كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي
الحوار المتمدن-العدد: 8213 - 2025 / 1 / 5 - 15:57
المحور:
الادب والفن
جحيم المعتقلات
2018-2024
مقدمة
ـــــــــــــــ
نقرة السلمان ,سجن الكوت. قصر النهاية(قصر الرحاب سابقا), الشعبة الخامسة , الرضوانية , مديرية الامن العامة, ابو غريب ... الليث الابيض اسماء لجحيم ارضي خلقته انظمة شمولية ..وعليك ان تنظر اليها كما تمر بمفردة (هجوم ),حيث يسحق البشر,ليست سجون العراق الامنية خاصة او حجزا عن الحياة ..انها مثرمة لروح الانسان لاجل كسر ارادته, او تصفيته .. عشت في سجن ابي غريب لمدة سنة وفي الرضوانية مدة عام .. وحجزت في معتقلات امنية متنوعة .. توجت بدخولي غرف الاعدام ..ولا ادري كيف نجوت من كل ذلك وساحاول قدر استطاعتي ان انقل صورة حقيقية عما شهدته وان اصف الجحيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد سمعنا الكثير عن تلك السجون , صمود , حكايا تقترب من الاساطير , كسب السجانين, تحمل الامهات والزوجات وبطولاتهن وهن يتحدين قوة القمع وينقلن مسودات كتب وضعت في المعتقلات او يبلغن عن تعليمات اوينقلنها للتنظيم خارج اسوار السجن .. لقد حولوها مدارس مميزة للعلوم والفلسفة والادب والسياسة واللغات , لقد فتنا بتلك القصص..حتى تصورنا ان الانسان لا ينضج فكريا حتى يدخل
تلك السجون , او يجتاز ذلك الجحيم..
تمزيق صور الانتخابات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التقطت صوتا من اذاعة معارضة , وهو اكتشاف هزني بقوة .. لانك في تلك الايام لا تعلم ما يجري , ظلام اعلامي مطبق ,ودعتني النشوة ان اصحب الصديق وننزل الى المدينة لنحتسي ..وكان يصغرني بعشرين سنة , شاب يتطلع للمعرفة ,وكان محدثا على الشرب .. بعد ساعتين عدنا فمررنا في سوق المغايز بالعشار, حيث تحجم فيه الزحام وقل المتسوقون .. وتراكمت على ابواب المحال القمامة التي كان كل بائع منها يدفعها خارج محله قبل اغلاقه, فجأة توقف صاحبي واخذ يمزق صورا لدعايات انتخابية وصادف ان مر رجال امن فقبضوا عليه وصحبوني معه ,لا اعرف اين قضينا تلك الليلة , في الصباح سمعت من يشير الينا ويقول (سننقلهم الى جهة اخرى ) فشعرت بالوجوم وعلمت بان صاحبي سيتعب لأننا سننقل حتما لمعتقل امني ,
ادخلوني غرفة وانا معصوب العينين , امروني ان اتمشى وتوقعت الارض شظايا زجاج فخطوت بحذر وداهمني احد بصفعة قاسية ارتعدت منها ,ثم قالوا اعترف.. رويت لهم ما جرى (كنا نتمشى في ساعة متاخرة من الليل واستدار صاحبي وهو ثمل .. فمزق).
بقينا لساعات انا وصاحبي في موقف لمديرية الجرائم .. كنا نراهم يتحركون من باب صنع من قضبان متوازية ..وحاول احد ان يخطف مسدسا من شرطي لينتحر (قيل انه زنى بامه وهو سكران ) لكنهم سيطروا عليه وقيدوه .
غروبا عصبوا اعيننا , وفي بوابة مديرية الامن في البصرة (الليث الابيض ).. سمعت احدهم يصيح مناديا على الرجال (تعااالوا ذولة الي ما خلونة أنام من ثلاثة ايام ).. وهرع الذئاب الينا يسبقهم جوعهم للدم ... وكانت وجبة دسمة بين ركل وسب وشتم ورفس ولكمات .
نقلونا بعدها الى زنزانة طويلة , المعتقلون فيها ممدون واعينهم معصوبة على جانبي القاعة بشكل متواز.. وقبل ان يعصبوا اعيننا وجهت صاحبي بان يجيبني بسعلات ان سعلت بين فترة لاخرى , فاعلم انه ما يزال قربي وهو ما طبق بيننا .. بعد ساعة اتوا وعصبوا اعيننا .. ثم استدعوا صاحبي للتحقيق .. بعد الافراج علمت بانهم علقوه في مروحة باسلوب ربط اليدين من الخلف وشده لمروحة .. ولانه كان طويلا فقد كانت رجلاه تلامسان الارض : (اعترف ) مع سب وشتم وركلات وصفع .. قال (فاخبرتهم انا سكران ولا ادري هل مزقت صور المرشحين او لا ..).
في اليوم الثاني استدعوني ليلا وسألني ضابط التحقيق (كنت تضحك على بعد مترين منه وهو يخرب الصور فاعترف ) فاجبته واثقا < اولا نحن بحال سكر فهل لديكم تقرير عن درجة السكر ...؟) فالتفت الضابط لاخر وقال <كيف لم تبعثوهما للمشفى لقياس درجة السكر ).
ثم حاججته (انتم لديكم اجهزة لفحص البصمات فان ظهرت آثار اصابعي على الصور فاعدمني ....) , ولحسن الحظ ان رجال الامن قد جمعوا من اسفل الصور قطعا من الاوراق تواجدت معها صور لبنات وغيرها ...فقال المحقق (هذا الرجل اتركوه ولا تمسوه) وانزلوني .
اتوا بشاب سمين من احدى الكليات واصعدوه ذات ليلة ونزل وهو لا يستطيع تحريك يديه فأمروني ان اطعمه انا ولم اكن اجيد الاطعام بالملعقة وكنت كما هو اتالم مع كل لقمة .
.
كان باب الزنزانة من قضبان متوازية وقد علقوا شابا طيلة تواجدنا لمدة شهر في ذلك الباب فان حرك يديه اتوا يسبقهم شتم وسب .. واشبعوه ضربا ولكمات .. وفي ساعات الافطار والغداء والعشاء ينزلونه فلا يتناول زادا .. يصلي ثم ينام حتى تنتهي الوجبة فيعلقونه .
سألته يوما فاجاب <كنت اقود تنظيما واكتشفوا ان لي تنظيما اخر .. اهلي بأبي الخصيب وعنواني كذا فاتصل ان افرج عنك باهلي واخبرهم انني حي >..
الجلادون يدخلون الزنزانة ليلا ويتسلون بتعذيب او ازعاج المساجين بمختلف الطرق ,كنت ازيل العصابة من عيني قليلا بحيث يمكنني ان ارى, مرات اكتشفوا ذلك واشبعوني صفعا لكني لم اكف .. كنت اريد ان استكشف ما يجري. واذكر مرة دخل ذئب منهم واخذ يقفز ويهبط على اجساد المساجين فحميت رجلي المصابة بالكاحل برجلي الاخرى فلم اتأثر عندما قفز وهبط على فخذي .... يوما ما رأيتهم يدفعون شابا جميلا بملابس انيقة وعلمت بانه موقف تمثيلي فالشاب من رجال الامن دفعوه ليحدد هوية بعض الاشخاص , فلم يعصبوه وبدأ فورا بقضم البعض بعيون شرهة مركزة ... ساعة واخرجوه ..تجربتي السابقة قبل ثماني سنوات في مديرية امن اخرى علمتني الدروس واساليبهم ..
وخاطب الجلاد احد المعتقلين ــ وقد نزل توا من التعذيب ففتحوا عينيه وقدموا له ماء وصمون ــ الست الان مرتاح فاجاب < نعم>.. فقال له <اخبر صاحبك ليعترف ... انت عبرت الحدود هاربا وامسكنا بك >.
ابشع ما شاهدته هنا في هذه الزنزانة من <الليث الابيض > ابواب خشبية بارتفاع متر ثبتت على طول الحائط الايسر , يخرجون منها معتقلين منضمين لحزب الدعوة يغطونهم من الرأس ببطانيات مع كل وجبة .. استغربت من زنزانات داخل زنزانة واردت استكشاف الامر .
كنا اول من نمضي للحمامات وهم بعدنا وفي مرة تأخرت بالحمام حتى يصلوا وسمعتهم يحدثون بعضهم عن مجريات التحقيق..كانوا يتكلمون بسرعة واصوات شبه هامسة وتوتر ..وقد انزلوا البطانيات عنهم وثبتوها على الاكتاف.. ورأيت وجوههم المجهدة المدماة , فلما غادروا جميعا ظهرت فاستغرب الجلاد ورفع عصا غليضة فقلت (بطني خربة >.. فصفعني وقصدت مكاني .
يوم الافراج امرني الضابط ان اوقع وكان مفوض الامن الجار حاضر وقد اشاد بي ..قال الضابط سنفرج عنك ولا تعملها بعد الان .. فتركت الورقة ورفعت رأسي <انا لم افعلها > فابتسم .
بعد الافراج.. جاءني ابو <ع > ليتحمد على السلامة وعلق باقتضاب معاتبا : < حين رأيته قد سكر لو سحبته واتيت به >.
خمس دقائق :
ربما هم يضربون الدقيقة بسنة , هكذا هم رجال الامن في العراق... وتطبيقا لجدول ضربهم المستحدث هذا فسامكث في السجن خمس سنوات , كنت بمدخل الشارع المفضي الى السوق , لم يكن الحي بهذه الكثافة السكانية .. نحن في عام 1976 .. كنت جالسا واتى رجلان وخاطباني ( انت فلان ) وحين اجبتهم قالوا (نحتاجك ان تأتي الى مركز شرطة البصرة غدا ..لديهم استفسار لخمس دقائق ).
وقبل ان اسرد رحلة الجحيم تلك , ابدأ بالسبب ... لقد كان صديقي الشاعر الغريق مهدي طه , ( كان أول من التحق بالرحلة المشتركة التي ابتدأت بداية هادئة عام 1972 لتنتهي نهايتها التراجيدية المدوية عام 1975. ) , وانضم الى القافلة رفاق جدد: حميد كاظم (القاص سمير أنيس) و سعدون حاتم (الشاعر آدم حاتم) - كلاهما سيموت فيما بعد في لبنان — ، قاسم حيدر (الشاعر قيس حيدر) الذي سيعدم بتهمة الإنتماء الى حزب محظور بعد بضعة أشهر من موت مهدي، الشاعر كاظم حسن سعيد، الذي سيسجن بتهمة القذف لأنه اتهم السلطة بقتل مهدي: حيدر الكعبي - الحوار المتمدن).
تعرفت على الشاعر مهدي طه عن طريق الشاعر حيدر الكعبي..ورأيت فيه شاعرا مميزا سلوكا وطاقة شعرية ..وسرعان ما توثقت العلاقة بيننا , في احد الايام اتاني واستعار مني قلم حبر وعاد بعد ايامي ليريني قصيدته : اغنية حب
(ما أنا غيرَ صمْتٍ يفتِّشُ عن كلِمةْ
غيمةٍ هائمة
في سماءٍ يؤججها الإنتظار
ضِحْكةِ اللازَوَرْدِ على موجةٍ مُعْتِمَةْ
إنَّ طَبْلَ عروقي يَجِيْشُ بأنغامِهِ الصامتةْ
ومن بينِ هذا الزجاجِ الصقيلْ
موجةُ الحُلْمِ تَصْعَدُ نحو ازرقاقٍ يشبِّعُهُ العِطْرُ بالهمساتْ
كيف أَشْـحَـذُ حُبَّـكِ؟ إنّي نسيتُ اللغات
بأيِّ اللغاتِ أُصَـعِّـدُ هذا اللهيبَ؟ بأيِّ اللغات؟
الفراغُ هو الحَلْقةُ الذهبيةُ بيني وبينكِ، مأذونُ عرسٍ يزاوجنا
الفراغُ يَدُقُّ، الفراغُ يجيشُ، الفراغُ يقول
الفراغُ هو البحرُ، هل تبصرين اشتعالي؟
الفراغُ هو النارُ، نفسيَ عنقاؤُهُ
ومبلولةً تخرجين
دون أن يوجد النهر مبلولةً تخرجين
أيَّ جِسْرٍ من الوَهْمِ أبني إليكِ؟ وأيَّ طَوَافٍ على الكلمات؟
ما أنا غَيْرَ صَمْتٍ يُفَتِّشُ عن كَلِمة
كذبةٍ تتغذّى على اللهبِ المتورِّدِ،
شيءٍ بلا أيِّ شيءٍ،
وجودٍ يطوِّفُ محترقاً،
لعبةٍ،
ضِعْتُ، ضُيِّعْتُ، عِشْتُ،
نُقِشْتُ على حائطٍ،
لم يكن لي زمانٌ
أنا هو تأريخُ موتْ . .
ورمادٌ صديءٌ على عُـلْبـةٍ فاخرة
مهدي طه -البصرة 1975... من قصيدة < اغنية حب >)
ـــــــــــــــــــــــــــ
(ولد مهدي طه في البصرة عام 1953، وتوفي فيها في 30 أيّار.1975.).
أحاطت الشبهات بملابسات موته الغامض، حيث عُثر على جثته على جرف نهر الحكيمية غير بعيد عن مديريتي الإستخبارات والمخابرات، وعلى الجثة كدمات وآثار تشي بتعرض الشاعر للضرب قبيل موته. وقد تجاهل تقرير الطبيب الشرعي في حينه تلك الآثار والكدمات وأفاد بأن الموت كان نتيجة الغرق، مع أن الشاعر كان يجيد السباحة.
لم يُعثر على حافظة الورق الجلدية التي كان الشاعر يحرص على حملها معه، والتي احتوت على مخطوطاته الأكثر اكتمالاً والجاهزة للنشر، ولذا لم ينجُ من كتاباته سوى المسوّدات التي تركها في البيت. ح الكعبي ).
( إعادة رتيبة لسـيرة الملك الضِّـلِّيـل
خذ كلابك للصيد يا سيدي
فالقطيع الذي صدْتـَه جالباً لقطيعْ
دعْه يرقدْ هناك بأمنْ
دعْ عصايَ ، خطايَ ، تجدْ نبعها
فماذا أقول لهذي الليالي
وهي تجري أمامي بعري شهيّ
سوى أنّ لي سيـّداً ولديّ قطيعْ؟
تمرّغنَ باللحم يا نزواتْ ،
تلفـّعْـنَ بالضحـِكاتْ ،
تثنـّيْـنَ ... كـُـوْرٌ محَـمَّـلْ ،
تراقصْـنَ كالصَـبَـواتْ.
آه ما أبعدَ الإشتهاءَ وما أوحشَ الطرُقاتْ .
: مهدي طه 1974 ــ 1975 < مقطع منها> ).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في ضحى اليوم الثاني قال لي ضابط الامن (يظهر انك انسان فقير ...وسألني بعض الاسئلة عن ملابسات موت مهدي طه وقدم لي قلم حبر و ورقة طالبا ان اوقع ... قلت لابد ان اقرأ ما ساوقع تحته.. وفي السطر الثالث زمجر (كفى .. وقّع ).. وفهمت الاشارة ووقعت .. حجزوني في المركز ساعات ثم ارسلوني الى دائرة الامن ...لم اكن اعلم اني متهم بمادة < قذف السلطة >.. ولم اتصور باني ساقضي اشهرا في دائرة الامن وسنة في ابي غريب .
قانون العقوبات لسنة 1969
صدر القانون رقم 111 في الثلث الاخير من سنة 1969ونشر في (الوقائع العراقية بتاريخ 15-9- 1969 بناء على نص المادة 505
القذف :
ورد تعريف له في الفصل الرابع اولا المادة 433
(القذف هو اسناد واقعة معينة الى الغير باحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت ان توجب عقاب من اسندت اليه او احتقاره عند اهل وطنه).
معنى القذف لغة
" قذَفَ بالشيء يَقْذِف قَذْفاً فانْقَذَف : رمى .
(والتَّقاذُفُ : الترامي ؛ أَنشد اللحياني : فقَذَفْتُها فأَبَتْ لا تَنْقذِفْ وقوله تعالى : قل إن ربي يَقْذِفُ بالحق علاَّمُ الغُيوب ؛ قال الزجاج : معناه يأْتي بالحق ويرْمي بالحق ، قال تعالى : بل نَقْذِف بالحق على الباطل فيَدْمَغُه .
وقوله تعالى : ويقْذِفون بالغَيْب من مكان بعيد ؛ قال الزجاج : كانوا يَرْجُمون الظُّنون أَنهم يُبْعَثون .
وقَذَفَه به : أَصابه ، وقَذَفَه بالكذب كذلك .
وقَذَفَ الرَّجُل أَي قاء .
وقَذَفَ المُحْصَنَةَ أَي سَبَّها .
وفي حديث هلال بن أَميّة :( أَنه قَذَفَ امرأَته بِشَريكٍ ؛ القَذْف ههنا رَمْيُ المرأَة بالزنا أَو ما كان في معناه ، وأَصله الرّمْيُ ثم استُعْمل في هذا المعنى حتى غَلب عليه.لسان العرب)
قذف بكلامه : تكلم من غير تدبر ولا تأمل . (المعجم الرائد)
مديرية امن البصرة (السابقة )
كانت مديرية الامن التي ادخلوني اليها وقت الظهيرة تقع في منطقة الخضرعلى بعد امتار عن نهرالعشار يفصلها عنه الشارع الرئيس, وهي احدى منزلين من املاك صالح بيك العبد الله , تم تأجيرهما للدولة .
ويظهر ان حجز المعتقلين بطابق تحت الارض.. لانهم انزلوني من سلم فرأيت باحة تحيط بها اربع او خمس زنزانات بابواب من القضبان المحكمة .. وفتحت احدى الزنزانات وادخلوني , فالقيت التحية وتصفحت وجوه النزلاء ..وجلست .. ومن طبع المعتقلين ان يسألوك عن تهمتك فاجبتهم (سياسية).. فاستدعوني ستة معتقلين يستقلون جهة الجدار وعلمت فيما بعد بانهم من الحزب الناصري.
رجل الامن الشيخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد يومين من دخوله الزنزانة حددنا هويته من اسلوبه وشرعنا نحذر النزلاء منه .. فقد كان يستجوب السجناء بمهارة ويستل منهم المعلومات ...دخل الينا يغطي راسه بعمامة بيضاء , وكان متحدثا لبقا .. وذا معرفة بالتراث .
فقد جرى نقاش ذات يوم حول مادة السب والشتم فقال ان لهما معنيين مختلفين والا لاستغنى المشرع باحدهما , واورد قصة سيبويه وهو يجمع مادته فقال (كان سيبويه يحدد المعاني من السماع , وذات يوم قرأ <والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم >.. فتزود بمتاع بسيط وقصد البوادي .. مر هناك على اعرابيتين تخاطب احداهما صاحبتها ( يا اختاه لولا العرجون لغسقني الغاسق ), فسلم عليهما واستفسر عما تعنيان فاجابت < نحن نسمي كل مستدير عرجونا ولان الحجل مدور نسميه العرجون فقلت لها لولا الحجل للدغتني الحية >.
ولم يسمحوا لنا بالحمام بعد الظهر فقط صبحا وبعد الغداء .. وكان السجناء يستخدمون صفيحة الدهن الصدئة لمن تتحرك بطنه بعد الظهر , غالبا بعد الغروب ,فيجلس عليها السجين , يواجه السجناء وظهره للحائط ويمسك اثنان ببطانية ويحركانها طردا للريح.. وكان الشيخ اكثر من يستخدمها .. وكلما جلس يصدر صوتا قويا ما يثير الضحك .. خاصة ان صاح المعتقل (مرزوق ) : (روووح .. شيخنا .. اقوى ... اقوى .. اطربنا ), فتشتعل عاصفة القهقهات .
مساحة الزنزانة حوالي اربعة بخمسة عرضا وطولا.. وكنا في اللباس الداخلي فقط لانها فرن في الصيف..
وكنت مقربا من النزلاء الناصريين اقضي وقتي معهم حتى تشاجرت معهم لاني رأيتهم يطمعون بالزاد الشحيح فيخصصون لهم حصة اكثر من المعتقلين .. وكنا نخيط ما تمزق من ملابسنا بغرز مسمار بالقماش فنمرر فيه خيطا من الفراش المزروع بالقمل (بطانيات ) .. كان الناصريون يملكون ذلك المسمار .. وبعد شجاري معهم تسلقت الحائط لاقلع مسمارا اوحد ثبت فيه وهو ملفوف بتيب(شريط لاصق).. فتحته ,فصعقتني كهرباء وهويت ارضا.
الاشياء التافة تكتسب اهمية وتدعوك للحرص في الزنزانات .
بعد اسبوع افرج عن الشيخ وفور خروجه للاعلى (لن يعود) , اتى رجال امن وأمروا الناصريين ان يخلوا مكانهم وقلبوا الفراش وعثروا على علبة وصعدوا , بعدها نزل بعضهم وصحب معه قائد الناصريين ..نصف ساعة ونزل منهكا متعرقا وكان ابيض البشرة بدينا , فروى (قال لي النقيب من وشى بكم ,اجبته : لا اعلم , فسألني <من اخر من خرج ؟> اجبته : الشيخ .. قال (تدعون انكم اذكياء ) .
ورئيس التنظيم الناصري هذا كانت تصله علبة المهدئات بواسطة شرطي عن طريق زوجته .. وضعوه في زنزانة تقابلنا وقد حلقوا شعره صفر .. وكنا نسمعه يستغيث ويولول ويصرخ .
مرزوق , رجل قصير 26 سنة شعر مجعد وعينان صغيرتان , اسمر, في ملامحه ما يدعوك تبتسم...فيه من طبع اهالي ابي الخصيب روح الطرفة وخفة الدم , كان عاملا في اورزدي واختلس قنينة او كارتون من قناني الويسكي.. < مما يوزع فيه يتم بيعها للاعلى الاهالي >.. ربما سيسجن سنة او اكثرفي ابي غريب, كان يطربنا بمقاطع من صوت الخشابة وهو يطبل على ماعون القصعة .. او اية قطعة من البلاستك ...بصوت منخفض يغني خشية ان يسمع الجلادون ... كانت الباحة خلوا منهم حتى ينزلوا احدا او يعاقبوا ... ذات يوم عاقبوا رجلا شقيا اخرجوه من زنزانة اخرى وهو يسب ويشتم مع كل ركلة وصفعة منهم , كان ينحني ولسانه يسيل بالسباب.
رجل مؤمن بسيط كان يقرأ الطالع , ولا يعمل ما يخالف الشرع والعرف .. فهو بعد ان تذكر له مشكلتك يفتح القرآن ويكتب لك دعاء او آية او الاثنين معا ... وهو يقرأ دعاء الافتتاح في احدى الحسينيات قريبا من منزلنا ايام رمضان وهو يضع نظارة طبية ودائما تراه بدشداشة ناصعة سوداء في عاشوراء ,رأيته باحدى الزنزانات كونه كشاف فأل.. واذكر سلمت عليه وعرفني فقد كانت امي تصحبني اليه ليكتب دعاء لاخي .
كان في زنزانة اخرى تجاورنا ومدخل بابها لا يواجهنا .
ورأيت هناك الوانا من البشر يزجون فيخرجون : دراويش عبروا لايران وامسكوا , مجانين , خرسان , شقاة , متمردون , ابرياء كيدا كتب عنهم تقريرا احد الرفاق , بعثيون خالفوا الاوامر او اختلسوا,لابد ان يكون المعلم الانيق <ر> قد مر هنا قبل ان يودع في سجن ابي غريب بموقع خاص في الطابق الاعلى ... فقد اختلس من دائرة سايلو البصرة حين كان مديرها . ولا يمكن ان انساه نظرا لحادثة مرت في الطفولة معه,كان جارا وكنت صغيرا , رميت باتجاهه حصوة من مصيادة اطفال , انبني بلا عنف < كدت تقلع عيني > .
الدرويش حكى قصته لي يوما (عبرت لايران متخفيا بين البساتين حتى وصلت الامام الرضا , كنت ان جعت اغلي الماء واضع فيه خوص السعف واشربه لاتغذى .. في طريق العودة امسكوني ).
اخبرني احد السجناء القدامى بان شيوعيا كان هنا معتقلا اكتشف السر حيث عجزت الاجهزة المتطورة فافرج عنه .. فقد ادرك ان ثلاثة معتقلين خرسان لا خرس فيهم فطلب مقابلة الضابط لامر امني هام وصعد وبرهن للمحقق بان الخرسان بلا خرس.. وتم التأكد من صحة كلامه , كانوا جواسيس .
هذا الاشهب الشاحب النحيل زج به يوما .. رويت قصته مئات المرات .. ثبت في احدى قصائدي .. ولكي لا ننساه ونميزه ساسميه ((اضراب )) , شاب في العشرينات يدعي انه من الشقاة .. زج به معي في مصهر زنزانتي في البصرة .. حزين صامت .. في اليوم الاول ابلغني بانه لا يهتم بالسياسة.. وكان في حال سكر عندما شتم صدام حسين وسب الحكومة وانه ضارب عن الطعام من ثلاثة ايام , فنصحته ان يكف عن الاضراب لانهم هنا قساة فقال لي (سترى ما انجبت النساء ) , واوصاني ان اضع زاده قربه وتمدد ونام . ومرت الايام وتراكم جواره زاده الشحيح... في اليوم الخامس اشتدت صفرته وتلاشت حركة جسده وصادف ان وزع لنا بطيخ (ركي ) .. فوضعت اذني على موضع قلبه فما ظهر نبض ... قطرت على فمه من عصير الركي فلما احس بالبلل رفع يده ودفع يدي .. فنهضت عنه وتوجهت للناصريين : (هذا رجل سيموت , وسنبتلي , وسأنادي على الحرس وابلغهم فساندوني ونصيح صيحة واحدة لانكم سياسيون واصحاب مبدأ وجرأة ..).. وناديت صائحا , فهرع ثلاثة من الحراس , وفتحوا الزنزانة , فلما رأوه ممدودا قال عريفهم: (اتضرب عن الطعام ايها الكلب .. فاجابهم بصوت واه فيها بعض التوتر (انتم الكلاب )... فصعدوا وهم في غليان , وبعد لحظات اتوا ومعهم اربعة وحملوه الى الاعلى .. فساد جو من الترقب بين المعتقلين .. استغرق ربع ساعة , حتى اتى احدهم واستدعاني مع احد الناصريين ...
ولاول مرة شاهدت موقع الجرس الذي كان يرن في الطابق الارضي بين فترة واخرى .. كان <اضراب > ممدودا على الارض , وجهه يقابل منضدة التنقيب , وتملكني الفضول وقد انعشني الجو المكيف ,فتفرست في وجه الضابط ,ومررت على دواليب مغلقة واخرى بانت منها فايلات .. قرأت لا فتة على الحائط امامي << انت اهل للثقة ولكن لكل منا واجبه >>.
سأل النقيب الرجل الناصري< ماذا رأيت ؟ > فأخذ يهمهم وهو يكاد يبكي مرتعدا واجاب ( لا اعلم بشيء ).. قالها بصوت متهدج مضطرب وحروف متباعدة .. فامرهم ان ينزلوه .. ثم باغتني : < وانت ماذا سمعت ؟ > , فاجبته (اتى الحراس فشتموا هذا الرجل الممدود امامك فرد عليهم الشتيمة ) فسال غاضبا < ما اسمك ؟ > فاجبته فقال : انزل , ...قلت (لا : فقط اسأل ما تهمتي ولماذا انا هنا ؟ !) قال : <كتب عليك احد الرفاق تقريرا وهو مسافر وحال عودته سنحقق معك >
واعادوني للزنزانة وبعد نصف ساعة , قبيل الغروب , نزلوا به يحملونه .. فسألناه ..
ــ (طلب مني انهاء اضرابي واقسم بشرفه العسكري والمدني ان يرحلني من هنا في صباح الغد ,فرفضت فشتمني واجبته : الكلب انت وان كررت شتيمتك سازيدك شتما , وساقلع كيبل الكهرباء فاقتلك وانتحر به ان كررت شتمك ),
وقبل خيط الظلام نقلوه الى جهة ثانية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصير القامة , مكتنز ,عيناه واسعتان , في الخمسين . انه الشاعر الشعبي (اتنه )..فتح باب القضبان ودخل يرتدي بنطلونا وقميصا , حسير الرأس.. التقط نظرة شمولية على المعتقلين والقى تحية .. وجلس , وقبل ان يستقر به الجلوس اجاب السائلين عن دعوته : (باسم الله الرحمن الرحيم , والتين والزيتون وطور سنين ), فتعجب الناس منه وسأله اخر عن سكناه فأجاب : <اينما تولوا فثمت وجه الله ) ,هكذا واصل الاجابات بآيات .. فسكت عنه المعتقلون . وبقي لغزا في اذهانهم .
كنا بعد الغروب نقيم جلسات شعرية وادبية فتفاعل في اول ليلة له معنا وقرأ اجمل الابيات من القصائد الدارجة ..
وعلمنا انه يكتب الابوذية باللغة الانكليزية والفارسية والعربية الدارجة , كل بيت منها من لغة ..فتوثقت علاقتي به وفتح صندوق الاسرار التي عرفتها تباعا بتوالي الايام , فاخبرني انه كتب كلمات اغنية < اتنة اتنة > التي غناها فاضل عواد واشتهرت مطلع السبعينيات :
((اتنه اتنه وانت نفسج ماتنيتي
اتنه اتنه هم تنيت وما اجيتي
ياما گـلتي هوايه گـلتي وما وفيتي
ياما اسهر وانت نمتي وماصحيتي
ولو جفيتج ليله وحده گـلتي وينك ياتجيتي
وهذا ديدانج ياهيله
وهذه عاداتج ياهيله
من غرورج ماشفيتي
ولو گـلتلج أوفي عهدج
گـلتي اتنه وانتي نفسج ماتنيتي
شتنه اكثر من بعد حفنة ليالي
وانا كل ظني الموده وماكو تالي
شتنه اكثر وانا ذاب بشوگـي حالي
عفيه روحي شكد صبرها و عفيه حالي
عفيه حالي شگـد حمل عثرات منج
وانت ذيدج انت بخيالي ولا املج
وانت دومج لا ابالي لا صحيتي ولا وفيتي
هذا ديدانج ياهيله من غرورج ماشفيتي
ولو گـلتلج اوفي عهدج گـلتي اتنه
وانت نفسج ما تنيتي))
وصدح كبير الناصريين وهو بدين وسيم :
(قصيده المرحوم الشاعر مجيد جاسم الخيون
ياهور الجبايش لاتسد الشط
يا مجمن سمج ريجان يتلعبط
يبو العكيد يالشبعت طير البط
براهينك على المحداد تشبع غط
يدهله وطين فوك الطين ومسدي حشيس اخضر
شحلات الصيد بيدك ودفعة المردي
وحلوة شيلة الفاله لبو سراج الشعل لاله
اوصايود الدست ودراغه يبراله
يفرح لو سمع فحل الجمس ينحط
ياهور الجبايش لا تسد الشط اكلك لاتسد الشط
خلي شطك بزوده وخلي نبت الكعيبه على سطح الماي موجوده
وخلي الكاط المفيح الجاري يلعب بعوده
بالك تدش بغواره
جبير وصعب معباره
نبت ماينبت بداره
يشعله ايظل على الصوبين يتخبط
ياهور الجبايش لاتسد الشط
ياهور الجبايش هيلك وفنك
تجاوبني الحقيقه منرد انشدنك
انشدك وين أهالينا مضايفنه ومبانينه
جبح ياهور ناسينه
ولا جنه تزاركنه بكصب هورك المخرب
ولا جنه ركبنه بسدر ماطورك
ولا جنه تزاركنه بكصب هورك
ولا تذكر كصبنه كناغ عشرتنه ورمي طيورك
نسيت الشص نسيت طيور الوريده
شحم بالموسم امكلص
حسافه شلون تنسانه
نسيت البردي المصفط
ياهور الجبايش ياجثير البك
يا مجمن حيايا آفات تتمزرك
على ركمة مشاحيفك سمج بالنار يتعلك
ياما كصت الكطان طكها معيدي بالمطرك
حلال بربعة المشحوف بني الهور من ينشك
ماتنسه رفيف الكصب لمن يدحج المشحوف
روحي اطوف ياهور الجبايش بيك روحي اطوف
بالخريط الأصفر بالكصب مصفوف
برشيح الماي فوك الكصب لو نكط
ياهور الجبايش لا تسد الشط
اكلك لا تسد الشط.
ــــــــــــــــــــــــــــ
حدثني مرة اتنة عن مقالب (وذات يوم قصدت منزل الشاعر الفكاهي جسام النجفي الذي نشر له ديوانان (سنجاف الكلام ) و (قيطان الكلام ) , كنا في جمعية الشعراء الشعبيين في الستينيات فوجدته مضطربا وصرخ بي < اركض > فركضنا مسافة كيلو فتوقفنا فالتفت يمينا ويسارا وصرخ <اركض > فركضنا حتى عدنا الى منزله , ونحن نلهث ..فسألته عما جرى قال ( لا ادري .. كل ما في الامر ان زوجتي تسوقت فتركت المخضرات قربي وغادرت فرأيت اصابع الباميا تتقافز من السلة وتتحرك على الحصيرة في اللحظة التي طرقت انت .... وفي مرة تشاجر مع بائع اللبن فمضى ثم عاد مثبتا حجارة من التراب اعلى حزامه داخل الدشداشه واقترب منه وانحنى واسقطها في اناء اللبن , تاركا البائع يصرخ ويلطم ... قال له <لا ادري , وقعت سهوا >.
ذات يوم وقت ضحى مرت بهما امرأتان .. سألت احداهما عن الوقت فاجابها الشاعر اتنه... فنظرهما النجفي وقرأهما واستأذن بالسؤال (من الاثقل : الدرهم او العشرة؟ ــ عملتان من المعدن ـ فاجابته الاجرأ ( طبعا العشرة ) قال : < لا ــ ومثّل شكل السجود وهو يتكلم ـ ان استقرت العشرة < يقصد الاصابع > على الارض فان الدرهم اثقل ) .. كان يلمح بالفاحشة , فضحكتا وصحباها الى الجمعية ... ذهب احدهما ليشتري الخمرة والكرزات , وقضيا ساعات يستمتعان بهما .
فجأة ترى ذلك الناصري الثخين الواسع العينين برأسه الكبير يضرب اصبعا وهو يغني (يا حنة ما اخليج بجفوف ادية
الّا يجي المحبوب ويحن عليه )... فلم تكن الزنزانة الا مصهرا ولكل اسلوبه بقتل الوقت .. ان تعيش من اجل قتل يوم واحد فتلك مأساة فكيف لو جهلت مصيرك وانتظرت تعذيب جلاديك , ان تحمّل العراقي لشيء اقرب للخرافة حقا , حدث اتنه (مرة نشرت هذا البيت : <البلعقل شركان فركتهم شلون > وطلبت من الشعراء ان يجيبوا او يجاروا ...
بعد يومين او ثلاثة من انضمامه الينا اسر لي الشاعر اتنه بان الناصريين هنا يفتقرون الى الحس الامني وانهم زودوه باسرار من الواجب ان لا يدلوا بها ,وانهم < حسب تعبيره > فارغون..وكان قد عقد جلسات عدة مغلقة معهم .
وعلّمني اول الدروس : (حين تعتقل فكر بقضاء يومك ولا تفكر بالاهل لقد كنت صغيرا وبعمرك يوم اعتقالي اول مرة .) , درس افادني كثيرا في معتقلاتي المتعددة اللاحقة ولن انساه .
بعد ايام من دخوله الزنزانة اخبرني بانه متهم بانتمائه (للحزب الاجتماعي السوري ).. وهو مقلوب شعار البعث : وحدة وحرية واشتراكية ... لانه يشرع باقامة الاشتراكية اولا ثم الحرية , فالوحدة .
الحزب الاجتماعي السوري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((العقيدة
يعتبر أن "السوريين أمة تامة" وأن "القضية السورية قضية قومية قائمة بنفسها ومستقلة عن أية قضية أخرى" أهداف الحزب الأساسية تتمثل في النهوض بسوريا الطبيعية بكل المجالات وتوحيدها لأنها تشكل وحدة جغرافية واحدة " ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق , ويعبر عنها بلفظ عام: الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص. أي انها تضم كل من العراق والكويت والأحواز والشام (الجمهورية العربية السورية) ولبنان والأردن وفلسطين وأطراف جغرافية طبيعية سيناء وقبرص وكيليكيا ولواء اسكندرون.
ويعتبر الحزب السوري القومي الاجتماعي ان الأمة السورية مجتمع واحد، وضرورة بعث نهضة سورية قومية اجتماعية من خلال فصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء وإلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة وكذلك إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن)].
الحزب والعروبة
الأمة السورية كما يراها الحزب السوري القومي الاجتماعي
تعتبر عقيدة الحزب أن سوريا الطبيعية جزء لا يتجزأ من العالم العربي تقوم مقاماً مركزياً وقيادياً فيه، ويدعو الحزب لتفاعل سوريا الطبيعية مع محيطها العربي وابراز مكانتها التاريخية وتمايزها بين باقي أمم العالم العربي الأخرى (الجزيرة العربية ووادي النيل والمغرب العربي). ودعى مؤسس الحزب إلى التضامن العربي في وجه القوى الإمبريالية والاستعمار والرجعية المحلية المعادية للعروبة ونقض العروبة الوهمية داعياً إلى عروبة واقعية.].
نشيد الحزب الرسمي
قام أنطون سعادة بتأليف النشيد عندما كان مسجونا وقام بتلحينه زكي ناصيف الذي كان عضوا من الحزب ومسجونا معه :
سوريا لك السلام سوريا أنت الهدى
سوريا لك السلام سوريا نحن الفدى
نحن قوم لا نلين للبغاة الطامعين
أرضنا فيها معين للرجال الناهضين
كل ما فيها جميل كل من فيها كريم
جوها صاف عليل شعبها حي عظيم
يا جبالا قد تعالت وتجلت كحصون
يا نفوساً قد تسامت فوق آماد المنون
نهضة هزت قروناً وجلت عنا الخمول
أمة نحن يقينا
واستغربت حينما سألني المحقق فيما بعد (هل انت تنتمي الى الحزب السوري الاجتماعي ؟) فاجبته : لا اعرف اسمه الا الان ... ويبدو ان احدا ممن كانوا ينتمون اليه كان يجالسنا في المقاهي ..
أسر لي ذات يوم اتنه (لي رجال يعملون لاجل الافراج عني , فلا تخف علي ..سيفرج عني ).
اتنه هو (الشاعر كاظم عبد الجبار وهو من مدينة السماوة (1937 - 1982), الذي تطوع في القوات المسلحة وعمل في اذاعة صوت القوات المسلحة معدا وكاتبا .
وقد اصيب بمرض عضال وغيبه الموت مبكرا .
صدر سنة 2020كتاب عنه ( كاظم عبدالجبار / شاعر غنائي توارى منسياً في متاهات الزمن / للكاتب لطيف عبد سالم ) بستتة فصول بتقديم الاستاذ حسين سرمك الذي صرح في المقدمة (انها في الحقيقة ( جريمتنا ) افراد ومؤسسات نعلق ثيابها السود على شماعة الزمن , فقد اسهمنا جميعاً – بلا قصد واعٍ طبعاً ولكن وفق احكام البنية اللاشعورية العميقة المستترة الحاكمة – في تغييب ذكر هذا الشاعر المهم وخصوصاً في مجال الاغنية , اذ لم يفكر ناقد في تناول منجزه الشعري ,و لم تحاول مؤسسة ثقافية رسمية نفض الغبار عن ذكراه ) ص14.
ورد في الفصل الرابع (اللغز المحير في محطات حياة الشاعر الغنائي الراحل : تبرز بعض المواقف المؤلمة والموجعة , حتى بعضها لا يمكن تفسيرها , مثلاً طرده من عمله الاعلامي والاذاعي من المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون , رغم انه في قمة ابداعه المتواصل , وتشوق الناس الى برنامجه الاذاعي الاسبوعي واحيل على التقاعد.
برز في منتصف الستينات وقدم العديد من البرامج للإذاعة ومنها برنامج جلسة سمر مع الشاعر جودت التميمي وبرنامج تلفزيوني مع العاملين في إذاعة القوات المسلحة مع زميله جودت التميمي وشكل معه ثاني اكثر غزارة في كتابة الاغنيات السريعة .
من أعماله في الساحة الغنائية ( اتنه.. اتنه – ابو احچايات البريسم – تتلاگه الوجوه لفاضل عواد – تعاليلي لعبد الله رويشد ( التي غناها بدءا الملحن فاروق هلال – يا حبيبي للمطربة هناء – لا ياهوى لمائده نزهت – لا نار لعفيفة اسكندر – مر فرگاك لأمل خضير )..
لحن له طالب الغرغولي وفاروق هلال اغنيات عدة .
زج معنا ذات يوم بالمصري |بهاء |< كان شابا طويلا له بنية رجال الكونفو .. دخل وهو يحتج بصوت مرتفع على الحرس , واستغرق ساعات ليهدأ, كان حسب زعمه طالبا في كلية القانون , وبعد ايام وثق بي , ورجاني ان امضي الى زوجته (رينا ) التي كانت تعمل راقصة في ملهى السندباد في قلب ام البروم مقابل سينما الكرنك , واضاف < ستعرفها لانها شبيهة بالمطربة وردة الجزائرية لكنها ارشق منها .
سمعتهم يتداولون فيما بينهم السياسيون الناصريون فقال قائدهم لاثنين مقربين (انه ينهار فلنحاول ان نستدعيه ونرفع من معنوياته ).. وسمعتهم يقولون له < تعلم ان الامة العربية خالدة وان القضية الفلسطينية هي قضيتنا الاولى ...) , فقاطعهم بلهجة معدان (العن ابوكم لابو فلسطين ,,, ولكم هجمتو بيتي , يتّمتم عائلتي ..الله لا يوفقكم انة ويين وفلسطين وين ).
ولا اعرف بالضبط هل هم ضمن التنظيم الذي اسسه ضابط الركن والوزير الاسبق صبحي عبد الحميد , او لا , لكني هنا سارسم صورة مكثفة للاحزاب القومية التي ترتبط بالتنظيم الناصري في العراق :
((التيار الناصري)):
(1924ــ 2010) ولد صبحي عبدالحميد
في بغداد في محلة قمر الدين .
كان صبحي عبد الحميد يمثل التيار القومي العربي الناصري ولسنين طويلة امتدت منذ انضمامه إلى تنظيم الضباط الأحرار في الخمسينات من القرن الماضي وحتى وفاته.كما كان من المؤمنين بوجود القومية الكردية وحقها في التمتع بحقوقها القومية والإدارية والثقافية ضمن العراق الموحد ،ولم يكن يفرق بين أبناء العراق على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية ويدعو إلى إفساح المجال للجميع لخدمة العراق والتفاني من اجله .وبالرغم من انقسام الحركة العربية الاشتراكية وظهور جناح يقوده صبحي عبد الحميد بأسم : "حزب الوحدة الاشتراكي " ،ألا أن كل أطراف الحركة أكدت ضرورة ايجاد تحالف بين الحركة التقدمية العربية والحركة التقدمية الكردية تضمن إقامة جمهورية عراقية ديمقراطية وكان رأي حزب الوحدة الاشتراكي الناصري تنفيذ أمرين مهمين أولهما تطبيق اللامركزية وتطبيق بيان 29 حزيران-يونيو الذي أعلنه رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز لحل القضية الكردية وكان صبحي عبد الحميد وراء هذه الأفكار التي تنهي الأوضاع الاستثنائية في شمال الوطن وبما يتيح سحب الجيش وحل الفرسان، وإنهاء حالة الحصار الاقتصادي، وإقامة مجلس تنفيذي ينبثق من مجلس تشريعي منتخب تكون له ميزانية خاصة وتشمل اختصاصاته الشؤون المحلية كالاعمار والتعليم والعدل والشؤون الاجتماعية والأمن الداخلي .
وقبل وفاته بفترة وجيزة، كان يقود حركة سياسية مهمة هي حركة التيار القومي العربي..كان هو أمينها العام، وكانت تصدر عنها جريدة راية العرب.
اعتمد المشير الركن عبد السلام عارف رئيس الجمهورية على صبحي عبد الحميد في تشكيل تنظيم الاتحاد الاشتراكي في 14 تموز – يوليو 1964 كحزب وحيد في البلاد يعمل من اجل تحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة وتحقيق تغيير في المجتمع العراقي باتجاه إقامة مجتمع اشتراكي يعتمد مبدأ العدل وتكافؤ الفرص بين المواطنين . وقد حلت أربعة تنظيمات سياسية نفسها وانضمت إلى الاتحاد وهي حركة القوميين العرب والحزب العربي الاشتراكي وحركة الوحدويين الاشتراكيين والوحدويون الاشتراكيون الديمقراطيون . وقد صار الأستاذ صبحي عبد الحميد عضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد وسرعان ما اكتشف عقم المحاولة، فابتعد عن الاتحاد الاشتراكي الذي انهار وأسس مع عدد من إخوانه (( الحركة العربية الاشتراكية)) وانتخب أمينا عاما لها.
شارك صبحي عبد الحميد في مباحثات الوحدة بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق وسوريا، وكان له دور في انتخاب عبد الرحمن محمد عارف رئيسا للجمهورية بعد مقتل شقيقه عبد السلام في حادث طائرة يوم 13 نيسان –ابريل سنة1966 ،وهو من الذين شهدوا سقوط عبد الرحمن محمد عارف يوم 17 تموز 1968. وقد غادر العراق إلى القاهرة وظل هناك حتى سنة 1975 اذ عاد الى العراق ،وانشغل بالتأليف والكتابة وأنجز مذكراته التي صدرت بعنوان: ( مذكرات صبحي عبد الحميد :العراق في سنوات الستينات 1960-1968 ) والتي نشرتها الدار العربية للموسوعات . كما نشر كتابه :(أسرار ثورة 14 تموز1958 في العراق : البداية –التنظيم-التنفيذ-الانحراف ). وله كذلك كتاب( معارك العرب الحاسمة) وكتاب( نظرات في الحرب الحديثة) وكتاب (معركتنا مع الصهيونية) ، وكتاب( تنظيمات الجيش العربي )الذي ألفه مع آخرين..
( المصدرمدونة الدكتور ابراهيم العلاف) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التسفيرات
ــــــــــــــــــــ
بعد التحقيق معي في مديرية الامن تم نقلي الى مركز <تسفيرات البصرة>, لم اتعرض لاهانة او تعذيب , لم يكن النظام قد وثق من نفسه تماما , وكان يتبع اسلوب المكر المخفي مع السياسيين ,ربما استفاد من تجربته الكارثية في 1963وقد اقام جبهة مع الشيوعيين وغيرهم عام 1973 ..لكنه سيتخلى عن كل هذا عام 1978ويشرع بحملة تصفيات واعتقالات كان لما سمي ب ( مجزرة قاعة الخلد ) احد انعكاساتها .
<التسفيرات > معتقل للحجز قريب من شارع بشار الشهير ببيوت بائعات الهوى, يقع في البصرة القديمة ...لهذا تراه مكتضا بالنزلاء ليلة الجمعة .
القاعة التي حجزت فيها قبل ان يرسلوني الى محكمة الثوة ببغداد هي قاعة قديمة واسعة لها باب من القضبان و شبابيك خشبية واسعة من الامام اما ظهرها فحائط من الطابوق ..هناك وجدت من نقلوا قبلي من مديرية الامن ...
رأيت ثانية الشيخ الذي كان ضابط امن , الروزخوني اللبق والممثل البارع .. ومن اول يوم كما كنا نتمنى ونحن تحت الارض ارسلنا على طعام من الدجاج المشوي .. وكان معنا مرزوق المختلس لقناني الويسكي , ونحن نأكل انطفأ التيار الكهربائي فصرخ مرزوق على الشيخ (اضرررب .. ما اوصيك شيخنا ), كان يسخر من نهم الرجل .حدث ذلك في اول ليلة .
سمح لنا هنا ان نواجه الاهل والاصدقاء..وما اثار استغرابي ونحت في ذاكرتي ان احدى جاراتنا أتت لزيارتي, وقد عرف عنها (عدم الاستقامة ) , اتذكر رأيتها مبتسمة وحملت لي مؤنا بجلة خوص كبيرة ,اما الجارات المستقيمات فما وصلت واحدة , ذلك ما جعلني افكر بتصنيف الفضيلة, وأدركت ان الانسان مواقف تبين ايام المحن .وقد جاملت الشرطة ودعتهم للاعتناء بي .
اسيقض من نومه فزعا احد السجناء في ساعة متأخرة من الليل وهو يصفع قطا مشى على جسده ... اما ذلك البدين القصير فكان لا يترك غليونه ولا تنقطع سعلاته .
المصري بهاء سمح لزوجته الجميلة ان تقابله , انها حقا كما وصفها تشبه المطربة وردة الجزائرية .. يوما ما امروها بالمغادر ة بعد انتهاء الوقت المخصص لها ,, لم يتحمل الموقف ذلك المصري فبلع موسى , فاجريت له عمليات عدة وتم انقاذه .. فعاد يزورنا ويشرح لكل شخص مادة حكمه ومدة محكوميته, كان وفاء منه ان يأتي , فقد اخلي عنه بكفالة , وربما اتى لمراجعة التسفيرات لامر رسمي .
بعد ايام سمعنا (لقد فر بهاء المصري وزوجته الى خارج البلد ).
فجأة ظهر اتنة مبتسما , قال سألني النقيب (لقد عملتها ؟)...وكان بعض المتنفذين ضمن تنظيمه قد ادخلوه مشفى للامراض النفسية ,ما اسقط التهم السياسية الموجهة اليه . وكان يملك علبة صغيرة من كبسولات الويسكي فناولني بعضا منها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكبلا نقلوني الى بغداد ..
في القطار ربط الشرطي يدي بعارضة الكرسي .. ونام بعمق .
تسفيرات بغداد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا تختلف عن تسفيرات البصرة الا انها اوسع قليلا , وكان النظام حينها قد شن حملة على الشقاة , وهددهم ــ ان لم يتوبوا ــ ان يزرقهم بابر تشل اذرعهم ,كانوا يتصارعون داخل القاعة كالدببة , يتناطحون بالرؤوس ويركلون بعضهم . ولا تحدث اصابات ولم يجر دم .
هناك رأيت رجلا كريم العين حكم عليه مدة خمسين سنة .. كان يأكل علبة اللحم بلقمتين ..ويمكن انهم نقلوه هنا ليواجه احكاما اخرى ...وتعرفت على قصاب هناك من منطقة سكناي , اشتهر بانه اغتصب فتاتين وتزوجهما وقد اشاروا لي الى واحدة منهما بعد ان طلقها , كان تجلس على عتبة الدار واجمة فيما كنت امر لزيارة صديق .
كان فراشي جوار المتهم بخمسين سنة لاني كنت اتطلع الى دراسة الشقاة , وفي تلك الليلة قال (تزحزح عني قليلا واستدعى القصاب لينام جواره ) وبعد منتصف الليل هرع القصاب صارخا < يا شرطة ... هذا يريد ان يغتصبني ..) ... فركض الشرطة واخرجوه سحلا لخارج القامة واشبعوه لكما ورفسا وشتما وهو يصرخ حتى ارجعوه الى القاعة مرة اخرى . كنا نتفرج من الشباك اليه .
لم امكث في تسفيرات بغداد طويلا ...ربما اسابيع ..ولم تسجل ذاكرتي الكثير عن هذا الموقع ... فجأة وضعوا الغل بيدي ونقلوني الى بناية وانزلوني من سلم الى سرداب ..حيث تعلونا قاعة محكمة الثورة .
رأيت هناك امرأة مكتزة الجسم بيضاء طويلة تحمل رضيعها بيديها ..واتى بعض الحراس وفصلوا الرضيع عنها .. ستقضي ثلاث سنوات في السجن , لانهم وجدوا في حساباتها اموالا زائدة .
محكمة الثورة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اسس حزب البعث في العراق بعد تسلمه السلطة, محكمة خاصة تتولى البت بالقضايا الكبرى اسماها< محكمة الثورة> وقد عقدت تلك المحكمة جلساتها بسرية تامة بعد أن أعلن أمر (مجلس قيادة الثورة) في شتاء عام 1969 بتشكيل تلك المحكمة العسكرية الخاصة برئاسة العقيد علي هادي وتولت محاكمة ماسمي بـ «شبكة التجسس لصالح العدو الصهيوني».
وعندما انتهت من أعمالها وأصدرت أحكامها النهائية غير الخاضعة للتمييز بثت وقائع جلساتها بحلقات يومية من الإذاعة والتلفزيون , حرص الجميع على متابعتها باهتمام وشغف على مدى ثلاثين يوما وشاهدنا حتى صدور أحكام الاعدام في نهاية جلساتها بين «رميا بالرصاص او شنقا حتى الموت» ..ثم علقت جثثهم في ساحة التحرير ببغداد وفي ساحة أم البروم في البصرة وتدفقت الجماهير وهي تطلق الهتافات منها (عاش قرار المحكمة بإعدام زلخة وجيته).).
وقد توالى على رئاسة محكمة الثورة :العلاف و مسلم الجبوري و عواد حمد البندر.
(ج ـ على أن الأشخاص الذين ثبتت أدانتهم من محكمة مختصة بجريمة التجسس لحساب الأجنبي أو التآمر على تقويض نظام الحكم التقدمي الاشتراكي وأساسه الاقتصادي والاجتماعي فيجوز مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وقيدها إيراداً للدولة بموجب قانون .
الفصل الرابع: السلطة القضائية
المادة التاسعة والسبعون: الحكام والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في استقلال القضاء أو في شؤون العدالة وتنظم السلطة القضائية بقانون
ـــــــــــــــــــ
(بسم الله الرحمن الرحيم
إيمانا بحق هذا الشعب في الحياة الحرة الكريمة وثقته بقدرته على مواجهة الصعاب وإرادته التي لا تقهر وبعد الاتكال على الله وعلى المخلصين من أبناء الشعب والقوات المسلحة قامت فئة بارة من أبناء الشعب مؤمنة بربها وبأهداف الأمة العربية بتفجير ثورة السابع عشر من تموز 1968 وإنهاء الأوضاع الشاذة واستلام مقاليد الأمور بغية تأمين سيادة القانون وإيجاد تكافؤ الفرص للمواطنين والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية والقضاء على أسباب التمزق الداخلي وتحرير المواطن من الاستغلال والخوف والجهل والنعرات الطائفية والعنصرية والقبلية وكافة مظاهر الاستعباد وإقامة مجتمع تسوده الأخوة والمحبة والتآلف والشعور بالمسؤولية إزاء الأحداث المصيرية وذلك عن طريق توفير الحياة الديمقراطية للمواطنين في إطار التنظيمات الشعبية وصولاً إلى أقامة المجلس الوطني الذي يمثل كافة القطاعات الوطنية نعلن هذا الدستور المؤقت الذي ثبتت فيه قواعد الحكم ونظمت به علاقة الدولة بالفرد والمجتمع وليعمل به حتى يوضع دستور البلاد الدائم الذي ستكون فيه الكلمة الأخيرة للشعب مستعينين جميعاً بالله العلي القدير.
مجلس قيادة الثورة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في السرداب حيث تعلوه محكمة الثورة رأيت هناك امرأة مكتزة الجسم بيضاء طويلة تحمل رضيعها بيديها ..واتى بعض الحراس وفصلوا الرضيع عنها .. ستقضي ثلاث سنوات في السجن , لانهم وجدوا في حساباتها اموالا زائدة.
وقال لي العلاف هل لديك محامي قلت (لا) قال هل نوكل لك محامي قلت < انا ادافع عن نفسي >.. وتلا ب(اني اتهمت السلطة بقتل مهدي طه وبان السلطة الفعلية للبلد لصدام حسين وليس للبكر ..) وضحكوا ..استفزتني ضحكاتهم لكني لم اعلق ..كانوا يصغون وكأنهم يسمعون بطرفة مثيرة .. فاما انهم كانوا جهلة حقا او انهم يتسترون .. فقد اكدت الوقائع والادلة بان صدام حسين كان الحاكم الفعلي للبلد وليس البكر , فبعد القضاء على مدير الامن ناظم كزار عام 1974 أثر محاولة انقلاب فاشلة كان مخططا ان يتم اغتيال البكر فيها في المطار فيما حجزناظم كزار وزيري الداخلية والدفاع .. فاصاب احدهما وقتل الاخر ...اصبح صدام الحاكم الفعلي للعراق, وحجّم دور الرئيس شيئا فشيئا حتى وفاته او (تصفيته ).
بعد ذلك نودي على الشهود ,واستغربت وانا ارى ام صديقي الشاعر الغريق مهدي طه واباه يدليان بشهادة ضدي .. كنت اودهما وتعاطفت معهما بعد حادثة الغرق ولم اقطع زيارتي لمنزلهما في منطقة الجمهورية لفترة طويلة .... كل ما في الامر ان احد اقربائهما كان رجل امن و لم اكن اعرف بذلك وتحدثت من باب الثقة بما ادنت به : (قذف السلطة )..وكانا اثناء الادلاء مرتبكين ومتضاربين بالاراء فحكمني العلاف بالحبس لمدة سنة ..وتم نقلي الى سجن ابو غريب .
سجن ابو غريب : 1976
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجن أبو غريب يقع قرب قضاء أبو غريب( الذي يبعد 32 كلم غرب بغداد و يعود تاريخ تأسيسه إلى العهد الملكي في عام 1944م) .. كان السجن يدار بعهدي البكر وصدام من قبل مديرية الأمن العام ووزارة الداخلية.
من اليوم الاول حجزوني في زنزانة منفردة تقع في نهاية ممر طويل على جانبيه انتشرت الزنزانات الانفرادية , يبقونك هناك اياما قليلة .. ثم يزودونك بملابس السجن ..اذكر وصلتها وقت الظهيرة ورأيت حوالي خمسة محتجزين.. عصرا جذبنا حديث شيق لنزيل معتق : قال (اراكم في حزن وقلق لكنها مدة ستنقضي وسيفرج عنكم ... وان التفكير لا يطلق سراحكم .. فاسمعوا مني قصة العرب ...).. ولما وجدنا نصغي قال (تاه ثلاثة رجال في الصحراء وحل الظلام .. فوجدوا بعد عناء التجوال قصرا مضيئا فقال احدهم< لو انه بيت ملك ويضيفني فاشبع من الوان الفاكهة والزاد.... وقال صاحبه لو انه ملك فيعطيني مليون دينار ... اما الثالث, فكان شابا واصغرهم فتمنى ان يتزوج بنت الملك )..وكان للملك مخبرون متخفون فسمعوهم وابلغوا الملك بحالهم وامانيهم , فاستدعاهم الملك ...فاعطى احدهم المال وابلغه ان يمضي بعيدا عن ملكه... وهيأ مائدة فاخرة للثاني فلما شبع أمره ان يرحل,فالتفت الملك لاصغرهم الشاب وسأله (ماذا تمنيت ؟),اجابه (لا شيء).. فامر الملك الجلاد ان يقترب ويسوطه ..فارتعد وقال <تمنيت اتزوج ابنتك >..فاتوه بالطعام فشبع ثم استحم وزوده بمبلغ وزوجه ابنته وقال لهما (هيا ارحلا )..
مضى الشاب مع زوجته في ظلمة حالكة لا يعرف اين وكيف مصيره في تلك الصحراء الشاسعة , حتى انكشف الفجر,فرأى قرية وطرق بابا لعجوز وحيدة فترك زوجته امانة لديها ومضى يبحث عن عمل .. عثر على مقهى وعمل فيها , وظل هناك ينام .. وكان يعود لزوجته بين فترة واخرى فيمنحها اجوره .. وفي احدى الليالي استدعاه رجل حمال رث الثياب ليعمل لديه مصنفا لاموال معدنية متنوعة ومجوهرات ومصوغات ذهبية شرط ان يغلق عينيه ويفتشه قبل المغادرة وتجري العملية يوميا في الليل بعد ان ينهي عمله في المقهى . في اليوم الاول عصب عينيه وقاده حتى فتح باب وقال له ادخل ثم انزله الى السرداب..ورأى ثروة مهيبة وشرع ينظم حسب الانواع ويرزم حتى مضت ساعة ففتشه وعصب عينيه واعاده للمقهى .
مر اسبوع فعلم ان صاحب الثورة الحمال قد توفي فاصابه ندم عظيم.(كنا نصغي اليه بشغف, متناسين محنتنا .. فاكمل :
(بعد اسابيع اعلن عن بيع بيت الحمال فاشتراه ودخل وحيدا واكتشف الثروة.. مضى لزوجته بنت الملك ليخبرها ويسأل هل هي راضية عنه,فقالت <لا>.. اجابها ماذا اعمل فامرته ان يفتح مضيفين ويعلن <<الزاد للجوعان , والملبس للعريان >>.. هكذا جمع حشدا هائلا من مريديه .وصادف ان توفي الملك فنادى مناد( سنفلت طيرا فمن وقع عليه من الشعب فسيكون ملكا )... وصار زوج الاميرة ملكا فرضيت عنه.
بعد ايام تم نقلي الى ردهة (قاووش رقم 13) - القاووش كلمة تركية الأصل معناها : السجن ويستخدمها أهالي جدّة وهي عندهم بمعنى : العنبر الذي يسكنه الجنود- .
وهي ردهة واسعة وطويلة يقع في مقدمتها الحمامات, والمطبخ وتمتد الاسّرة بنسق متواز بثلاثة صفوف : اثنان جوار الجدار والثالث في المنتصف ..ولها باب مشبك من القضبان .
شيئا فشيئا بدات اكتشف بان النزلاء هنا صغار السن , وان الشذوذ منتشر ..وبدأت فورا رحلة الاستكشاف لمواقع السجن ... كان من نظام السجن ان يستخدم النزلاء الجدد لمدة حوالي شهر في ثرم وتقشير المخضرات في المطبخ وهو قاعة واسعة تنتشر فيه المصطبات الحجرية الطويلة حيث يتناول السجناء وجباتهم هنا ..ورأيت ان كل عدد من الردهات (القواويش ) يتم حجزها بباب مشبك , وهو اسلوب يحفظ النظام , فان حدث تمرد او وباء مثلا يمكن حجز مجموعة عن اخرى لكن الابواب ابدا مشرعة ولا تغلق الا ليلا .
السجن الذي اصفه هنا هو سجن الاحكام الخفيفة المقدرة بخمس سنوات فنازلا , ولم ار سجن الاحكام الثقيلة .
ينقل بعض النزلاء لمعامل داخل السجن ليصنعوا او يتعلموا صنع الاثاث ... لم اطلع على تلك المعامل الا ان السجناء الملتحقين بها اخبروني عنها ,وهي خطة صائبة فالانسان ميال لعمل مثمر .
كنا نقصد كل يوم ساحة للرياضة واسعة وكنت اتدرب على الملاكمة ,وقد كان بردهتي شاب قوي الجسم ابيض البشرة يحب الملاكمة ايضا فقويت علاقتنا واخبرني مرة (بانه عصبي وان هذا الطبع يسبب له مشاكل كثيرة ... في البيت مثلا كان يكسر الصحون والكؤوس والاثاث لاتفه سبب) وكان ابو زمن وهو سجين يساري من منطقتي .. لطيف الملامح مرن التعامل هاديء تجذبك فيه جمال عينيه السوداويين وبشرته التي تتحول في الوجه احيانا الى الحمرة , يدربنا ونحن مثله مزودون بقفازات الملاكمة .. الا ان صاحبي العصبي تلقى ضربة منه وأخذ انفه ينزف ..كان يقول (لن تكون ملاكما حتى يكسر انفك )..
في زيارتهم الاولى اتى الاهل ومعهم <ديوان المتنبي بجزئين للبرقوقي)..ما هيأ فرصة لي لدراسته ..ولا اعلم نوع وعدد الكتب التي قرأتها في السجن , ولا اتذكر نوع الكتابات .. تلك مشكلة الذاكرة ,كنت ارى ان على الشاعر ان يظل شاعرا ولا يتوزع .. كانت فكرة خاطئة خسرت خلالها ربع قرن من الكتابة .. وكنت لا احتفظ بالاوراق والوثائق تماشيا مع نظرية نسيان الماضي .. وتميزت بذاكرة لم تدرب على حفظ الاسماء .
وانا اكتب هذه المذكرات بعد مرور حوالي نصف قرن عليها مع تسارع الاحداث وظروف العراق الصاخبة , لا احب الا ان اكون امينا لما علق بالذاكرة .
جوار سريري شاب صغير عيناها ضعيفتان تفتحان بجهد ..وكان احد النزلاء بعمره .. يصادقه لمصلحة (لما يوفره من مبلغ وطعام له ).. فلفت انظار الشاب الى صاحبه وبينت له علاقة المنفعة .. بعد ساعات استدعاني صاحبه القبيح الجشع واخرج موسى وحاول طعني .... لقد تسرب له الكلام .. وحل النزاع بسرعة .
كنت في السجن اقضي جل وقتي بتحليل الشخصيات واستكشاف اسرارها الخفية , ولقد التقيت بعدد كبير.
لقد كان يتقارب لدي الاهتمام بالاداب وسبر الشخصيات , واذكر اني صادفت ثلاثة نزلاء اعترفوا لي بانهم راودوا اخواتهم عن انفسهن ...
السمين
ـــــــــــــــــ
شاب مؤدب طيب القلب , توثقت علاقتي به واسر لي قصته باختزال : (كانت اختي تغادر المنزل بلا استئذان .. وغالبا تعود ليلا الى المنزل فاخطرتها مرارا وحذرتها , متوقعا ان تتوب من النصيحة او العين الحمراء ... جهودي سكبت عبثا ,فلم تتب واستمرت .... وفي احدى الليالي صممت وانتظرتها , فأتت في ساعة متأخرة من الليل , فقدتها الى المطبخ وتناولت سكينا .. فلما احست بجدية الامر بكت وتوسلت وصرخت <التوبة خوية >.. لكني بادرتها بطعنات حتى ماتت.. وهنا انا بمادة ــ غسل العار ــ ولم نكرر الموضوع ).
في السجن يسمح للمتزوجين ان يختلوا مع زوجاتهم على انفراد ويمنح بعض المتزوجين اجازات قصيرة في فترات محدودة ان وجد كفيل مضمون .. كأن يكون الاخ او الاب او الزوجة ..
كان الحراس يأخذوني الى خارج السجن لنقل براميل او اكياس القمامة ربما بسبب ضعف بنيتي او هدوئي , وهناك رأيت السجن من الخارج : الجدران محكمة وشاهقة وابراج الحراسة كثيرة مرتفعة يكمن فيها قناصون .. وما يحيط بالسجن صحراء لم ار معلما فيها .
يعتاد الانسان على حياة السجن وتروض ارادته بتوالي الايام ..ولم يعد يفكر الا بقتل الوقت , والهروب من الذكريات وان كانت تغزوه كلما مرت وهن في ارادته .
ومن ميزة السجناء الاهتمام بالاخبار ونفخها .. والحرص حتى على رغيف الخبز ,.. فقد رايت احد السجناء يتخاصم مع زميله لانه نهم بالاكل ولا يساهم .
في سجن ابو غريب يمكن ان تقول (انها محطة استراحة في تاريخ العمر) , في الفترة التي كنت سجينا فيها , خاصة في موقع الاحكام الخفيفة لكن هناك موقع الاحكام الثقيلة ولا ادري ما يحدث هناك , الا ان السجن المركزي توسع بعد ذلك فانشيء سجن خاص ملحق بابي غريب مختص بالسجناء السياسيين الاخطر حيث تجري حفلات التعذيب .
ومن ظواهر السجن الراسخة هي تجريح الجسد بالموسى .. وكان احد ممارسيها جار لص املح الوجه مضحك الملامح , نحيل , وكان كلما اعترضه شيء او لاقى معاملة سيئة حكّم الموسى ببطنه واذرعه حتى يسبح بالدم .
(الشقي اضراب )
ــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك الشقي الاشهب ـ الذي كان معي في مديرية امن البصرة - له قصة اخرى بالتمرد .
فقد التحقت به في ابي غريب واخبرني انه يعتزم الاضراب عن الطعام , فنصحته ان يترك هذه الافكار فاجابني (انت في امن البصرة حذرتني واثبت لك ما تنجب الامهات , والان سابرهن لك مرة اخرى وسترى) , قلت له < هناك في الامن اهون لكن هنا سيدمرونك>.
بعد ايام قليلة قيل لي <اذهب فصديقك اعلن الاضراب , خاط فمه ورفع لافتة ــ اما النقل الى سجن البصرة او الموت ـ فهرعت الى قاووشه <ردهته > في القسم الثاني فقيل لي نقلوه الى الزنزانة الانفرادية .. وهي تقع في نفس المكان الذي حجزنا فيه اول يوم لنا في السجن وجوار ردهتي , و تقع في ممر طويل يحرسه حارسان.. قلت : ان مشيت بخطى عسكرية واثقة لا يشكون بي ولن احييهما تجنبا لجذب النظر .. وهذا ما حدث , واجتزتهما ودخلت الممر الذ ي تنتشر فيه الزنزانات والذي يعلوه طابق للسجناء النخبة <الذين لا يرتدون ملابس السجناء >..ولم ابحث عنه طويلا فقد كان صاحبي في اول زنزانة على اليمين ورأيت وجهه مشوها ومتعبا .. كان في اخر القاعة ومعه مجموعة ونظرني واشار لي بيده ان انصرف..
ولم اعرف ما جرى له .. فقد افرج عني بعدها .. حتى التقيت بجارنا ابو زمن الذي كان يدربنا الملاكمة بالسجن .. وحدثني عن (اضراب ) بعد سنوات فقال (كان قد خاط فمه ورفع لافتة من الكارتون الابيض المقوى كتب عليها مطالبه وامسك سكينا صغيرة بيده .. فذهبت الى مدير السجن وتوسطت له ـ لان له اما طاعنة بالسن لا تتمكن من زيارته في بغداد ولا فرق بين سجن البصرة وابي غريب ...ـ فاستدعاه المدير فاتوا به وكنت حاضرا , وهو يمسك بالسكين .. واقسم له المدير ان سينقله شرط فك الاضراب وان مسالة نقله بسرعة مستحيلة .. فوثق ( ) بالمدير وتخلى عن اضرابه وبعد ايام نقل الى سجن البصرة ... الا انه هناك تشاجر مع سجين فقلع غطاء البالوعة الكونكريتي واجهز بها على رأسه فهشمه ثم خطا الى جوار غرفة المشنقة ... لقد رأيت ذلك المكان سنة 1974 حين كنت ازور الشاعر الكعبي مع مهدي طه في سجن البصرة مقابل مشفى الجمهوري ... كانت غرفة كئيبة يتوسطها حبل المشنقة يتدلى من السقف فكتبت عنها :
(( الفتى اذ رأى
من الثقب صمتا ومشنقة وغبار
قال <ليست سوى لحظة >
وامسك بالبندقية )).
المصري يخبّل نفسه
ـــــــــــــــــــــــــــ
طويل القامة هذا المصري شديد السمرة , اخبرني يوما (انتم العراقيون تتحملون السجن... المصريون لا يقدرون .. غدا سامثل دور المجنون ).
في اليوم الثاني رأيته يدخل مطعم السجن راكضا , عاصبا جبينه بقطعة قماش خضراء ويتقافز من مصطبة الى مصطبة ومن زاوية لاخرى وهو يصيح (ويييييييو .. وييييه ..قااااه .. طييييخ ) يصيح ويمد يديه بتوتر في كل الاتجاهات .. ويركض ويتقافز .. ولا اعرف كيف مصيره .. لكن مثل هذه الحيل لن تنطلي على رجال الامن .
ـــــــــــــــــ
كان القاووش الذي كنت فيه مملوءا بالشذوذ .. فترى من يتخنثون يبدؤون بحف الوجوه ووضع الملمعات على الوجه .. وربما احمر الشفاه الخفيف , وبعضهم يعصب جبهته بقطعة قماش حمراء ويستحمون بعناية .. كل ذلك يجري وقت العصر تمهيدا لجلسة مسكرة يقضونها مع عشاقهم او ملتزميهم . غالبا على سرير واحد ..ويجلسون يقابلون بعضهم البعض في مشهد اثارة واضح حتى ليظهروا خارج جو السجن , فقط منسكبين بعالمهم , غاطسين بموج الرغبة , محترقين ببركان الجسد ...
ولا احد يخطو اكثر من ذلك , فقد كنا تحت المراقبة الصارمة .. في مرة اخطأ اثنان .. فايقضنا الحرس قبل موعد التعداد الصباحي الرتيب ,واتوا بهما وهم في حال يرثى لها .. فيما بعد علمنا بانهم من اول الليل حتى الفجر شرعوا يسحونهما في الممر ويسكبان عليهما ماء ساخنا وباردا فيما تغلغلت السياط (الصوندات ) في جسديهما .. مع الاهانات والشتم والسب .. ورأيت ان لهما وجهين قد تشوها .. ثم امروهم ان يكرروا ما يطلب منهما (نحن نسوان .. مخانثة .. اولاد قح... ساقطين ..).. بعدها امروا ان يتناول كل منهما حذاء ويعضه باسنانة ففعلا ... كان منظرا يثير الشفقة .. لقد اجهزوا على ارادتهما ...
في مرة جلست على سرير لاحد النزلاء بردهتي .. وبعد نصف ساعة استدعاني صاحبه وقال (انت سرقت نقودي ), فاقسمت له (انه ليس دربي ولا اسلوبي ) .. واذكر للان وقد استدعى حرسا كيف ان هذا الحرس سألني < ما هي دعوتك > اجبت <قذف السلطة >قال :(هي هاي سياسي وضد الدولة وتسرق .... اليوم انهيك او تعترف وتعيد المبلغ ...).. الا ان الامر تمت تسويته بواسطة من سجناء معي .
وماذا عن اولئك الرجال الملتحين من ريف الناصرية والبصرة والعمارة وغيرها ... هؤلاء يجلسون في مجموعات صغيرة يخرج احدهم كيس قماش مليء تبغا ويلف سيجارته .. وهم صامتون او يتحدثون بما لم اسجل , لعل الامر العشائري ما يحكون فيه ..رأيتهم اشد حزنا من سواهم .. غضنتهم سنوات السجن واتعبهم ما يفكرون به من ثأر اوفقد او مصير .
هناك طابق اعلى يقع فوق الزنزانات المنفردة ..هناك جارنا الانيق, المعلم سابقا ومدير السايلو بعد نجاح ثورة 17 تموز , يقبع وهو يحافظ على هدوئه واناقته , فلم يكونوا يرتدون زي السجناء , انهم موقوفون مدللون .
ذات يوم افرج عني , وكان الشاعر حيدر الكعبي في انتظاري وبعد اجراءات رتيبة من التقاط صور وطبع اصابع وغيرها .. رأيت الجو المدني ثانية , واتذكر نقلنا باص للمسافرين الى البصرة .. وقضينا الليل بالحوار .
(الرضوانية )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
انه اسم يعادل المرجل والمصهرة , رحلة في كهوف الموت , انها الجحيم الارضي الذي صنعه صدام .فكيف وصلت اليه .
الرضوانية
قريبا من مطار بغداد الدولي ،او ما كان يسمى بمطار صدام ، يقع معسكر الرضوانية الى الجنوب الغربي من بغداد ،وكان يسمى بمعسكر ضبط الرضوانية التابع مباشرة الى الحرس الخاص .
قامت ببنائه شركة يابانية عام 1980 وهو يتشكل من جملونات تستخدم لتخزين الاسلحة الكيمياوية قبل ان يفتح ويستخدم معتقلا سياسيا كان يشرف عليه صدام كامل اخو حسين كامل بن عم الرئيس السابق صدام حسين ،وذلك بعد الانتفاضة الشعبية في آذار عام 1991وكان صدام كامل يرأس اللجنة الخاصة بعضوية عدد من ضباط الاجهزة القمعية.
سبقنا الى ذلك المعتقل (الرضوانية ) رجال عاد بعضهم احياء باعجوبة ,اثر فشل الانتفاضة , فرووا لنا قصصا من الرعب تفوق افلام الخيال العلمي ,وكل ما سمعناه عن المعتقلات العراقية منذ العهد الملكي , مثلا, قذف المعتقل في برميل القار الساخن امام البقية لترسيخ الرعب او تعذيبه باسقاط قناني الغاز الثقيلة على جسده.
بعد ان اجهز النظام على الانتفاضة عام 1991فكرنا بانشاء تنظيم سري جديد او حركة سياسية معارضة . ..
كنا مجموعة من الادباء الشباب نلتقي في مجاميع متفرقة في المقاهي والبيوت وضفاف شط العرب ,فدعانا الشاعر الفقيد حسين عبد اللطيف وتم تأسيس ما سمي (ملتقى الجمعة ), فكنا نجتمع كل جمعة في اتحاد الادباء لاقامةجلسات صباحية ,فنقدم احدنا ونعرّف به ويلقي شعرا او يتلو نقدا او اي نشاط ادبي .
كانت علاقتي قد ترسخت مع الرائد محمود البريكان والح عليه حسين عبد اللطيف ان يحضر فكان يرفض ذلك حتى انه اسر لي يوما ( عجبا .حسين كان على خلاف مع الادباء ويشكو لي منهم ويقاطعهم واليوم يدعوني للحضور ؟).
في تلك الايام تعرفت على الشاعر <ك>, وكنت ازوره باستمرار ,وفي احد الايام طرقت بابهم فاخبرني ابوه بانه غير موجود , وما ان مشيت امتارا حتى صاح علي يدعوني للدخول فرأيت رجلا ابيض البشرة ضخم الجثة (ض) , فعانقني واعتذر لان الحذر واجب ..كان قد قضى ثمانية اعوام في السجن واتقن هناك الانكليزية وهو يكتب القريض ...
مع هذين الرجلين <ك > و <ض>,ستزرع بذرة التنظيم وتتعمق الجذور التي ستقودني مع مجموعة من الادباء الشباب الى معتقل الرضوانية ...صادف في تلك الفترة عرض مسلسل (رأفت الهجان ــ وهو مخبر اختارته المخابرات المصرية لتزرعه عميلا في اسرائيل لانه كان واسع المكر ولم ينل شهادة من اكاديمة امنية ) .. شخصيا تأثرت بهذا المسلسل ..
لم يكن احد من الادباء الذين اعتقلوا على علم بهذه الحركة او التنظيم الذي اسسناه , والمؤمل منه ان يعيد الحماس للناس وان يثوروا على النظام من جديد ,لكن <ك >الذي كان يملك حسا امنيا عاليا وصديقه <ض > لم يطلعوني على التفاصيل , ولم يحدثوني عن الاخرين في التنظيم , وعن ارتباطهم بجهة دينية تقبع في ايران , وانهم يتصلون بهم ويحصلون على التوجيه والسلاح عن طريق الاهوار ,ولم اكن حريصا على معرفة التفاصيل لاني ادرك ان ذلك يضر بالتنظيم السري ,الاهم انهم كلفوني بقيادة التنظيم مع شخص اخر في منطقة الحيانية <حي الحسين >...ولم ينفع احتجاجي نظرا للكثافة السكانية في الحي وصعوبة الامر فيها ان كنا اثنين .
بعد اختلاف الادباء الشباب مع اتحاد الادباء واندلاع الصراع الابداعي وليس <الجيلي >كما يظن البعض ,اخبرني الناقد <غ> في اخر ليلة لنا في الاتحاد , بان الخلاف بلغ ذروته ,وان انشقاقا حدث وباني سأكون سكرتيرا لاتحاد بديل يتم انشاؤه , في تلك الايام كلف عدي صدام باحتضان الشباب واصدر جريدة تنفس فيها البعض وقد فسح لنا في المجال اتحاد الطلاب لان نقيم نشاطاتنا في بنايته وافرد لنا قاعة وغرفة للتجمع,وهكذا بدأنا ندعو الكتاب الشباب والشعراء للالتحاق بنا واجرينا بعض الجلسات الادبية الا ان حادثة واحدة تمكنت من التخريب , فقد صعد ذات يوم مسؤول في اتحاد الطلاب والقى علينا كلمة شبه حزبية ,وقد كلفت خولة المعيوف رئيس الاتحاد فتاة لتنضم معنا لاجل المراقبة والتنصت ,وقد شرع الكثير من الادباء بالانسحاب ولم يحضر اخر امسية الا عدد ضئيل , وجهت لنا اتهامات بانا نتعامل مع النظام ,لكنا كنا نحاول اختراق الاتحاد , ويصعب توضيح ذلك للادباء .
في احد الايام وكنت قد عينت موظفا في الاتحاد مقابل مبلغ زهيد , حاولت الاختراق , فقد كان الحارس صائما واقنعته ان يفطر في بيته القريب من البناية في منطقة الطويسة , وبعد ان مضى وضعت صفائح وراء الباب الزجاجي الداخلي فان دفعه احد اشعر بذلك من خلال الصوت , ودخلت الى غرفة خولة المعيوف واطلعت على الاوراق الخاصة بنا فقد كتبت في ورقة بعض التوجيهات منها: (الخطأ ان الادباء انضموا كمجموعة ويمكن ان يغادروا كمجموعة وهو ما نبهناعنه مرارا.... ) .
وكانت الفتاة (ن ) , طالبة في الاعدادية , تطمح ان اعرفها على البريكان , وكانت تتواصل معنا والتحقت في بناية خصصها لي الاتحاد ...وهناك حدث ما لم يكن متوقعا .. فقد كلفنا احدا ان يمنحها كتابا ادبيا وان يستعيده منها بعد قراءته ... وكان من طبعها ان تؤشر على ما يثير اهتمامها, وحاولت من خلال الخطوط التي تضعها تحت الجمل ان ادرس تركيبها السيكولوجي .. وكتبت ذلك في ورقة .. وحين زارتني في البناية مدت يدها بجيب قميصي وأخذت الورقة وجرى صراع قبل ان استرد منها الورقة دون ان تقرأ سطرا منها .
وقد كانت لي مراسلات مع <ك > مرمزة , تأثرا برأفت الهجان, ستقع احدى الرسائل بأيدي المخابرات .
ذهبت يوما انا و< ك> الى مقر الحزب الرئيس في الطويسة وزعمنا بانا بدرجة رفيق .. والتقينا بالمعيوف وخصص لنا بناية جوار معهد المعلمين , ستكون اتحاد ادباء بديلا ..وبعد فترة وجيزة اختلفت مع ( ك) و(ض) , وقلت لهما ان العمل يتطلب غاية السرية ,وانتما تكشفان عن انفسكما, فعليكما الانسحاب من الجو الادبي وان تفكرا بقناع , بغطاء سياسي , لكنهما رفضا الفكرة , فعدت لداري ولم التق بهما .
واستمرا بعدي يديران جلسات ادبية ويستقطبان بعض الادباء الشباب , ودعاني مرة لاساهم باحد الندوات فوجدت الجو مشبعا بالريبة وتوقعت مندسين من الامن يحضرون .
يوما ما علمت بان (غ) قد تم القاء القبض عليه فتوقعت شرا , وتساءلت في سري (كيف ساقاوم التعذيب وانا بهذا الضعف الجسمي ؟!!).ولم تمض ايام حتى وصلني الى موقع عملي (في البناء بمبنى الاذاعة والتلفزيون ) , رجلان من المخابرات وامسكاني من يدي وقالا <لدينا استفسار معك >,ومضيت معهم وقبل ان نغادر المبنى تعمد رجل المخابرات ان يجعلني اتحسس مسدسه بيدي . وكانت سيارة خاصة في انتظارنا فلما دخلتها رأيت الناقد <غ> فيها بنفسية منهارة ووجه عليه آثار التعذيب وكان يصف لي وضع اعتقاله وهو في حال شهقة وبكاء .
في الطريق امروني ان ادلهم على احد اصدقائي الادباء وكان يبيع في سوق البصرة ... فدخلناها واشرت لهم اليه فأتوا به ,ولم يكن ذلك خوفا مني لاني ادرك انهم يمسكونه انى مضى فلا فائدة من التمويه .
ودخلت بنا السيارة مقر المخابرات في الحكيمية وقالوا (اخفضوا رؤوسكم ..)...
في الليل استدعوني وبعد اسئلة مقتضبة اعادوني الى الزنزانة.
في الصباح بدأت الرحلة الى مصهرة الرضوانية , فقد قيدوا ايدينا بقوة وكانت رحلة شاقة من البصرة الى بغداد .
اتذكر اني آويت الى تخيلات غريبة لان القيد بيدي وهو قطعة قماش اصبح تاثيره مدمرا.
لقد كتب كثير من الكتاب حول الرضوانية , ولا اريد التكرار ,وربما ساكتفي بسرد اهم ما شهدته في هذا المعتقل ,وهناك مشكلة تواجهني .. هي انني اعتقلت مع عدد من الادباء وهم احياء الان ولا احب ذكر اسمائهم , لهذا ساكتفي بذكر حروف او رموز تشير اليهم .
ان نظام البعث الصدامي مؤسس على شبكة من الانفاق الامنية لا يمكن حصرها ..ولقد تطورت وتوسعت بعد استلام صدام للسلطة .
صدام كامل
صدام كامل حسن المجيد (1960 – 1996) هو ابن ابن عم الرئيس السابق صدام حسين وزوج ابنته رنا.وكان مسؤولا عن قيادة جهاز الحماية الخاص بصدام لفترة ليست بالقصيره.
ظهر لأول مره عندما قام بتمثيل دور الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في فلم الأيام الطويلة الذي يحكي السيرة الذاتيه لرئيس العراق قبل تسلمه السلطه. تزوج1986 رنا صدام من مواليد 1971م. وهي الابنة الثانية من زوجته الأولى، ساجدة خير الله وانجبت منه أربعة أطفال وهو شقيق حسين كامل الذي كان متزوجا من ابنة صدام الكبرى رغد.
وقد فر من العراق مع اخيه حسين وزوجتيهما إلى الأردن وطلب اللجوء السياسي ثم عادا لاحقا إلى بغداد بعد عفو من صدام ليتم تصفيته مع اخيه بهجوم مسلح على بيته نفذه بعض رجال عشيرة صدام حسين باسناد شبه رسمي من الأجهزه الأمنية في فبراير 1996.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في اليوم الاول علقونا من الايدي ونحن معصوبون بسلسلة ورفعونا عن الارض , جرت تلك العملية بسرعة وقال احد ربما هو صدام كامل ...( اتركوهم الان وغدا او ليلا اتفرغ لهم ) .
في اليوم الاخر ادخلوني الى غرفة ثم رفعوا قطعة القماش من عيني ورأيتني وجها لوجها امام صدام كامل , اول ما خطر بذهني فلم الايام الطويلة الذي قام بدور البطولة فيه ...ثم عرضوا علي رسالتي المرمزة الى (ك ) , كانت مستنسخة وقال لي صدام كامل ـ وهو يجلس على قنفة فيما كنت استقر على بلاط الارض ـ (لا تفكر بتمزيقها لانا نملك نسخا منها ),قال (اعترف ).... فاجبته < كان مسلسل رأفت الهجان يعرض , وفكرنا بتقليده برسائل مرمزة )... فاجابني <لانه جاسوس وانتم جواسيس >..جرى هذا التحقيق بداية 1992فقال: علقوه ..فوضعوا سلسلة بيدي من الخلف وعلقوني .ثم بدؤوا ينتلوني بتيار كهربائي في اماكن حساسة من الجسد .
صدام كامل
ـــــــــــــــــــــــ
صدام كامل حسن المجيد (1960 – 1996) هو ابن ابن عم الرئيس السابق صدام حسين وزوج ابنته رنا.وكان مسؤولا عن قيادة الحماية الخاص بصدام لفترة ليست بالقصيره. ظهر لأول مره عندما قام بتمثيل دور الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في فلم الأيام الطويلة الذي يحكي السيرة الذاتيه لرئيس العراق قبل تسلمه السلطه. تزوج1986 رنا صدام حسين من مواليد 1971م. وهي الابنة الثانية لصدام من زوجته الأولى، ساجدة خير الله وانجبت منه أربعة أطفال وهو شقيق حسين كامل الذي كان متزوجا من ابنة صدام الكبرى رغد.وقد فر من العراق مع اخيه حسين وزوجتيهما إلى الأردن وطلب اللجوء السياسي ثم عادا لاحقا إلى بغداد بعد عفو من صدام ليتم تصفيته سريعا مع اخيه بهجوم مسلح على بيته نفذه بعض رجال عشيرة صدام حسين باسناد شبه رسمي من الأجهزه الأمنية في فبراير 1996.
(مشاهد رعب من خلال ارواح صهرت اخرى
من سجن الرضوانية الى الهايدبارك ، وبالعكس.
د.قاسم البريسم
(قادتني قدماي الى الهايدبارك، في الايام الاولى من وصولي الى لندن. كانت الشمس ناصعة، والمتعة والفرح تملأ الوجوه، والشعور بالامان يضفي على المكان سحراً جميلاً. الا ان كل هذا لم يمنع الافكار والتداعيات ان ترحل بي بعيداً نحو "سجن الرضوانية الشهير في بغداد".
بالتأكيد، يستحضر العقل البشري هذه المفارقة الحادة. فبين سجن الرضونية والهايدبارك مسافة الموت والحياة، الكره والحب، القتل والسلام. فاذا زرع الهايدبارك بآلاف الاشجار، وزيّن بالحدائق، كي يشعر الانسان فيه بالسعادة والمتعة، ففي سجن الرضوانية بنيت آلاف الغرف الكاتمة الصوت، المفرغة من الاوكسجين، واستحدثت اخطر وسائل التعذيب، وفن الذبح، والفزع النفسي.
في احدى غرف الامن، تحت الارض، والتي لا تتجاوز مساحتها المتر ونصف المتر طولاً وعرضاً، ولا تُرى حيطانها من الظلام الا بصعوبة، كُبلت قدماي، ويداي بالاصفاد، وربطت بأنابيب تحيط بالغرفة الزنزانة، صممت لربط البشر في اعماق الارض، خوفاً عليهم من الهروب الى سطحها…! تعرفت على هذه الارض المجهولة، ابان فترة انتفاضة الشعب العراقي ضد صدام حسين في 1991. وقابلت فيها بشراً على خلاف البشر: اجسادهم آدمية، وعقولهم ممسوخة، وغرائزهم غرائز الكواسر والوحوش في لحظة الجوع. القتل عندهم ثواب، وتعذيب البشر حلال وفضيلة، وقتل الانسان رزق يومي، ومكافأة لمرتب شهري اضافي. اما تسليتهم، فهي لعبة نزع اظافر السجناء، وكشف لون اللحم تحت الجلود، ومشاهدة حلقات رقص الابرياء السجناء على انغام الكهرباء والصعقات الالكترونية. واذا ما عطشوا، بعد تعب من الضرب بالسياط على اجساد الابرياء، شربوا كأساً من دم سجين معذب، ورفعوا كؤوسهم، وهتفوا "يحيا نصر القتل". وفي المساء، اذا ما دب دبيبها، وصعدت حمتها في النفوس، صعد الحقد معها، وامتزج بالتسلية، وطفح زبد الجريمة، وثارت غريزة القتل والدم، ونادت نفوسهم المريضة.
ارسلوا حاجبهم الى اقرب زنزانة، كي يلتقط ما وقعت عليه عيناه، وتمتد يداه الى فرائس بريئة، ضاعت في متاهة السجون، كي يتدربوا عليها ويدربوا احدث وسائل القنص البشري. وكم مرة جرب صدام كامل بمسدسه هذه اللعبة، كما مارسها علي حسن المجيد آلاف المرات برشاشته الفضية الخاصة.
لقد صدقت كل ما كنا نراه في افلام الخيال العلمي، حول مجاهل الكون العجيبة، واشكال المخلوقات، وصورها المخيفة، بعد ان حطت مركبة عبوري في كوكب الرضوانية، المنفلت من مدار الارض، والمتحرر من سلوك البشر.
فكلام حرس سجن الرضوانية، عض وضرب، والابتسامة سب وطعن بالشرف والاعراض. اما نداء السجناء والتخاطب معهم، فهو رفس بالكلي، وضرب بالسوط. اما شفرة التعذيب، ونوعه فتعتمد على الاشارة، وتقطيب حاجب، وتحريك شفة، فلا ينطق المحقق، بل يكتفي بأن يهز اذنه، فتأتيك حزمة من السياط، واذا ما حرك رمشاً او حاجباً، جاء خدمتها بصنف واذا ما خفض المحقق رأسه، استقرت بسرعة البرق كتلة الاسمنت الصلد زنة الواحدة 252 كيلوغراماً، على الوجه والصدر والاذن والرأس. وسعيد من فلت رأسه منها، والا غادر الحياة. اما الصعقات الكهربائية، فلم استطع حل شفرتها اللغوية، فهي على ما يبدو لها عدة خطوط رمزية وهي على كثرة تطبيقها عليّ، لم اصل الى اسرارها،وسوف تكون بحثاً مبتكراً، للمشتغلين بعلم الاشارات الجديدة، وحل شفرة لغة الارهاب والتعذيب في العراق.
اكتشفت في رحلتي ارضاً، لم يمر عليها المكتشفون، ولم تعبر فضاءها طائرات التجسس الاميركية الخفية. في هذه الارض تتوقف ذبذبات الرادارات، واجهزة الانصات، فلا تسمع فيها تنهدات المذبوح، ولا نداء المستغيث من النار والحديد المجمر، والماء الحار.
اما مستشفيات الرضوانية، وعياداتها الطبية، فكثيرة وبعدد الغرف والزنزانات، كادرها الحرس، وفيها صنف جديد من الاطباء الحرس تخرج من مدرسة غسل العقول، لا تؤمن الا بدواء واحد للمرضى المعارضين هو القتل. اما اذا ارادوا فحص فصيلة دم مرضى التعذيب، وبول الدم، وانحباس المجاري البولية، فكانت طريقتهم بغرز السياخ الشيش في الصدور والعيون والوجوه، او قطع الاوردة والشرايين بالحربة والسكين. ودائماً تظهر نتيجة الفحص Dead+، ميت فوراً، ودون تأخير. ويأتي في تقرير مستشفى الرضوانية "مات بداء المعارضة والمقاومة، ضد شيخ العشيرة، ووارث شجرة الاصول".
لا يؤمن دستور الرضوانية بدفن الموتى، واحترام الميت، فاذا مات احد منا في قاعة او زنزانة، فالطريقة الوحيدة المسموح بها، والمتبعة في تشييعه، هي سحله سحلاً. وبعد تجميع حصاد الليل من الموتى في باب القاعة او الزنزانة يتم نقلهم في الصباح في سيارة النفايات، ليتم توزيعهم وفقاً لنظام الحصص الذي ينص عليه دستور الرضوانية.
مررت في رحلتي في ارض الرضوانية بناس على هيئة البشر، نفوسهم وسجلاتهم المدنية مع الوحوش، وقوائم الشياطين، التمثيل بالانسان عندهم تسلية، وقضاء وقت، ولعب ورق في اثناء الفراغ. اما في اثناء الواجب، فالقتل رزق بالحلال، احلته شريعة الرضوانية، ودستورها. اتصدقون ان حارساً من حراس سجن الرضوانية وهو مثال للآلاف، انفتحت قريحته للكلام، فقام فينا خطيباً ومهدداً، وقال بالحرف الواحد "انا متعيّن جلاد. اريد ان احلل من الحلال رزقي وخبزتي فلا بد ان اقتل واعذب". بعدها عرفنا ان هناك اصنافاً من الحرس، منهم الجلادون، ومنهم متخصصون بالاعدام ووسائله، ومنهم بنزع اظافر السجناء… الخ. وكل فئة تتلقى رواتب مختلفة. كما ان هناك رواتب تشجيعية، لمن اصطاد اجساداً آدمية اكثر، او استل معلومات قيمة بالسوط. هؤلاء جيش الرضوانية، وجدار صدام الامني، غسل النظام ادمغتهم، منذ ان كانوا اطفالاً، ووضعهم في مدارس خاصة، لا يتعلم فيها الطفل القراءة والحساب، وفن الجمال والرسم، بل فن الحقد والكراهية. بهؤلاء بنى صدام مملكة القتل، وبهؤلاء استطاع ان يخمد صوت العراقي، ويذبحه ذبح الشاة..
قاسم البريسم (مجلة الحياة عدد))13329.
)
ــــــــــــــــــــ
ليلة ما ... علقوني .. وسمعت احدهم يقول هامسا (له اخر ليلة ).فعلمت بحكم الخبرة انهم سيستخدمون اقسى انواع التعذيب معي . ومن خلال ذلك يقررون مصيري ... قلت بضميري (علي ان اصمد .... وان ما خبرته سابقا من الالم وتحمل التعذيب سيثمر الان ... وعلى الرجولة ان تقاوم امام الهبوط البشري والبربرية ).علقوني وكهربوا ثم اخلعوني تماما ووضعوا السلك المكهرب بالاماكن الحساسة ...فتذكرت عظماء المناضلين وانتخيت بارادتي فلم اعترف ... بعدها قال صدام كامل علقوه من الارجل وانتلوه .. تلك كانت لحظات يصعب وصفها .. كأن مئات الرماح النارية تخترق رأسك وجسدك ..كأنك في اخر لحظاتك مع الحياة ... انه السحق الكلي للانسان ..وكانت يداي مطلقتين قفطعت شعر رأسي فقالوا اعترف .... فجأة تذكرت دخول الجيش العراقي الى الكويت ومر بخاطري منطقة (السالمية ) ... فآويت للحيلة فقلت (نعم اعترف )... قال ص كامل (ما هو اسم تنظيمك ؟ ) فاجبته < السالمي >.. فقال ما هو السالمي فصمت انا , فقال (انزلوه ).
فطلبت سيجارة لاتكلم .. فاتوا لي بسجارة ... فلما استقر بي الجلوس , ولعب التبغ بالجمجمة ... وشعاري ابدا (ما دام جاي وتتن , كل الامور تهون ).. قال( تكلم ما هو السالمي نحن لم نسمع بمثل هذا التنظيم ) .. اجبته (وكذلك انا لم اعلم .. انما ذكرته لاجر نفس ) .. ففزع ص كامل من كلامي .. وامرهم ان يعلقوني وان اردت الاعتراف عليهم ان لا يزيحوا الاصفاد عني .وبقيت معلقا لفترة قرن من الزمان .. وقال ضابط جلاد ـ وهو ينظر عورتي المكشوفة ـ : (اهكذا افضل لك ؟!).
صفات الجلادين
ـــــــــــــــــ
كلمات مثل قتلة , منحطون , سفلة , قساة , دمويون ... ومئات الصفات الاخرى التي اجادت بها اللغة العربية ومعاجمها ومجازاتها , لا تكفي لوصف هؤلاء الجلادين , وحتى لو استعرنا صفات من لغات اخرى فلا تنفع ,وارى الحل بان ننتظر تطورا بيلوجيا للغة لكي نتمكن من الوصف .وحتى الان يمكن لعلم النفس ان يصف شيئا منهم ((الساديون )) شرط ان نطور هذا المصطلح فيكون (السادي هو صاحب ظمأ لا متناه لصناعة الموت والتعذيب ).. فكل صرخة لمعتقل تحت التعذيب وكل كسرة ضلع او خلع او قطع جزء وكل نزيف دم يسكن الجلاد قليلا ثم يعود للظمأ الابدي ,وفيما كانت بغداد صاخبة , سيل بشري لا يتوقف ,وفيما كان ليلها النواسي عامرا بالمشارب , كانت مهرجانات التعذيب تتواصل .وربما كانت كل قهقهة لغجرية تتبعها شهقة لمعتقل او قطرات دم ...
ــــــــــــــــــ
ورأيت بغداد مدينة لا تعرف السكون ولو للحظة , رأيت جوامعها وجامعاتها وهندسة بيوتها المذهلة ودجلتها,ومكتباتها الزاخرة ,وتنوعها البشري ,وانا اساق لمكان مجهول في عجلة صغيرة .. وكان الجلاد يمسك مسدسه وانا في الخلف ... قال ــ شاهرا مسدسه ــ لا تفكر بالهروب وضحك ... ثم نظر الى الشلال البشري ليلا وقال (ماذا تريدون .. انظروا جمال بغداد )..لكنه جمال من زاوية نظره وهو محق ...فهو وامثاله من النكرات وقد تحولوا حيوانات للزاد والغجر والتلذذ ب الدم ... فبغداد حقا جميلة ...لكنا نسأل برقبة من تلك الدماء التي سالت والانفس التي زهقت والنساء التي ثكلت .. لان صاحبه وافق على معاهدة الجزائر عام 1975 ثم تنصل منها .. مشعلا حربا استمرت ثماني سنوات ..ولانه عاهد الشيوعيين بان النصف الاول من عام 1978 سيجري فيه انتخابات ثم سارع بتصفيتهم. واصدر امرا باعدام كل من ينتسب لحزب الدعوة وقتل الصدرين , وغزا الكويت ,واجهز على البكر وثلث قيادة البعث في مجزرة الخلد ,ونكث فنكل بالاكراد ,ونفذ مجازر باهل الجنوب بعد الانتفاضة ,وهان عليه الذل لاجل الكرسي فدخل (خيمة سفوان )...وحول الشعب الى شبكة من الجواسيس على بعضهم ...بغداد جميلة بالنسبة لهذا الجلاد وامثاله لان الحياة لديه غجر وزاد وسوط ...)
ادخلوني تلك الليلة الى قاعة واسعة ورأيت ادوات التعذيب , ومجموعة تقدر بخمسة عشر فردا(يحتمل ان يكون من بينهم خبراء ) , حدقوا بي بجد ونهم وانا امثل امامهم ,قال كبيرهم (اجلس .. اليوم نريد ان نتسامر معك .. فلا تعذيب ), وعلمت فورا ما ينون .. فسألني كيف انضممت معهم وانت لست من طبعهم .. اجبته : (سأل معاوية بن ابي سفيان عمر بن العاص ... اين اوصلك عقلك ... فاجابه <لم ادخل شبكا الا وخرجت منه > فقال له معاوية <<انا والله ما دخلت شبكا >>...ونحن كنا نتمنى ان نكون باسلوب معاوية ... وسنخرج من هنا ...لكن خطأنا اننا نقع في الشبك ).وحين غادرت الغرفة بعد حوار وجس نبض ومحاولة سرقة معلومات مني او اعتراف بهفوة لسان .. ادخلوني لغرفة ضباط التحقيق فقدموا لي سيجارة نوع كنت الفاخرة وشايا فانتعشت روحي .. وقالوا (نحن مكرهون على تعذيبك فهي اوامر اما الان فنريدك ان تطربنا بالشعر).
ـــــــــــــــــــــــ
صور اخرى للرعب
(معتقل المعبد البهائي
بقينا ومجموعة فيها الدكتور -سلطان الشاوي- ننتظر حتى نقلتنا سياره للمخابرات و معي ملازم اول يبكي ويصيح "اويلي يا عبود ..اوقعوك " فانطلقت حتى فلكة الاندلس مقابل سينما السندباد ثم انعطفنا بين العيادات الطبية لتتوقف السيارة امام محل فاجبرونا على الانحناء بعد ان صاحب المحل(؟) واجهة محله فانفتح على بوابة ووجدنا انفسنا في ارضية امامية مهملة مليئة بالاشواك..وامام رجل مدني– تكريتي اللكنة-
يسال رجل المخابرات.. هذوله شبيهم ؟
- متأمرين ..!
- وعلى منو ..؟ نحن لم نبلغ . ؟!
- على السيد الرئيس صدام؟
ولم يكد رجل المخابرات يرد ,حتى انهالت علينا الصفعات وهجمت مجاميع من المدنيين كالكلاب المسعورة يجردوننا من الاربطة والاحزمة ؤيكيلون الضرب ويدفعون بنا لصعود سلم حجري وصوت رجل يصيح محتجأ..
نحن بعثيين .
- انعل ابوكم لابو الحزب !
فدفعت في زنزانة مظلمة لها باب حديدي وكدت اختنق من الحرارة والرطوبة وقد تبارى الموجودون يسبون ويشتمون لحين وصول نائب ضابط قوات خاصة- ابو محمود- "عرفنا بعد ذلك انه معتمد- برزان – في التعذيب والقتل فظل يرافقنا اربع سنوات ونصف
فربطني بالباب الحديدي ووضع –ماسك- على عيني..
و كل لحظة يدخل جنود من القوات الخاصة يجّدون في اذلالي. ثم اجلست على كرسي وربط ذراعي ثم فكوا الاربطة بعد فترة وتركوني حرا فصرت - فرجة –يطل علّي كل دقيقة وجه من الوجوه الشرسة ويصرخ بي – متآمر-
واخيرا فتح الباب لوصول بعض رجال المخابرات وسمعتهم يصرخون بالحراس – ولكم غطوا عيونه؟!
اغلق الباب الحديدي علّى فتمددت على الارض وكانت الزنزانة بلا نوافذ ودرجة الحرارة تسلخ الجلد دون ماء او طعام ورحت اتأمل حيطانها التي حملت بقعا من الدم والملح فاكتشفت بان السقف لاعلاقة له بسقوف المعبد البهائي وقاعاتها التي كانت آية من الزخرفة الخشبية الجميلة وقد بنيت فيها اقفاص.. من البلوك والجص على شكل زنزانات انفرادية بعد مصادرة المعبد لتستوعب المعتقلين وكان التفا وت ظاهرا من خلال الشيلمان الذي اضيف حديثا وقد ظهر عليه الصدأ –الزنجار –ليؤكد بان هذه الاضافات قد تمت بعد 17 تموز 1968 ..
الاعام الكيفي **
-28
- انزلنا بعد ايام الى قاعة المحفل البهائي"وكان هناك ما يقرب من مائة شخص في حالة مزرية وقد راينا - نعيم حميد" عضو القيادة القومية بقميص احمر نصف ردن مع- سعدون شاكر- مدير المخابرات وهو يبادر باتهامنا بالمشاركة في مؤامرة ضد الحزب وصدام حسين -تم اكتشافها..
وقال ..ان المتهمين اعترفوا بالجريمة ولا موجب للتنصل وعليكم الاعتراف ثم اشار الى رجل ظهر على المسرح الذي يقف عليه معصوب العينين يقوده احد جنود المخابرات..
وقال.....وهذا واحد منكم اعترف متأخرا ولم نعد نحن بحاجة له واشار لمرافقه هيا اطلق النار عليه.. ؟
وتحرك جندي المخابرات ووضع الفوهة على مؤخرة راس الرجل الا ان- سعدون- صاح به - ولك ازمال ..!!
لقد وضعت الكلاشنكوف على الصلي؟؟
واخذ -سعدون شاكر- البندقية واعاد اعدادها وسلمها للجندي .
قائلا...والان اطلق النار ..؟
لحظتها صمت كل شىء حولي ولم اعد اسمع غير انفاسي فتحولت القاعة باجمعها الى مقبرة وقد اعتقدت بانها تمثيلية كالتي فعلها القيصر مع المتآمرين عليه ولكن الاطلاقة انفجرت بصوت عاصف مرعب ورأيت الرجل يسقط كشجرة بلا حركة ويسيح الدم من راسه وقد امتلا وجهي بالدم والسخام..*1
فارتفع الهرج والرعب في القاعة .. وخلال العتمة والظل رايت - محجوب- يقول لسعدون شاكر..وقد شاهد صهره العقيد الركن رياض قدو بيننا..
- ابو رعد.. تره اني مشايف –رياض- ولا يعرف شيئا ..؟
ولم يرد- سعدون -او يقول شيئا ..ثم اصعدونا الى زنزاناتنا وبعد دقائق عادوا فاجبرونا على العودة الى قاعة الاعدام فرايت.. اربعه رجال ممددين على وجوههم معصوبي العيون وقد نفذ فيهم الاعدام . ولم اتعرف على القتلى الا على الرفيق- بدن فاضل – اذ تعرفت اليه من خلال لون شعره وضخامة جسده*2
ثم ارجعونا الى زنزانتي فكنت زائغ النظرات محطمأ وانا اتمتم مع نفسي ..على ماذا اعترف ؟
وحين غسلت وجهي بالماء شعرت بالهدوء وتذكرت الرجال الذين كانوا ممددين وقد وضع "باندج" حول رؤوس وقد تيبس الدم وتحول الى اللون الاسود وقد اثارني ذك لان الدم لا يتحول الى اللون الاسود الا بعد ساعات فكيف تحول خلال عشرة دقائق الى اللون الاسود الامر الذي خلق الشك في نفسى بانهم اعدموا قبل فترة طويلة ثم نقلوا الى القاعة لترويعنا وهذا الاستنتاج يجيب عليه الطب العدلى؟
ملاحظة .."لقد كانت الليلة الاولى والثانية مرعبة بتاثير فوضى الصراخ وصوت الاطلاقات من ان تكون قد نفذت احكام الموت على بعض المعتقلين ليلتها.)
<الصراع البعثي-احسان وفيق السامرائي >
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زنزانات الرضوانية
ثلاث قاعات واسعة تتصل مع بعضها..جنوبا يحكمها باب مشبك وشمالا يواجهك حوض مملوء بالبول تتوجه من حافته الى الحمامات ولان عددالمعتقلين لا يحصى فقد كان السجناء يتبولون اولا بالحوض ثم يدخلون المرافق ..وقد كانت السماء مفتوحة نراها من خلال شبكة اسلاك ..هنا تسلب الهويات الانسانية وهنا تعيش الحيوانية باشد درجاتها هبوطا ...فلا يسمح لك بالنوم ..وهنا لا يمكن ان تبقى ان فقدت علبتك الصغيرة (علبة رسم عليها ــ معجون طماطم -صنع في العراق ).. هذه العلبة ستكون ماعونك لشبه الطعام واداتك للحمام .. زج حوالي ثلاثة معتقلين يوما , فلم يحصلوا عليها .. بحثوا عن علبة فلم يعثروا على علبة فائضة , وحين وصلوا الى الحوض المبولة وجدوا قطعة صفيح جعل منه احد علبة بثني حافتها الاربع.. وهي مملوءة بالبراز فغسلوها .. وحولوها قصعة للطعام ..غالبا في الصباح شوربة وظهرا رز قدر كأس صغير مع شبه مرق ..بعد شهرين يبدأ الجوع ينحت الاجساد ,فحصة الفرد صمونتان حجران .. وكنا نبيع واحدة ونشتري بها تبغا ... المشكلة بماذا نلف التبغ .. كان للقاعة شباك من القضبان وتمكنا من مد عصا وبعد جهد تمكنا من سحب علبة سجائر فارغة.. نقوم بتنعيمها بفصل الاوراق حتى نحصل على ما يمكن لفه بها من التبغ .. فنحصل على سيجارة ثقيلة المفعول ...لا تصنف سيجارة معمل ولا ذلك النوع مما يسمى في العراق (مزبن )... (ايام المزبن كضن دكضن يا ايام اللف ). لقد كان النواب متقدما عنا في الزمان لان النوع من السجائر الذي كنا نصنعه لم يكتشف له اسم بعد .
كنت احصل في اليوم على سيجارتين من التبغ الملفوف بورق طبيعي (البافرا ), من مجموعة متدينة مقابل محاضرة او حديث شيق اسمعه لمجموعة متدينة معنا .
مذكرات سجائر اللف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ورق الشام الذي أطلقه الصناعيّان الدمشقيَّان، صبحي وصلاح شربجي.
وركّز الصناعيان الشربجي على العاطفة بالدرجة الأولى في الترويج لمنتجهما “ورق الشام” منذ الستينات، وهو ورق للف السجائر لا يزال منتشراً حتى اليوم، فقبل انتشار السجائر الجاهزة، لجأ المدخّنون إلى لف التبغ بأنفسهم في قطع ورقٍ صغيرة، وعرف أجدادنا من أنواع ورق اللف، ورق “الكف الأحمر”، و”الحمام”، و”الطاووس”، و”قطر الندى”، و”الأميركاني المشرشر”، و”أبو الشامات”، و”ورق الشام”. ويفضل المدخنون “اللف” لأنه يقلل من المواد السامة التي تضاف للسيجارة في المعامل.
اتّخذ “ورق الشام”، الذي جعل من عمّان وبيروت مقرّين لمعامله، عبارة “فليحيى الوطن” شعاراً له، وعندما تفتح ظرف الأوراق، تجد العبارة التالية مكتوبةً بخطٍ عربيٍّ جميل على ظهر الورقة: “إليك أيّها العربي الصميم إليك أيها الحر النبيل ورق الشام الممتاز على سائر الماركات وهو صاحب التاج المرصّع بالنسبة لنظافته ونقاوته من كل غش بعد جهود خمس سنين توفقنا لأحسن ورق مخفّف لأضرار الدخان وسميناه بالشام تيمّناً بعروس بلاد العرب فيجب على من يحب أن يخدم وطنه وصحته أن يستعمل ورق الشام”، مع توقيع صبحي وصلاح شربجي أسفل ذلك، ثمّ عبارة: “جائزة ألف ليرة لمن يثبت ورق سجائر أطيب من ورق الشام”. وتبع ذلك أيضاً: “يا بني الأوطان جمعاً، ورق الشام خذوه، فهو صحي لذيذ، جربوه تعرفوه، ومن الغش خلي، فاشتروه واشربوه ).
ـــــــــــــ
(ان انتشار معامل صناعة السكائر اللف والمزبن في السنين الماضية لها مميزاتها وما كانت توفره في السوق من منتوج لعدم توفر السكائر المحلية الاخرى , تتم صناعتها عن طريق معامل سكائر محلية او السكائر المستوردة فما كان لهذه السكائر من بديل، الكثير من الرجال يعملون بهذه المهنة متسلسلة من الآباء الى الابناء ولكن في فترة الثلاثينات كان للنساء اليهوديات ايضا حصة للعمل في هذه المعامل لصناعة السكائر فكان لشخصية المراة اليهودية (ام منشي ) وجود في معمل السكائر وهي المسؤولة عن عمل النساء الكبيرات في السن اللاتي يرتدين عصابة الرأس يقمن بلف السكائر بطريقة مرنة اضافة الى الحاجة الى الايدي العاملة فتقوم بعض المعامل بأيصال المواد الى البيوت وتعمل العوائل في لف السكائر في بيوتهم لسد احتياج المعمل وتوفير باب رزق لهم .
وتجلب بالات (التتن) من المناطق الشمالية الى معامل السكائر فيتم احضارها عن طريق الحيوانات والعربات وهناك حيث يقوم اول عامل بفتح البالة الكبيرة وافراز اوراق التبغ وتنقية الورقة الصفراء والسوداء والبنية، اضافة الى اختيار الاوراق الحارة من الباردة وهذا لايمنع من مرور عملية اعداد السيكارة من اختبار ومعرفة نسبة التبغ فيها سوى كان طعمها حارا او باردا ليتم اكمال صناعتها ).
ـــــــــــــــــــ
(أن كلّفَتْني السكاري شُربَ خمرتهـم
شربت لكن دخانـاً مـن سكاراتـي
واخترت أهون شـرّ بالدخـان وأن
أحرقـت ثَوبـي منـه بالشـرارات
وقلت يـا قـوم تكفيكـم مشاركتـي
أياكـم فـي الـتـذاذ بالمُـضِـرّات
أنّي لأمتصَ جمـراً لـفَّ فـي وَرَق
إذ تشربـون لَهيبـاً مـلء كاسـات
معروف الرصافي).
ــــــــــــــــــ
زنزانات الرضوانية ايضا
ـــــــــــــــــــــــ
الشباك لا تميز وهي ترمى في النهر , كذلك الشبكات الامنية ,فقد اتوا بشاب من العمارة , وارعبوه فاعترف كذبا ومن خوف على خمسين فردا ,بعد ذلك تأكد لهم بان الخمسين لا علاقة لهم بالتهمة واخبروه وامروه ان يوقع على تبرئتهم لكنه من رعب ابى واصر على اتهامهم ..هذا الشاب ــ حينما نقلنا لمكان اخر ــ اتوا له بعد منتصف الليل وكان نائما فشرعوا بوضع جمرة السجائر في جسده وهم سكارى يضحكون , لكنه لم يتحرك ولم يصرخ كان جثة هامدة , حسبته ميتا , وفي الصباح وقد رأيته فسألته (هل كنت ميتا وهم يلسعونك بجمر السجائر ؟ ) .. فاجاب (لا , وانما تحملتهم لاخلص نفسي ) فعجبت من امره .. كيف تحول من معترف باول سياط , اذا هو لا يتحرك من الجمر ويتحمل ..
معتقل اخر : ارادوا الافراج عنه فطالبهم ان يعيدوا اليه نقوده والوثائق فابقوه معتقلا لعام اخر في الرضوانية ..
شخص كان يزور قريبه في ميسان , فاعتقلوه وهو لا يعرف شيئا عن تنظيم او تهمة :(حاله حال العبرية )...
كانت قاعات الرضوانية مكتظة حتى لتصيح كي يسمعك احد جوارك .. دوي لا ينقطع .. مع كل هذا كان بعضنا يجري حوارا ادبيا او فكريا ..ويحدث ان يسمحوا بحلاقة اللحية لنا .. وكان على نصف الموسى ان يكفي سبعة اشخاص .وكنا نستولي على اسمال من خرج من المعتقل ....ولم يكن لنا وسائد .. اما القمل فقد اعتدنا رؤيته فلم نعد نتقزز منه ..
وقال <ع >( بكيت ).. ذلك يوم نقلنا الى تكريت .. وهو رجل ضخم طويل واسع العينين , نفذ 18 جريمة .. اعترف بها بلا ضربة عصا .. ولما غادر صدام كامل قال (ارجعوني اليه لاني نسيت جريمة لم اذكرها).. فجعلوه مسؤولا وجلادا للمعتقلين, وفي مرة اتى برطب ليبيع وعرضه امامه ., فتدحرجت رطبة وتوقفت قربي , بعد صراع مع الذات لم اتناولها .. في السجن وانت في مجاعة تستمر اشهرا .. يكون للحلوى معنى اخر , ويصبح الزاد امنية ويشكل عالما من الاحلام ..غضب المعتقل الجلاد (ع ) فنادى على الحرس فاتوا ليسوطوا الجميع وقوفا ... بعد ان اختفت السياط , وقف خطيبا: (اعلم انكم جميعا الان حاقدون ,لكن هو واجبي ,وقد اسأتم الانضباط .. كنت ست سنوات في ابي غريب ولم اعط بطحة <نقطة ضعف >).
اتوا به (العقيد علي ).. وهو مجهد من التعذيب متعرقا .. وحين دخل قاعتنا الوسطى , قدم له احد الجلادين سندويج فابى ان يأخذها .
لقد دخل العراق من ايران لتنفيذ عمليات عسكرية وامسكوا به بعد فترة ... سياتي الحديث عنه لاحقا .
في احد الايام وكان الجو باردا تم دعوتنا نحن مجموعة (الملتقى ) لحفلة تعذيب ..وكنت قبلها بايام اخبرت رجلا كبيرا بان عليه ان يغير افادته وان لا يعترف ,فوافق .
تجمع ما لا يقل عن عشرة جلادين وكنا على شارع معبد الا ان حصى تظهر منه ..واشتغلت الصوندات والرفس واللكم والشتائم .. ثم امرونا ان نتدحرج على رؤوسنا فسال الدم .. واذكر استخدمت حيلة هي ان اضع يدي تحت رأسي لاتقي الحصى .. ثم فكرت ان امثل حالة الغيبوبة لكني بعد حين لم اتحمل .. فتجمهروا لعقابي بوحشية وتلذذ..ورأيت المجرم المعتقل (ع ) .. بعد ذلك وقد اشرقت الشمس يعلق معتقلين في شجرة ويجلدهم .. ويشهر جلاد مسدسه لاخافتهم..ورأيت من وضعوا بطست ماء ثم يكهربونه .وسجلوا اقوالنا وعدنا للقاعات .
ربما يكون اكثر المعتقلين هنا من اهالي ( قضاءالمدينة .. شمال البصرة ).. وكانت واضحة عليهم البسة وصفات الارياف, فاغلبهم ممن يشتغلون بالصيد لقربها من الهور والفلاحة ..
واستفز يوما جلاد احدا منهم فاجابه صاحبه (لو تدري هذا الذي تسخر منه كيف كان ذئبا في منطقته . ).
واخبرني معتقل وهو يبتسم بان الرضوانية <زلاطة > فقد ادخلوه قبلها ما هو اشد بشاعة .وكما قال ريفي امي من سنوات ونحن نشرب (استمتع فالعمر راح فرهود )..
قال شاب جار ــ وكنا نتصارع على الزاد ــ في الرضوانية : (خلصانة ولكن هناك ناس لا تريد تفهم ).
ولان فرقا دولية كانت تبحث عنا .. قرروا ان ينقلونا الى تكريت .
سجن تكريت
ــــــــــــــــــــــــــــــ
السجناء عسكر .. انها من حيل النظام ... فور وصولنا تكريت , ضابط من المخابرات وقف امام جمعنا الحاشد وقال (ان سألكم احد فقولوا نحن جيش ...). ثم امر بتصنيف المعتقلين الى حضائر وسرايا .. وصير من بعضنا عرفاء ...ربما كان علينا ان ننشد ونحن نتحرك في ارتال : (جر المدفع فدائي .. ابدا ما يهاب الغارة ... طير علينا صهيون .. اكثر من مية طيارة )..
في الليل كانوا يخرجوننا في ساحة ونلعب المحيبس...
لكن قلة المرافق الصحية وضخامة العدد يجعلك تعاني حتى يصلك الدور فتريق المائية .
سجن الرمادي
انها قرنان تلك الساعتان التي نقلونا فيها الى الرمادي , قيدوا ايدينا بقسوة من الظهر ,فان صاح احدهم ليخففوا ضغط الحبل من يديه , عليه ان يتحمل الصفع والشتائم ,كان سجن الرمادي يتكون من طابقين , وكنت في الطابق العلوي ,ان كلمة تافهة مثل (خيار ) تسبب استفزازا لمن عانى المجاعة اشهرا ,واذكر حين قال حرس (اريد خييرة )تحولت بذهبي الى هدف بعيد المنال .. تخيل ان سجينا يتضرى جوعا ويصحو ليراهم يشوون قطع اللحم فتشم رائحة الشواء , المصيبة ان <ع > صاحب 19 جريمة هو من يشوي لهم بهدوء واستمتاع .
كنا ننزل للتعداد فجرا فنشكل ارتالا متسلسلة ... واجهتها من عشرة سجناء تليهم عشرة وهكذا ,, ينطق الاول (واحد ) فيجلس ويصيح جواره (اثنان ) ويجلس وهكذا .. حتى ان بامكانهم ان يحصوا مئة بدقائق ... علق احد السجناء من الاسرى ( هناك في السعودية يخطئون مرات بالحساب فيكررون ),وكان النظام قد منح عفوا عن الأسرى واتى ذات يوم حرس فسأل (من قتل رفيقا من الاسرى ) فرفع معتقل يده وقال <انا >فاجابه: اجلس .
كنا نسمع صرخات من يعذبون في غرفة نجهلها ...
مشكلتنا في الرمادي ليست بالجوع والتعذيب وحسب , انها بالذهاب الى الحمامات .... لكن حمامات الرمادي خرافة اخرى ... اول يوم دخلتها .. رأيت غرفا تشبه الصفوف الصغيرة . قد ملئت لارتفاع حوالي نصف متر بالبول والبراز, فرأيت خشبة عريضة فعلوتها ودفعتني , اذا انا بغرفة صغيرة قذرة .. وهناك رحلة مدرسية وفيما كنت افرغ احشائي دخل احد السجناء فقلت له (تفضل استاذ .. دار دور ), فاشمأز وولى ورجلاه غاطستان .
وكنا بعد قضاء الحاجة نمر على حنفية وهنا التمرس على السرعة يفرض نفسه , وكنت اسرع , فاتمكن من غسل يدي ورجلي قبل ان تنالني الصوندات والاخشاب .
يحولونك الى ادنى المراحل الحيوانية , يتفننون بذلك وعليك ان تلوذ بارادتك عن الجنون والانهيار ..قيل ان هذا المعتقل قرب معمل الزجاج وكان قد خصص لحجز الاسرى .
معتقل الجملونات في ابي غريب .
يتكون هذا المعتقل من قاعات واسعة لها شبابيك من قضبان <بلا زجاج)
لا يسمح لنا بالنوم , لانهاكنا...وغالبا ما يجري التعذيب ليلا , ربما كان اكثر المعتقلين تعبا هم من اصيبوا بالاسهال الحاد (الدزنتري ) مع منع من التفريغ الا باوقات محددة لنا .
كان العقيد الذي ذكرته سابقا معنا بتلك القاعات ,وقد اخبرني انه فجر فندق شيراتون ... وكان قد دخل من ايران لتنفيذ عمليات , وكان يضرب جبهته ويقول لي (خيرت بين البرازيل والعراق فاتيت العراق ...) واخبرني (كنت في المقهى لحظة اعتقالي ولاول مرة لم اكن احمل مسدسي ... وكنت اتحكم بالمتفجرات واوصلها بجادحها وانا اقود عجلتي التي سافجرها بعيدا عني , وذات يوم اتى زمرة من الحرس وصرخوا من الشباك فرأيت اصفرار وجهه واضطرابه وقال حين ذهبوا <توقعت نهايتي >.. الا انهم عادوا بعد ايام وحلقوه واغتسل والبسوه ملابس جديدة ليصوروه كشف دلالة .
وكان الحراس يوصون بعضهم عليه (ديروا بالكم انه محكوم بالاعدام ) ... ولا اعرف مصيره ويحتمل انه اعدم بعد الافراج عنا وقد اكد ذلك بعض المعتقلين .
كان لنا نحن الادباء اسم ينادوننا به <اين جماعة الملتقى ؟ >.. وفي يوم كنت اقضي حاجتي وهم يعدون للعشرة لنخرج لكني خرجت مبكرا ووقفت وحدي قرب القاعة فتعرضت لصفعة كادت تفقدني توازني ... وفي يوم اتى جلاد متوحش ونادى علي فمثلت امام القضبان فقال <اريدك تمضي لاولئك الاكراد وتحدثهم عن التعذيب وما فعلناه بك ليعترفوا ...
وكان بعض الادباء الذين لا يعرفون عن التنظيم او الحركة ولم يخوضوا العمل السياسي من جماعة الملتقى يسألوني <ما نقول في الاعتراف لنخلص ) , وكنت اجيبهم < قولوا : حزب الدعوة >, وكان غرضي ان اضلل مجرى التحقيق .. وهو ما حدث فعلا .. فقد نقلنا في صباح بارد الى مديرية الامن ببغداد .
مديرية امن بغداد
ظهر هنا الصراع جليا بين صدام كامل والسبعاوي , بعد وصولنا المديرية ,فقد لعنوا من اتى بنا , شخصيا استغربت ,فيما بعد عرفت انه صراع عائلي بينهم ,فهؤلاء جماعة السبعاوي لهم خبرات متراكمة في المجال الامني اما صدام كامل فهو رجل طاريء على القبضة الامنية .
مديرية الامن التي دخلناها تتكون من اكثر من قاووش (قاعة ) طويلة والزنزانات اقفاص حديدية , ولكل زنزانة اربعة اسّرة اثنان فوق اثنين .. تنتهي بمرافق صحية لها باب صغير ... هنا حرمنا من التدخين حتى اتى يوما ضابط يتسلى ووزع لنا بعض السجائر ... ثم اتى اخر وقد لحظ وجود الجرذان فقال (كل من يمسك بجرذ له صمونة ).. وهنا اشتغلت الكفاءات العراقية ... فصنعوا مصيدات من اكياس النايلون وضعوا فيها فتات الصمون , واحكموا رأسها بخيط , فان دخلها جرذ سحبوا الخيط واحكموا على الجرذ , كانت لعبة مسلية , فترى بعض المعتقلين يسهرون للقنص , وكان بعضهم يبيع الجرذ لصاحبه مقابل صمونة سيستقطعها منه في اليوم الاخر .
المحكمة الخاصة
ـــــــــــــــــــــــ
اول من حوكموا هم جماعة الملتقى ... وقد ادخلوني على القاضي <ربما هو ليس بقاض>, فسألني : (انت لست منهم ),فاجبته (ولماذا انا هنا ) , قال <لم تخبر عنهم ), اجبته <لا املك معلومات > ... قال الم تلحظ اي شيء ؟ اجبته نعم انهم يصلون فقال انا اصلي ايضا قلت له <انت بحزب الدعوة > فضحك وقال <سنفرج عنك ولا تلتقيهم ثانية >...يظهر ان جماعتي ادخلوهم على القاضي كل على انفراد ... وبعد ساعة جمعونا وتلا القاضي (انهم من حزب الدعوة ومتواطئون مع حزب الله ).. ولاول مرة اسمع بحزب الله في العراق .ثم حكمنا بالافراج ما عدا واحدا حكم لخمس سنين وهو من ساعد (ع )على الهرب لحظة القبض عليه وفرا .
فعدنا للاقفاص فاعتليت سريرا اعلى واعلنت النبأ بلهجة خطابية ..
الى زنزانات انفرادية
ــــــــــــــــــــــــــــ
نقلونا ـ جماعة الملتقى ـ الى زنزانات انفرادية .. بلا قضبان سريران حديديان احد فوق الاخر -باب حديد له فتحة علوية , يرفعون قطعة حديد ويضعون الزاد بمواعين من البلاستك وتغلق بلحظات ... هناك كنا نسمع معتقلا يصيح بين لحظة واخرى (اللهم صلي على محمد ), وقيل انه الوزير الايراني , وكنت ضمن فوج الكمندوس الذي اعتقله في عبادان بقاطع بهمشير , فقد نزل خطأ الى قطعاتنا فامسكنا به .
قاووش التدخين
ــــــــــــــــــ
بعد فترة تم نقلنا الى قاوش(قاعة ) يسمح لنا بالتدخين .
اذكر بعد نفس او نفسين من السيجارة افترت بي الارض وكدت اهوي ارضا ...الاقفاص ابدا مفتوحة ..كنت في السرير الاعلى وكنا نلعب الشطرنج .. وصادف ان مجموعة من الضباط المعتقلين ــ ممن اتهموا بحرق مخازن عتاد البصرة ــ كانوا معنا, وكان رجل برتبة مقدم يلعب الشطرنج معي ,وكلما غلبته اعول واحتج وكنت اتسلى لا بغلبه بل لتوتره بعد كل خسارة .
فيما كان احد يجوّد القرآن قبل ان يرفع الاذان بصوته .. اتى جلادون فاخذوه واشبعوه ركلا وعاد بحزنه صامتا .
في مرة حاول معتقلون صائمون ان يسخنوا زادهم وكان للقاعة مجسات لم يعرفوها فهجم الجلادون ليفرزوا من سخن ...
هناك معتقل من سامراء يأتي له طعام خاص , ويدخن الغليون بتبغ ايطالي ... اتضح بانه يحمل شهادة الماجستير بعلم النفس من روسيا وزوجته مثله من حملة الشهادات العليا ...وكان النظام قد منحه مبلغا مرتفعا ليتاجر بين الاردن وبغداد فاحتفظ ببضعة ملايين لحسابه واتوا به ليعيدها فرفض ... وعندما سخن الصائمون الزاد واتى حراس شرسون ساءلوه فقال محتدما : (لولا خدمة الدائرة والمعتقلين فانا لا اعمل حتى برتبة وزير ) , فسكتوا عنه ... يظهر كان مسيطرا وله من يدعمه.
لقد كان يشرف على ادارة المعتقلين , لكنه كان مهتما بالادب فقال <ان الاوراق التي يسطرها< هؤلاء> الى النهر تمضي >
لقد قربني منه حتى قال بعض الملتقى باني لاجل السجائر صادقته .. كنت استمتع بالزاد الخاص والسجائر الفاخرة التي تصل اليه .
حدثني هناك رجل بانه باع جريدة <طريق الشعب >, سرا لان سعرها جيد بالسوق..لكن رجال الامن كشفوه واعتقلوه .. فحدث (بان ملكا امر بنحر البعران فطاردوهن فوجدوا ابو الجنيب يهم بالهرب فاعتقلوه واتوا به وهو يرفس محاولا تخليص نفسه , وعندما سأله الملك : لمذا هربت فلست من اقصد .... اجابه : <حتى اثبت نفسي ابو الجنيب ولست بعيرا , ساشبع ركلا فقلت اهرب ... فضحك الملك وافرج عنه ) واضاف بائع الجرائد <انا الان لاثبت لهم اني لاجل العيشة بعت ولست شيوعيا فساشبع طن صفع > .
ذات يوم نقلونا الى السجن رقم واحد واول ما خطر ببالي ان ابحث عن الكتابات التي قيل تركها صدام حسين على جدرانه فلم اجدها ....
غرف الاعدام
كانت القاعات التي يساق منها المحكومون بالاعدام اخر محطاتنا نحن الادباء جماعة ملتقى الجمعة الادبي .
كانت قاعة واسعة وقذرة فصلت بشكل زنزانات لها غرف واجهتها من القضبان هناك التقيت بالرجل من اهوار البصرة ورايته يمسك بعلبة سمك صغيرة ويشمها ويقول لي ( لا استطيع مفارقة صور وطعم الاسماك ) ومن الغرابة ان يحدثني بانه سعيد لانه سيعدم فيكون شهيدا وقال ( لقد التقى بي المجاهدون وعلموني اصول ديني واهمية الجهاد .
ان اولئك المحكومين بالاعدام وقت الغروب يقتربون من الباب الرئيس للقاعة ويتضرعون الى الله داعين ان يفرج عنهم .
بعد ايام ابلغنا بالافراج وبذلك انتهت رحلة الجحيم .
فياليوم الثاني او الثالث من الافراج زرت الرائد البريكان وحدثته بما جرى فقال ( لقد نجوتم من موت اكيد ).
( الشعبة الخامسة مكان لاينسى).
لم ازج بمصهرة الشعبة الخامسة , لكن التقارير والمؤلفات واللقاءات المتلفزة اثبتت بان الشعبة الخامسة كانت جحيم المعتقلات الاول .
سانقل من بعض المصادر معلومات عن هذه الشعبة الامنية .
( المكان هو الشعبة الخامسة أو مكافحة النشاط الرجعي الديني والمقصود بالنشاط الديني هو نشاط الحركة الإسلامية
والشعبة الخامسة رواق طويل يقع في الطابق الثالث من إحدى بنايات مديرية الأمن العامة
توجد على جانبي الرواق غرف مقابلة , نجد في داخلها آلات التعذيب الأولية مثل ( الكيبلات والصوندات والآلات الكهربائية اللاسعة والعصي الغليظة والسلاسل الحديدية وقناني الغاز الكبيرة والحبال وقطع القماش القذرة الملطخة بالدماء والأوساخ .. إضافة إلى الآلات الحديدية الأخرى والتي تصفد بها أرجل المعتقلين لإجراء عملية الفلقة وهناك القناني الزجاجية للمشروبات الفارغة مثل الببسي السليمة والمكسورة تستعمل لاجلاس المعتقل عليها .
كما وتحتوي تلك الغرف : الصوندات والكيبلات الكهربائية المستوردة خصيصا من ألمانيا الغربية وإسرائيل وبريطانيا وأمريكا وكذلك مراوح سقفية ليست للتهوية وإنما لتعليق المعتقل بها وتشغيلها عند التعذيب فيدور الشخص بدورانها ...
...
المرحلة الاولى
بعد دخولك للشعبة الملعونة بعد ما تمر بالاستعلامات التي تستقبلك بالشتائم التي حدث عنها بلا حرج والضرب تدخل غرفة التعذيب
يعلق الشخص بالمروحة السقفية , فتشغل وتظل تدور به حتى الإغماء ثم ينزلونه ليفيق وليبدأ الاستجواب من جديد.
فاذا لم يقتنعوا به شدوا وثاق المعتقل من يديه الى الخلف وطرحوه على ظهره ارضا وقيدوا رجليه ( بآلة الفلقة ) ورفعوها إلى الأعلى ثم يبدأ الضرب على باطن القدمين بالكيبلات الكهربائية وبالعصا ذات الشحنة الكهربائية
ان كثيرا من تلك الكيبلات تتقطع نتيجة للضرب المتكرر والشديد بحيث يزيلون قشرة جلد القدمين فتسيل الدماء وتتكسر الأظافر ثم يفكون وثاقه ويطلبون منه السير ماشياً على قدميه وهو في تلك الحالة المزرية وإذا تلكأ في المشي توجه إليه الضربات من كل جانب
وحين يتعب الجلادون يقومون بتصفيد ارجل المعتقل ويديه بقنينة الغاز ويرمونه على الأرض خارج غرفة التعذيب ويبقى لمدة قد تطول اياما إلى ان يتوفر لهم الوقت بعد الانتهاء من عمليات التعذيب مع غيره فيأتي دوره مرة ثانية فاذا كان لايزال على نفس إفادته السابقة نقل الى مايسمونه (المعمل ) وهو عبارة عن مكان مزودة جدرانه بأجهزة خفية تصدر اصواتا مرعبة لحيوانات وحشية وصرخات عالية مزعجة وفي هذا القبو (المعمل) توجد غرف صغيرة جداً فيها سرير واحد وسلاسل حديدية وهراوة وكيبل وحبل سميك وتابوت يلقى المعتقل فيه ويرمى على الأرض
أول ما يفتح عينه يرى اثنين من الجلادين في الغرفة (القبو) احدهم
قد استلقى على السرير والثاني ممدد في داخل التابوت وهو عاري الجسد تماما
يغلق احد الجلادين الباب ليقوم الذي في التابوت ويطلب من المعتقل إن يعترف وإلا فانه يتعرض لأساليب لا أخلاقية تقشعر منها النفوس وترتفع عن ارتكابها الوحوش , وحينما لاتنفع به هذه الأساليب ينتقلون إلى المرحلة الثانية من مراحل التعذيب الجسدي والحرب النفسية
المرحلة الثانية
وفيها من أساليب التعذيب التي لم نسمع بها أو نقرأ عنها في عصور الظلام ولا في الصفحات السوداء لتاريخ هتلر وبيغن .
وعندما لايعترف يقول له الجلاد ويحك لقد استخدمنا معك تجارب السجون( الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية والألمانية )...إضافة الى اساليبنا الخاصة التي يقصد بها تجارب جديدة وعجيبة قد ابتكروها جلادو الشعبة الخامسة ... ويقول له كل هذا وذاك ولم تعترف بعد ...... فماذا نفعل بك ؟
وحينما يخفقون في انتزاع الاعتراف من المجاهدين يهجمون عليه جميعا قد يبلغ عددهم أكثر من عشرة جلاوزة , يحار المجاهد كيف يصد الضربات التي تتوالى عليه من امامه ومن خلفه ومن جانبه ولايملك إلى سلاحا غير سلاح ( الله اكبر الله اكبر ) ولكن المجرمين عندما يجدون هذا قد استغاث بالله يقولون له ساخرين
أذا كان هناك رب فليأت لإنقاذك من بين أيدينا , ومتى ما لة وجدوا أن أساليبهم هذه لا تجدي نفعا يأتي دور المرحلة الثالثة .
المرحلة الثالثة
وهنا نتكلم عن المرحلة الثالثة وهي المرحلة البربرية البشعة
حيث ينقلون المجاهد فيها إلى الدهاليز الأخرى لبنايات الأمن العامة ليشاهد زنزانات التعذيب فلعله يعترف بعدها ..
فيبدؤون أولا بتمريره على أحواض التيزاب (حامض النتريك ) التي يلقون فيها المؤمن المجاهد , فيذوب جسده الشريف بعد لحظات ثم يذهبون به إلى زنزانات أخرى ملئت بنوع معين من الحشرات الضارة فهذه للعقارب وتلك للثعابين وأخرى للقمل وأخرى للنمل وهكذا....
بعدها يمررونه على جثث شهداء ثم يستوقفونه قليلاً إمام احد إخوته المجاهدين ممن انهوا معه كل الأساليب القهر ويئسوا من الحصول على معلومات منه فيشاهد احد الجلاوزة الظلام يضع مسدسه في رأس ذلك المجاهد البطل ويطلق عليه الرصاص فيرديه قتيلاً .
ومن اساليبه ان يضع على صدرالمعتقل خشبتين يقومون بضغطهما بواسطة الة حديدية ( المنكنة ) ويستمرون بالضغط الى ان يتدفق الدم من جوارحه حتى يغمى عليه .
ثم يرفعون الخشبتين عنه وينظرون حتى يفيق ليجد نفسه في زنزانة لا يزيد عرضها على (80سم ) وطولها على المترين نصفها مخصص كمرافق صحية وهي ليست صحية بالمرة تفوح منها رائحة نتنة لا يستطيع الانسان عليها صبرا .
اما باب الزنزانة فحديدي تضرب به الشمس فيشع منه وهج لافح يعيش في هذه الزنزانة اربع من عباد الله وقد ربطوا بالسلاسل الحديدية الواحد بعد الاخر واشد ما يلاقيه المجاهدون وهم على هذا الحال .. حينما يريد احدهم قضاء حاجته في( بيت الخلاء) او اذا شعر احدهم بالحاجة إلى النوم ولأيتمكن من ذلك لان الآخرين مشدودون معه سوية ., ويبقى المؤمن في المأساة أسابيع طويلة يطلبونهم للتحقيق بل للتعذيب اذا لا وجود للتحقيق في سجون صدام
كل ما يعملوه يستدعون المجاهد ويبدؤون معه سلسلة من التهديد والوعيد يرافق ذلك ترغيب بترف الدنيا ونعيمها ومغرياتها ظنا ً منهم ان هذه الأساليب تزعزع الإبطال ولكن هيهات ان يجدوا وهناً وتراخيا ً من احد ..
وعندما يجدون الإصرار والعناد يسلكون اسلوباً أخر ذلك هو أنهم يفرقون هؤلاء المعتقلين الأربعة الذين كانوا في زنزانة واحدة يفرقونهم الواحد عن الأخر ويتصورون انهم يستطيعون في هذا المكان يحققوا ما يبتغون وهنا
سينتقل المجاهد الى المرحلة الرابعة والأخيرة
المرحلة الرابعة
بعدما يمر المجاهد على إشكال التعذيب والإرهاب يبدأ المجرمون بالتظاهر بالطيبة والشفقة على المعتقلين وعوائلهم فيعرضون على المجاهد الإفراج العاجل والمال الوفير والبيوت الفخمة والسيارات الفارهة .........إلى أخر الاغراءات الدنيوية لقاء ان يعترف لهم وعندما تتساقط كل اساليبهم يطلبون من المجاهد أجراء لقاء تلفوني للتحدث والإجابة عن أسئلة تبدا أنها بريئة ليست فيها أي خطورة مجرد أسئلة وأجوبة ...
وحين تنتهي المقابلة يقومون بتحريف الأجوبة وفقا ً لصيغ الدبلجة المتبعة في الإعمال السينمائية مستبدلين جواب السؤال الأول بالثاني وبالعكس وهكذا ....
والغرض من ذلك هو تثبيت تهمة الانتماء الى حزب الدعوة الإسلامية على المعتقل
وبعدها يرسل الى المحكمة لكي يحكموا عليه بالاعدام او السجن المؤبد.)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشعبة الخامسة
.بغداد / سكاي برس :
مبنى الشعبة الخامسة سيئ الصيت والذي يعتبر اشد قساوة من كلمة القسوة نفسها
معسكر العداله أو ما كان يعرف ب الشعبه الخامسة. أو مكافحة النشاط الرجعي الديني والمقصود بالنشاط الديني هو نشاط الحركة الإسلامية المعارضة وفي قتها للنظام السابق هي مديريه الاستخبارات العسكرية في زمن الحكومة العراقية السابقة والتي كان يرئسها صدام حسين. تعد واحده من مراكز الاعتقال والتعذيب لكل من كان يرفض أو يخالف السياسة السائده في ذلك الوقت.وقد كثرت الحكايات عن هذا المكان حتى قيل ان الذي يدخل لا يخرج الا وهوه جثه وانه هناك مثرمه للحوم لبشر..
مبنى الشعبة الشعبة الخامسة ولعل من اسمائها الشهيرة الاخرى (الحوت)، باعتبار ان من يبتلعه الحوت لا مخرج له ثانية للحياة. هذه التسميات تطلق على موقع مديرية الاستخبارات العسكرية في الكاظمية ..سابقا. الواقع على نهر دجلة في جانب الكرخ وهي تظهر للشخص العابر من الرصافة الى الكرخ على جسر الأئمة في نهايته اليمنى كمنطقة خضراء توحي لناظرها انها منتزه عائلي او منتجع سياحي وهي كذلك ولكن من طراز خاص، تتكون تلك المديرية من عدة شعب واقسام واشهرها هي الشعبة الخامسة والمختصة في التحقيق والتحقق مع منتسبي المديرية نفسها والتي اصبحت مديرية استخبارات الداخلية حاليا... .
هي احدى شعب معاونية الامن العسكري (المعاونية الثانيه) وهي متخصصه بامن وحدات الجيش العراقي اينما وجدت... وكل دوائر وزارة الدفاع.. ومهمتها حماية البنية العسكريه العراقيه من اي اختراق معادي او عمل حزبي مضاد داخل القوات المسلحة... ومن ظمن هذه المهمات متابعة كل اختراق للتنظيمات الحزبيه العميله حسب وصف النظام السابق داخل القوات المسلحة.
كان القسم المختص بايران عند اندلاع الحرب معها في ايلول عام 1980 من ضمن تنظيمات الشعبة الثانية في مديرية الاستخبارات العسكرية( المعاونية الاولى .. وكان مديرها ( خالد محمد عباس الجبوري)
وكان ضابط القسم حينها ( وفيق السامرائي).)).
وبعد 1980 طور القسم الى شعبة واعطيت الرقم 13 واصبحت الشعبة الثالثة عشر ومديرها وفيق السامرائي.وفي اواخر عام 1986 تم تطوير الشعبة الى معاونية.. وبما ان مديرية الاستخبارات العسكرية كانت تتكون من اربعة معاونيات ... فقد اصبحت معاونية المختصة بايران المعاونية الخامسة.ومن هنا اكتسبت تسميتها).
ـــــــــــــــــــــ
#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟