أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - الأخلاق في الميزان بين المنصب و العلم والمال















المزيد.....


الأخلاق في الميزان بين المنصب و العلم والمال


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8212 - 2025 / 1 / 4 - 12:10
المحور: قضايا ثقافية
    


كثيرا ما تتردد تساؤلات حول اولوية من يرفع قيمة الإنسان : العلم ، الأخلاق ، المنصب او المال؟

ان هذه المفردات تحمل الكثير من التداخلات والتشابكات ، فليس كل من ذو منصب لا يمتلك اخلاقا او علما او حتى مالا حلالا ، وليس كل من يمتلك اخلاقا بكون بعيدا عن العلم او المنصب ، بما يمكن القول إجمالا إن قيمة الإنسان ومكانته ترتفع بأخلاقه وعلمه وهذه هي ثروته الحقيقية.

يمكن القول إنه اذا لم يمتلك الإنسان أخلاقا ، فلا نفعا لمنصبه وماله وحتى علمه ، في وقت نجد انه اذا ما ذهب منصب الانسان بسبب موقف مشرف او اذا ما ذهب ماله لغاية او موقف نبيل ، فإن اخلاقه سوف تتحدث إيجابا عنه لأنه تصرف وفقا لمبادئه ، ذلك إن الاخلاق مبادئ ، و من يتخلى عن مبادئه يسهل عليه التخلي عن ما عداها.

يقول الدكتور علي الوردي:
إننا لا نستطيع إصلاح أخلاق الناس عن طريق المواعظ والنصائح على منوال ما كان القدماء يفعلون قديماً. ذلك ان الأخلاق وليدة الظروف الاجتماعية التي تحيط بالانسان.

نعم فإن البيئه التي نشأنا فيها كونت شخصياتنا. وان افكارنا وطموحنا هي التي تعيد صناعة شخصياتنا وتغير من شكل حياتنا ، كما إن الظروف الاجتماعية تمتحن الإنسان بأخلاقه ، ولكنه امتحان يكون احيانا ليس للإنسان المعنى بل ايضا لمجتمعه.

المجتمع يكون احيانا مسؤولا عن سلوكيات فردية لا يرغب بها احيانا حتى من قام بها ، ولكن تجبره ظروفه على القيام بذلك. كم من ظرف صعب قاد شابا او حتى صبيا يافعا من مجتمع ما إلى موقف صعب لا يرغب فيه ولكن واقعه أجبر عليه ،لا لشيء إلا لتعديل حالة لا يستطيع وفق ظروفه تغييرها ، كموقف ذلك الصبي الأمريكي اليافع اليتيم الذي سرق أرغفة خبز معدودة من متجر قريب ، لكسر جوع والدته المريضة ، وهو الفتى الذي طرد من عمله قبلها لاخذه اجازة يوم واحد ،كونه يساعد والدته.
وبالمناسبة فإن هذه القصه واقعيه ، وان صاحب المتجر قدم شكوى ضده ، ويوم المحاكمة حكمه القاضي الأمريكي فرانك كابريو بغرامة عشرة دولارات ، ثم اضاف القاضي قائلا للحضور في قاعة المحكمة :احكم على كل الحضور في القاعه وبضمنهم شخصي بغرامة عشرة دولارات ، و أحكم على صاحب المتجر بغرامة ١٠٠٠دولار ، ولا اسمح لاحد بالخروج من القاعه قبل سداد مبلغ الحكم عليه لاننا كلنا مسؤولون عن جريمة السرقه هذه
ومسؤولون عن ما قاده ظرف هذا الصبي ليسرق أرغفة خبز قليلة. ثم أضاف القاضي فى حكمه : إذا تمَّ القبض على شخص ما يسرق الخبز، فيجب أن يخجل جميع السكان، والـمجتمع في هذه الدَّولة. بعدها اعتذر جميع الحضور الى الصبى وسلموه المبلغ.

أشرت إلى هذه القصة لأبين ان السلوك الفردي ما هو إلا نتيجة من نتائج الظروف الاجتماعية.

في العراق سمع الكل عن الحكم على صبي ، بعمر اقل من عمر الصبي الامريكي الذي اشرت له، بالسجن سنتين لسرقته لكيس صغير من ورق النظافة (الكلينكس) ، لظرف لا يقل عن ظرف مثيله الأمريكي ، تم الحكم عليه دون ان ينصفه او يراعي ظرفه القاضي ولا الدولة وربما المجتمع ، وقد نفذ الحكم عليه ، بينما لا يقدم الى المحاكمة بالاساس من يسرق تريليونات الدولارات من خزينة الدولة ، ولنا في نور زهير في صفقة القرن مثلا.

يقول الشاعر السوري أدونيس:
إننا نمارس الحداثة الغربية ، على مستوى تحسين الحياة اليومية ووسائلها ، لكننا نرفضها على مستوى تحسين الفكر والعقل ، ووسائل هذا التحسين ، أي أننا نأخذ المنجزات ونرفض المبادىء العقلية التي أدت إلى ابتكارها . إنه التلفيق الذي ينخر الإنسان من الداخل .

تبقى الأخلاق هي المؤشِّر على استمرار امة او شعب ما أو انهياره ، فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهار كيانها.
وتبقى الاخلاق معيارا للإنسان رغم ماله ومنصبه وعلمه.
هكذا يمكن اعتبار الأخلاق الأساس الذي يوجه العلم والمال ومعهم المنصب نحو تحقيق الخير للمجتمع.

العلم يأتي في المرتبة الثانية بعد الأخلاق من حيث الأهمية، حيث أنه يوفر المعرفة والفهم اللذين يمكّنان الأفراد والمجتمعات من التطور في مختلف المجالات التي تحسن ظروف حياة أفراد المجتمع ، ذلك أن العلم يسهم في تحقيق تقدم تكنولوجي وطبي يساعد في تحسين واقع الحياة. ولو نظرنا إلى ما قاده العلم من تطور في حياة افراد كل المجتمعات حديثا وقورن مع واقع حال تلك المجتمعات قبل مائتي عام فقط لوجدنا ان كل فرد من هذا العصر يجد نفسه ملكا ، بل أفضل من حال وواقع حياة اي ملك من ملوك ذلك العصر رغم ان أموال وممتلكات شعبه كانت تحت يده. ولنا في هذا أمثلة عديدة يلمسها ويعيشها الجميع من وسائل النقل والتواصل ومستلزمات الدار من اجهزة تلفاز وتكييف وامتلاك معرفي و تواصل مجتمعي عبر شبكة الانترنيت وغيرها مما يعرفه الجميع.

أما المال فإنه ياتي في المرتبة الثالثة ويبقى وسيلة مهمة لتحقيق الرفاهية والراحة، ولكنه يعتمد على كيفية استخدامه. فالمال يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق أهداف إيجابية أو سلبية، وهو أقل أهمية مقارنة بالأخلاق والعلم، لأن المال بدون أخلاق أو علم قد يؤدي إلى الفساد وسوء الإدارة.

يسود الاعتقاد في عالم اليوم أن المال هو المفتاح النهائي للسعادة في الحياة
ولكن تقرير مطول لموقع "بور أوف بوزيتيفيتي" قد خلص إلى أن المال جزء ضروري من الحياة، إلا أنه ليس كل شيء وليس هو طريق السعادة والوفاء، وإنما يكون ذلك في الصحة والأسرة والصداقات وراحة البال والوقت والحب والمعرفة والحرية واحترام الذات والإبداع والطبيعة والضحك والتعاطف والإرث.

هي كلها أشياء تبقى أكثر أهمية من المال ، ولا يمكن أن تقدر بثمن وعلى الشخص أن يحافظ عليها جيداً لأنها الكنوز الحقيقية في هذه الدنيا.
اشير مختصرا البعض من ما اشار له التقرير ونقلا عنه :
الصحة هي أعظم ثروة للإنسان، ومقوله "الصحة هي الثروة" تحمل حقيقة عميقة، حيث لا يمكن لأي مبلغ من المال أن يشتري حيوية الصحة البدنية أو راحة الصحة العقلية. وعلى كل شخص أن يتخيل لو أنه يمتلك كل ثروات العالم ولكنه غير قادر على الاستمتاع بها بسبب مشاكل صحية.

وهنا اضيف جانب مما قاله قبل وفاته الملياردير ستيف جوبز، مؤسِّس شركة أبل الاميركية : ان بإمكان الإنسان استىجار ساىق لقيادة سيارته ، ولكن ليس بإمكانه استئجار شخص ما يحمل عنه المرض الذي يعانيه. والإنسان يستطيع أن يجد الأشياء المادية، ولكن هناك شيء واحد فقط لن يستطيع أن يجده عندما يفقده، وهو الحياة.

الأصدقاء الحقيقيون هم الجواهر التي تنير حياتك. يشاركونك أفراحك و يدعمونك خلال التحديات بغض النظر إلى وضعك المادي. تقوم هذه العلاقات على الاحترام المتبادل والتفاهم والرحلة المشتركة عبر النقاط العالية والمنخفضة في حياتك.
الصداقات تثري حياتك بطرق لا يمكن للمال أن يلمسها، إنهم مصدر الضحك والمغامرة والراحة.

اما راحة البال فإن الصفاء لا يقدر بثمن، وهذه الحالة من الهدوء الداخلي والرضا هي أكثر إشباعاً بكثير من الرضا العابر للنجاح المالي.

قدر تعلق الامر بالحب فإنه بلا شك أغنى المشاعر التي يمكن للمرء أن يختبرها. إنه يتجاوز الممتلكات المادية والمكانة الدنيوية. فحب العائلة، والرومانسية مع الشريك، والصداقة الحميمة بين الأصدقاء، و كل شكل من أشكال الحب يثري حياتنا بشكل فريد وعميق.

أما احترام الذات فإنه أساس القيمة الذاتية ، وهو جزء لا يتجزأ من الحياة المُرضية، وهو بمثابة الاعتراف العميق بقيمتك كشخص، والأمر لا يتعلق بالغطرسة أو الأنانية، وإنما يتعلق بالاعتراف بجدارتك ومعاملة نفسك بنفس اللطف والاحترام الذي تقدمه للآخرين.

ويبقى التعاطف هو الجسر الذي يربطنا بالآخرين، مما يسمح لنا فهم ومشاركة مشاعر من حولنا. إنه أمر أساسي لبناء علاقات هادفة وفهم العالم من وجهات نظر متعددة. والتعاطف ينطوي على الاستماع، والتواجد، وإظهار التعاطف مع الآخرين، والأمر كله يتعلق بوضع نفسك مكان شخص آخر وفهم مشاعره.

قدر تعلق الامر بالعامل الأخير من المقارنة المتمثل بالمنصب و السلطة ، فأن المناصب في الواقع لا تغير النفوس، ولكنها تساهم في كشف النفوس على حقيقتها، وتساهم في كشف حقيقة من يتبوئوا هذه المناصب. المنصب يكشف معدن الانسان ، ويكشف أخلاقياته ومستواه الحقيقي ، رغم أنه يفترض ان يعمل وفق القانون.

الضمير الانساني هنا يعمل كضابط ايقاع لمكونات شخصية صاحب المنصب . عليه يمثل الضمير جهاز نفسي تقييمي يقوم بضبط “الأنا العليا” كي لا تضعف أمام الإغراءات الحياتية من مال او غيره كي تحافظ على البوصلة السليمة للمسؤول المعني ، بما يمكنه من تمييز الخير من الشر ويرشده إلى العدل ويبعده عن الظلم، ويبين له طريق الفضيلة والابتعاد عن الرذيلة.
اي انه عندما يحكمنا الضمير يعني اننا لدينا القدرة على إدراك مسؤولياتنا وواجباتنا تجاه الناس وتغليب المصلحة العامة.

ان غياب الضمير الانساني ( كما كتبه السيد جسار صالح المفتي في مقال له عن الفساد الاخلاقي وضياع الضمير في موقع صوت العراق في ٢٤/٩/٢٠٢١ ) يترك اثارا سلبية على مختلف المستويات ، ومنها المهنية التي يؤدي غيابه عنها الى غياب المصداقية والحرص على اداء المهام الموكلة اليه بجدية واستقامة ونزاهة.

عندما نضع مرتبة الأخلاق قبل المال سنحصل على مجتمع أخلاقي يستخدم المال بطرق سليمة مدروسة غير مؤذية.
مع ذلك نجد ان البعض لا يكتفي من المال حتى إن كان في غنى عنه ، وهؤلاء من النوع الذي كلما حصلوا على المال ازدادوا عطشاً لطلب المزيد منه. وهم نفس هؤلاء يبحثون معه عن السلطة اي المناصب من أجل النفوذ و مزيدا من المال ، دون الأخذ بعين الاعتبار أنه يتوجب ان يكون الوصول بطريقة أخلاقية وليس على حساب الاخرين.

إذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والعدل والنصح ، أمن الناس وحفظت الحقوق وقويت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع وقلت الرذيلة وانتشرت الفضيلة ، وإذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب والخيانة والظلم والغش فسد المجتمع واختل الأمن وضاعت الحقوق وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع .

تبقى الحياة رحلة ليست للبحث عن المال او المنصب ، ولكنّها رحلة لصنع الذات ، رحلة يتوجب ان تكون مقرونة بالقيم الأخلاقية ، رحلة يكون النجاح فيها لمن يدفع الثمن ، مع احتفاظه بقيمه وأخلاقه ، عبر تحويله الضغوط التي يواجهها إلى فرص للنجاح ، و تحويله الصعاب التي يكابدها إلى محطات لتحقيق الذات.

خلاصة:
الأخلاق، العلم، والمال كلها عوامل مهمة في حياة الإنسان والمجتمع، ولكل منها دوره الخاص. ومع ذلك تأتي الأخلاق في اهميتها بالمرتبه الاولى ، لانها تشكل مجموعة القيم والمبادئ التي تحكم سلوك الفرد والمجتمع. الأخلاق تحدد كيف يستخدم الناس العلم والمال وكيف يتصرفون وفقها خاصة عندما يتبؤون مناصب في الدولة او مواقع في المجتمع ، و تحدد كيف يوجهون افعالهم نحو اعمال الخير والصالح العام. و بدون أخلاق، قد يستخدم العلم والمال بل والمنصب بطرق واهداف ضارة أو غير عادلة.



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة تأمل مع الساعات الأخيرة التي تسبق حلول رأس السنة الميلا ...


المزيد.....




- راكب يعلق داخل سيارة أجرة ذاتية القيادة تدور دون توقف.. شاهد ...
- نيويورك أول مدينة أمريكية تفرض رسوم الازدحام على السيارات
- بلينكن -واثق- من التوصل لهدنة في غزة رغم تجدد الخلافات بين إ ...
- إعلام عبري: 3 قتلى و6 إصابات بين المستوطنين في إطلاق للنار ش ...
- قضية التمويل الليبي، قضية فساد على مستوى الدولة الفرنسية
- بعد الرياض والدوحة... وزير الخارجية السوري في زيارة إلى الإم ...
- فرار في الصباح الباكر.. تفاصيل جديدة عن هروب جندي إسرائيلي م ...
- ألمانيا تعيد النظر في منح الحماية للسوريين والإبقاء على المن ...
- مجلس الأمن يناقش الأوضاع في السودان وترقب لإجراء تعديلات دست ...
- وسائل إعلام إسرائيلية: نتنياهو يخطط للبقاء في جنوب لبنان


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - الأخلاق في الميزان بين المنصب و العلم والمال