أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - صرخة في البرية














المزيد.....


صرخة في البرية


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8214 - 2025 / 1 / 6 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


في ليلة مقمرة على أطراف الغابة، كانت كل المخلوقات تنام بهدوء تحت سماء مليئة بالنجوم. في وسط هذه اللوحة الطبيعية، كانت الذئبة "أماليا" تراقب صغارها وهم يتقلبون في نوم عميق. لا تعرف "أماليا" معنى القسوة؛ إنها لا تقتل إلا لتأكل، ولا تقاتل إلا لتحمي. هكذا كانت قوانين الغابة دائمًا: واضحة وصارمة، لكنها خالية من العبث.

على بعد أميال، في المدينة المزدحمة بالأنوار والضوضاء، كان "آدم"، شاب يعمل في مختبر أبحاث. لم يكن يومه عاديًا. على مكتبه، كانت تقبع عينة مجمدة لخلايا حية. ليس لأغراض علمية نبيلة، بل لتجربة سلاح بيولوجي قيد التطوير. حدّق "آدم" في العينة للحظات طويلة، ثم شعر بشيء يشبه الغصّة.

في تلك اللحظة، كانت فكرة قديمة تحوم في عقله: كيف أصبح البشر على ما هم عليه؟ لماذا نحن، دون كل المخلوقات، نملك القدرة على الإيذاء بلا سبب؟ لماذا نخترع أدوات للتعذيب، ونكتب كتبًا لتبرير الحروب، ونبني أنظمة لإذلال بعضنا البعض؟

"أماليا" في الغابة لم تفكر أبدًا في تعذيب فريستها. هي تعرف أنها جزء من دورة الحياة. على الجانب الآخر، "آدم" يعرف أنه يعيش في عالم اخترع فيه البشر القسوة ونسجوها في تفاصيل حياتهم اليومية. فالقسوة ليست فطرة، بل ابتكار.

بدأت حياة "آدم" تتغير بعد تلك اللحظة. بدأ يلاحظ القسوة في كل شيء من حوله: في كلمات المسؤولين، في وجوه المارة الذين يتجاهلون المتسولين، وفي الأخبار التي تتحدث عن صراعات لا تنتهي. ولكنه أيضًا بدأ يشعر بثقل المسؤولية. قرّر أن يغير مساره، أن يتوقف عن كونه جزءًا من هذه الآلة التي اخترعت القسوة وصنعتها.

في مشهد آخر، بعيد تمامًا عن حياة البشر، كانت "أماليا" تربي صغارها على قوانين الغابة، قوانين البقاء والرحمة الطبيعية التي لم تعرف يومًا معنى الإيذاء للمتعة.

في المنزل راح "آدم" يطلق طائرًا كان عالقًا في قفص، وينظر إليه وهو يحلق في السماء، يبتسم ويتمتم: سأغادر المدينة وأعيش في الغابة. في هذا الوقت كانت "أماليا" تحمي صغارها من عاصفة قادمة. كلاهما، الإنسان والحيوان، يحملان في داخلهما احتمالات مختلفة. لكن الإنسان وحده يمتلك الخيار: أن يكون صانعًا للقسوة أو كاسرًا لها.

كان "آدم" يقف في الغابة الصامتة، محاطًا بأصوات الطبيعة البسيطة التي أصبحت مألوفة بالنسبة له منذ قرر أن يهرب من المدينة. لم يكن الهروب خيارًا سهلاً، لكن ضجيج العالم من حوله، وأصوات القسوة التي تنبع من البشر، دفعته إلى السعي وراء ملاذ في أحضان الطبيعة.

في إحدى الليالي، بينما كان يشعل نارًا صغيرة قرب كوخه، رأى مشهدًا غريبًا. الذئبة "أماليا" اقتربت بخطوات مترنحة نحو الغدير القريب. بدت مصابة، وآثار المعركة على جسدها ظاهرة. لكنها، على عكس البشر، لم تكن خائفة من أن تُظهر ضعفها. توقفت "أماليا"، وراقبت "آدم" بصمت قبل أن تنحني لتروي عطشها.
في تلك اللحظة، تذكر "آدم" حادثة وقعت في المدينة. كان شاهدًا على رجل يعذب كلبًا بلا سبب واضح. لم يكن الكلب قد أبدى أي عدوانية، بل على العكس، كان يحاول النجاة فقط. ومع ذلك، استمتع الرجل بتعذيبه كما لو كانت القسوة هواية يمكن التفاخر بها.

الحيوانات لا تعذب بعضها البعض، لماذا نحن البشر نفعل هذا؟ تساءل "آدم" وهو ينظر إلى الذئبة. بين الحيوانات، الصراع يدور حول البقاء، لا أكثر. لكن بين البشر، القسوة أصبحت لعبة، أداة للسيطرة، أو ربما تعبيرًا عن ضعف خفي لا يمكن مواجهته. نحن الكائنات القاسية الوحيدة على هذا الكوكب. كما قال صديقي "ساراماغو".

في تلك الليلة، غفا "آدم" على سريره المصنوع من أغصان الأشجار. في حلمه، رأى الأرض تتحدث إليه. قالت الأرض:
"أنا احتضنت الجميع، الحيوانات والبشر، لكنني لا أفهمكم أنتم البشر. لماذا تصنعون الألم؟ لماذا تخترعون القسوة؟"

استيقظ "آدم" من حلمه، محملاً بشعور غريب. قرّر أن يكرّس حياته لفهم هذا اللغز، وربما تغييره. بدأ بتوثيق كل ما شاهده في الغابة: كيف تعيش الحيوانات بانسجام، كيف تتجنب إيذاء بعضها إلا للضرورة القصوى. كتب مقالات، صنع أفلامًا وثائقية، ودعا العالم للعودة إلى البساطة التي رأى فيها الخلاص.

لكن السؤال ظل يطارده: هل نحن البشر قادرون على التغيير؟ وهل يمكننا يومًا التخلي عن هذا "الاختراع البشري" الذي أسماه العالم بالقسوة؟



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية تمر عبر المعدة
- مع اقتراب رأس السنة
- أهمية التمويل الذاتي للجامعات
- إلى تلك التي لم ألتقِها بعد
- الأستاذ الجامعي في زمن الذكاء الاصطناعي
- الكاتب والذائقة الأدبية في زمن الذكاء الاصطناعي
- مستقبل القصة القصيرة في زمن الذكاء الاصطناعي
- هل الأديب سياسي؟
- فريق الجيل الجديد
- ذيل السنونو
- العمل -أربعة- في ألمانيا
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 8 والأخيرة
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 7
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 6
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 5
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 4
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 3
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 2
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 1
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة كاملة


المزيد.....




- بعمر 30 عامًا.. نفوق الحمار الشهير الذي تم استيحاء شخصية منه ...
- الفنان خالد الخاني : انتهى زمن اللون الرمادي...
- محامي المخرج المصري محمد سامي يكشف حقيقة إحالته للجنايات
- بعد مصادقتها على النتائج.. الكوميدي جون ستيوارت يسلط الضوء ع ...
- أطفال فوق المباني..فنانة تبتكر صورًا خيالية لهونغ كونغ بالذك ...
- الحداثة والفن الإسلامي في لوحات هندية تجسد ميلاد المسيح
- مع الترفيه والتسلية.. كيف تعكس السينما مشاعرنا وتغيّر حياتنا ...
- مثقفو الاستعمار الجديد في عصر النيوليبرالية.. بوعلام صنصال أ ...
- مصادر تنفي مسئولية الإدارة السورية الجديدة عن إغلاق معهد الم ...
- حلب.. مصادر مطلعة تنفي إغلاق الإدارة السورية المؤقتة معهد صب ...


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - صرخة في البرية