أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بهجت العبيدي البيبة - العرب والمسلمون بين أسطورة الماضي وسراب الحاضر















المزيد.....


العرب والمسلمون بين أسطورة الماضي وسراب الحاضر


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8215 - 2025 / 1 / 7 - 20:17
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في أزمنة التخبط والضياع، يميل الإنسان إلى البحث عن ماضٍ يلوذ به، كأنه ملاذه الأخير أمام صخب الحاضر وثقل المستقبل. هكذا يفعل العقل الجمعي العربي والمسلم في محاولته للهروب من تعقيدات واقعه. حيث نعيش أسرى وهمٍ جميل، وصورة خيالية صنعناها عن الماضي، ونقف عند لحظة مثالية هي في الأصل نتاج خيالنا، لا صدى لحقيقة التاريخ.

فالخلافة الراشدة هي أول ما يتبادر إلى الأذهان حين يُذكر ذلك “الماضي العظيم”. لكنها لم تكن خالية من الفتن التي شقت الأمة مبكرًا. فحين اشتدت أزمة عثمان بن عفان، لم تكن هناك يدٌ توقف الثوار الذين تجمعوا من مصر والعراق، لتتوج الفتنة بدمائه. أحاط الثوار بداره، ولم يتقدم الصحابة الكبار للدفاع عنه، رغم إدراكهم خطورة الموقف؛ بعضهم اختار الاعتزال، كعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص، وبعضهم امتنع عن التدخل خشية تأجيج الفتنة.
أما مروان بن الحكم، فكان قريبًا من عثمان في أيام الحصار، يحثه على التشدد في مواجهة الثوار. وحين وقعت الجريمة، لم يكن لمروان ولا لغيره دور فعّال في منع القتل، وتُرِكَ الخليفة الشهيد يواجه قدره وحيدًا.

سقط عثمان وهو يقرأ القرآن، متضرعًا إلى الله، بينما تلطخت صفحات المصحف بدمائه، تاركًا للأمة وصمة فتنة لم تبرأ منها لعقود طويلة.
وتوالت الكوارث مع حرب صفين التي اشتعلت بين علي ومعاوية وذلك في عام 657 ميلادي الموافق عام 37 هجري. فعلى ضفاف نهر الفرات، وقعت تلك المعركة والتي استمرت لعدة أيام، وكانت المواجهات شرسة وعنيفة.

وتقدر المصادر التاريخية أن عدد القتلى في فيها قد بلغ حوالي 70,000 مقاتل من كلا الطرفين: كلهم مسلمون. والتي انتهت دون تحقيق نصر حاسم لأي من الطرفين، مما أدى إلى اللجوء إلى التحكيم ووقف القتال مؤقتاً.

ولقد كانت معركة صفين نقطة تحول في تاريخ الإسلام، حيث أظهرت مدى تعقيد الصراعات السياسية والدينية في تلك الفترة، وأدت إلى انقسامات أعمق في الأمة الإسلامية.
وكان من أخطر نتائجها أن تحولت خلافة الشورى إلى ملك عضوض، بدأ مع معاوية الذي أقام نظامًا وراثيًا بالقوة والمكر.

وفي الأندلس، يبرز التناقض ذاته. نعم، كانت الأندلس مهدًا للعلم والفكر، لكن خلف القصور الباذخة كانت الشعوب تعاني الفقر والضرائب الثقيلة. فأمراء الطوائف انشغلوا بالاقتتال على الحكم، واستعان بعضهم بجيوش الممالك المسيحية ضد إخوانهم، مثلما فعل المعتمد بن عباد في صراعه مع خصومه.

في أواخر أيام ملوك الطوائف في الأندلس، كان المعتمد بن عباد، ملك إشبيلية، يواجه تحديات جسيمة من خصومه المسلمين ومن ملوك قشتالة المسيحيين. في خضم هذه الصراعات، وجد المعتمد نفسه مضطراً للبحث عن حلفاء غير تقليديين.
وفي لحظة من اللحظات الحرجة، قرر المعتمد أن يستعين بملك قشتالة، ألفونسو السادس، لمواجهة خصومه المسلمين. كانت هذه الخطوة جريئة ومثيرة للجدل، حيث أن الاستعانة بملك مسيحي ضد المسلمين كانت تعتبر خيانة في نظر الكثيرين. لكن المعتمد، رأى في هذا التحالف فرصة لإنقاذ مملكته من السقوط.

وبالفعل، تمكن المعتمد بمساعدة ألفونسو من تحقيق بعض الانتصارات ضد خصومه، لكن هذا التحالف لم يدم طويلاً. فقد أدرك المعتمد أن الاعتماد على القوى الخارجية قد يكون له عواقب وخيمة، خاصة عندما بدأ ألفونسو يطمع في أراضي الأندلس.
وفي نهاية المطاف، لجأ المعتمد إلى يوسف بن تاشفين، قائد المرابطين، لطلب المساعدة في مواجهة التهديدات المتزايدة من قشتالة. وهكذا، انتهت قصة المعتمد بن عباد بمزيج من الانتصارات والهزائم، والتحالفات المتقلبة، التي شكلت جزءاً من تاريخ الأندلس المعقد والمليء بالتحديات. وهكذا استُنزفت القوة، وتآكلت وحدة الأمة، حتى سقطت غرناطة وتبدد الحلم الأندلسي.

ومثل ذلك، نجد العصر العباسي الذي يُشاد به بوصفه ذروة التقدم العلمي. لكن خلف هذه الصورة كان هناك صراع دموي بين الخلفاء وأبنائهم وإخوتهم. فحرب الأمين والمأمون مثال صارخ؛ حربٌ بين الأخوين أكلت الأخضر واليابس، فبعد وفاة الخليفة العباسي هارون الرشيد، تولى ابنه الأمين الخلافة، بينما كان أخوه المأمون حاكمًا على خراسان. ولم يمض وقت طويل حتى بدأت التوترات بين الأخوين، حيث حاول الأمين تقليص سلطات المأمون، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية بينهما.

لقد استمرت الحرب عدة سنوات، شهدت الأمة الإسلامية خلالها انقسامًا كبيرًا وتفككًا في الوحدة السياسية. لقد كانت المعارك شرسة، وانتهت بانتصار المأمون وقتل الأمين في عام 813م. هذا الصراع الداخلي أضعف الدولة العباسية بشكل كبير، مما جعلها عرضة للهجمات الخارجية.

وبعد انتصاره، قام المأمون بتغيير السياسات الداخلية والخارجية للدولة العباسية. لقد كان المأمون داعمًا كبيرًا للعلم والثقافة، مما أدى إلى ازدهار الحركة العلمية والفكرية في عهده. ورغم أن الحرب خلفت آثارًا سلبية على الأمة، إلا أن فترة حكم المأمون شهدت تطورًا كبيرًا في مجالات المعرفة والعلوم. حيث كانت هناك عقول تبدع وتبتكر، لكن ما جدوى حضارة لا تستثمر قوتها في الحفاظ على وحدة شعبها؟.



ثم تأتي الخلافة العثمانية، التي يدعو البعض اليوم إلى بعثها كرمز لوحدة المسلمين وعزتهم. ولكن هذه الحقبة أيضًا لم تكن نقية كما يروج لها. نعم، قدمت الدولة العثمانية إنجازات ملموسة في ميادين الإدارة والتنظيم، وامتدت إمبراطوريتهم لتضم أراضي شاسعة، كما حمت حدود العالم الإسلامي لقرون طويلة من الغزو الأوروبي. غير أن هذه الصورة لا تعكس الواقع كله.

لقد كانت الدولة العثمانية تُحكم بقبضة حديدية، حيث كان السلاطين يحكمون دون رقيب أو حسيب. لقد كان الصراع على السلطة داميًا؛ بلغ بهم الأمر أن شرّعوا قتل الإخوة منعًا لأي محاولة انقلاب، وهي سياسة أطلقوا عليها “قتل الإخوة المباح” تلك التي لم يجد السلاطين العثمانيون صعوبة في إصدار فتوى من شيوخ الدين تتكئ على قاعدة: “أهون الضررين”، حيث قيل إن قتل فرد من الأسرة الحاكمة يمنع وقوع فتن أكبر تهدد الأمة. إن السلطان محمد الفاتح، الذي يُمجَّد لدوره في فتح القسطنطينية، كان أول من أسس هذا العرف. وبعد وفاته، استمرت هذه السياسة التي أزهقت أرواحًا كثيرة، إذ قام السلطان مراد الثالث بقتل خمسة من إخوته فور اعتلائه العرش، وكرر الأمر السلطان مراد الرابع الذي قضى على إخوته دون تردد.

أما الشعوب التي خضعت للحكم العثماني، فلم يكن وضعها أفضل حالًا. فالعرب، على وجه الخصوص، عانوا من التهميش والتأخر. حيث نُهبت ثرواتهم لدعم حروب السلطنة، وأُبعدوا عن مواقع القرار. ففي مصر، على سبيل المثال، استنزف العثمانيون موارد البلاد، تاركين شعبها يعاني الفقر والجهل، بينما يفرضون الضرائب التي أثقلت كاهل الفلاحين.

وحتى في الحقول العلمية والثقافية، فلقد شهدت الخلافة العثمانية جمودًا ملحوظًا. فبعد قرون من السيطرة، تحولت الإمبراطورية إلى كيان مترهل، لم تدرك قيمة العلم، فسبقتها أوروبا التي كانت تستعد لعصر النهضة. هكذا وجد العرب والمسلمون أنفسهم في حالة من التراجع الحضاري، الذي كانت ثماره المرة خسارة الأرض والتاريخ أمام الغزاة.

لكن مع كل ذلك، لا يمكن أن ننكر بعض الجوانب الإيجابية في الخلافة العثمانية. فقد كانت حصنًا حمى العالم الإسلامي من الطامعين، وحققت إنجازات على صعيد الإدارة العسكرية والتنظيم الإداري. لكنها في الوقت ذاته ارتكبت أخطاء كارثية في حق الشعوب، وصراعاتها الداخلية أضعفتها، ما أدى في النهاية إلى سقوطها تحت ضربات القوى الأوروبية الطامعة.

إننا حين نتأمل هذه الحقبة، كما كل الحقب الأخرى، ندرك أن التاريخ مليء بالتناقضات. فليس فيه مثالٌ نقي، ولا عصر مثالي خالٍ من العيوب. إن الماضي ليس سوى درس نتعلم منه، لا ملاذ نهرب إليه. والمستقبل لا يُبنى بالحلم بعودة إمبراطوريات انتهت، ولا باستحضار أوهام عن أزمنة مثالية. إنه يُبنى بالعلم والعمل والإرادة، وبفهم عميق لأخطاء الماضي لتجنبها.

لقد مضت تلك العصور، بما لها وما عليها، ولن تعود. أما نحن، فإن أردنا أن نعيش زمننا بحق، فلا بد أن نكسر قيود الحنين، ونواجه الحقيقة كما هي، لا كما نرغب أن تكون. فوحدها هذه المواجهة هي التي تُخرجنا من أسر الماضي وتفتح أمامنا أبواب المستقبل.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان المغترب: قراءة في فكر إريك فروم وأبعاد الاغتراب في ا ...
- انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟
- ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟
- احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإ ...
- سوريا على مفترق طرق: تساؤلات حول انهيار الجيش وتحديات المرحل ...
- فرحة بمرض نتنياهو أم هروب من مواجهة الواقع؟
- الثورة الإدراكية: قفزة الإنسان العاقل نحو السيادة على الأرض
- حوار حول مستقبل سوريا: بين التفاؤل والتشاؤم
- محمد صلاح: رمز سلام يتحدى التعصب
- الحروف الفينيقيّة: الثورة الصامتة التي غيّرت مجرى التاريخ
- الرشدية اللاتينية: بذور النهضة الأوروبية وخسارة العالم الإسل ...
- التنوير العربي: رحلة متواصلة نحو العقلانية والعلم
- العقل السحري بين الشرق والغرب: تأملات في عقول الجماهير والمد ...
- ألمانيا في محنة: بين جراح الإرهاب وصوت الضمير
- إعمال العقل في النصوص الدينية: بين نور الفكر وظلام الجمود
- مصر والجائزة الكبرى في مخطط الشرق الأوسط الجديد
- اللغة العربية: بين عظمة الإرث وتحديات العصر
- قراءة في خريطة الصراعات العالمية والإقليمية: مستقبل العرب وم ...
- العقل النقدي بين “حرية العقل” وتحقيق “دويتشه فيله”: معركة ال ...
- الذكاء الاصطناعي: شريك الإنسانية في غزو المستقبل واستكشاف عو ...


المزيد.....




- تركها سائقوها وهربوا من الحريق.. شاهد ما فعلته جرافة بسيارات ...
- بعد شهر من سقوط الأسد... الجهود مستمرة لضمان مرحلة انتقالية ...
- السلطات التركية تهدد بعملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في س ...
- شركة ميتا الأمريكية توقف برنامجها لتقصّي صحة الأخبار في الول ...
- فرنسا: ردود سياسية متباينة إثر وفاة الزعيم السابق لليمين الم ...
- الإمارات تدين نشر حسابات رسمية إسرائيلية خرائط -إسرائيل التا ...
- ميتا تلغي برنامج تقصي الحقائق.. تحذير خبراء وترحيب ترامب وما ...
- المكسيك.. ناشط يحطم تمثالا شمعيا لنتنياهو
- روسيا.. استمرار تطهير سواحل البحر الأسود من آثار تسرب نفطي
- الجيش النيجيري يقضي على 34 إرهابيا شمال شرقي البلاد


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بهجت العبيدي البيبة - العرب والمسلمون بين أسطورة الماضي وسراب الحاضر