أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - قراءة لدروس الحياة في محطاتها















المزيد.....


قراءة لدروس الحياة في محطاتها


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8213 - 2025 / 1 / 5 - 01:27
المحور: قضايا ثقافية
    


حياة الإنسان أشبه ما تكون برواية لرحلة سفر يمضي بها العمر ، رواية محطات يمر بها ، وفيها يتعلم و يتالم ، ينجح ويفشل ، يحب ويكره ، يفرح ويحزن , ذلك ان الإنسان لن يتعلم دون أن يرتكب أخطاء ولن ينجح دون ان يجابه فشلا ، ولن يحب دون أن يتعذب و يجابه صعابا ، ولن يشفى دون ان يشهد الما ، وعموما لن يكبر الإنسان بلا ثمن.

هكذا تكون الحياة وكأنها مبنية على قوانين التضاد ٫ تضاد يجمع ولا يفرق . مع كل ذلك ٫ فالحياة تركت هامشا كبيرا أبقت فيه لكل إنسان يمر بمحطاتها فرصة ليترك بصماته الخاصة فيها. فرصة تعكس فهمه ونظرته و استجابته ورود افعاله حيال ما يجابهه في كل متطلبات وظروف رحلة حياته ومحطاتها ، التي قد يكون البعض منها هي بمثابة اختبار يشهد على مروره وتحمله في مشوار عبوره لها بما يجعله عنوانا بارزا .وقد تكون ظروف اخرى يمر بها خارج إرادته و قدراته ، فيما يأتي البعض الآخر دون مقدمات او استئذان او حتى دون رحمه او شفقه من محيطه او بيئته.

تبقى الحياة محطات سفر
و كثيرا ما تجد في إحدى محطاتها اناسا ممن تغيرت حياتهم الشخصية تماما إلى الأفضل ليس بمال حرام او مغامرات محسوبة ولكن بمجرد أن عودوا انفسهم كيف يسايروا الظروف ، لا لضعف منهم ، بل كي لا تتوقف حياتهم ، وكان لهؤلاء الاشخاص ذلك عندما توقفوا عن التفكير في ضغوطات الحياة ، في الأمور التي لن يستطيعوا تغييرها مع ان اغلبها قد تكون صناعة ذاتية ، يضيق فيها صاحبها الحياة على نفسه على وسعها ، بتحليله العميق لتلك الامور ، بينما الأمر لم يكن يتطلب منه بالأساس إلا غض الطرف عنها و تجاوزها.

في محطة ثانية من محطات الحياة كثيرا ما تصادف أناسا تبدوا القساوة على ملامحهم وبين تجاعيد وجههم ، ولكن لو تعمقت في قراءة تلك الملامح و تعمقت النظر بين تلك التجاعيد لوجدت أن الحياة قد قست عليهم و كسرتهم حدا مات و انطفأ الشعور عندهم.
مثلما تصادف آخرين وكأنك تقرا على سيماء وجوههم بانهم لا يعنيهم من الحياة شيئاً ، لتجدهم باردين في تعاملهم حد البلاهة ، ولكن لو استدرجتهم في الحديث لوجدتهم قد جرحوا مرارا و تكرارا حدا استوعبوا درسا عنوانه اللامبالاة. عنوان في تفاصيله تقرا أنه ليس كل شيء يستحق التعامل بدفء المشاعر وجميل مقدمات الكلام ، فهؤلاء قد وجدوا ان حقيقة الاشخاص وما يحملوه من نوايا وحقيقة الأمور تكمن في نهايات تجاربهم ومشوارهم مع الآخرين وليس في بداياتها.

في محطة ثالثة تتفاجأ في نهاية مكوثك فيها من امتهنوا الجحود ونكران المعروف والتضحية في سبيلهم ، وان كانوا اقرباء لك او اصدقاء ، لتخرج من تجربتك معهم ، بعد فوات الاوان او حتى العمر، بدروس تؤلمك وان علمتك أن لا تڪون طيبا أڪثر من اللازم ، مثلما علمتك ان لا تحرق نفسك او ترهقها كثيرا بالتضحية والوفاء من أجل الآخرين ، مهما كانت درجه صلتهم بك ، و ان لا تثق بمودة او وعود تاتيك من أحد منهم حتى ترى موقفه منك في أيام شدتك ، فالكثير بات لا يهمه غير أن يمتص دمك ويترك بقاياك فريسة للزمن. الجميع في البدايات مثاليون والكثير يريدك حسب حاجته ، فالشمس كما قال احدهم تحرق نفسها من أجلنا و لا زلنا نحب القمر. ولكن إذا كانت الشمس تنير بطاقتها التي لا تفنى وتدور وفق قوانين الكون التي لا تخضع لتأثير أحد ، فانك تجد بين البشر ما يخضعوا لأنانيتهم متناسين مواقفك التي بنيتها على حسن النية وما بدر من وعود منهم ، لتتفاجأ بجحودهم ونكرانها ، وبالتالي عليك ان تعمل حسابا لنفسك في قادم الايام وما تحمله من ظروف ، كي لا تجد نفسك فيها وحيدا دون معين ، يأكلك الندم على طيبتك وصفاء نيتك.

قد يصادفك في نفس المحطة دون مقدمات أو أسباب اناسا جبلوا على محبة الآخرين ، لتجدهم رقيقي التعامل ، صادقي المشاعر ، جميلي المعشر، مليئين بدفء الحديث ، حديث كله امل ورحمة ، مستعدين ان يكونوا وطنا لمن ضاقت عليهم السبل ، و ملجأً لمن قست عليهم الحياة. إن وجود هؤلاء في محيطك العائلي او المجتمعي عموما ، ربما لا يغير واقعك كما تتمنى لكن يخفف الحمل عنك وقد لا يصلح ظروفك بل يزيل اثقال كثيرة عن كاهلك او يخفف عنك وطاتها. إنه لشعور جميل ينتابك حين يكون بقربك مثل هؤلاء الطيبين الودودين الذين ملئت الرحمة قلوبهم.

في محطة رابعة قد تلتقي بمن يرى في حاضره ما لم يعد يشبهه ، لتجده منهمكا على الدوام في سفره للأمس البعيد. امس يرى ان معظم الاشياء التي بقيت فيه لا زالت أجمل. امثال هؤلاء عندما يغمرهم حاضرهم بالحزن او الالم يتأملون قلوبهم من جديد ، لتجدهم بعدها يتحسرون ولكنه تبقى حسرة على ما كان يوما مصدر سعادتهم ولكنهم غفلوا عنها ولم يعطوها حقها او قيمتها وقتها .

في نفس المحطة قد تلمح من بعيد شيخا وقورا جالس لمفرده ، قد يقودك الفضول لتسأله عن سبب ذلك ، ولكن رهبة الموقف قد تمنعك.
هؤلاء عادة كما تقول الاديبة هدى صادق يجدون في وحدتهم فرصة للتواصل مع الذات والبحث عن السعادة في الأشياء الصغيرة والبسيطة. فالوحدة كما تقول ليست مجرد غياب للأشخاص بل هي حالة تستطيع ملؤها بالرضا والأمل والبحث عن السعادة في الأشياء الصغيرة. قد يحيطك الكثير من البشر. ، لكنهم لا ينتمون إليك ولا يشاركونك ما تحب وقد تشعر بالوحدة أكثر معهم وفي وسطهم ، فالوحدة لا تمتلئ دوما بالأشخاص بل بالرضا والأمل والسعي لإرضاء النفس و كما تحب.
وسرعان ما تلمح ذلك الشيخ يؤشر لك بما معناه ليس لك الا ان تواصل مشوارك إلى محطة أخرى لتتركه يستمتع بوحدته.

في محطة خامسة قد تجد الكثير ممن مضت به الحياة دون ان يستيقظ ، إلا عندما مر به قطار العمر وأخذ معه أجمل واحلى السنين ، فلا هو حقق احلامه فيها ولا عاش حياته كما يتمنى مثلما لم يرضى بواقعه و قدره الذي كتُب له او بشكل ادق كتبه له غيره ممن يجيدون التحكم بغير حق في محطات الحياة هذه على حساب الاغلبية.

بالتأكيد سيقودك سفر الحياة إلى المرور في محطات اخرى ، محطات ستدرك فيها إنه قد يكون في أعماق البشر ما لا يمكن نبشه بتبادل الكلام وإن كان هادئا لطيفا. لذلك لا تسمح لنفسك بالاعتقاد أنك قد فهمت الاخرين بمجرد تبادلك الحديث العابر معهم ، ولا تلتفت الا لمن بان الصدق في أفعاله و نفح الطيب من وقع كلماته ، ذلك ان من يوزن مواقفه او يخشى من أثر كلماته في قلب غيره أصبح عملة نادرة في هذا الزمان.

محطات في الحياة تعلمك إن الناس بحار ، فلا تحكم على اعماقهم و أنت لا ترى إلا شواطئهم . محطات تجد فيها فرق بين شخص له قيمة و شخص له ثمن كما يقال ، لتردد مع نفسك هنيئاً لمن له قيمة لا تقدر بثمن.

مثلما تعلمك ان لا شيء يجعلك كبيرا كالتجربة ، فالحياة تجارب ومواقف ، تحمل الكثير من المفاجئات و الاحداث ، مهما كانت فيها نيتك بيضاء و صافية ، ومهما كنت مثابرا مواظبا على فعل الخير وزرع النبل بين الناس، فإنك لن تنجو من ظنون البعض السيئة. ولكن لا عليك منها ، فما دمت لم تخطئ بحق أحد ، دع هذا البعض من الناس يمر في حياتك و يراك كما يريد ، غير مباليا له ، و دون ان تعطيه قيمة وأمثاله من الذين لا قيمة لهم ولا مقياس ، ذلك ان البعض يرى كل الألوان عدا الأبيض. محطات كهذه تمر بك لتجد فيها الكثير من المواقف مما تحتاج فيها إلى التجاهل ، تجاهل ما يؤذيك او يعكر مزاجك ، سواء كان تجاهل لأحداث ، أقوال ، أفعال وحتى اشخاص او ربما اماكن . وان لم تتقن فن التجاهل هذا ستخسر الكثير وأولها عافيتك.

ستصادف في محطات الحياة ، الكثير من الناس ممن ‏يرضون لانفسهم ان يحتكروا المال العام او ينهبون متباهين علنا ليكونوا سعداء عظماء في عيون انفسهم ، فيما الباقين وهم الاغلبية تعساء ، و جل هؤلاء ممن رضوا لأنفسهم ان ينهبوا هذا المال تجدهم يدفعونه لتكبير دائرة نفوذهم وتوسيع مدى سطوتهم إضافة لبذخ يترائى لهم فيه سعادة ، بما يوظفوه لها ما بضمنه لتجميل أشكالهم ‏و لكنهم يترفعوا و يعجزوا عن إنصاف مظلوم او إحقاق حق ، مثلما يعجزوا عن تجميل أخلاقهم رغم أنها تؤتى بالمجان لمن يمتلك نبلا وقيما. وكيف لمن ينهب هكذا مال يعرف معانى الظلم و جمال الخلق ونبل القيم .

هكذا تستمر رحلة الحياة بحلوها ومرها عبر هذه المحطات
رحلة لو تعمق الإنسان في استقراء ما يصادفه فيها لوجد داخل قلب كل انسان يصادفه عالم أكبر من الواقع الذي يعيش فيه. عالم تكمن فيه حكاية عمر ، قصة حب ، ضحكة تفضحها الوجنتين ، دمعة متخفية بين تجاعيد الوجه ، أخبار وأسرار لايراها أحد ولا يحكي عنها لأحد ، ولن يشعر بها إلا حاملها.

بقي ان تعرف انه عند مرورك بمحطات هذه الحياة سيغير الزمن فيك اشياء كثيرة :
امنياتك ، مفاهيمك ، اهتمامك ، افراحك بل وحتى قناعاتك .

لتنتهي بالنتيجة إلى حكمة مفادها ان على الانسان أن لا يتمسك بعقله فقط فالحياة ليست عقلانية بل تجدها تحمل شيئاّ من ما يعرف بالعشوائية ، مثلما يتوجب عليه ان لا يفكر بقلبه دائما ، فالحياة لا تهتم بالعاطفة ، ولكن عليه فقط ان يكون انسانا لا يمشي على قدم واحدة كي لا تتعثر خطواته التي يتوجب في كل خطوة يخطوها في الحياة أن يجعل مكانا للعقل والقلب معا ، لأن في العقل ارادة وفي القلب ضمير.

لا يسع الإنسان بعد الاعتبار من دروس سفر الحياة هذه إلا ان يردد:
طوبى لهؤلاء المنهكين من اثقال الحياة دون سبب غير انتمائهم الانساني ونبلهم الذي يدعهم يبصرون طريق الخير رغم اوجاعهم.
طوبى لهؤلاء الذين جبلوا على الصدق والبساطة وجعلوا من المواقف ميزانا يفصل بين الحب والكراهية ليتشبثوا بهذا ويقتنعون بذاك.

طوبى لهؤلاء الذين ينظروا إلى الحياة بقلوبهم لا بعيونهم فحسب ، فيزدادون انتماءاً لإنسانيتهم بما يجعلهم قادرين على رؤية شعاع من الضوء وسط كل ظلام يحيطهم.
طوبى لمن يصنعون لأرواحهم ممراً أمناً عبر هذه الحياة ليتمكنوا من الاستمتاع بكل ما أوتوا من نعم ، و يجدوا ان في كل شيء جمالا بنظرتهم البصيرة وفي كل شيء لذة مع رضاهم.



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخلاق في الميزان بين المنصب و العلم والمال
- وقفة تأمل مع الساعات الأخيرة التي تسبق حلول رأس السنة الميلا ...


المزيد.....




- بسمة بوسيل بإطلالة جديدة كليًا: -حبيت أنكد عليكوا-
- هل تنجح إسرائيل ببسط سيطرتها على الضفة؟
- من كان وراء لقاء وزيرة الخارجية الليبية السابقة بنظيرها الإس ...
- هجوم صاروخي من غزة نحو بلدات غلاف القطاع، وعباس يريد إدارة غ ...
- محمد نبيل بنعبد الله يستقبل جمعية الحمامة البيضاء لحقوق الأش ...
- تزايد الانتقادات لتدخل ماسك في السياسة في أوروبا
- بعد عشر سنوات من حكم كندا.. ترودو يرفع الراية البيضاء!
- السعودية.. شاهقة مائية هي -الأقوى من نوعها- وسيول في مكة (ف ...
- إعلام عبري: إصابة جنديين بجروح خطيرة بمعارك عنيفة في بيت حان ...
- زاخاروفا: كييف مستعدة للتضحية بشعوب أوروبا والتسبب في كارثة ...


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - قراءة لدروس الحياة في محطاتها