أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جمالات ابويوسف - -الكينزية الحربية جارية في دعم أرباح الشركات تدريبات مخبرية في حرب الابادة في غزة















المزيد.....



-الكينزية الحربية جارية في دعم أرباح الشركات تدريبات مخبرية في حرب الابادة في غزة


جمالات ابويوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 22:59
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


ترجمة جمالات أبو يوسف
هذا رابط المقابلة التي اجريت مع ويليام . اي . روبنسون في موقع lfattoquotidiano باللغة الايطالية وتمت ترجمته عن اللغة الفرنسية
https://www.ilfattoquotidiano.it/2024/05/24/il-sociologo-usa-w-robinson-in-atto-un-keynesismo-di-guerra-per-sostenere-i-profitti-aziendali-su-gaza-prove-generali-di-repressione-del-dissenso/7548176

وليام آي. روبنسون هو أستاذ علم الاجتماع والدراسات العالمية والدولية في جامعة كاليفورنيا. ألّف العديد من الكتب منها الرأسمالية العالمية هل تستمر؟ (2022)، الحرب الأهلية العالمية،رأسمالية ما بعد الجائحة(2020)، الدولة البوليسية العالمية(2020). غطت المقابلة التي أجراها معه موقع Ilfattoquotidiano.it مجموعة واسعة من المواضيع، منها الحرب في أوكرانيا وغزة، والإنفاق على التسلح وقمع المعارضة، بالإضافة إلى الاحتجاجات الجامعية ، مع موضوعٍ أساسي عن الدور الذي تلعبه التكتلات الصناعية والمالية العالمية.
اجرى المقابلة معه Mauro Del Corno
س : كثيرًا ما تشير في كتبك إلى أن الرأسمالية بحكم ديناميكياتها الداخلية تنتج حتماً أزمات، حيث ينخفض معدل الربح إلى أن يتدخل شيء ما لجعله يرتفع مرة أخرى، ولكن بعد عام 2008 ، يبدو أن الركود أصبح مزمنًا. هل يُستخدم الإنفاق العسكري أيضًا لدعم معدل الربح؟ على الرغم من ان ريجان فعل ذلك في برنامج حرب النجوم في حقبة الثمانينيات...
ج : نعم، هذا ما يحدث بالفعل! في الماضي، اعتدنا استخدام مصطلح "الكينزية العسكرية" وهو ما يشير إلى سياسات الإنفاق العسكري العام المستخدم لإخراج الاقتصاد من حالة الركود، وقد لعبت هذه السياسات دورًا مهمًا في الحفاظ على معدلات النمو المرتفعة في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية ، تلا ذلك ومرة أخرى في أعقاب أزمة السبعينيات والركود الحاد في أوائل الثمانينيات عندما أطلق ريغان ما أصبح يعرف باسم برنامج حرب النجوم. إلا أن ما شهدناه خلال العقود القليلة الماضية كان أعمق بكثير وأكثر جذرية.
اسمّي هذا بالتراكم العسكري والتراكم من خلال القمع، وهذا يعني عسكرة الاقتصاد والمجتمع، وقد فُرض هذا الوضع بعد 11 سبتمبر 2001، ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش تحت ظل اقتصاد حرب عالمية دائمة .
يتعلق التراكم الذي أتحدث عنه بالطريقة التي تعتمد فيها الطبقة الرأسمالية، العابرة للحدود الوطنية المدعومة من الدول الرأسمالية الكبرى، أكثر فأكثر على الاستثمار في أنظمة السيطرة الاجتماعية العابرة للحدود الوطنية اي القمع والحروب، ذلك من أجل الاستمرار في جني الأرباح في ظل الركود المزمن والتراجع التدريجي للاقتصاد ومعدلات الربح.
في الواقع الحالي زادت ميزانية البنتاجون بنسبة 91% بين عامي 2001 و2011، بينما تضاعفت أرباح الصناعة العسكرية أربع مرات تقريبًا. ومن ناحية أخرى، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والرد الغربي عليه، ارتفع الإنفاق العسكري مرة أخرى، ليس فقط في الغرب، بل في جميع أنحاء العالم من الصين إلى الهند، ومن الشرق الأوسط إلى المكسيك. بالطبع هناك عوامل جيوسياسية تلعب دورا في ذلك، ولكن علينا أن نتغاضى عن حافز هذا الإنفاق المدفوع بالحاجة إلى دعم التراكم العالمي.
إنفاق الدولة على الجيش والاستخبارات والأمن القومي ليس سوى جزء من المشكلة، فنحن نشهد اندماجا بين التراكم الخاص والعسكرة التي تقودها الدولة. الشركات العسكرية والأمنية الخاصة هي شركات تجارية كبيرة، هناك الان 15 مليون جندي - مرتزقة - في العالم يعملون لدى عشرات الشركات الخاصة. وأشهرها هي مجموعة فاغنر الروسية، وشركة أكاديمي الأمريكية المعروفة سابقًا باسم بلاك ووتر، وأكبرها شركة G4S مقرها المملكة المتحدة.
هناك 20 مليون رجل شرطة خاص في العالم، وفي نصف دول العالم، يتجاوز عدد رجال الشرطة الخاصة عدد رجال الشرطة العامة. هؤلاء ليسوا مجرد متعاقدين عسكريين وأمنيين بل إن عمالقة التكنولوجيا والتمويل العابر للحدود الوطنية ومندمجون تمامًا في هذه الدوائر وتبلغ قيمة ما يسمى بـ”سوق مكافحة الشغب ب“ 500 مليار دولار؛ حقيقة أن الاضطرابات المدنية الآخذة في الازدياد في جميع أنحاء العالم بسبب التفاوتات المخيفة ما هي الا أخبار جيدة لجميع هذه الشركات.
س : هل نتحدث فقط عن الحروب التقليدية أم عن شيء آخر أيضاً؟
ج : نتحدث عن جميع أنواع الحروب، مثل الحروب الزائفة على المخدرات، الإرهاب، اضطهاد المهاجرين، أنظمة الترحيل، بناء الجدران الحدودية، توسيع مجمعات السجون الصناعية واحتجاز المهاجرين، أو التمدد الهائل في حجم قوات الشرطة، وانتشار أنظمة التعرف على الوجوه وغيرها من أنظمة المراقبة. كل هذا، وأكثر من ذلك بكثير، هو مصدر لأرباح هائلة تساعد على تعويض نقص فرص الاستثمار في قطاعات أخرى.
تصبح الحرب والقمع منافذ مهمة لفائض رأس المال المتراكم، فائض رأس المال المتراكم هذا يعطي الرأسمالية العالمية ميلاً متأصلاً نحو الحرب بما فيها الحروب الأهلية والصراعات السياسية. الحرب في أوكرانيا، على سبيل المثال، مأساة للأوكرانيين والروس وشعوب العالم لكنها فرصة هائلة أيضاً لدوائر التراكم العابرة للحدود الوطنية التابعة لشركات متعددة الجنسيات، ليس من المستغرب أن أحد مستشاري الشركات العسكرية الأمريكية أعلن بعد فترة وجيزة من الغزو الروسي، أن ”الأيام السعيدة قد عادت“ وهل من عجب! وفي بداية الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة ان يعلن أحد المسؤولين التنفيذيين في غولدمان ساكس "أن ما يحدث عظيمٌ لمحفظتنا"! وعلاوةً على ذلك، فإن نشر القوات العامة والخاصة تخلق مساحات تسمح لقطاعات أخرى من رأس المال العابر للحدود الوطنية باحتكار الموارد.
على سبيل المثال ، كل الحشود العسكرية وشبه العسكرية والمتعددة الجنسيات في شرق الكونغو استُخدمت كوسيلة ضغط لتفتيت المنطقة والسماح بنهب مواردها المعدنية الهائلة. ودعونا نتذكر أمرًا آخر، أولًا، هناك ربح ضخم يمكن تحقيقه من الحروب، ثم ربح أكبر وهو إعادة الإعمار، لذلك نحن نواجه دورات لا نهاية لها من الدمار وإعادة الإعمار، باختصار لقد وصلنا إلى نقطة هي ان توليد وقمع الحركات الاجتماعية والسكان المستضعفين في جميع أنحاء العالم أصبحت استراتيجية للإثراء مهما كانت الأهداف السياسية.
س : ما رأيك بشكل أكثر تحديدًا في الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في أوكرانيا وفي العلاقات المعقدة مع الصين؟
ج : بالطبع، ليس لدي أي تردد على الإطلاق في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولا أعتقد أن الصين توسع نفوذها العالمي لأغراض خيرية، إنها تفعل ذلك لسبب، على الرغم من ادعاءاتها بالاشتراكية، أنها أصبحت قوة رأسمالية عالمية توسعية ذات مصالح اقتصادية وسياسية عملاقة تصمم على تأكيدها بشكل متزايد. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أنه من الخطأ الخلط بين التفسيرات التي تقدم لفهم الأحداث وبين المواقف السياسية التي تتخذ بشأنها.
إن معاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى وحين وضعت شروطًا مرهقة لالمانيا بشكل لا يصدق ادت بدورها في نهاية المطاف الى خلق ظروف سهلت صعود النازية. هذا تفسير تحليلي، لكنه لا يعني بأي حال من الأحوال تبرير الفاشية والنازية.
وبالمثل، فإن توسع حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة ووصوله الى اعتاب روسيا، وكذلك رفضه مواجهة محاولات موسكو لتشكيل تحالف مع الناتو والغرب ، هذا بدوره قد خلق مناخًا من عدم الاستقرار دفع روسيا لغزو أوكرانيا ، ففي تقرير صادر عن مركز راند Rand للأبحاث في عام 2019، تم الشرح بوضوح شديد كيف أن هدف الولايات المتحدة كان استفزاز روسيا، اذ أشار هذا التقرير إلى أن واشنطن ستتخذ تدابير ”لن يكون الدفاع أو الردع فيها هدفا أساسي “، وأوضحت الدراسة أن ”هذه التدابير مصممة باعتبارها عناصر حملة لزعزعة توازن الخصم، اي دفع روسيا إلى المنافسة في قطاعات أو مناطق تتمتع فيها الولايات المتحدة بامتيازات معينة، وبالتالي إجبار موسكو على بذل الجهود العسكرية والاقتصادية بشكل مفرط“.
لنكون واضحين: الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة ليست الصين أو روسيا من يرعاها، بل إنها الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والأكثر من ذلك وفي الغرب فان المجمعات الصناعية العسكرية والاستخباراتية والأمن الداخلي بما يشمل ذلك الشركات الخاصة تضغط على الحكومات لزيادة ميزانياتها، من اجل تحقيق أرباح ضخمة من الحرب والقمع.
الصناعات العسكرية الروسية والصينية هي ملك للدولة، وبما أنها تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية وعسكرية استراتيجية، فان هدفها الأساسي ليس تحقيق الأرباح للشركاء من القطاع الخاص، وبالتالي فإن هذه الدول أقل اهتمامًا بإشعال الصراعات الدولية لأسباب اقتصادية، وهذا ينطبق بشكل خاص على الصين، هذا لا يعني بدوره وجوب دعمنا أو ان مشاركتنا الحكومتين الروسية أو الصينية مواقفهما وافعالهما السياسية، انها حكومات قمعية واستبدادية لا تمثل مصالح الطبقات العاملة في أراضيها وفي العالم.
س : بروفيسور، أنت تؤكد على وجود طبقة مالية عابرة للحدود الوطنية كما تؤكد على حقيقة إن الطبقات الحاكمة في مختلف البلدان ليست في منافسة مع بعضها البعض، بل لديها هدف مشترك يتمثل في استغلال الأصول الجماعية إلى أقصى حد، ولتحقيق هذه الغاية، فإنها تؤثر على حكوماتها، اذًا كيف يمكن التوفيق بين كل هذا وبين انتشار النزاعات بين الدول؟
على مدى نصف القرن الماضي من العولمة الرأسمالية، ظهر نظام إنتاج وتمويل وخدمات متكامل على نطاق عالمي يشمل مستثمرين من جميع أنحاء العالم. الشركات الوطنية أصبحت دولية، وظهرت شبكة كثيفة من الاستثمارات المتبادلة وخلق المساهمات، خاصة من خلال النظام المالي العالمي. فعلى سبيل المثال، حوالي 40% من الأسهم في الشركات ”الأمريكية“ يمتلكها الآن مستثمرون أجانب؛ من الواضح وجود طبقة رأسمالية عابرة للحدود الوطنية، وقد أظهر زميلي بيتر فيليبس أن 17 تكتلاً مالياً مجتمعةً عالمياً وحدها تدير 41,100 مليار دولار، أي أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي لكوكب الأرض بأكمله. هذه التكتلات مترابطة لدرجة أنه يكاد يكون من المستحيل فصلها الى كيانات منفصلة. وتشكل هذه التكتلات معًا شبكة تغطي العالم بأسره، ولا يمكن لأي بلد أن ينفصل عن هذه الشبكة، ولا يمكن لأي بلد، مهما كانت قوته، أن يتحكم في عملية التراكم العالمي.
لكن السياسة والاقتصاد لم يعودا متزامنين، ففي قلب أزمة الرأسمالية العالمية تناقض أساسي بين الاقتصاد المتكامل عالميًا ونظام السلطة السياسية الذي لا يزال قائمًا على الدول القومية.. كل دولة تواجه هذا التناقض، فمن ناحية، عليها أن تجذب رؤوس الأموال إلى أراضيها، وهذا يشكل منافسة مع دول أخرى، ولكن يجب عليها أيضًا ضمان النمو والرفاهية والشرعية السياسية داخل حدودها، بالتالي هناك تناقض بين وظيفة التراكم ووظيفة إضفاء الشرعية لكل دولة.
إن عولمة الرأسمالية هي في الأساس حرب ضد الطبقات العاملة والطبقات الشعبية. لقد  وصلت مستويات عدم المساواة حول العالم إلى مستويات مذهلة، ووفقًا لـمنظمة أوكسفام فإن 1% من البشرية يسيطرون على حوالي 52% من ثروة العالم و20% يسيطرون على 95% من تلك الثروة، وبالتالي فإن 80% من البشرية مضطرون للاكتفاء بـ5% فقط ،هناك مليارات من البشر تكافح يومياً لمجرد البقاء على قيد الحياة.
انعدام الامن اصبح معمما والقلق الاجتماعي ينتشر في كل مكان، في ظل هذه الظروف تواجه الدول أزمات تطال شرعيتها، وهي تحاول جاهدةً حماية النظام الاجتماعي الداخلي، فتحيل جزءا من هذه الأزمات إلى الخارج إما على مجموعات يتم تحديدها ككبش فداء مثل المسلمين في الهند، على سبيل المثال، أو المهاجرين من أمريكا اللاتينية في الولايات المتحدة، أو المهاجرين الأفارقة والشرق أوسطيين في أوروبا، أو بإلقاء اللوم على دول أخرى مثال ان الحكومة الامريكية استخدمت روسيا والصين كفزاعة مسؤولة عن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تطال عمالها، إنها خدعة قديمة!
تعطي العولمة واندماج رأس المال العابر للحدود الوطنية للرأسمالية العالمية قوة دفع مركزية، في حين ان التفتت السياسي يولد قوة طاردة مركزية، مما يؤدي إلى تصاعد الصراعات الجيوسياسية وانهيار النظام الدولي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية. وفي حين أن الرأسمالية العالمية هي فضاء سياسي غير متجانس، فإن الدولة القومية تخدم رأس المال العابر للقوميات كفضاء سياسي عابر للقوميات على اعتبار انها موقع مركزي لتنظيم السلطة، ومساحة للنهب وكمستودع للموارد والعمالة والأسواق القابلة للاستغلال.
تعمق الأزمة المنافسة بين النموذج الغربي للرأسمالية الليبرالية الجديدة " التي ينتفع قادتها بالمنافسة العابرة للحدود الوطنية" والنموذج الصيني لرأسمالية الدولة، وهذا يفسر على الأقل جزئيًا الصراع الجيوسياسي المتزايد بين الولايات المتحدة والصين.
س : تقول إن الهيمنة الأمريكية عملت على فتح أكبر عدد ممكن من الأسواق أمام رأس المال العابر للحدود الوطنية، اما اليوم هذه الهيمنة تتضاءل، ما هي العواقب؟
ج : مع تراجع الهيمنة الأمريكية، يشتد الصراع الجيوسياسي في نفس الوقت الذي يتعمق فيه الشرخ بين الدول ورأس المال العابر للحدود كما ذكرت سابقًا. تضطر الدول إلى اللجوء إلى النزعة القومية والنزعة الحمائية من أجل حماية نظامها الاجتماعي الداخلي من الآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن التراكم الجامح لرأس المال العابر للحدود الوطنية. ولكن انتبهوا! هذه ليست الحمائية كما نعرفها، فهي لا تهدف إلى استبعاد رأس المال ”الأجنبي“ وحماية رأس المال المحلي" كما سعت اليه الحمائية ما قبل العولمة، بل على العكس من ذلك، فهي شكل من أشكال الحمائية التي توفر تسهيلات في التعريفات الجمركية والإعانات والحوافز الأخرى لجذب الاستثمارات العابرة للحدود الوطنية داخل حدودها.
لا يؤيد الرأسماليون العابرون للقوميات هذه السياسات، فهم يريدون اقتصاد عالمي مفتوحا متحررًا من أي شكل من أشكال تدخل الدولة الذي قد يضر باستراتيجياتهم في التراكم العالمي، ولذلك قامت الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود الوطنية بحملة ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2019 كما عارضت التعرفات الجمركية لترامب، وهي غير راضية عن سيطرة الدولة على رأس المال في الصين.
تفقد الولايات المتحدة قدرتها على التحكم في عملية التراكم العالمي مع تقدم العولمة.
موقع الولايات المتحدة كقوة مهيمنة للرأسمالية العالمية آخذاً بالتآكل وبشكل سريع، بما في ذلك قدرتها على التأثير على صيرورة هذه التحولات، إن التدخل العالمي للولايات المتحدة على مدى العقود القليلة الماضية والذي يشير إليه البعض خطأً باسم ”الإمبريالية الجديدة“، كانت، جزئياً على الأقل، محاولة يائسة وغير مجدية من قبل الولايات المتحدة ومن قبل السياسيين فيها لاستعادة القدرة على تنظيم الرأسمالية العالمية.
اقتربت نهاية الهيمنة الغربية على الرأسمالية العالمية، مع انتقال مركز ثقل الاقتصاد العالمي إلى الصين، ومع ذلك، لن تصبح الصين قوة مهيمنة جديدة. فمع تراجع الولايات المتحدة، فإننا نتجه نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب أو متعدد المراكز داخل اقتصاد عالمي واحد مندمج؛ وجود عدة مراكز يؤدي الى تكديس التراكم المكثف العابر للحدود الوطنية. بالإشارة الى كتل مثل كتلة التجارة الحرة في أمريكا الشمالية، وكتلة الاتحاد الأوروبي وكتلة المنطقة الآسيوية التي تتمحور حول الصين والتي تندمج كلها مع بعضها البعض والتي تمر عبرها الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود الوطنية بما لا يمكن لأي اقتصاد وطني أو إقليمي أن يستمر دون اندماجه مع هذا الاقتصاد العالمي الأوسع.
س : أنت أيضًا خبير كبير في أمريكا اللاتينية، ما رأيك فيما يحدث في الأرجنتين مع حكومة ميلي؟
ج : لقد وصل توازن القوى بين مختلف الطبقات في الأرجنتين الى طريق مسدود منذ مدة، فالأزمة الاقتصادية حادة بشكل خاص، يريد ميلي الخروج من ذلك المأزق عبر شن هجوم شامل على الطبقة العاملة. على مدى العقود الثلاثة الماضية اندمجت الأرجنتين في دوائر التراكم الرأسمالي العالمي، ويرجع الفضل في ذلك على وجه الخصوص إلى توسع الصادرات في قطاع الأغذية الزراعية.
الصراع بين المجموعات المهيمنة في الأرجنتين، كما كان هو الحال في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، يدور حول كيفية الوصول إلى الدخل الذي تولده الإيرادات الناتجة عن ضرائب التصدير وإعادة توزيع الإيرادات العامة.
لا تزال البيرونية مسيطرة على جزء كبير من الطبقة العاملة، ولكنها فقدت نفوذها ومكانتها مع تدهور الوضع الاقتصادي، اذ إن معدل التضخم من أعلى المعدلات في العالم الذي أدى الى تزايد الفقر وعدم المساواة. الدولة الأرجنتينية، سواء حكمها البيرونيون أو اليمين المتطرف تواجه أزمة شرعية خطيرة للغاية.
وهذاما يحدث في جميع أنحاء العالم، فكل من اليسار او اليمين التقليديين فقدا تأثيرهما، مما اتاح المجال أمام الشعبويين السلطويين في أقصى اليمين الذي يتواجد على اطرافه فاشيون اقحاح. ترامب وبولسونارو وميلي وغيرهم، يمثلون هذه السلالة الجديدة المتمتعة بكاريزما عالية ذات طريقة عدوانية، إنهم خبراء في وسائل التواصل الاجتماعي، بارعون في التلاعب بانعدام ثقة الجماهير في الطبقة السياسية الفاسدة وسخطهم عليها، وعلى الرغم من خطابهم الشعبوي إلا أنهم يطيعون أوامر رأس المال العابر للحدود الوطنية دون اي اعتبار للأشكال التقليدية الخاصة بإضفاء الشرعية.
ومع ذلك، واجه ميلي في الأرجنتين طبقة عاملة ظلت منظمة بشكل جيد، اضرابان كبيران شارك فيهما الملايين تلك التي أجبرته على الاقل في الوقت الراهن على التخلي عن بعض خططه لخصخصة الدولة وتفكيكها. يرمز ميلي في سياساته إلى رغبة رأس المال العابر للحدود الوطنية في التحرر المطلق من سيطرة الدولة، والى التحرر من أي التزام تجاه المجتمع، والى حرية استغلال العمالة والموارد دون أي مسؤولية.
س : كيف يتناسب ما يحدث في غزة مع السيناريو الذي وصفته حتى الآن؟
ج : أدت إعادة الهيكلة الرأسمالية العالمية في نصف القرن الماضي إلى انتاج موجة واسعة من ”عمليات الطرد“ في جميع أنحاء العالم، فقد نزح مئات الملايين من الناس من أرياف العالم الثالث السابق ومن جراء إزالة التصنيع في العالم الأول السابق، إن فائض العمالة، من هؤلاء المهمشين هيكلياً، ومن الذين هبطوا اكثر في اهمش الهامشين بلغ اعداداً تقدر بالمليارات، بعضهم أصبح من النازحين والمطرودين، وبعضهم اصبحوا مهاجرين عابرين للحدود ينتهي بهم المطاف في المناطق الميتة على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك او البحر الأبيض المتوسط، هؤلاء يحاولون الوصول إلى أجزاء أكثر ازدهارًا من مناطق الاقتصاد العالمي.
لا يوجد رمز أكثر قوة ومأساوية لمصير ”الفائض الإنساني“ كالذي ترتكبه اسرائيل من قمع وضد الفلسطينيين! تشكِّل البروليتاريا الفلسطينية ولا سيما في غزة ”الفائض الإنساني“ الذي لا يعيق المشروع الاستعماري الصهيوني وحسب، بل يعيق التوسع الرأسمالي العالمي في الشرق الأوسط.
تحدث صهر دونالد ترامب، جاريد كوشنر، صراحةً عن مصادرة العقارات الرئيسية على شاطئ غزة، وهو ليس وحده، فإسرائيل والمملكة العربية السعودية كانتا على وشك تطبيع علاقاتهما قبل هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2024، مثل هذا التطبيع كان له أن يمهد الطريق أمام التدفق الهائل للشركات العابرة للحدود والاستثمارات المالية إلى المنطقة، وقد أعاق هجوم حماس مؤقتا هذه الخطط.
هناك انتفاضة عالمية جارية في أعقاب الانهيار المالي العالمي عام 2008، السخط الهائل يغلي تحت السطح، وتخشى الطبقات الحاكمة من الثورات الجماهيرية، والخطورة هي أن يصبح تجريم التضامن مع فلسطين مختبر تدريب، يتم تعميميه في ممارسة القمع الجماعي، وخطوط المعركة المرسومة فيما يخص الإبادة الجماعية بغزة تعكس خطوط المعركة العالمية؛ هل ستصبح غزة نموذجا لكيفية إدارة فائض البشر من قبل الطبقات المتحكمة؟ أم أن النضال الشعبي من الأسفل سينجح في صد تهديدات الفاشية؟ "خيار غزة" هو جرس انذار يحذرنا لاحتمال اعتماد جريمة الإبادة الجماعية كأداة سياسية لحل "مشكلة" الفائض الانساني.
س : أنت تقوم بالتدريس في الولايات المتحدة، ما الذي يحدث بالفعل في الجامعات؟ لا يصدق أن الجامعات تطلب تدخل الشرطة؟ أليس كذلك ... وهل صحيح أن هناك أيضا معاداة السامية في المظاهرات؟
ج : يبدو أنه قد تم تعليق الدستور في حرم الجامعات الأمريكية، لدي زملاء قد تم توقيفهم لمجرد إدانتهم للإبادة الجماعية على وسائل التواصل الاجتماعي، أو لمجرد التوقيع على عريضة، قد تسيطر إسرائيل على ساحة المعركة العسكرية، لكنها لا تسيطر على المعركة السياسية في الولايات المتحدة، كانت الجامعات نقطة الانطلاق للتضامن مع فلسطين وأخذ الطلاب زمام المبادرة، ولكن هناك أكثر من ذلك بكثير.
إننا نشهد صعود جامعة استبدادية، جامعاتنا أصبحت وبشكل متزايد امتدادا لدولة رأس المال، اذ تقوم الشركات بجعل الجامعات وسيطا تجاريا لها في مجال البحث والتطوير، على سبيل المثال، تقوم شركات الأدوية بتمويل الأبحاث في أقسام الكيمياء والأحياء، كما ان شركات التكنولوجيا الكبرى تقوم بتمويل بعض البرامج في مجال هندسة الحواسيب ونظم المعلومات، اما الشركات الصناعية العسكرية فهي التي تمول أقسام الهندسة والفيزياء اضافة إلى ان الأجهزة العسكرية والأمنية للحكومة الأمريكية تتواجد بشكل متزايد في الجامعات البحثية، وهنا نرى العلاقة مع التراكم العسكري الذي تحدثت عنه سابقاً.
لقد عانت الجامعات العامة من نقص التمويل خلال العقود الأربع الماضية، عقود الليبرالية الجديدة؛ المصدر الرئيسي للتمويل اليوم يأتي من الرسوم الدراسية، التي ارتفعت بشكل كبير، وكذلك من التبرعات العامة والفردية، وماذا بعد..؟ تبرعت إسرائيل نفسها بمبلغ 375 مليون دولار من اعتماداتها للجامعات، هذه الاعتمادات هي التي تم استخدامها من قبل الشركات العسكرية والصناعية والتكنولوجية والمالية التي تستفيد من احتلال الأراضي الفلسطينية. على سبيل المثال، الرئيس التنفيذي لشركة « Palantir Alex Karp » اعلن مؤخرًا: «إذا خسرنا المعركة الفكرية، فلن نتمكن أبدًا من نشر الجيوش في الغرب». اما شركة " Palantir " وهي شركة تكنولوجيا متعددة المليارات، في يناير 2024 وقعت على اتفاقية شراكة استراتيجية مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لتوفير التكنولوجيا للجيش الإسرائيلي، Palantir تتبرع لجامعات بحثية بارزة، بما في ذلك جامعتي، جامعة كاليفورنيا، حيث احتج الطلاب على الإبادة الجماعية.
تهدف الاحتجاجات الطلابية إلى الضغط على الجامعات لسحب استثماراتها من الشركات التي تتعامل مع إسرائيل وبالتالي تتربح من الاحتلال والإبادة الجماعية، انه لمؤسف حقا، وانه حقا عمل اجرامي، أن تقوم إدارات الجامعة بعسكرة الحرم الجامعي عبر استدعاء الشرطة، لكن في اللحظة التي نرى فيها الرابط ما بين الجامعة والشركة التجارية وقمع الفسطينيين تصبح الاسباب واضحة.
تاريخيا تُفهم معاداة السامية على أنها نوع من التمييز والكراهية والتحامل ضد الأشخاص اليهود، لم يكن هذا حال الاحتجاجات في حرم الجامعات، في الحقيقة كان اليهود الاميركيون، صغارًا وكباراً، في طليعة هذه التعبئة للدفاع عن حياة الفلسطينيين. سعت إسرائيل إلى تغيير تعريف معاداة السامية ليشمل الانتقادات المناهضة للعنصرية والفصل العنصري الإسرائيلي، حكومة الولايات المتحدة، باعتبارها الراعي الرئيسي لها، تبنت هذا التعريف لمواجهة تلك المعارضة المتزايدة.
ومن المفارقات أن المعادون الحقيقيون للسامية هم اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، الان هم الذين يدعمون أيضًا الصهيونية! ففي تجمع لليمين الفاشي في فرجينيا عام 2017 وتحت شعار "لنوحد اليمين" كانوا يهتفون "يجب علينا ان لا ندع اليهود يحلوا محلنا" ويا للسخرية! هذا اليمين الفاشي نفسه يدعم الان اسرائيل بالكامل، اذ اننا نرى الان هذه العناصر اليمينية المتطرفة وبشكل لا يصدق تلوح بالصليب المعقوف النازي بجانب تلويحها بالأعلام الإسرائيلية وتعلن اعجابها بقوات الدفاع الإسرائيلية.



#جمالات_ابويوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغز ليس الاسد ، اللغز افق مسدود
- فيروس الخضوع
- اﻻشتراكية والقومية
- العنف ضد المرأة الفلسطينية في ظل الاحتلال
- الانتخابات الفلسطينية : استمرار وهم الدولة على ارض استمرار ا ...


المزيد.....




- بتقنية الفاصل الزمني.. شاهد كيف غطت ثلوج كثيفة أحد الأحياء ل ...
- إقتحام الكابيتول: حلقة مظلمة في التاريخ الأمريكي
- سمكة تونة تُباع بـ 1.25 مليون يورو في مزاد باليابان
- زلزال الحوز.. مقاولون نصابون يسرقون أموال ضحايا الزلزال في ا ...
- جامعة الإسراء: إصابة 6 أشخاص في إطلاق نار داخل الحرم الجامعي ...
- حماس توافق على قائمة تضم 34 أسيرا
- استنفار إسرائيلي عقب عملية قلقيلية
- الدفاع الروسية: قواتنا حررت مدينة كوراخوفو الاستراتيجية
- تطويق شمال الضفة عقب عملية قلقيلية
- أنقرة.. اجتماع تركي أردني لبحث ملف سوريا


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جمالات ابويوسف - -الكينزية الحربية جارية في دعم أرباح الشركات تدريبات مخبرية في حرب الابادة في غزة