أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الناصر بن رمضان - إنتفاضة 3 جانفي 1984 .مجرى الأحداث















المزيد.....


إنتفاضة 3 جانفي 1984 .مجرى الأحداث


الناصر بن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 8211 - 2025 / 1 / 3 - 16:17
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


انتفاضة 3 جانفي 1984 : مجرى الأحداث
انطلقت شرارة الأحداث بمدينة دوزالصغيرة في حجمها والهادئة بواحاتها الخلابة ، مدينة يرتكز إقتصادها أساسا على الفلاحة وتحديدا صابة التمور التي تعرض في السوق الأسبوعي الهام بالجهة . مدينة صغيرة بسيطة في نمط عيشها ، ظلت لعقود من الزمن تدفع فاتورة البطالة والتهميش والإقصاء في صمت مشحون بالرفض والغضب ، تفجر دفعة واحدة نتيجة إقدام حكومة محمد مزالي على قرار رفع الدعم عن سعر الحبوب ومشتقاته وأفضى تحت ضغط صندوق النقد الدولي الى الزيادة في سعر العجين ومضاعفة سعر الخبز الذي قفز من 80 م الى 170م للخبزة الواحدة في تلك الفترة ، و صادف أن دخلت هذه الزيادات حيز التطبيق يوم السوق الأسبوعي في 29 / 12/1983 حيث عم التوتر وارتفع منسوب الإحتقان إلى درجة عالية بين الفلاحين وأبناؤهم من الشباب الثائر . شباب حول هذه التذمرات والإحتقانات بسرعة الى عريضة احتجاج مشفوعة بمسيرة سلمية أمام مقر الولاية في المساء ، لكن السلط المحلية ردت بقوة شديدة على هذا الحق الدستوري المشروع في التظاهر والتعبير ولم يجد المتظاهرون بدا من الرد بدورهم على العنف بالعنف إذ تواصلت المواجهات واشتدت بعد إقدام السلطة على إغتيال الشاب الساسي بن علي البالغ من العمر 20 سنة والذي لا تزال وفاته محفوفة بكثير من الغموض حيث وقع إغتياله في 2/1/ 1984 خارج وقت المسيرة ،غير بعيد عن مقر سكناه " بالدم البارد" ودفن بحضور الأمن والعائلة المضيقة فقط .
اتبعت الإنتفاضة مسارا متعرجا انكساريا إذ تمددت الى قبلي أولا وخلال 24 ساعة وصلت الى القصرين وعرجت على قفصة ثم عادت أدراجها ثانية الى الحامة فقابس حيث دخلت المنطقة الصناعية في إضراب شامل ومسيرات كبرى شارك في تنظيمها كل من العمال والطلاب، ثم اتجهت الى الشمال مرة أخرى نحو صفاقس صوبا إلى العاصمة يوم 3/1/ 84 أي بعد 5 أيام من المسالك التي تذكر بالمعارضة اليوسفية ، بعدئذ استقبلتها آلاف الحشود الطلابية من ابناء المدن التي مرت بها الإنتفاضة وهي جماهير تتقد حنقا وغضبا مهيكلة في إطار الهياكل النقابية المؤقتة للإتحاد العام لطلبة تونس ، تدعمها وتعاضدها حركة تلمذية فتية وشباب معدم من سكان الأحياء القصديرية بالملاسين والجبل الأحمر وعاطلون عن العمل من حي ابن خلدون وحي التحرير وحي الزهروني والوردية وغيرها من الحزام " الواقي " للعاصمة التي يقطنها 1.500.000 ساكن . هذه العاصمة التي تطورت بسرعة كبيرة وتقابلت بها مظاهر البذخ والترف المستفز مع الفقر المدقع الممزوج بالقمع والإضطهاد . إذ علاوة على البؤس الإجتماعي والتفقير والمهانة لشرائح واسعة من الطبقات الشعبية ظل القمع والبؤس السياسي على أشده : فالحركة الطلابية مقموعة ومسلوبة أدواتها النضالية والحركة النقابية خارجة من تداعيات أزمة 26 جانفي وقيادتها غارقة في تفاصيل المصالحة الوطنية والمعارضة الكرطونية منتشية بنعمة القانونية التي من بها عليها بورقيبة واليسار الراديكالي منهك بالمحاكمات السياسية ومرهق بالخلافات التنظيمية وتداعيات عملية قفصة 1980 لازالت عالقة بالأذهان .
كل أجزاء هذا المشهد العام لا يمكن إلا أن ينتج الإحتقان والنقمة على الماسكين بزمام السلطة والبرجوازية الكبيرة بشكل عام وليس من الغريب إذن أن تتفشي مظاهر العنف في هذه الإنتفاضة مثل حرق مقرات حزب الدستور ومراكز الشرطة والمغازات والبنوك والمباني الفاخرة ، بل طالت أعمال التكسير حتى حافلات النقل العمومي والسيارات الخاصة والمحلات التجارية .
ولما عجزت قوات الأمن عن السيطرة على الأحداث إستدعى بورقيبة قوات الجيش الذي خرج عن الحياد وأعلنت حالة الطوارىء يوم 4 جانفي وسرى مفعول حظر التجول وانتصبت المزنجرات العسكرية في مداخل العاصمة وشوارعها الرئيسية والمدن الكبرى وأعلن عن غلق كافة المعاهد والمؤسسات الجامعية فكانت حصيلة الأحداث ثقيلة جدا : 84 قتيلا وأكثر من 900 جريح حسب المصادر الحكومية في حين تحدثت المصادر غير الرسمية على مئات القتلى وآلاف الجرحى ونشطت آلة البوليس السياسي وكثفت من اعتقالاتها ملقية بالتهم تارة على اليساريين وطورا على النقابيين. وبالمناسبة فإن "الإسلاميين" المنتسبين لحركة " الإتجاه الإسلامي" سابقا، نددوا بأعمال العنف واستثمروا كالعادة الإنتفاضة لطي صفحة محاكمات 1981 ، أما القيادة البيروقراطية النقابية العاشورية للإتحاد العام التونسي للشغل ، فقد غمست رأسها في الرمل لتحصد غنائم المصالحة النقابية، واكتفت بالتعليق على "الطابع المتسرع للزيادات" !!!.وتواترت عشرات المحاكمات الصورية التي حكم فيها على 10 بالإعدام أعفي عنهم لاحقا في 19 جوان 1984 وعوضت أحكامهم بالمؤبد .
في السادس من جانفي 1984 وبعد 8 أيام دامية من الإنتفاضة حسم الرئيس الحبيب بورقيبة الموقف والصراع الضاري بين الأجنحة في السلطة وخرج ليعلن للعموم عن إبطال مفعول الزيادة في أسعار الخبز في خطابه الشهير " نرجعو وين كنا !!!" أي قبل الزيادات ... عندها تنفس الشعب التونسي الصعداء وخرج مئات الآلاف للتعبير عن انتصارهم وعمت فرحة تحقيق المكاسب على السلطة الديكتاتورية وجوه الجميع واعتلى الشباب المنتشي المدرعات وألقيت الخطابات والأهازيج الثورية دون خشية من قوات الجيش .لكن كالعادة سوقت السلطة معزوفة الحكمة الممجوجة الى "زعيم الأمة الحبيب بورقيبة ، الأب الحنون لكل التونسيين !!!" و سعت الى لملمة جراجها المثخنة بالبحث عن كبش الفداء في شخص إدريس قيقة وزير الداخلية فأقالته في 8 /1/84 وحملته مسؤولية عدم القدرة على السيطرة على الأحداث ، واستدعى بورقيبة رجل المخابرات الزين بن علي واضعا حدا لمهمته في بولونيا ليرقيه كمدير للأمن الوطني . كيف لا وقد أغرق البلاد في حمام من الدم في 26 جانفي 1978.؟
يقودنا هذا الإستعراض للأحداث الى بعض الإستنتاجات الرئيسية السريعة التالية :
1) إن تاريخ تونس الحديث هو الى يوم الناس هذا تاريخ انتفاضات اجتماعية وسياسية عفوية غير مؤطرة تفتقر الى القيادة السياسية الثورية ، حتى وإن أفضت انتفاضة 3 جانفي 84 الى تأسيس حزب العمال الشيوعي التونسي . فهل تلتقط اليوم القوى الثورية والديمقراطية جيدا هذه الرسالة وهل ترفع التحدي في القادم من الإنفجارات وتقطع الطريق على القوى اليمينية والإصلاحية التي ظلت تستثمر باستمرار نتائج انتفاضات لم تشارك فيها اصلا ؟
2) إن البرجوازية التونسية هي برجوازية عميلة وهجينة لا تؤتمن بالمرة على مصالح الشعب ،سلطتها ضعيفة ، ترتبك بسهولة في الإنتفاضات وتضيع البوصلة وغالبا ما ينفرط عقدها ، لكنها في كل مرة تقدم كبش الفداء وتلملم جراحها وتعود بقوة من جديد وحتى قوتها الوهمية هي متأتية من ضعف وتشتت المعارضة الراديكالية .
3) إن كل الإنتفاضات وآخرها إنتفاضة 14 جانفي 2011 ظلت تحيلنا على سر تلك الطاقات الجبارة للجماهير الشعبية التي تندفع في كل مرة بقوة هائلة إلى الشوارع حاملة أحزانها وآمالها، متحدية جحافل العسكر والبوليس دافعة حياتها ضريبة لمطالب لا تعنيها وحدها - وهو سر لا يدور حتما في خلد منظري التشاؤم والانتظارية الذين يحتقرون فعل الجماهير الكادحة والفقيرة ويغيّبون دورها التاريخي - إن تلك الجماهير اليوم هي محط آمالنا وطموحاتنا فلنذهب اليها ونعول على قدرتها على التغيير الثوري إذ لا مستقبل للحزب إن لم ينجح في معركة الإنغراس كما لا مستقبل للقوى الثورية دون جبهة ديمقراطية تقدمية واسعة تطيح بالمنظومة الرجعية الحاكمة.
4) إن كل شهداء الإنتفاضات السابقة وعلى رأسها انتفاضة 14 جانفي المجيدة 2011 هم أمانة في رقاب الثوريين الذين لن يهدأ لهم بال ما لم تفتح ملفات الإغتيالات وتتبع الجناة ، إذ لا مصالحة ولا إفلات من العقاب ولتتحمل كل مكونات المجتمع المدني المسؤولية في متابعة هذا الملف الحارق الذي لا يسقط بالتقادم .
الناصر بن رمضان ( نشر بجريدة صوت الشعب 2016)



#الناصر_بن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطر الشعبوية على العمل النقابي
- بعض أوجه القصور في عمل اليسار النقابي بالاتحاد العام التونسي ...
- بعض أوجه القصور في عمل اليسار النقابي بالاتحاد العام التونسي ...
- في تمثيلية النقابات
- جدلية النقابي والسياسي
- موقع الإستقلالية من أزمة الإتحاد العام التونسي للشغل
- جدلية الموقف والموقع في النقابات
- بوادر النهوض الجديد
- انتفاضة 26 جانفي 78: أسباب الأمس ودروس اليوم وأيّ منظمة نقاب ...
- حزب العمّال التونسي من التّأسيس إلى الثّورة
- وباء الكورونا ووباء البرجوازية المتعفّنة


المزيد.....




- آلاف المتظاهرين في إسرائيل.. تزايد الضغوط على حكومة نتنياهو ...
- على طريق الشعب: في عيد الجيش العراقي نحو إعادة بناء المؤسسات ...
- في الذكرى 39 للتأسيس: حزب العمال مع الشعب وفي مقدّمته من أجل ...
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تنوه بالتعبئة التنظيمية والنض ...
- التقرير السياسي الصادر عن الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية ...
- “صوت الشّعب” تحاور الرفيق فهمي شاهين، عضو المكتب السياسي لحز ...
- ??ژنام?ي ??وت ژمار? 33
- اعتقال 4 متظاهرين في مظاهرة داعمة لصفقة التبادل قرب مقر نتني ...
- عاجل | واللا: الشرطة الإسرائيلية تعتقل 4 متظاهرين قرب مقر إق ...
- شولتز يندد بـ-تصريحات متنافرة- لماسك تدعم اليمين المتطرف وته ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الناصر بن رمضان - إنتفاضة 3 جانفي 1984 .مجرى الأحداث