاك من وجودها، لم تكن مجرد غيرة حدثتْ بين صديقتين أو أختين إحداهما اهتمتْ أكثر بغير الأخرى... بل كانت خيانة! كتلك الذي تحدث بين الأزواج... وكان دليلا آخر، أن الذي بينهما لم يكن مجرد صداقة مهما كانت مدتها وقوتها وحميميتها... إيمان اقترفتْ محظورا لم تكن تعلم هل سيُغفر لها أم لا، وذلك المحظور أربكها كثيرا... فوفاء لم تكن مجرد معرفة جديدة، أو مشروع صداقة قوية، بل بعد وقت قصير سارتْ في طريق ملاك، وعندما أحستْ إيمان أنها قد تُكمله وقد تصل إلى آخره، وفي ذلك أخذُ مكانِ ملاك، هربتْ وأوقفتْ كل شيء. لاحظت إيمان أنه لا يوجد إلا مكان واحد، والمكان الواحد يعني معنى وحيدا: الحب! تماما كالعلاقات الزوجية أين لا يمكن أن يأخذ أحد مكان المرأة أو الرجل... لكن ملاك لم تكن رجلا، وعلاقتهما لم تكن علاقة "زوج"، ولو كانت كذلك لكانتا مثليتين ولكان جنس، وإيمان تيقنتْ من أن ما شكتْ فيه حول مثلية مخفية داخلها كان مجرد فيل، وهم، مثلما قالت ملاك.... لم تهرب إيمان من الاعتراف بحقيقة ما اكتشفتْ، بل من عيش تلك الحقيقة، ولذلك أوقفتْ ما كان سيقع مع وفاء... الحقيقة لم تستطع مواجهتها فقط، لكنها رأتها واختبرتها: ملاك ليست استثناء بل يمكن أن يحدث الذي معها مع غيرها! وقد حدث! اكتشاف إيمان لذلك، كان في صالحي، لأن إيمان عرفتْ كيف يمكن للمرء أن يحب شخصين في نفس الوقت وبنفس القوة! ولذلك لم تُؤنبني ولم تهتم كثيرا لما حصل مني مع وفاء... اهتمت فقط لكيف قبلتْ هي وملاك بوجودي بينهما، وعندما قارنته بإمكانية وجود وفاء، أجابتْ أنها هي قبل ملاك لن تستطيع، وحتما سيفتر كل شيء بينها وبين ملاك، لأن وفاء ستأخذ كل شيء! الشيء الذي لم يحصل معي، ولن يحصل، لأن الجواب عن الاختيار بيني وبين ملاك عندها أو بينها وبيني عند ملاك لا شك فيه، أما مع وفاء فلا يجب أن يوجد أصلا لأن إيمان لن تختار ملاك! قالت إيمان أنه قبل الذي حصل مع وفاء، كانت ملاك الأهم عندها، امرأة أهم من كل الرجال، ملاك استثناء، ويمكن فهم ذلك وقبوله، لكن بوجود وفاء لم تبق ملاء استثناء، ووجود وفاء يعني أنه يمكن أن توجد غيرها، وذلك يعني أن النساء أهم عند إيمان مني ومن كل الرجال، وهذا إن لم يكن مثلية ماذا يمكن أن يكون؟! وأجابتْ إيمان أنه ليس كذلك، بما أنه لا يوجد جنس! ما ظنته رغبة مع ملاك لم يكن كذلك، ومع وفاء بحثتْ عن أي رغبة نحوها فلم تجد شيئا من كل ذلك! سؤال حيّرها هنا... ماذا لو لم تكن وفاء جميلة؟ جميلة الجسد! هل كانت إيمان ستشعر بما شعرتْ به نحوها؟ ومباشرة مرتْ ببالها جامبو! الجميع يحبون جامبو... حتى الحجر والشجر! وإيمان تُحب جامبو بل تعشقها! لكن ككل الطلبة والأساتذة وليس مثلما بدأت ترى وفاء أو مثلما تنظر لملاك! وجامبو ليست جميلة!! قارنت إيمان بجسد الرجل، وقالت أن جسدا يُعجبها وتُحب صاحبه، ترغب فيه، ونفس الشيء مع ملاك ووفاء لكن بدون رغبة، وحتى النظر لا يُرافقه أي تخيل أو فنتازيا بعكس جسد الرجل... وباقتصارها على الجميلات من عالم النساء، كانت كمثلية لكن بدون رغبة جنسية... لم تكن إيمان تعلم وقتها بوجود بشر كذلك، وعادة ما تكون طُرُقُهم لمعرفة حقيقة ميولاتهم الأصعب من غيرهم، أولئك البشر لا جنس في عقولهم وواقعهم، لكنهم قد يُحبون الجمال وقد يقبلون ببعض الجنس، القليل جدا منه، كضمة، أو قبلة... قبلة بدون شهوة، كقبلة على شفتي رضيع، أو على شفتي ابن أو ابنة من أب أو أم أو عم أو خالة... قبلة كقبلة ملاك تلك الليلة... ليلة دومي مور. مع وفاء، كانت إيمان ‍ذكية، عملية، واقعية، وسدّتْ كل الأبواب منذ البدء، لا يمكن أن تخسر من تعرفها منذ الطفولة، بعكس من عرفتها منذ أيام، الاختيار كان سهلا وواضحا، برغم أن رقعة صغيرة في داخلها تمنتْ لو استطاعتْ الجمع بينهما، لكنها كانت صوتا خافتا، استطاعت تجاهله... المحصلة أن إيمان، رأتْ أنها قامتْ بالكثير، قاومتْ، حاربتْ، ولم يبق ينقصها إلا صفح ملاك عن خطئها، عن خيانتها. كانت متأكدة منه، لكنها لم تكن تعرف الوقت الذي سيأخذه... في طريقها إلى منزل ملاك، حضّرت نفسها لغضبها، لأقوال ربما تكون جارحة مؤلمة، لألا تفتح لها، لأن تطردها... لكن، لم يخطر ببالها قط الذي سيقع...
عندما وصلتْ، وقفتْ إيمان مباشرة أمام الباب، لم تطرق ونظرتْ للحظات إلى ساقها اليمنى التي كانت تُحركها بسرعة، ثم أوقفتْ تحريكها، وطرقتْ دون أن ترفع نظرها، وبقتْ كذلك حتى فُتح الباب... لم تتكلم ملاك، ولم ترفع إيمان نظرها وقتا، ثم فعلتْ، وعندما وقعتْ عيناها علي عينيّ ملاك، دخلتْ وتركتْها، فبقتْ إيمان في مكانها لحظات، ثم دخلتْ، وتبعتْ ملاك إلى غرفتها، فوجدتها جالسة على السرير، تنظر إلى ساقيها، ولم تنظر لها، فدخلتْ ووقفتْ أمامها مباشرة... لوقت طويل دون كلام...
- أنا هنا الآن... من أجلكِ... لا أريد أي شيء... لا أريد أحدا... غيركِ
- ...
- أسبوعان أو ثلاثة... قطرة في بحر مقارنة بـ... عمر
- ...
- لماذا قبلتِ أن تتركينني؟ حتى لو طلبتُ ذلك! دائما تقولين أني ضعيفة... فلماذا تركتني؟ كنتُ في حاجة إليكِ
- الأضعف نعم، لكن لم تكوني وقِحة!
- لم ألمكِ... الخطأ خطئي... لكنكِ تركتني!
- نعم... أنا السبب! وذلك يُسمى وقاحة!
- انظري لي
- لماذا لا يحدث معي كلما يحدث معكِ؟! لماذا لم يحدث أي مرة!؟ لماذا دائما أنتِ هكذا؟!
- لأني الأضعف... الأغبى... ضعيفة وذليلة وبدون كرامة وعزة نفسـ... انظري لي
- لا أريد، اجلسي على الكرسي... ابتعدي من أمامي
فاستدارت ملاك دون أن تنظر إليها، واستلقت على السرير، ثم على جنبها الأيسر وتركتْ إيمان وراءها... فمشتْ إيمان إلى جهة السرير الأخرى، واستلقتْ على ظهرها...
- لستُ مثلكِ، لم أكن يوما كذلك! كل شيء واضح عندكِ... بعكسي
- ...
- لكني هنا الآن! أخطئ وأكتشف خطئي فأعتذر وأعود! وأنتِ تغفرين لي وتتجاوزين! أستحق ذلك! لم يتغير شيء الآن!
- ...
- كنتُ مرتبكة... مشوشة... ولم أعرف ماذا أفعل! كنتُ بحاجة إليكِ مثلما كنتُ دائما! لكنـ... لستُ ألوم... لكني كنتُ وحدي! ولستُ أبرر لنفسي! لكني... كنتُ وحدي! وكل شيء حدث بسرعة...
- ...
- لم يكن سهلا عليّ أن... أنـ... أن أشعر... بــ... برغبة... رغبة نحوكِ... ذلك معناه أني كنتُ سأخسركِ! وذلك ما لا يمكن حتى أن أتخيل حدوثه! تعرفين كم أحبكِ... ولا أعلم كيف حدث ذلك! ولماذا ليلتها! ولماذا حتى بعد ما قلته لي لم تُغادر الفكرة عقلي! الآن غادرتْ ذهني ولم تعد موجودة وفهمتُ أنها... فيل... مثلما قلتِ... لكن لزمني وقت لأفهم! ماذا أفعل؟ أنتِ فهمتِ في لحظة، أنا لزمني وقت! غبية لا أفهم بسهولة وبسرعة! ماذا أفعل؟!
- ...
- لكني أرى أن أهم شيء، أني هنا الآن! الماضي مهما كان، يمضي وينتهي، لكن الأهم هو الحاضر والمستقبل!
- ...
- لا أستطيع حتى تخيل احتمال ألا نكون معا، مثلما كنا دائما وأحسن، في المستقبل! لا تفعلي ذلك بي!
ثم أدارتْ إيمان نظرها إلى يسارها، بعيدا عن جهة ملاك...
- الزوجة التي شَبَّهتُ بها لم تقع في المحظور، وتراجعتْ عندما فهمتْ... في البدء لم تفهم... لم تكن نيتها... لكنها ما إن فهمتْ حتى تراجعتْ! فهل ستُحاكم وتُجرم؟ هل ذلك عدل؟
- لا... من المفروض تُشكر
- لا تُشكر... لكن على الأقل لا تُحاكم... هي لم تخن زوجها لتُجرّم!
- تعرفين جيدا أني أعرف أنكِ تعرفين أن كلامكِ غير صحيح
- أنا هنا ملاك! لا شيء غير ذلك يهم!
- لمن؟
- لي ولـ...ــكِ...
- استديري لي
- وجهكِ يُخيفني! هذا الهدوء الذيـ
- إعادة التوجيه ستكون فكرة حسنة
- شعرتُ أن هدوءكِ وراءه شيء! وكنتُ محقة!
- بجد... لم لا؟ كنتِ تريدين ذلك... لم لا؟
- لهذه الدرجة؟!!
- ...
- نظراتكِ باردة... كلها ازدراء واحتقار! لا أستحق منكِ هذا!
- كنتِ تريدين الابتعاد عنه... ستبتعدين بذلك عنه... ونبتعد
- لا أصدق أنكِ تقولين هذا!
- نعم... لم لا؟ وفي نفس الوقت ستكونين معـ
- لا أريد أن أكون معها! كنتُ أستطيع ذلك لكني لم أرد ولا أريد!
- لن أفرض عليكِ... الأمر يخص مستقبلكِ... لكن اعلمي أني أريد ذلك
- تريدين التخلص مني؟!
- أريدكِ أن تكوني سعيدة... مع من تريدين... لا أريد أن أكون العقبة
- تغيرتِ! لم تكوني هادئة هكذا من قبل! وعلمتُ أن هدوءكِ
- ماذا؟! وقلتُ لكِ أنه لم يعد يعنيني نهائيا... تنتقلين إلى الصيدلة، تكونين مع صديقتكِ الجديدة، وتُواصلين معه...
- ماذا فعلتُ لأستحق منكِ كل هذا؟!
- لم تفعلي أي شيء...ولم أجبركِ على أي شيء... ألم تقولي أنكِ غبية وبطيئة الفهم؟ أنا أفهم منكِ، وأعطيتكِ ما تريدين حقيقة... أُجنّبكِ أسابيع انعزال وحيرة...
- هل حقا تظنين هذا بي؟!
- لا أظن! هذه هي الحقيقة
- لا أصدق! لكني... لا ألومكِ! الخطأ خطئي!
- لم تُخطئي في أي شيء... كل ما حصل حدث برغبتكِ وإرادتكِ... لم تكوني مُخدرة
- كنتُ مضطربة! مشوشة! لم أكن بكامل مداركي! حتى في محكمة وأمام قاضي سأُعذر!
- كيف لم تكوني بكامل مدارككِ؟ على من تضحكين؟ عليّ أو على نفسكِ؟
- إذن حكمتِ وقررتِ ولا قيمة لأي شيء سأقوله...
- لم تكبري إيمان... لا تزالين تلك الطفلة المدللة التي لا تعرف لا حدودا ولا ضوابط... تريد كل شيء يُعجبها... تريد أن يُحبها الجميع وحدها وأن يفنى العالم بأسره من أجلها دون أن تُحرك ساكنا
- مريضة نرجسية إذن ولا أهتم إلا لنفسي؟!
- راجعي ما حدث منذ بداية السنة، واحكمي
- نعم... صحيح! أعجبتني لعبتكِ فبكيتُ وصرختُ فتقاسمتِها معي... ثم بحثتُ عن لعبة جديدة وبسرعة مللتُ منها فعدتُ إلى لُعبتي القديمة... أنتِ! هذا ما حدث أم أنا مخطئة؟
- لم تملي منها... قلتِ أنها رائعة في كل شيء
- نعم... وقلتُ أني أخطأتُ وأوقفتُ كل شيء! وها أنا هنا أعتذر منكِ وأقول أني أخطأتُ ولا أريد أحدا غيركِ!!
- ...
- وقولي أنها رائعة ربما أكون مخطئة فيه! لأني وقتها كنتُ مشوشة الذهن! ربما الآن سأحكم غير ذلك
- تستطيعين التجربة
- لا أريد ذلك! أريد فقط أن نعود مثلما كنا!
- ستبقين دائما صغيرة، ضعيفة، وغبية
- ...
- لأن الماضي يستحيل أن يعود... هل فهمتِ؟
- أصبحتِ غريبة ملاك! من أين جئت بكل هذا الهدوء؟! اللامبالاة قمة العنف والاحتقار! أهذا ما أرى على وجهكِ؟!
- والألم... لم تري الألم في وجهي؟ انظري جيدا
- ...
- لا! لم تري شيئا؟
- ...
- سأقترب منكِ لتري أوضح
- ...
اقتربتْ ملاك حتى صار بين وجهيهما قرابة شبر، وسكتتا... بقيتا كذلك وقتا طويلا... طويلا جدا، كل تنظر مباشرة في عينيّ الأخرى. قالت العيون كل شيء، وتطورت الأقوال من جهة ملاك من اللامبالاة إلى الغضب والعنف إلى الشفقة إلى التعاطف إلى أشياء أخرى غريبة، من جهة إيمان كان الخوف والاستجداء ثم التسليم واللامبالاة ثم التساؤل ثم الغبطة ثم الاستغراب... لم تتحرك إيمان، لكن ملاك آخر تلك المعزوفة الصامتة فعلتْ... عيون الاستغراب بدأتْ مع إيمان، عندما أنزلتْ ملاك نظرها قليلا إلى أسفل، ثم أعادته إلى أعلى، ثم إلى أسفل، ووجهها يقترب أكثر فأكثر... ثم شعرتْ إيمان بوقع شفتيها، على شفتها السفلى، وكانت قبلة أولى... ثم شعرت بهما تتنقلان إلى أعلى، إلى شفتها العليا، وكانت قبلة ثانية... كانت ملاك قد أغمضتْ عينيها، أما إيمان فلم تفعل، عينان تراقبان ما يحدث في استغراب لكن دون ردة فعل... وفجأة، ودون أن تعلم كيف، أغمضت إيمان، وكانت قبلة ثالثة... الأولى والثانية كانتا لملاك، لكن الثالثة كانت لهما... معا... لم تكن ملاك وحدها... لم تكن إيمان وحدها... لكن كانتا معا... وكان الفعل وردة الفعل... مع تلك الثالثة طُرق الباب... في تلك اللحظة، لم تتحرك إيمان، لكن ملاك انتفضت، وأبعدتْ وجهها قليلا إلى الخلف، نظرتْ نظرة سريعة لوجه إيمان، ثم إلى أسفل، و... "أأأ...أأأأ... سـ... سأرى من يطرق..."... ثم فتحتْ الباب، ودخلتُ... ثم مرتْ إيمان بجانبي، وغادرتْ دون كلام... ثم وقع الحوار القصير بيننا...
(- ما الذي حدث؟
- ماذا تريد؟
- أريد أن أشرح لكِ، عليّ فعل ذلك، ومن حقي أن تسمعيني...
- طيب... تفضل... قل
كنا واقفين، وكانت تقضم أظافرها ناظرة إلى أسفل... شعرتُ... وكأنها قالت دون اهتمام "هيا قل ما عندكَ واخرج"...
- هل أنتِ بخير؟
- نعم... نعم أنا بخير... ماذا تريد أن تقول؟
- لا أعلم... عندي الكثير لأقوله، لكن أظن أن الوقت سيء
- نعم...
- هل تريدين أن أغادر؟
- نعم... لـ... لا... مثلما تريد...
- بل مثلما تُريدين... تُصبحين على خير...
- ...
وغادرتُ...)
كانت إيمان تمشي بسرعة، أحيانا أقرب للجري من المشي... كانت الحيرة، وكان الخوف حد الرعب... تنظر يمنة ويسرة، وأحيانا وراءها، وكأنها هاربة ممن يُطاردها... كانت تتنفس بسرعة، وأحيانا يتبع نسق نفسها صوت، صوت كذلك الذي يُسمع عند مرعوب قبل أن ينفجر بالبكاء... وبكتْ إيمان، ولحظة بدء بكائها، قوّتْ من وتيرة سيرها، ثم جرت، ثم أبطأت، ثم توقفت لشعورها بالاختناق وانعدام الهواء، ونظرت حولها فلم تر أحدا، فمشتْ إلى شجرة، وجلست تحتها ظانة أنها نوبة من نوباتها... لكنها لم تكن، وعند تيقنها من ذلك، لم تقف، وظلتْ جالسة، وبكتْ طويلا، ثم سكتت، ونظرت لحظات أمامها، ثم قامت، ومشتْ ببطء حتى وصلتْ منزلها...
ملاك... عندما غادرتُ... بقيتْ في مكانها، أمام الباب... كانت الحيرة، ثم الخوف، ثم الغضب، ثم... الرغبة في التقيؤ! عندما استرجعتْ ملاك ما حدث، وعاودتْ رؤية تلك القُبل، شعرت بالتقيؤ، فهرعت إلى الحمام، ونزلتْ على ركبتيها وقرّبت رأسها، ثم أدخلته بعد أن ضغطت لينزل الماء... كانت تتقيأ باكية، وتعيد إنزال الماء مرة تلو الأخرى حتى تبلل شعرها، وعندما أخرجتْ رأسها، ووقفت، نظرتْ إلى وجهها في المرآة، ولم تستطع مواصلة النظر، فأنزلتْ رأسها، وبكتْ طويلا دون أن تتحرك من مكانها... ثم خرجت إلى غرفتها، وعند الباب، رأتْ السرير، وعاودتْ رؤية ما حدث، فلم تدخل، ورجعت إلى الصالة، وجلستْ في أطرف البنك، ثم رفعت ركبتيها إلى مستوى وجهها، وأحاطتْ ساقيها بيديها، ثم وضعتْ ذقنها على ركبتيها، ونظرت أمامها... خالية الذهن، دون أن تُفكر في أي شيء... ودون أن تُحرك عينيها...
بعد أن هدأتا... سؤالان طُرحا، والثاني كان أصعب من الأول... 1- كيف وقع ما وقع؟ وكيف سمحتُ به؟ 2- لماذا أعجبني؟ القبلة الثالثة أدانت إيمان مع ملاك لأنها قبّلتْ هي أيضا، لو لم تكن تلك الثالثة لكانت الملامة الوحيدة ستبقى ملاك... القبلة الأولى والثانية لم تكونا كقبلة تلك الليلة، لم تكونا من قبيل قُبَلِ الشفاه التي يمكن أن تُقْبَل، بل كانتا من صنف واحد: صنف الجنس! والرغبة! لم يُشارك اللسانان صحيح، لكنهما قطعا ويقينا، كانا سيلتحقان بالركب لو لم يُطرَق الباب! وذلك يزيد السؤال الثاني صعوبة أخرى...
بداية القصة كانت مع إيمان، ورغبتها المفاجئة بعد غيرة غريبة مني، والمفروض أنها تكون من ملاك... الفيل كان عند إيمان، وملاك لم يكن لها علاقة بالأمر، بل سخرتْ منه، وأعطتْ أدلة واضحة ومنطقية قبلتها إيمان بعد فترة عزلة و... وفاء. وعندما عادتْ إيمان، عادتْ لصديقتها التي تيقنتْ أنها مرادها الوحيد، صديقة مع "حب"... صحيح، لكن... يبقى "حبا" مقبولا ومعقولا: "صداقة" قوية منذ الطفولة، واتفقتا على أن تسميتها "حبا"... لا مشكلة في ذلك. لكن أن تعود إيمان، فتجد أن المشكلة موجودة في ملاك وبدليل قاطع، هنا... مشكلة! والذي يزيدها إشكالا، أن إيمان وافقتْ أولا، ثم شاركتْ وأعجبها ذلك ثانيا، أي المشكلة فيها هي أيضا! وكل ما وصلتْ إليه بعد طول تفكيرها، الفترة الماضية، لم يكن إلا... وهما! والحقيقة كانت... ما رأته منذ البدء!
ملاك، لم يكن حالها أحسن، فهي المسببة الأولى، فكيف ستُفسِّر أنها هي مَن فعلتْ وأرادتْ وأعجبها كل شيء؟ أي الأولى والثانية والثالثة، وليس فقط الثالثة بالنسبة لإيمان! في تاريخ علاقة الصديقتين، كانت تقريبا الكبوة الأولى التي حصلتْ لملاك، لكنها لن تُحاسب عليها، ولن تبق علامة سوداء في أرشيفها، لأن إيمان كانت مشاركة، ولأن الوقت كان نهاية القرن الماضي؛ وخيرات هذا الزمان لم تكن موجودة... زمان المرأة بلحية وقضيب، والرجل برحم وفرج، واللارجل اللامرأة، و... النمر، والطاولة، والشجرة و... غيرها من الخيرات.
بعد أن خلدتْ كل إلى فراشها، ولم يكن الأمر صعبا على ملاك العودة إلى سريرها... تساءلتا كثيرا، وفكّرتا كثيرا، حتى انتصف الليل، لكن النتيجة التي وصلتْ إليها كل منهما اختلفتْ... شبّهتْ ملاك حالها بمن يعيش مع نفس الجنس مدة، كسجن نساء، أو مركب يغرق فينجو منه عدد قليل... نساء يعشن على جزيرة خالية لأعوام... ويُمكن في حالة كتلك، أن يحدث ما حدث مع إيمان، بل ربما حتى أكثر! ولا يعني ذلك شيئا! أما إيمان، فقالت ألا شيء سيتغير، ستبقى ملاك... ملاك التي تريد وتحب، وربما من حين لآخر يقع ما وقع... إن لم يقع لا مشكلة، وإن وقع لا مشكلة أيضا! برغم أنها كلما تذكرتْ تلك القُبل لم تُعجبها، برغم استغرابها وعدم فهمها كيف راقتها في وقتها، برغم أنها كانت أقرب للتقزز منها لشيء آخر، إلا أنها قالتْ أنهما ستجدان الحل، ولن يكون ذلك عائقا بينهما... لم يفت إيمان الملاحظة والقول أن تلك القُبل، ستخدم مصلحتها، وربما جاءت في وقتٍ مناسب! لأن ملاك لن تهتم الآن لما وقع مع وفاء، بل سيكون تركيزها فيما حصل... رُب ضارة نافعة! ثم دون تفكير، قفزتْ إيمان من سريرها، واتصلتْ... ترددتْ ملاك لحظة، لكنها فعلتْ نفس الشيء، وردّتْ...
- ملاك
- نعم
- لا أدري ماذا أقول... ولا أعرف حتى كيف اتصلتُ الآن... كنتُ في فراشي... لم أستطع النوم... أردتُ... أردتُ أن أسمع صوتكِ
- لم أستطع عدم الرد... مرّتْ الفكرة ببالي لحظة... لكني لم أستطع... إيمان
- نعم
- لا أعلم كيفـ... كيف فعلتُ ذلك... أنا آسفة
- فعلنا... لم تفعلي وحدكِ... أنا أيضا آسفة... لكني... عُدتُ مثلما كنتُ وأعظم... كل شيء مرتبك إلا شيء واحد
- ماهــ
- رغبتي في أن نبقى مثلما كنا وأحسن!
- وهل تتصورين أن ذلك سيكون ممكنا بعد
- نعم! لن يتغير أي شيء!
- إيمان! تغيّر وانتهى! هل ستُغطّين الشمس بـ
- تغير! طيب تغير! لكن لن يتغير أي شيء بيننا!
- إلى متى ستبقين هكذا؟! ألا ترين أنكِ دمرتِ كل شيء بما قمتِ به! واللية أنا أكملتُ تدمير ما بقي!
- لا! لا أرى ذلك! ولمـ
- لا أعلم هل سأستطيع النظر في عينيكِ عندما أراكِ غدا! وأنتِ تصرين على أن المعزة تطير!
- ملا...
- أريد أن أنام الآن... تعبتُ، والوقت تأخر!
- ملاك؟
- نعم!
- أترككِ تنامين لكن عندي طلب صغير؟
- ...
- أرجوكِ
- ماذا؟
- في غرفتكِ الجهاز؟
- نعم
- اسمعي للآخر ثم اقطعي الاتصال
- إيمان! هل هذا ظرف ووقتُ أغاني؟!
- لن تخسري أي شيء... إذا لم تعجبكِ اقطعي الخط
- الجهاز لا يصل سريري!
- أعرف أنه يصل... لن تخسري شيئا... انتظريني فقط لحظة... لا تقطعي الخط أرجوكِ...
- ...
- ملاك؟
- نعم
- سعيدة أنكِ لم تقطعي... في سريركِ؟
- نعم!!
- طيب... فقط اسمعي... وبعد ذلك اقطعي الخط... سأسكتُ الآن... موافقة؟
- ...
- أرجوكِ... تكلمي... موافقة؟
- نعم!
- طيب... اسمعي... [https://www.youtube.com/watch?v=qde5NMy7WTU]
أعادتْ الأغنية ملاك، إلى أول سنة درستا فيها الإنكليزية، وإلى أستاذة الإنكليزية المميزة التي حببتْ الطلبة في المادة... ملاك وإيمان كانتا المميزتان، والأغنية كانت اقتراحا من الأستاذة لحفظها، بعد أن أهدتهما شريطا ومعه ورقة دونتْ عليها الكلمات... عند انتهاء الأغنية...
- ملاك... هل نمتِ؟
- لا
- تتذكرين ميس أماني؟
- لماذا فعلتِ ذلك؟
- أردتُ... فقط... أن نعود مثلما كنا... ولو للحظات
- ...
- ملاك... أعرف أني أخطأتُ... وأعلم أن الذي حصل... ليس... ليس هينا... كل شيء مخربط في رأسي الآن... لكن الشيء الوحيد الذي أنا متأكدة منه هو... أنتِ! ولا شيء يمكن أن يُغير الذي بيننا!
- إيمان
- نعم
- لننم الآن... و
- و؟
- شكرا على الأغنية... لم أسمعها منذ مدة...
- هل أستطيع أن أقول شيئا أخيرا؟
- نعم
- أحبكِ... ولم يتغيّر أي شيء.
- تصبحين على خير
- إلى الغد.
علاقات البشر معقدة، ويلعب الوقت فيها أحيانا دورا رئيسيا... بعضهم يعرفون بسرعة وليس الأمر دائما ذكاء منهم، وبعضهم يلزمهم زمن وليس الأمر دائما غباء منهم... أولئك الذين يلزمهم وقت طويل، أحيانا كثيرة يخسرون الكثير، ويمرون بجانب أهم الناس بالنسبة إليهم دون أن يتفطنوا... الأذكياء منهم، لا يتجاهلون تلك الشمعة التي بالكاد يُرى نورها من بعيد، من مكانهم، فيتبعون بصيص النور ذاك، وكثيرا ما يعثرون على ما لم يخطر لهم على بال... البعض يكتفون بما عندهم، ولا يبحثون حتى ليعرفوا كل شيء فيمن يعرفون وفيما يعيشون؛ أحيانا جهلا، أحيانا غباء، وأحيانا خوفا من خسارة كل شيء...
لم تكن ملاك من الذين يبحثون، بل ممن يكتفون بما عندهم دون أن يعرفوا كل شيء عنه... بعكس إيمان... ملاك كانت المطلق الذي لا يتغير، انتهى كل شيء في عالمها يوم فهمتْ أن إيمان ليست مجرد صديقة حميمة، هناك إيمان ثم أنا... دراسة، تخرج، عمل... انتهى كل شيء! والأهم أنه يستحيل أن يتغير! فصُدمتْ بعد وقت قصير بأنها بُدِّلتْ، في أقل من أسبوعين مع إيمان، وبعد ساعة معي! وكان الحل أن تطرد الخائنين من مملكتها، لكنها لم تستطع ذلك مع إيمان، بل وصُدمتْ أكثر، بجديد هزّ كيانها، وجعلها تكتشف ما كانت تجهله عن نفسها، فترفضه مطلقا، دون حتى التفكير في مشروعية وجوده... لم تستطع مع إيمان، ولن تستطيع معي... صدقتْ سارة في قولها لي أن سيارتي كانت سوداء، ولو لم أتبعها لكنتُ خسرتُ الكثير، وربما كان فاتني الكثير لأعرفه، عن نفسي، وعن... الحب!
طبع ملاك ذاك، برغم سلبياته، إلا أنها لو لم تكن كذلك، ما دام شيء... إيمان، أنا، كنا ننظر خارجا، لكن ملاك لم تكن تفعل، ولم تكن تنظر حتى داخلنا! واكتفتْ فقط بما ظهر... حتى منها هي! في تلك الليلة، مع إيمان، وبقبلاتها الثلاث، سيُغلق عند ملاك، باب الجنس تقريبا نهائيا، ولن يُفتح إلا بعد حضور كارين، صيف تخرجنا...
تلك الليلة، فهمتْ إيمان أكثر من ملاك... لم تكن الأضعف، ولم تكن الطفلة المدللة التي خشتْ أن تخسر لعبتها المفضلة، برغم ما حدث... بل كانت من فهمتْ الأصول التي تبقى الأهم، مهما كانت الفروع والقشور، والأصول كانت أهمية الذي بينهما، والذي لا يُمكن أن يُكسر مهما حصل... ربما فسر ذلك اتصالها، والطريقة الغريبة التي سار بها الحوار، فقبل قليل كانت باكية متقززة مما حصل، لكنها تجاوزتْ واتصلتْ... أَشبهَ اتصالها أيضا، وقتها، ما يشعر به البشر أحيانا بعد صدمة، فيتصرفون تصرفات غير مفهومة وغير معقولة، سُرعان ما يستيقظون منها، ويعون حقيقتها... وذلك ما حصل مع كل منهما في الغد...
نامتْ إيمان سعيدة، وسعادتها كانت من فكرة وحيدة نامتْ عليها... "ملاك باقية"... فقط. أما ملاك، فكانت الحيرة، كان الاستغراب، وكان الخجل! غادرتْ فكرة سجن النساء والجزيرة النائية عقلها، وشغلتْ المكان فكرة وحيدة... "إيمان أختي، وأنا قبّلتها وأعجبني ذلك!"...
في الغد، تجنبتْ كل منهما الأخرى، حتى في حصتيْ الأشغال التطبيقية... كانتا تعملان معا، لكن دون تبادل أي حرف... اليوم الذي بعده، كانت المحاضرة الأولى للعميد، أب إيمان... المدرج كان من ثلاثة صفوف، وعادتهما كانت الجلوس بجانب بعض... ذلك الصباح، جلستْ ملاك في أول الصف الأيسر، أطرف اليمين... وجلستْ إيمان، أول الصف الأوسط، أطرف اليسار... كان يفصل بينهما خطوات الدرج، متر ونصف تقريبا... التاسعة والربع، العميد يُلقي درسه متجها إلى الطلبة، تقف إيمان، تجمع أغراضها وتضعها في حقيبتها، ثم تقف بجانب ملاك، وتمد لها يدها اليسرى، تجمع ملاك أغراضها، وتمسك بيدها اليمنى يد إيمان، تقف، ويغادران من الباب السفلي... سكت العميد لحظة وقوف إيمان، وتابع كل الذي تبع ذلك دون أن يتكلم، ومثله فعل كل المدرج... ثم مشيتا دون ترك اليدين، حتى جلستا بجانب المكتبة، ولحظة الجلوس سحبتْ ملاك يدها...
- بالأمس... يوم كامل... لم نتكلم
- ...
- أردتُ أن أكلمكِ... لكني... لم أستطع!
- ...
- ولا أعلم لماذا!
- ...
- لا أحب هذا! عادتنا نتكلم في كل شيء! ما الذي تغيّر؟!
- كل شيء تغيّر...
- الذي حدث لم يحدث! نتصرف مثلما كنا وكأنه لم يحدث!
- نعم... كل شيء سهل عندكِ!
- ماذا تردين إذن؟!
- لا شيء!
- كلميني أرجوكِ! لا تفعلي هذا بي!
- ماذا تريدين أن أقول إيمان!! أشعر أني قذرة! كلي قذارة! بحر من الجافال لن يُنظّفني!!
- ...
- ...
- لا أشعر أني قذرة... خطأ صغير وانتهى
- صغير؟!
- نعم! وانتهى! ونعود مثلما كنا!
- لماذا يحدث كل هذا؟! لا أعلم ولا أفهم!!
- يكفيني شيء واحد أعلمه... أني... أحبكِ
- لا تقولي ذلك... لا تزيدي شعوي بالقرف والقذارة!!
ثم سكتتا طويلا...
- ملاك... أشعر بنفس ما تشعرين... ليس سهلا عليّ كل هذا! لكنـ... ليس قذارة أنيـ
- ماذا؟! لا أريد سماع ذلك مرة أخرى!! يكفيني ما أنا فيه!!
- أنتِ صديقتي المفضلة... الأولى... الوحيدة... ونعرف بعض منذ الصغر... كأننا جئنا لهذا العالم لنكون معا... لستُُ قذرة عندما أقولـ
- كل شيء تغير إيمان! كل شيء! ولا أعرف! لا أستطيع حتى أن أنظر في عينيكِ!
منذ أن جلستا وسحبتْ ملاك يدها، ظلت تنظر أمامها وإيمان متجهة نحوها تنظر إليها... وفي تلك اللحظة، أدارتْ ملاك وجهها إلى يسارها، فرأتاني قادما نحوهما... كان بعد العاشرة بقليل... (عندما وقفتُ أمامهما، نظرتا لي لحظة، ثم حولتْ كل واحدة نظرها عني... كانت نظرةً إلى غريب متطفل وقف أمامهما، غير مرغوب فيه... قلتُ لملاك: "فقط، أردتُ أن أقول، أني لم أفعل شيئا. فقط تكلمنا قرابة الساعة أو أكثر قليلا... فقط. قلتُ... ربما يعنيكِ سماع ذلك..."، وغادرتُ... دون أي جواب أو حتى النظر لي، وكل منهما كانت تنظر في اتجاه، عكس الأخرى...)
كان وقتُ قدومي سيئا جدا، وفي تلك اللحظة لم تكن ملاك لتهتم بما قلتُ... تلك اللحظة قد تكون من أهم الدروس التي على البشر فهمها وحفظها والعمل بها... انسحابي دون أن أفهم ما فاتني، ودون أن أتعمد فعله، كان الموقف المثالي الذي يجب أن يكون... عندما تكون حرب مشتعلة تشغل كل طاقة وتفكير من نحب ونريد، علينا أحيانا الانتظار وربما الانسحاب، لا أن نطلب أن نكون مركز الكون... علاقات كثيرة تُدمَّر، لعدم الفهم، وغياب الصبر؛ رجل يشعر بانعدام قيمته ووجوده لأن المرأة مهتمة بالمولود الجديد، أخت تغضب من أب أو أخ لأن كل الاهتمام أخذته أختها، صديق يقطع صداقة منذ الطفولة لأن حبيبة جديدة أخذت كل وقت صديقه، و... عرف يطرد أحد أهم موظفيه لأنه منذ مدة... شارد!
في العلاقات، أحيانا قد يكون الدواء في البرود بل وفي الخيانة! تطلب إعادة المياه إلى مجاريها من ملاك وإيمان شهرا، شهر انعدم فيه وجودي عندهما، فكانت سارة وشهرها... وعندما عادتا، أعادتاني لما كنا عليه، فكان دستور جديد، أُسس على الكذب الذي لولاه ما بقي الذي بيننا! لم تسمعا بسارة، ولم أسمع بقبلهما الثلاث، ولو سمعتا ما واصلتا، ولو سمعتُ ما واصلتُ... ستبقى إيمان على ذلك، بعكس ملاك، وبعكسي، لأننا سنسمع بعد كارين... وستكون النسخة المعدلة الأخيرة من الدستور الذي مازلنا نعمل به حتى اليوم... تقريبا!



#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-20
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-19
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-18
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-17
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-16
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-15
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-14
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-13
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-12
- الهولوهوكس: إلى كل التيارات الفكرية... دعوة وتحذير
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الحجاب بين ليبيا وأمستردام!
- فيلة
- وهم الدعوة إلى الإلحاد
- الإلحاد والملحد والحرية (جزء سابع)
- خرافة الهولوكوست وحقوق الإنسان... اليهودي!


المزيد.....




- بين البنيوية الشكلية والتداولية.. دراسة تحليلية للإشاريات ال ...
- بنزيما يوجه رسالة باللغة العربية بعد تأهل الاتحاد إلى نصف نه ...
- -لعبة الحبار- الأكثر مشاهدة في تاريخ -نتفليكس-
- سوريا ولبنان يتصدران ترشيحات الجائزة العالمية للرواية العربي ...
- -أنا ست مصرية أصيلة-.. الفنانة داليا مصطفى ترد على أنباء طلب ...
- رفض طلب ترامب بشأن -قضية الممثلة الإباحية-
- امتحانات الثانوية العامة بالسودان.. كيف تهدد الحرب مستقبل ال ...
- خالد أرن.. رحلة 40 عاما في خدمة الثقافة والفنون الإسلامية
- لابد للكاريكاتير أن يكون جريئاً ويعبر عن الحقيقة دون مواربة ...
- بعمر 30 عامًا.. نفوق الحمار الشهير الذي تم استيحاء شخصية منه ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-21