أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن الطوخي - قراءة في رواية - طائر التلاشي - للكاتب العراقي محمد رشيد الشمسي















المزيد.....


قراءة في رواية - طائر التلاشي - للكاتب العراقي محمد رشيد الشمسي


محسن الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 8215 - 2025 / 1 / 7 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


. تدور أحداث الرواية في مدينة " توخالو " التي منحها الطائر الداجن المقدس اسمه.
المدينة التي نفت نبيها " تخاخا " . فأصابها مرض التلاشي، غلإمر الذي جعل أبناءها يتضاءلون، وتقصر قاماتهم، حتى يصير الواحد منهم في حجم القملة، ثم ينتهي به الأمر إلى التلاشي.
اقتحم التلاشي حياة المدينة، فقلب الموازين، وأهاج المشاعر، ونزع الطمأنينة من القلوب.
اكتشف الناس نعمة القبر، ودوره الفعال في الخلود وإحياء الذكريات. القبر وجود آخر، أما التلاشي فهو العدم. تنويعة على مقام " ماكوندو " التي ابتكرها ماركيز، لكنها ليست "ماكوندو". وعزف على وتر " انقطاعات الموت " لساراماجو، لكنها تحمل هما مغايرا. هي نسيج وحده، بسردها الرشيق، ولغتها السلسة، وتخريجاتها المبتكرة، وما يسري في أوصالها من حس كوميدي ساخر، يشرِّح الحياة، ويعرض قلب الوجود لرياح الحقيقة، تلك الحقيقة التي تؤكد أن من يتوقف تدهسه قوانين الوجود التي لا ترحم. من لا يتطور ينتظره الفناء. فيتلاشى كالغبار، لا تضمه أرض، ولا يخلف أثرا.
صدرت الطبعة الأولى للرواية في مائتين وعشر صفحات من القطع المتوسط. مقسمة إلى ستة فصول. ينتظمها أربعون مقطعا عن دار ليسزتومانيا للطباعة والنشر والتوزيع بالبصرة.
وقامت بتصميم الغلاف الفنانة المصرية دينا السيد.
صدر المؤلف روايته بعبارة لتولستوي تقول: " الشخص الذي لديه فكرة خاطئة عن الحياة، ستكون لديه دوما فكرة خاطئة عن الموت".
فكرة عامة عن الأحداث
رغم أن الموت قد كف عن المجىء، نراه يلقي بظله على التجربة الروائية من كافة أركانها. فلا أحد يموت في " توخالو " منذ حكم قضاة المدينة بنفي الشاب " تخاخا " بعد إدانته بتهمة " تكدير الصفو العام"، وجلب العار بمهاجمته الطير المقدس الذي يقتات عليه أهل الجزيرة
طويت صفحة " تخاخا"، لكن نبوءته تحققت، إذ بدلا من أن يموت الناس، يأخذون في التضاؤل حتى يختفون تماما..
يتخذ الحاكم حزمة من القرارات لمواجهة الأزمة، لكن الأمر يتفاقم، فيشمل الجميع رجالا ونساء. حتى الحاكم والقضاة لم يسلموا من خطر التلاشي.
بعد أربعة عشر عاما من الأزمة، وتحت ضغط التظاهر المستمر للناس، يعلن الحاكم أن الثعبان الإله لم يعد نافعا لدرء المحنة، ويتخذ قرارا بالتحول إلى عبادة الطير الداجن " توخالو". فيأمر بهدم المعابد القديمة، وبناء معابد جديدة للإله الجديد. انشغل الناس بالهدم والبناء، وهم ينشدون:
الإله الجميل... صاحب الريش الأصفر
ابعد عنا التلاشي
الموت يحيينا من جديد
دعنا نموت... نموت
تفاقم الوضع، وأخفق الإله الجديد في جلب الموت. تزايد السكان بشكل مفرط، شحت المؤن، والمياه، ضاقت مساحة الجزيرة بأهلها، فعاد الناس إلي التظاهر والشكوى. وتدخل الحرس للمرة الأولى لفض المتظاهرين، فكان الحل الوحيد المتاح للخروج من الأزمة هو إعلان الحرب على الجزر المجاورة.
تتصدر المشهد شخصية جديدة، هي القائد " همالش " ووقع الاختيار على جزيرة " مانواتو " لقربها، ولوفرة خيراتها.
ينتصر الغزاة لأن الموت لا يطالهم. وتنفتح شهيتهم للاستيلاء على بقية الجزر، فيستولون على جزيرة مجاورة ويجلون أهلها
وتستمر الأحداث في التصاعد على صعيدين متوازيين
- استمرار أزمة التلاشي دون حل
- عجز الجزيرة المتفاقم عن استيعاب السكان المتزايدين
وفي نهاية المطاف يقرر القائد " همالش" الذي صار قزما في حجم سمكة صغيرة أن يقود المهاجرين الأوائل، والعودة بهم لكي يكملوا تلاشيهم في وطنهم. فيقودهم على مراكب صغيرة تناسب أحجامهم، لكنهم لا يجدون مدخلا إلى الجزيرة التي أحاطت بشواطئها بيوت متكدسة، وزحام من البشر، فيبيتون على مراكبهم الصغيرة حول الجزيرة. حيث تكتسحهم عاصفة وتفرقهم إلى عمق المحيط ليصيروا طعاما لأسماك القرش
المثير في الأمر.. هو انتهاء الرواية، بينما الأحداث- كما يقرر الراوي - لم تنته في الجزيرة حتى الآن... فهل لذلك من مغزى؟
... يكمن المغزى في الأفق العام للسرد الذي يشكل عالما موازيا، يستوحي بمهارة، وخفة ظل أزمة مجموعة من البشر ارتضت ان تسلم زمامها إلى حاكم ضيق الأفق، يتحلق حوله بطانة ترى الأمور في ضوء مصالحها
- تغص الرواية بالعديد من الإمارات والشواهد على غفلة الحاكم، وتبلد إحساسه، وجمود عقله
فهو لا يملك مهارة إيجاد الحلول، بقدر مهارته في خلق أزمات بديلة. رأينا ذلك في محاكمه " تخاخا " ونفيه بتهم باطلة، ثم في قرار استبدال الطائر الداجن بالثعبان كإله جديد. ثم في مواجهة تفاقم الأزمة بإعلان الحرب على الجزر المجاورة. ورفضه التعاون مع رسل العالم المتحضر، وحرق أوراقهم وأجهزتهم.
وبرغم الجمود، والسياسات الخاطئة، لم يجرؤ الناس على المواجهة، إنهم ينفذون أوامر الحاكم حتى بعد أن تحول إلى قزم في حجم سمكة. والخوف من التعبير عن الرأي يعكسه حوار الصيادين أمام قصر الحاكم. الذي أعده حوارا سياسيا يلخص حال الحاكم والرعية في دولة الاستبداد. يقول أحدهما للآخر: " هل نقول لأولادنا كانت تحكمنا سمكة صغيرة تسير على الارض"
فيجيبه: " الخوف الذي زرعه فينا يجعلنا نصمت. نحن جبناء، وهذا الجبن يجعلنا نخاف حتى من النملة.
ثم يفترق الصيادان على خوف وذعر من أن يكون أحد ما قد استمع لكلماتهم وهم يتمتمون: --_ نحن لم نقل شيئا.. الوداع أول وآخر كلمة نطقنا بها معا هذا اليوم. نحن لم نقل شيئا يذكر غير كلمة وداعا....
فأي شيء جناه الجبناء لقاء جبنهم عن التصدي للجمود والطغيان؟. لقد دفعوا إلى حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وهجروا قسرا من وطنهم، ثم عادوا وقد أصابتهم لعنة التلاشي ليجدوا جزيرتهم موصدة دونهم، لتفرقهم العاصفة وتفترسهم القروش.
في دولة الاستبداد، يتحول المصلحون، وأصحاب الرأي إلى معارضين. وتفصل لهم اتهامات تتخذ شكل تهديد الدولة أو النظام. ويتحولون إلى أعداء.
تخاخا النبي الملهم، الذي فطن إلى أصل الداء، دعا قومه إلى هجر الاعتماد على الطائر المتلاشي كمصدر أساسي لطعامهم. دعاهم إلى العمل والعودة إلى التغذي على الأسماك كسابق عهدهم. ورغم أن تلاشي الطائر كان واضحا للعيان إلا أن الناس تعاموا عن تلك الحقيقة، وفضلوا الطعام السهل الذي لا يحتاج عملا، ولا جهدا.
عوقب " تخاخا" بالنفي، وانقطع أثره، وحرم ذكر اسمه. رأينا كيف أن مجرد ذكر اسم "تخاخا" تسبب في إلقاء "ساسا" ورفاقه المتلاشون في السجن. وكيف تحول مزاج الحاكم في حواره الساخر الفكه مع أمه إلى النقيض لمجرد ذكرها اسم تخاخا في مقام التكريم. لقد عرفت السيدة الحكيمة أن نبوءة تخاخا كانت صادقة، وألقت اللوم في ساعتها الأخيرة على ابنها الحاكم لإعراضه عن النصيحة
أما البطولة في الرواية، فهي للحس الساخر الذي تميز به نسيج السرد. فقد كانت السخرية على الدوام من أجدى ضروب المقاومة لدى الشعوب المقهورة
تعري السخرية الطاغوت من قشرة الكبرياء التي يلتحف بها، وتنزع عنه الهيبة، وقد برع الكاتب في تحقيق هذا الهدف في مقاطع متعددة، قامت بدورين لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر
الاول: دور ترفيهي مشوق، يغري القارىء على مواصلة القراءة، ويوفر له المتعة والإدهاش. خاصة أنها سخرية مضفورة بخيال خلاق، وقدرة على خلق عالم مستقل بذاته، يقع على حواف العالم المعروف، لكنه لا يشبهه إلا فيما يتعلق بالخط السياسي الذي قصد الكاتب أن يضمنه تجربته.
أما الثاني: فهو كما أسلفنا يكشف حقيقة المستبد، ويعريه من هالة العظمة والقدسية التي يوفرها له مناخ السلطة. وسوف يقابل القارىء العديد من هذه المواقف التهكمية الساخرة التي تميزت بحس سليم، مفطور على التهكم الإيجابي. كما في حوارات الحاكم مع امه المتلاشية. وحوار القاضي الثالث المتلاشي مع ابنه، وأيضا في الحوار الساخر الممتع بين " ساسا " والحاكم
ولقد قام الحوار بدور هام في الرواية. إذ اعتمدت عليه أجزاء كاملة تميزت بالإيجاز والتكثيف، وأدت دورا هاما في كشف هويات الشخصيات وبواطنهم، وهو الأمر الذي دعم الحبكة، وجعل الصراع محتدما على أكثر من مستوى داخل الإطار العام لها.
رواية " طائر التلاشي" عمل ثري. لم أتناول إلا بعض قضاياه، وموضوعاته، وجوانب ثرائه. وهو يحتمل قراءات متعددة تستكمل جوانب لم أتطرق إليها
وأهمها التيمة التي تولت حمل عناصر التجربة، وهي تيمة الموت. فرغم غياب الموت إلا أنه يهيمن على مفاصل السرد كما أسلفت. وتناول هذا البعد يحتاج بالتأكيد إلى دراسة مستقلة



#محسن_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية - الأحجية المفقودة- للكاتب العراقي عامر العيث ...
- أبجديات القراءة لمشروع أحمد بوقراعة أنموذج - قصة: هيفاء البك ...
- الحس الاجتماعي التقدمي في قصة -العقدة- للأديبة العراقية/ نهل ...
- اللغة كوسيلة لإثراء المعنى في القصة القصيرة -مازال يحلم بلغت ...
- براعة الحشد في نص -الفأس- للأديبة المغربية / مهدية أماني
- قراءة نقدية للأستاذ الناقد اللبناني سليمان جمعة حول قصة -جوع ...
- استشعار الخطر في رواية- رجل يجلس على المقهى - للأديب/ أحمد ع ...
- البساطة قرين الفن في القصة القصيرة بعنوان - دميتي - للأديبة ...
- توسيع الدلالة في القصة القصيرة جداً, - أحلامي -, للأديب الفل ...
- إضمار الفكرة فى تضاعيف الصورة, فى نص - الأسيرة -, للأديب الع ...
- سطوة النص في المجموعة القصصية.. - قرى الملول - للأديب اللبنا ...
- جوهر التآزر الإنسانى فى القصة القصيرة -عروس النهر-. للأديب ا ...
- مخاتلة الحلم في القصة القصيرة جداً بعنوان - شواطىء - للأديب ...
- حضور الغياب في القصة القصيرة - الطائرة الورقية-. للأديب العر ...
- ملامح المنهج العلمي في القصة القصيرة - السبيل - للأديب المصر ...
- رحلة الحياة والموت فى نص محطات متعاقبة للأديب العراقي/ رعد ا ...
- فراشةِ البَوْح. نص يُطوِّع الزمان والمكان. للأديب الفلسطينى/ ...
- سياحة فى الدروب الوعرة لنص - الأدب القبيح- للأديب التونسى/ أ ...


المزيد.....




- بنزيما يوجه رسالة باللغة العربية بعد تأهل الاتحاد إلى نصف نه ...
- -لعبة الحبار- الأكثر مشاهدة في تاريخ -نتفليكس-
- سوريا ولبنان يتصدران ترشيحات الجائزة العالمية للرواية العربي ...
- -أنا ست مصرية أصيلة-.. الفنانة داليا مصطفى ترد على أنباء طلب ...
- رفض طلب ترامب بشأن -قضية الممثلة الإباحية-
- امتحانات الثانوية العامة بالسودان.. كيف تهدد الحرب مستقبل ال ...
- خالد أرن.. رحلة 40 عاما في خدمة الثقافة والفنون الإسلامية
- لابد للكاريكاتير أن يكون جريئاً ويعبر عن الحقيقة دون مواربة ...
- بعمر 30 عامًا.. نفوق الحمار الشهير الذي تم استيحاء شخصية منه ...
- الفنان خالد الخاني : انتهى زمن اللون الرمادي...


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن الطوخي - قراءة في رواية - طائر التلاشي - للكاتب العراقي محمد رشيد الشمسي