أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - خطوات الى المجهول














المزيد.....


خطوات الى المجهول


مزهر جبر الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 8215 - 2025 / 1 / 7 - 15:51
المحور: الادب والفن
    


(نص) (خطوات الى المجهول)
سجن صيد نايا يشبه، سجون القرون الوسطى، او حتى سجون العصور الغابرة، ليس فيه نوافذ تنفتح على هواء الدينا وعالم الاحياء، وعلى الشوارع والساحة التي تقع قبالة بوابة السجن العملاقة. تطل على الساحة، مؤسسة الأمن والدوائر التابعة لها. على الجانب الايمن من الساحة؛ حديقة صغيرة تحيط بها اشجار باسقة. فيه كبديل عن الشبابيك؛ كواة صغيرة، صغيرة جدا، لا يخرج منها رأس أنسان، او رأس احد القاطنين رغم عنهم، في غياهبها. البعض منهم من عشرات السنين. ظلوا من ساعة التي دفنوا فيها حتى هذه الساعة الآن؛ وهم مأخوذون برهبة المكان وعتمته ورعب الحراس المدججين بالسلاح والهراوات؛ في غرف تكتظ بهم. مهما حال احدهم، بإخراج رأسه من واحدة من هذه الكواة الصغيرة، لا يتمكن؛ ان يخرجه؛ ليتنفس ولو وهما نبض الحياة الحرة. كل الكواة صغيرة، اصغر من رأس أنسان. دب الخوف في نفوس المسجونين، في الزنازين. كل مجموعة منهم مسجونين في زنزانة، مفصولة عن الأخرى بجدار سميك. ساروهم الشك والريبة؛ حين تسربت إليهم في الساعات الاولى من هذا الصباح، على غير ما كانوا قد تعودوا عليه في صباح كل يوم طوال عقود؛ اضواء ظلام ساطع؛ من تحت ابواب الحديد العملاقة والتي هي كما ابواب حصون القرون الوسطى. الشيء الذي جعل الخوف والاضطراب يتغلل في نفوسهم وفي ايضا عقولهم البعض منهم، من المسجونين في هذا السجن منذ عقود؛ اختفاء خيوط النور الضعيف الذي كان في صبيحة كل يوم؛ يتساقط عليهم من الكواة الصغيرة. إنما هم قد كانوا في السنين الأخيرة، في العقدين الأخيرين تحديدا؛ لاحظوا ان خيوط النور التي كانت قوية في الصباحات التي خلت؛ أخذت هذه الانوار، التي كانت في حينها تحط عليهم من الكواة الصغيرة؛ في الضعف سنة تلو سنة. في البداية لم ينتبهوا او لم يلاحظوا التغيير الذي طرأ عليها، لكنهم في السنوات الأخيرة؛ تأكدوا وبقوة التأكيد اللانهائي؛ هذا التغير والضعف، حتى اختفى في هذا الصباح، اختفاءا تماما. الزنازين مقفلة عليهم بأبواب كتلك التي تستخدمها بنوك سبائك الذهب والعملات الصعبة. واصلوا بآمل لم ينقطع يوما عن تفكيرهم وروحهم؛ عن الحلم بغد تتدفق فيه الحياة بحب. انتظروا من يفتح لهم، من الذين منهم، لازالوا طلقاء يقاتلون السجان الكبير؛ الابواب نحو الحرية التي ظلوا او استمروا يحلمون بها. اشتدت اضواء الظلام الساطعة التي استمر تسربها من تحت الابواب، والتي من لحظة تسربها؛ لم يعد لخيوط الانوار التي كانت في صباح كل يوم، قبل صباح هذا اليوم؛ تنزل عليهم من الكواة الصغيرة، على أولئك الذين انزلوهم السجانون بأمر السجان الكبير، كبيرهم؛ في زنازين مخصصة لهم، محكمة الاغلاق تماما. حركوا اجسادهم في الزنزانة، خطوة هنا وخطوة هناك. أحسوا او تملكهم الرعب، على الرغم منهم، توجسا من دمس ظلام تحكم في المكان ووجودهم تحكما كليا. صاروا لا يرى أي منهم اصبع يده على بعد بوصة من عينيه، فكيف يبصر احدهم الاخرين. اصبحوا في عماء كامل. عيونهم اخذت تحملق في عتمة الزنزانة، تفتش عن خيط نور لم يعد له وجود مطلقا. ثمة اصوات وهتافات أخذة في التصاعد، كما ان الحراس لم يسمع لهم صوتا كما هي عادتهم في كل صباح مر عليهم طوال عقود. إنما ما جعلهم يشكون في الأمر ان الهتافات التي طرقت اسماعهم الآن لم تكن هي ذاتها التي كانوا يهتفون بها، قبل اعتقالهم ذات ليل بعيد، قبل عقود. تسألوا في سرهم.
:- اين هم؟ هؤلاء ليس هم. ربما تغيروا. إنما كيف..؟
تسترق مسامعهم من خلف الابواب؛ خطوات ادمية قادمة نحوهم. كلهم قالوا في دواخلهم بلاصوت.
:- ليس امامنا ألا الانتظار، أو ليس في قدرتنا معرفة مايدور وراء باب الحصن هذا، ونحن غارقون في قاع محيط من الظلام.
ثم فجأة سمعوا دوي لأبواب الحديد. في الدقيقة التالية؛ فتحت كل الابواب الخارجية، وكل ابواب الزنازين. دخلوا عليهم شباب مسلحين، يرتدون الثياب العسكرية، بلحى طويلة، بعضها تصل الى الصدر، قالوا لهم
:- اخرجوا. لقد انتصرنا. سقط النظام.
الخيبة التي شلت كل كيانهم ووجودهم؛ هو انهم لم يروا، بعد خروجهم جميعهم الى الحياة والحرية؛ هناك في اعماق السماء شمس الظهيرة عندما ملأوا الشوارع والساحات والازقة وكل الجادات والدروب وحتى الحدائق، ومؤسسة الأمن ودوائر الأمن التابعة لها والمحيطة، رغم ان حرارتها كانت تحرق اجسادهم بلهيبها الذي قد من نار حامية.
مجموعة منهم، من الذين مضت عقود وعقود على سجنهم في زنازين مخصوصة لهم، لهم وحدهم؛ جلسوا على العشب في الحديقة الصغيرة، والكائنة على مقربة من بوابة السجن. راحوا يتداولون في الذي حصل، وكيف حصل؟ تسألوا.
:- جماعتنا قتلوا، ماتوا، اعدمهم النظام. تسألوا
:- لماذا لم يكن لهم وجود في يوم الحرية هذا؟
:- هؤلاء ليسوا هم
مكثوا اكثر من ساعة، وهم جالسون على مصاطب الحديقة الصغيرة، مصطبة قبالة مصطبة. نقولها لتكون بهذا الوضع الملائم لهم، وهم في حوار واخذ ورد، وتفسير وتحليل عن الذي حدث خطفا صبيحة هذا اليوم؛ بين مشكك ومصدق، وبين ما هو مأخوذ فرحا بسقوط النظام.
في النهاية تأكدوا كل التأكيد؛ بأن احلامهم كانت او هي للحقيقة؛ حولها الواقع المعيش امامهم؛ قيد خيال ولو حاليا والى حين تنجلي هذه الغمة عن هذه الأمة..
قال من هو اكبر منهم في العمر والمعرفة وامور أخرى، قال لهم وهو يكز على اسنانه، بوجع لا يطاق
:- الآن كيف او ما هو الطريق الى بيوتنا واهلنا، اعتقد أي منا لا يعرف عن اهله أي شيء. كيف صفا بهم الدهر كل هذه العقود. الأمر الأخر أخواني الاعزاء؛ هو اننا، قد أخذ الزمن منا كل قوة، لم يبقَ في جسد أي منا قدرة حتى للمشي. اجاب الاسمر الطويل، الجالس الى جانب كبيرهم، والذي على مايبدوا، لايزال في جسده، قدرة للحركة
:- لنذهب الى هؤلاء ونسألهم عن اهلنا وعن بيوتنا، بعد ان نعرفهم بنا.
نهضوا جميعهم نهضة رجل واحد. مشوا بخطى بطيئة جدا، بالكاد تتحرك ارجلهم على اسفلت الساحة، باتجاه مجموعة من المسلحين الواقفين على مقربة من مؤسسة الأمن..



#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق الاوسط الجديد..مشروع امريكي اسرائيلي
- سوريا الجديدة..فلسطين..هل هناك طبخة تعد لهما في القنوات الخل ...
- قراءة في كتاب الحرب للكتاب الامريكي بوب وود بورد/ 2
- قراءة في كتاب الحرب لبوب وود بورد
- الحكومة التي تمثل الشعب؛ لايمكن ان تشكل تهديدا لإسرائيل
- لماذا فشلت الدول العربية..
- لماذا سقط النظام السوري سقوطا دراماتيكيا ومذهلا؟
- قوى الإرهاب: وكلاء ليسوا احرا في قرار الحرب والسلم
- تريكا، الكيان الاسرائيلي، امريكا: هم الداعمون للإرهاب بكل اش ...
- اسرائيل نتنياهو: التخادم بين نتنياهو وحكومته العنصرية؛ قد لا ...
- مؤتمر القمة العربية الاسلامية الثانية: يفقتر الى الاجراءات ا ...
- امريكا ترامب: حلحلة الصراع
- امريكا ترامب: اشهار واستظهار فاشية امريكا
- الكيان الاسرائيلي: دولة دور او لها دور استعماري
- خيرا السلام مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، ليس خيارا للسلام، ب ...
- عبد الله اوجلان..هل يدبن الارهاب، ويطالب الشعب الكردي التركي ...
- امريكا- اسرائيل: يقتلان ولا يقاتلان
- حرب الاجرام الصهيوني في فلسطين ولبنان.. ربما لاتنتهي قريبا
- المشروع الامريكي الاسرائيلي الغربي.. يستوجب حشد الطاقات لموا ...
- ايران- اسرائيل- امريكا: تبادل اللكمات، وليس الذهاب الى حرب ش ...


المزيد.....




- -لعبة الحبار- الأكثر مشاهدة في تاريخ -نتفليكس-
- سوريا ولبنان يتصدران ترشيحات الجائزة العالمية للرواية العربي ...
- -أنا ست مصرية أصيلة-.. الفنانة داليا مصطفى ترد على أنباء طلب ...
- رفض طلب ترامب بشأن -قضية الممثلة الإباحية-
- امتحانات الثانوية العامة بالسودان.. كيف تهدد الحرب مستقبل ال ...
- خالد أرن.. رحلة 40 عاما في خدمة الثقافة والفنون الإسلامية
- لابد للكاريكاتير أن يكون جريئاً ويعبر عن الحقيقة دون مواربة ...
- بعمر 30 عامًا.. نفوق الحمار الشهير الذي تم استيحاء شخصية منه ...
- الفنان خالد الخاني : انتهى زمن اللون الرمادي...
- محامي المخرج المصري محمد سامي يكشف حقيقة إحالته للجنايات


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - خطوات الى المجهول