أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - التعليم وانحدار الثقافة/ إشبيليا الجبوري ت: من اليابانية أكد الجبوري















المزيد.....


التعليم وانحدار الثقافة/ إشبيليا الجبوري ت: من اليابانية أكد الجبوري


أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8214 - 2025 / 1 / 6 - 00:25
المحور: الادب والفن
    


ذات مرة، زارت معلمة الأدب فصلًا دراسيًا لزميلة لها، وانتظرت بصبر بينما كانت تدرس فصلها. كان موضوع اليوم، لدهشته، هو تحليل أغنية شعبية لجوجو تودينهو. أحضر معه، للمناقشة، جزءًا من كتاب غوته - مونولوج دكتور فاوستوس حول مقطع من الكتاب المقدس، وهو نص مليء بالكثافة الفلسفية والعمق الروحي. لقد أصبح هذا التناقض غير المتوقع، أكثر من كونه صراعاً بين الأولويات التربوية، رمزاً لحالة التعليم والثقافة المعاصرة.

في الوقت الحاضر، أصبحت فكرة أن الممارسة التربوية يجب أن "تنطلق من واقع الطالب" باعتبارها الأساس المطلق للعملية التعليمية فكرة عقائدية تقريبًا. إن التشكيك في هذه الفرضية يعني المخاطرة باتهامنا بالنخبوية، أو ما هو أسوأ من ذلك، بالقمع الثقافي. وهكذا، وباسم ديمقراطية الثقافة المزعومة، يتم استبدال التراث الأدبي والنصوص العظيمة التي شكلت الفكر الغربي بشكل منهجي بمظاهر الفطرة السليمة. إن هذا الانقلاب، بدلاً من تحرير الشباب، يحكم عليهم بنوع من الجمود الفكري، حيث يتم الاحتفال بإعادة إنتاج "المزيد من نفس الشيء" بشكل غير نقدي باعتباره ابتكارًا تربويًا.

- خطأ النسبية الثقافية؛
غالبا ما يقال أن تقسيم العالم إلى "ثقافة عالية" و"ثقافة دنيا" هو لفتة تمييزية، وفرض للقيم النخبوية التي تتجاهل المظاهر الثقافية للطبقات الشعبية. بيد أن هذا الخطاب النسبي، من خلال تسوية جميع أشكال التعبير الثقافي على أنها متساوية، يتجاهل الدور الأساسي للتعليم: توسيع آفاق الفرد الفكرية والثقافية، وتعريضه لما لا يعرفه بعد.

إن القمع الحقيقي لا يكمن في إدخال يوهان فولفغانغ فون غوته (1749-1832) أو لويس فاز دي كامويس (1524 - 1580) أو فيودور دوستويفسكي (1821-1881) إلى الفصول الدراسية، بل في رفض تقديم هؤلاء المؤلفين بحجة أنهم قد يكونون غير متاحين أو غير ذي صلة. ومن خلال حرمان الشباب من الاتصال بالأعمال العظيمة للروح الإنسانية، فإن جيلاً بأكمله محكوم عليه بالبقاء محاصراً في حلقة مفرغة من الرداءة الثقافية، عاجزاً عن تجاوز واقعه المباشر والتطلع إلى شيء أعظم.

- الأثر على الفكر والمجتمع؛
ومن الواضح أن نتائج هذه الحركة التربوية والثقافية أصبحت واضحة. يصل الشباب إلى المدارس الثانوية والجامعات وهم أكثر ضعفاً، فكرياً وعاطفياً. وبسبب عدم قدرتهم على فهم المفاهيم المعقدة أو تطوير التفكير النقدي القوي، فإنهم يصبحون فريسة سهلة للأيديولوجيات التبسيطية، التي تتخذ دور الناشطين الذين، على الرغم من حماستهم، يفتقرون إلى الجوهر الثقافي. إنهم في الأساس مجرد أميين وظيفيين يحملون الشهادات ولكنهم يفتقرون إلى القدرة على التفكير والتحليل.

والأسوأ من ذلك هو أن هذا التفكيك للتعليم الرسمي ليس مصادفة، بل هو تصميم متعمد. إن المناهج التي تفرضها الأجهزة الحكومية، بتركيزها على المواضيع السطحية ونفورها من الصرامة الفكرية، تكشف عن أجندة سياسية واضحة: الحفاظ على كتلة سكانية جاهلة، لا تدرك آليات الهيمنة الأيديولوجية التي تخضع لها. في نهاية المطاف، فإن الشعب المثقف هو شعب يصعب التلاعب به.

- دور الثقافة الرفيعة في التحرر؛
ومن الضروري التأكيد على أن الثقافة الرفيعة، بعيداً عن كونها أداة للقمع، هي طريق للتحرر. إن قراءة غوته لا تعني احتقار الموسيقى الشعبية، بل الاعتراف بوجود تسلسل هرمي طبيعي من التعقيد والعمق في المظاهر الثقافية. إن الشاب الذي يقرأ ("الدكتور فاوستوس"، 1604) لكريستوفر مارلو (1564-1593) ويفهم المعضلة الأخلاقية والوجودية التي يواجهها بطل الرواية يكتسب الأدوات اللازمة لتفسير ليس الأدب فحسب، بل الحياة نفسها، بعمق أكبر.

ولذلك، لا ينبغي للتعليم أن يستسلم للشعبوية التربوية التي تحتفل بـ "المعروف" باعتباره الطريق الوحيد للتعلم. بل على العكس من ذلك، يجب أن يجرؤ على التحدي والمواجهة والارتقاء. وبعد كل شيء، فإن الهدف النهائي للتعليم ليس التصديق على الواقع الحالي، بل تقديم الأدوات اللازمة لتحويله.

- حكمة التعليم وإصرار الأسئلة على فتح إنشغالاته الثقافية؛
إن المعرفة المفتوحة في جوهرها كتاب غير مكتمل، حيث تسكن صفحاته التي لم تُكتَب بعد شبه ظل للزمن. إن الأسئلة التي تطاردنا، بعيدًا عن كونها أعداء، هي رفاق مخلصون في الرحلة، وحراس للأسرار التي لا تكشف عن نفسها إلا عندما يتعلم القلب الاستماع إليها بلغته الخاصة. إنها لا تطلب إجابات فورية، بل تتطلب صبر أولئك الذين يتأملون نجمًا بعيدًا، مدركين أن ضوءها سيصل يومًا ما إلى العيون التي تنتظره.

إن حب الأسئلة يعني قبول مغامرة رقصة المجهول، والسماح لنفسك بالعيش في حالة من عدم اليقين دون قلق، ولكن باحترام. كل شك هو دعوة إلى الصمت، والتأمل، والمصالحة العميقة مع الزمن. فالزمن، بحكمته الخالدة، لا يستعجل الأزهار لتتفتح أو يتوقع نضج الثمار. وكذلك الروح البشرية: فهي لا تفهم إلا ما هي مستعدة له، والإجابات، عندما تصل، تكون مثل الشفق الذي ينير حجاب الليل دون عنف.

إن العيش مع الأسئلة كما لو كانت كاتدرائيات غير مكتملة تشير أبراجها إلى ما لا نهاية له له جمال مقدس. ففي هذه الأسئلة تكمن إمكانية نمونا، واختمار تحولنا. إن المتحمس الذي يبحث عن إجابات قبل الوقت يفقد سحر المسار، ويهمل التعلم الذي لا يوفره سوى المشي.

وما هي الإجابات التي قد تكون تلك الأسئلة في النهاية، أسئلة أخرى في ثوب جديد؟ إن الوجود ليس معادلة يجب حلها، بل هو سيمفونية يجب سماعها بالكامل. كل نغمة، كل استراحة، هي جزء من الشيء كله. إن حب الأسئلة يعني تسليم نفسك لتدفق الموسيقى، مع العلم أن الانسجام لا يوجد في الحل ولكن في القبول.

لذا، دعونا نتحلى بالصبر. دعونا نتواضع أمام اللغز الذي نحن عليه واللغز الذي نسكنه. لأن التعلم الحقيقي لا يكمن في الوصول إلى الإجابات، بل في اكتشاف أنه غالبًا ما نجد معنى انشغالاتنا في العيش مع إحياء الأسئلة.

- الخلاصة: دعوة للمقاومة الفكرية؛
إن الوضع الحالي قاتم، ولكن ليس من الممكن علاجه. يتعين على المعلمين الواعين مقاومة هذا المد من معاداة الفكر وإعادة التأكيد على أهمية التعليم الذي يقدر الثقافة العالية كأداة للتحرر وإثراء الإنسان. أكثر من أي وقت مضى، أصبح من الضروري إنقاذ دور المدارس والجامعات كمساحات للتعليم الشامل، حيث لا يتم تشجيع الاتصال بالفكر الأعلى فحسب، بل يتم الاحتفال به باعتباره الطريق الوحيد للتحرر الثقافي والاجتماعي الحقيقي.

أتمنى أن يظل مثال غوته، وغيره من عمالقة الروح الإنسانية، يضيء ظلام هذا العصر، ويقدم للشباب ليس فقط انعكاسًا للمرآة، ولكن لمحة عن أفق لا نهاية له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيو ـ 01/06/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).



#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التكنولوجيا الرقمية وفقدان أخلاقيات الحوار/ بقلم زيجمونت بوم ...
- كيف يعمل المجتمع الاستهلاكي؟/ بقلم زيجمونت باومان - ت: من ال ...
- إضاءة؛ ما الكتاب الذي ألهم غابرييل غارسيا ماركيز؟
- إضاءة: أوكتافيو سميث -من المنفى الخفي- 4 -5 /إشبيليا الجبوري ...
- إضاءة: -أسطورة سيزيف- لألبير كامو/إشبيليا الجبوري - ت: من ال ...
- إضاءة؛ -الصيف الأخير لكلينزوا- لهيرمان هيسه/ إشبيليا الجبوري ...
- أنت تسعى وتتوق إلى السلام/ بقلم روزاليا دي كاسترو - ت: من ال ...
- صنعة الفقر وفقا لزيغمونت باومان/ شعوب الجبوري - ت: من الألما ...
- هروب من الأرض/ بقلم كلارا خانيس - ت: من الإسبانية أكد الجبور ...
- قصة قصيرة -العودة- / بقلم روبرتو بولانيو- ت: من الإسبانية أك ...
- إضاءة: رواية -عوالم ميتة- لأوكتافيو دي فاريا/إشبيليا الجبوري ...
- أنواع طبقات الشراكات المجتمعية /بقلم ميشال فوكو -- ت: من الف ...
- إضاءة: رواية -عوالم ميتة- لأوكتافيو دي فاريا/إشبيليا الجبوري
- مختارات ماجدة بورتل الشعرية
- تهنئة إلى -صحيفة صعاليك- بمناسبة أعياد الميلاد المجيدة
- أنواع طبقات الشراكات المجتمعية /بقلم ميشال فوكو - ت: من الفر ...
- مختارات سيرسي مايا الشعرية - ت: من الإسبانية أكد الجبوري
- إضاءة: -الإنجيل لدى يسوع المسيح- لجوزيه ساراماغو /إشبيليا ال ...
- كيف -بيل غيتس. عبقري شرير-بحسب سلافوي جيجيك؟/ الغزالي الجبور ...
- سيسار بايخو يحتضر/ بقلم ماجدة بورتل* - ت: من الإسبانية أكد ا ...


المزيد.....




- مصادر تنفي مسئولية الإدارة السورية الجديدة عن إغلاق معهد الم ...
- حلب.. مصادر مطلعة تنفي إغلاق الإدارة السورية المؤقتة معهد صب ...
- حلب.. كشف حقيقة إغلاق معهد -صباح فخري- للموسيقى
- الصين.. السجن 3 سنوات لصانع الأفلام -أفلاطون- بسبب وثائقي عن ...
- مصر.. نقابة المهن التمثيلية تنعى فنانة شاركت في -فارس بلا ج ...
- مصر.. إحالة مخرج شهير إلى المحاكمة الجنائية
- -المزمار- تحتفي بفريد الأطرش.. خمسون عاماً على الغياب
- نساء لوركا والسيرك تمثلان العراق بمهرجان المسرح العربي في مس ...
- تـــابـــع مسلسل صلاح الدين الحلقة 40 مترجمة في هذا “المــوع ...
- البرازيل: موسم الكرنفال ينطلق بحفلات عفوية في شوارع ريو دي ج ...


المزيد.....

- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - التعليم وانحدار الثقافة/ إشبيليا الجبوري ت: من اليابانية أكد الجبوري