أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - بدون فلتر *** أحلام الطفولة: حين تسخر الحياة من طموحاتنا وتعيد تشكيلها على طريقتها














المزيد.....


بدون فلتر *** أحلام الطفولة: حين تسخر الحياة من طموحاتنا وتعيد تشكيلها على طريقتها


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8214 - 2025 / 1 / 6 - 09:52
المحور: كتابات ساخرة
    


في مدينة مولاي إدريس زرهون، وبين جدران ثانوية "خيبر"، كانت أيام الدراسة تمضي تحت إشراف أستاذ الاجتماعيات المعروف بـ"بوزرواطة"، الذي كان يمزج بين الصرامة والسخرية، معلما لا يقتصر دوره على إلقاء الدروس بل يمتد إلى تلقيننا دروسا قاسية عن الحياة نفسها. كان الرجل يجسد فلسفة أن "التربية بالزرواطة" هي الوسيلة الوحيدة لبناء أجيال صامدة.

في إحدى الحصص الدراسية، قرر بوزرواطة أن يطرح سؤالا بدا عميقا في ظاهره، لكنه لم يكن سوى فرصة لاستعراض سخريته اللاذعة: "ماذا تريدون أن تفعلوا عندما تكبرون؟" بدأ السؤال وكأنه نافذة نحو أحلامنا المخبأة، لكنه سرعان ما تحول إلى اختبار قاس لقدرتنا على الدفاع عن طموحاتنا أمام موجة من التعليقات الساخرة.

كان عبد القادر، زميلي ابن قرية بني مرعاز المعروف بلقب "النمر"، أول من أجاب. قال ببرودة وثقة: "أريد أن أشتري سيارة بيكاب من نوع 504 بيجو". لم يتمالك الأستاذ نفسه، وأطلق تعليقا سريعا: "جاتك!"، كلمة بدت كأنها نبوءة. وبعد سنوات، تحقق حلم عبد القادر، لكن ليس بالطريقة التي تخيلها. أصبحت السيارة وسيلته في العمل بالنقل السري، وكأن الحياة قررت أن تمنحه حلمه، ولكن مع لمسة ساخرة من القدر.

حين جاء دوري للإجابة، قررت أن أكون طموحا بما يكفي لإثارة إعجاب الأستاذ. قلت بحماس "أريد أن أكون ربان طائرة!"، لكن رد بوزرواطة جاء كالصاعقة: "أنت تولي لخرا!"، جملة صادمة قتلت حلمي في مهده. كنت حينها أعتقد أن الطيران هو أقصى ما يمكن أن يصل إليه خيالي، لكن تلك الكلمات جعلتني أشعر وكأن السماء التي كنت أطمح للتحليق فيها أُغلقت أمامي.

مرت السنوات، وحملتني الحياة في مسارات مختلفة تماما. لم أصبح ربانا، ولم أحلق في السماء، بل وجدت نفسي في واقع بدا وكأنه أقرب لوصف أستاذي. أما عبد القادر، فقد عاش حلمه كما أراد بوزرواطة أن يراه، يقود سيارته عبر الطرق الترابية، يحمل الركاب والبضائع في مغامرات يومية تعكس الواقع الذي كنا نحاول الفرار منه.

كانت تلك اللحظات في "خيبر" نقطة البداية لفهم دروس أكبر من أي منهج دراسي. أدركت لاحقا أن الحياة ليست سوى سلسلة من المفارقات الساخرة. الأحلام التي كنا نؤمن بها كأطفال، سواء كانت قيادة طائرة أو سيارة بيكاب، كانت مجرد إسقاطات بريئة لآمالنا في مستقبل مثالي. لكن عندما تصطدم تلك الأحلام بواقع الحياة، تتحول إما إلى ذكرى مضحكة أو إلى حقيقة بوجه مختلف تماما.

الطموح، رغم كل شيء، يظل جوهر وجودنا. سواء كنا نحلم بالتحليق في السماء أو بقيادة سيارة تجوب الطرقات الريفية، فإن تلك الأحلام تمنح حياتنا معنى. حتى لو اتخذت الحياة موقفا ساخرا من طموحاتنا، فإن السخرية نفسها تصبح جزءا من رحلتنا.

في النهاية، بوزرواطة، رغم قسوته وسخريته، كان أحد معلمي الحياة. قد لا أكون ربان طائرة، لكني تعلمت أن أكون ربانا في مواجهة أمواج الحياة المتلاطمة. ربما لم يكن عبد القادر يتخيل أن حلمه سيصبح واقعا بهذا الشكل، وربما لم أكن أتخيل أنني سأعيش في بلد يشعرني أحيانا بأنه يعكس كلمات أستاذي، ولكن في كل ذلك، تكمن المفارقة الساخرة التي تجعلنا نضحك على ما كانت عليه أحلامنا وما أصبحت عليه حياتنا.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -منطقة الساحل: منافسة أم فرصة للتعاون؟ المسألة التي طرحتها ج ...
- لطيفة أحرار: خطوة جريئة أم مشهد من مسرحية؟
- -عندما يصبح لعب الأطفال مأساة سياسية: هل من يوقف هؤلاء؟-
- -من 2025 إلى 2026: خريبكة تختار فوضى الزمن في خطوة نحو العصر ...
- -بدون فلتر *** ديك رومي بين التين الشوكي: ملحمة عبثية في كرم ...
- -من الهجاء إلى الاعتذار: تأملات كاتب في العام الجديد-
- -عبد اللطيف وهبي في محكمة الضحك: من وزير للعدل إلى بطل كوميد ...
- بن سالم الوكيلي: رحلة إلى العالم الآخر... حيث المراجعات الكو ...
- - من دار الدنيا إلى دار الآخرة: لقاء غير متوقع مع عبد اللطيف ...
- -مدونة الأسرة المغربية: فوضى القوانين بنكهة الفكاهة!-
- -الطماطم ومعجزة أخنوش: ملحمة الغلاء في المطبخ المغربي-
- بدون فلتر** -شهادة الألومنيوم: كوميديا بيروقراطية في مقهى مك ...
- -تحلية الديمقراطية: حين تختلط مياه البحر بملوحة المصالح-
- -سياسة الأوهام: ابن كيران بين بطولة مسرحية وسخرية ثلاثي النا ...
- بدون فلتر** -زيت الوكيلي: كوميديا سوداء بنكهة الزيتون-
- -نايضة: كوميديا تبحث عن نفسها في متاهة الكليشيهات-
- **زيارة الموت: عندما يكون لديك -وقت إضافي-**
- -اللصوص الجدد: كيف تسرق أفكار الآخرين وتجعلك عبقريا في عيونه ...
- جنود الحدود: صمت الأبطال في مواجهة اللامبالاة-
- النقيب زيان: -الحرية مشروطة بالصحة-


المزيد.....




- لابد للكاريكاتير أن يكون جريئاً ويعبر عن الحقيقة دون مواربة ...
- بعمر 30 عامًا.. نفوق الحمار الشهير الذي تم استيحاء شخصية منه ...
- الفنان خالد الخاني : انتهى زمن اللون الرمادي...
- محامي المخرج المصري محمد سامي يكشف حقيقة إحالته للجنايات
- بعد مصادقتها على النتائج.. الكوميدي جون ستيوارت يسلط الضوء ع ...
- أطفال فوق المباني..فنانة تبتكر صورًا خيالية لهونغ كونغ بالذك ...
- الحداثة والفن الإسلامي في لوحات هندية تجسد ميلاد المسيح
- مع الترفيه والتسلية.. كيف تعكس السينما مشاعرنا وتغيّر حياتنا ...
- مثقفو الاستعمار الجديد في عصر النيوليبرالية.. بوعلام صنصال أ ...
- مصادر تنفي مسئولية الإدارة السورية الجديدة عن إغلاق معهد الم ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - بدون فلتر *** أحلام الطفولة: حين تسخر الحياة من طموحاتنا وتعيد تشكيلها على طريقتها