|
في المنظمات اللاحكومية!
ادم عربي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8214 - 2025 / 1 / 6 - 17:55
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
بقلم : د. ادم عربي
. في هذا الزمن الذي نعيش وهو عصر العولمة بامتياز ، تظهر المنظمات اللاحكومية كأحد المعالم البارزة وعلى نطاق واسع . تُثير هذه المنظمات حوارات ونقاشات عالمية حول مدى أهميتها ودورها. يرى بعض المساندين المتحمسين لها أنها تشكل قوة عالمية جديدة بفضل أهدافها وأعمالها المختلفة.
أي شخص يهدف بجدية إلى تعزيز "روح الجماعة" في عصرنا الحالي، لابد له من دعم الفرق التي تقوم بتنظيم نفسها بشكل مستقل. هذه الفرق، مهما كان حجمها، تعمل ضمن "مؤسسات" تتحد حول اهتمامات مشتركة. يمارس أعضاء هذه المؤسسات نشاطات تطوعية تهدف إلى خدمة المجتمع دون السعي لتحقيق أرباح، حتى وإن نتجت عن ذلك عوائد مالية.
من خلال نشاطهم التطوعي وغير الربحي، يسعون لتلبية احتياجات عامة لم تتمكن الحكومة أو منظماتها من تلبيتها، أو لم تُعرها اهتماماً كافياً. وفي هذا المسعى، يعتمدون على تمويل ذاتي بجهودهم الخاصة، مع حرصهم على ألّا يؤثر أي دعم مالي أو عيني قد يتلقونه من مصادر خارجية، محلية أو دولية، على استقلالية منظمتهم.
هذا "النشاط الجماعي التطوعي المنظم، غير الربحي وغير الحكومي، ذو الطابع الخيري والإنساني أو الموجه لخدمة قضايا عامة مثل حقوق الإنسان"، ينبع من حاجة إنسانية عالمية متجذرة في الواقع الموضوعي لعصر العولمة الذي نعيشه. وإذا تمكنا من تحرير "المنظمات غير الحكومية" من قبضة المصالح الضيقة أو الهيمنة التي تفرضها القوى الممولة دولياً، فسوف تظهر هذه المنظمات كجنين لمجتمع عالمي جديد.
في جوهرها، "المنظمة غير الحكومية" تمثل قطاعاً ثالثاً يقع بين القطاع العام الحكومي والقطاع الخاص. فهي تحمل سمات القطاع العام من حيث خدمتها للقضايا والمصالح العامة، وسعيها لتلبية احتياجات مجتمعية دون هدف الربح. وإذا تحققت أرباح، فإنها لا تُوزع على الأعضاء. كذلك، تجسد مبدأ "الفرد من أجل الكل، والكل من أجل الفرد".
وفي الوقت ذاته، تشبه القطاع الخاص بكونها مجموعة خاصة من المتطوعين، مع استقلالية تامة عن الحكومة في وجودها، عملها، نشاطها، أهدافها، وإدارتها، حتى إنْ كانت تتلقى تمويلاً خارجياً أو تمنح بعض أفرادها أجوراً لقاء جهودهم.
في البداية، تبرز "المهمة" بوصفها حاجة ملحة لعمل ما يجب إنجازه، إما لأن "الحكومة" لم تقم به لسبب ما، أو لأن الفئة المستهدفة غير قادرة على القيام به بمفردها. هذا العمل يهدف إلى تلبية حاجة معينة أو خدمة مصلحة فئة محددة من المواطنين.
حينها، يجتمع أفراد يشاركون الاهتمام نفسه وينظمون أنفسهم بشكل مستقل لتأسيس "منظمة غير حكومية". هؤلاء الأفراد المتطوعون غالباً ما يكونون من ذوي الخبرة والكفاءة والمهارة اللازمة لإنجاز هذه المهمة، ويعملون على استقطاب مزيد من المتطوعين ذوي القدرات المشابهة.
يعتمدون بشكل أساسي على التمويل الذاتي لدعم نشاطهم، مع الحرص على أن يكون هذا التمويل متوافقاً مع إمكانية تلقي مساعدات ومعونات مالية أو غير مالية من مصادر خارجية غير حكومية، دون الإضرار باستقلاليتهم.
السؤال الذي يشغل بال "النواة المؤسِّسة" هو: "ما الخدمة الجديدة والنافعة التي يمكننا تقديمها للمجتمع، أو لفئة محددة منه، من خلال عمل تطوعي غير ربحي، نحافظ فيه على استقلالنا الإداري والمالي عن الحكومة؟".
لكن وجود "المنظمة غير الحكومية" ونشاطها يتطلب إطاراً قانونياً وتشريعياً، إذْ إنَّ "الشفافية" وليس "السرية" هي شرط أساسي لقيامها. في هذا السياق، لعبت القوة العظمى في العالم، الولايات المتحدة، دوراً محورياً في استغلال هذه الحاجة العالمية إلى المنظمات غير الحكومية لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية.
وقد سعت الولايات المتحدة إلى الضغط على حلفائها وأصدقائها من الدول لإجراء إصلاحات قانونية وتشريعية، ولو كانت محدودة، تُمهِّد لظهور هذه المنظمات بمختلف أشكالها وألوانها. هذه الإصلاحات تهدف إلى تمكين المنظمات من العمل بحرية، مع جعل تلقيها للمساعدات من مصادر خارجية، تُسيطر عليها الولايات المتحدة، أمراً مشروعاً وقانونياً.
يمكن تشبيه هذا الوضع بزواج بين الولايات المتحدة، التي تمثل الطرف المهيمن، وبين الدول الأخرى، التي تلعب دور الشريك المُنتِج لـ"المنظمات غير الحكومية". هذه المنظمات، من خلال وجودها وانتشارها ونشاطاتها، قد تساهم في تشكيل واقع جديد يتماشى مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية، أو تُمهِّد لظهور "حالة" شبيهة بـ"الفوضى" التي شهدتها بعض الدول العربية.
"وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية" (USAID)، التي تأسست عام 1961 بمبادرة من الرئيس جون كينيدي، تُعد من أبرز مصادر التمويل الأجنبي "للمُنظمات غير الحكومية" في العديد من دول العالم. هذه الوكالة، التي تتبع حكومة الولايات المتحدة، تسعى في نهاية المطاف إلى دعم السياسة الخارجية الأمريكية، سواء من خلال أهدافها المُعلنة أو ما تحمله من مصالح استراتيجية غير مُعلنة.
تعمل الوكالة من خلال بعثة في كل دولة تستهدفها، تُدار من قبل مسؤول مقيم في سفارة الولايات المتحدة، ويكون عمله تحت الإشراف المباشر للسفير الأمريكي في تلك الدولة.
تربط "وكالة التنمية الدولية" علاقات عمل وثيقة مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، حيث كثيراً ما عمل موظفو الأخيرة في الخارج تحت غطاء الوكالة.
من خلال دعمها وتمويلها لـ"المنظمات غير الحكومية" (أو ما يُعرف بالمنظمات غير الربحية، التطوعية، الخيرية، الأهلية، أو منظمات المجتمع المدني)، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي في المجتمعات التي تنشط فيها هذه المنظمات.
تقوم هذه المنظمات بجمع ونشر معلومات متعددة الجوانب عن سلطات الدولة الثلاث والمجتمع وأوجه حياته المختلفة. يُعتبر هذا النشاط المعلوماتي ضرورياً ليس فقط لتأدية مهامها وأعمالها، بل أيضاً كجزء من الأهداف غير المباشرة لتمويلها من مصادر أمريكية، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، أو من جهات غربية أخرى. إنجازات هذه المنظمات تكشف، ولو جزئياً، عن “توازن نسبي” بين تضارب مصالح الولايات المتحدة ومصالح الدولة التي تنشط فيها “المنظمات غير الحكومية”. فالقوة العظمى في العالم لا يمكنها تحقيق مصالحها في تلك الدولة، أو عبرها، دون أن تُقدِّم في الوقت نفسه بعض الفوائد العامة لمواطني تلك الدولة.
هذا التداخل بين تحقيق المصالح الأمريكية وتلبية بعض الاحتياجات المحلية يُفسِّر التباين في مواقف الناس تجاه “المنظمات غير الحكومية”، حيث يُنظر إليها من زوايا مختلفة بين الدعم والشكوك. في العديد من الدول العربية، يظهر الفساد بشكل واضح في عمل بعض “المنظمات غير الحكومية”. فالتسهيلات المقدمة عبر “الاحتيال القانوني” والتدفق الكبير للتمويل الأجنبي يُغريان الكثير من المواطنين بخوض تجربة إنشاء مثل هذه المنظمات.
غالباً ما يتبنى المؤسسون شعارات وقيم إنسانية وديمقراطية وحضارية تجذب “الممولين الأجانب”، بهدف الحصول على التمويل لتحقيق مكاسب شخصية. في الوقت نفسه، يقومون بأنشطة ظاهرية تتماشى مع الأهداف المعلنة لهذه المنظمات، لتغطية استغلالهم للتمويل.
في بعض الحالات، يتم التغاضي عن هذا الفساد، خاصة إذا كانت المنظمة تخدم أجندات غير معلنة للممولين. وهكذا، يظهر أن ولاء العديد من هذه المنظمات مرتبط بمن يدفع، أو بمن يقدم تمويلاً أكبر. بلْ إنَّ بعض المؤسسين لا يترددون في التصريح بأن أحد أهداف منظمتهم الرئيسية هو تلقي التمويل الأجنبي.
#ادم_عربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هطل الثلج!
-
بعض من فلسفة التاريخ !
-
انهيار النجم على نفسه!
-
حرب القضاء على الوجود العربي!
-
الصين وما أدراك ما الصين!
-
تعالي!
-
على خاصرة الريح!
-
اللِيبِرَالِيَّةُ فِي بِلَادِنَا مَيِّتَةٌ، بَينَمَا اللِيبِ
...
-
أحاورُ الأفعى!
-
هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
-
الأعمى!
-
ماذا يحدث في سوريا؟ ولماذا الآن؟
-
في الثورة السورية !
-
تناقضات الذات!
-
تعارض النتائج مع التوقعات!
-
الفسادُ الطبيُّ!
-
العبثُ!
-
الطائفية في فكر مهدي عامل!
-
مشاكل تربوية وأخلاقية!
-
سلاسل الشمس!
المزيد.....
-
أمريكا.. وصول نعش جيمي كارتر إلى مبنى الكابيتول
-
بعد دعوته لضم كندا.. ترامب يهدد بالسيطرة على قناة بنما وغرين
...
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 86 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
-
-فايننشال تايمز-: ألمانيا تقترح على الاتحاد الأوروبي تخفيف ا
...
-
ترودو معلقاً على اقتراح ترامب ضم كندا إلى الولايات المتحدة:
...
-
فيدان يلوّح بعملية عسكرية ضد القوات الكردية في سوريا إن لم ت
...
-
ترامب يشكك بحق كوبنهاغن القانوني في غرينلاند ويطالبها بالتخل
...
-
ما خيارات أوروبا بعد وقف كييف غاز روسيا؟
-
الإمارات ترفع الحظر المشروط على استخدام الأفراد للطائرات الم
...
-
الشرطة المولدوفية تعلن تحييد عبوة ناسفة داخل طرد في مطار كيش
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|