|
النساء البابليات اللواتي لم يكنَّ تحت السُلطة الأبوية
مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)
الحوار المتمدن-العدد: 8210 - 2025 / 1 / 2 - 22:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مؤلف الموضوع: ايغور ميخايلوفيتش دياكونوف*
ترجمة مالك أبوعليا
الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم
هذه المقالة تستند على دراسة موسّعة حول سُكّان أور البابلية القديمة حوالي العام 1800 ق.م، والتي عنونها الاركيولوجي ليونارد وولي Leonard Woolley وفريقه باسم (صفّ الأباطرة، 4،6،8،10،12) Paternoster Row. إن الأرشيفات المسمارية التي عُثِرَ عليها هناك مُرقّمة من U16826-U16830، وكانت تعود الى مجموعة من الأقارب، ومن بينهم امليكوم Imlikum وآتايا Attaia وأدادباني Adadbani وآخرين بارزين غيرهم. بعض الوثائق تم ترقيمها بالعدد U17249، وهي عبارة عن مجموعة من الألواح التي لم يتم تسجيل مصدرها بدقة. وسوف تُركّز مقالتنا البحثية على مسألة النساء في أور. فمُقابل حوالي 300 إسم ذكر مُسجّل في الأرشيفات المعنية، تذكر الوثائق أسماء حوالي 18 أسماً للنساء فقط. ولا عَجَبَ في ذلك، لأننا نتحدث هُنا حولَ مُجتمعٍ أبوي مثل المُجتمع البابلي. ولكن يجب أن نٌسّم هؤلاء النسوة الى عدة فئات تصنيفية. أولاً وقبل كُل شيء، يجب أن نُشير الى تلك النساء، اللواتي، على الرغم من ذكرهن في الوثائق، ينتمين الى المجموعة الأكثر شيوعاً: مجموعة النساء الخاضعات للسُلطة الأبوية بالكامل، الى آبائهن أو أزواجهن، أو اخوانهن (إن كُنَّ أرامل)، واللواتي لم يكن لهُنَّ الحق في الظهور، سوى في المناسبات الرسمية برفقة ابنهن الكبير فقط. وهكذا، فإن نوتوبتوم، زوجة أحد الأثرياء، وهو امليكوم، على الرغم من قيامها بعددٍ من شؤون البزنس بنفسها، الا أنها كانت تفعل ذلك بتفويضٍ من زوجها فقط U16828 UET V34. كما أن الأرامل اللواتي عُقِدَت معهن اتفاقية بشأن اعالتهن من قِبَل أبنائهن، لم يكن بامكانهن الدخول في علاقاتٍ رسميةٍ أو تجاريةٍ مع طرفٍ ثالث مثل عليابي Aliabi أُم وارادنانا WaradNanna U16826 UETV 96، أو أوميتابات Ummitabat وهي أُمّ الشقيقين الفقيرين أودوسوم UD-ussum وأولوسوناصر Ilusunasir (U16830 UET V603). نحن نعلم أن القاعدة الشائعة كانت أن المرأة لا يُمكنها أن تدخل في علاقاتٍ تجاريةٍ مع أطرافٍ ثالثة (ما عدا أبنائها)، الا برفقة زوجها، أو إن كان ميت، برفقة ابنها (وهكذا تبيع علايا Alaia غُرفةً في منزلٍ سكني، مع ابنها بيلييريش Belieriš U.16286, UET V 150، وتقترض شاتشاماش Šatšamaš الفضة مع زوجها عيلايا Elaia U. 16830, UET V 341، وتبيع نينغالاماسي Ningallamassi عبداً برفقة زوجها نانامانسوم Nannamansum U.16827 UET V 187، تم مُحاكمة المرأتين احاتيواقرَط Ahatiwaqrat وشاتيا ŠatEia (حول حق مُلكية غُرفة سكنية) مع ابن السيدة الأولى وراديشتار Waradištar). تُوجد مثل هذه الوثائق بكثرة أيضاً في الألواح الأُخرى التي عُثِرَ عليها (الأرشيفات). وقد تقترض الزوجة أحياناً مبلغاً صغيراً بالاشتراك مع زوجها UET V 341, 344, 375, 388، وكان هذا يسير في صالح الدائن، بحيث يُصبح القبض على الزوجة في حالة الافلاس، حافزاً للزوج على السداد. ذُكِرَت نساء أُخريات في صكوك تقسيم الميراث، وربما كُنَّ كاهنات. وربما كانت الفتيات الأُخريات قد تلقين مهرهن على صورة منقولات، كما يتوضّح هذا من مثال روباتوم Rubatum UET V 793. ويبدو أنه كان بمقدور الكاهنات أن يتزوجن، وبالتالي فهُناك بعض الأسباب للاعتقاد بأن نينغالاماسي المذكورة أعلاه كانت كاهنة. في عمليات التبنّي، تظهر النساء دائماً مع أزواجهن، وهذا أمر طبيعي. (تبنّي الطفل سينبيليلي Sinbelili من قِبَل الكاهِن ايباشيلي Ibaššili وزوجته نينغالريميت Ningalremet، وقد أخذاه من ايمغورسِن ImgurSin وزوجته داقاتوم Daqqatum U. 16826, UET V 90، وتبنّي امرأة وزوجته للفتاة ايديغلاتومي Idiglatummi والتي أخذاها من ايريميتو Erraimitti وزوجته احاسونو Ahassunu، وتبنّي طفل من قِبَل رجل الأعمال امليكوم وزوجته نوتوبتوم Nuttuptum UET V 93، وتبنّي عبد من قِبَل نانامانسوم وزوجته نينغالاماسي. عندما يُسجّل الأب في حياته، أملاكاً على أبناءه عن طريق التبرّع، فقد تظهر زوجته معه، فقط في الحالات التي يكون فيها بين المُستفيدين ابنةً مُقدّرٌ لها أن تُصبح كاهنة ( U.16830, UET V 273 اناسينلوشتيميك AnaSinluštemiq وزوجته خصصا أملاكاً لابنيهما وابنتهما الكاهنة غير المُتزوجة. ولكن في حالةٍ مُماثلة U. 16827, UET V 274 عندما يتبنّى اليشومبالي Ilušumuballit الشاب ناموبادا أو شارابادا šarapada ويُزوجه لابنته باباتوم، فإن زوجة المُتبنّي غير مذكورة. ربما تكون ماتت قبله. وعلى النقيض من القاعدة السائدة القائلة بأن المرأة تخضع للسُلطة الأبوية، نجد في وثائق هذه الأرشيفات، وغيرها، أيضاً، ثلاث مجموعاتٍ من النساء لسن خاضعات لها: 1- في حالاتٍ مُعيّنة تظهر المرأة كطرفٍ مُستقلٍ في اجراءٍ أو اتفاقٍ قانوني. قد يكون هُناك حالتان مُتطرفتان: إما تكون المرأة هُنا كاهنةً عُليا (اينتو entu) (وهكذا، الكاهنة اينانيدو En-Anedu تُقدّم مزرعة نخيلٍ الى كو نينغال Ku-Ningal، وهو مسؤول معبدٍ بارز U.7836, UET V 272، أو في حالةٍ أُخرى، تكون المرأة فقيرةً جداً وليس لها أقارب على الاطلاق، مثل بابوريشات Baburišat والتي ربما كانت من عاهرات المعبد harimtum. باعت هذه المرأة طفلاً رضيعاً الى امليكوم وزوجته U.16026, UET V 93. هناك حالاتٌ تقع بين هذه التطرفات: نساءٌ يتعاملن مع مُرابٍ ويقترضن منه، مثلاً شيماهاتي šimaahati(والذي يعني اسمها "انها وحيدة") تقترض الفضة UET V 303، واقترضت ناناياريميت Nanaiaremet الفضة كذلك UET V 304. اقترضت امرأتان، آمارشيريم Amaršerim وهيزيتوم Hizitum كميةً كبيرةً من الشعير، ربما للزراعة، وأُضيفَ على حافة اللوح أنهما كانتا نساجتين لإله العموريين Amorites المدعو ايل El، ولذلك ربما كان يُنظر اليهما على أنهما كاهنتان من مرتبةٍ أدنى UET V 393. ومن المعروف أن الكهنة لم يكونوا مُتميزين اجتماعياً عن موظفي المعبد. ولا بدَّ أن المرأتين السابقتين شيماهاتي وناناياريميت كانتا إما كاهنتين أو عاهرات للمعبد hetaerae. 2- في حالاتٍ أُخرى، نجد النساء قاضياتٍ بين قُضاة بلاد المعبد. وهكذا نجد بين القُضاة في قضية الكاهنة الإلهية nin-dingir والتي اسمها لينكونو Linkunu(التي يُمثّلها مع ذلك شقيقها)، قاضية كاهنة تُدعى جيريزا Giri-i-za مع أخويها، والكاهنة الالهية والكاهنة جيمينيانا GemeNannaوالتي ليس لها أقارب U. 16826, UET V 264. 3- قد تظهر النساء أيضاً كشهود: ونجد في اجراء عملية نقل المُمتلكات من قِبَل الأب على أبناءه، والتي كانت واحدة منهم كاهنة، امرأتين شاهدتين وهُما شاتيليا šatilia ونارامتوم Naramtum U. 16830, UET V 273، ونفس نارامتوم تشهد على شراء طفلٍ من عاهرة U. 16826, UET V 93. وإذا عرفنا أن اسم والدة نارامتوم (الأب غير مذكور) على أنه غوبلاتوم Gublatum (وهي امرأة من جبيل)، فقد تكون عبدةً مُستوردةً ومُعتَقة. على كُل حال كانت نارامتوم أُماً غير مُتزوجة، والا لكانَ ذُكِرَ اسمُ والدها. نارامتوم كانت غير مُتزوجة، ولم يكن هُناك سُلطة أبوية عليها، مما يجعلها إما كاهنة، أو عاهرة. 4- بالاضافة الى ذلك، ذًكِرَت بعض النساء كأُمهاتٍ لشهودٍ ذكورٍ أو إناث، مما يعني أن الشاهد المعني لم يكن له أبٌ قانوني، وهكذا، فإن سينجاميل ابن عاهرةٍ أو عاهرة معبد غير مُسمّاة، هو شاهد U.16827, UET V 328، ومن المُحتمل أنه يكون هو نفسه الشخص (رجل عشتار أو اينانا) الذي ذُكِرَ بين الشهود على تبنّي الفتاة ايديغلاتومي U. 16826, UET V 92. ونجد بين الشهود عند شراء العبد من نانامانسوم وزوجته نينغالاماسي، شخصاً اسمه بوزورنوموشدا PuzurNumušda ابن المرأة لاليكي Laliki وشاهداً آخر اسمه سيلياموروم SilliAmurrum ابن امرأةٍ اسمها اوميريميت Ummiremet U. 16827, UET V 187. ومن المُحتَمَل أنهم دُعوا الى الشهادة لأن وضعهم كان مُشابهاً الى حدٍّ كبيرٍ لوضع البائعة نينغالاماسي (تماماً كما كان وضع نارامتوم مُشابهاً لوضع بابوريشات بائعة الطفل). كانت عائلة امليكوم تُفضِّلُ أن يكون بين شهودها فُقراءٌ ومحتاجون. فضلاً عن ذلك، كان من المُعتاد أن يكون بعض الشهود على الأقل، من مرتبة الناس الذين يتحملون المسؤولية. من المُحتمل أن يكون نفس سيلياموروم (على الرُغم من عدم ذكر اسم والده أو والدته) هو شاهدٌ على بيع أحد المخازن U.16826, UET V 204. ويظهَر لودلولسين، شقيق نارامتوم، كشاهدٍ في عددٍ من الصفقات التي عقدتها "شركة" عائلة امليكوم واخوته. يُمكننا أيضاً أن نذكر نانامانسوم، ابن عاهرة المعبد، الوارد في قائمة المدفوعات الفضية U.16826, UET V 475. وفي زمنٍ أبكر قليلاً، كان هناك آبوني Abuni ابن بيراتوم، وهي أمٌّ غير مُتزوجة: باعَ آبوني نفسه الى أحد الدائنين، ثم أعاد بيع نفسه مرةً أُخرى الى دائنٍ آخر والذي كان الدائن الأول وأُم آبوني نفسها مدينان لهُ U.16826, UET V 185, 190. استخدَمَ آبوني اسم جدّه (والد أمه) بدلاً من اسم أبوه. من كانت هاته النُسوة اللواتي لم يكنَّ يخضعن الى سُلطةٌ أبوية؟ على الأقل، لم يكن هؤلاء الفتيات بأي حال، من اللواتي "أذنبن" وبالتالي بقينَ غير متزوجات في بيت آبائهن. في مُجتمعٍ مُنظمٍ مثل بابل، لم يكن هُناك في بيت العائلة مكاناً لفتاةٍ بالغةٍ غير متزوجة، سواءاً كانت "عانساً" أو "مُذنبة". اذا لم يكن من المُمكن تزويج الفتاة، ربما بحلول سن الثانية عشرة أو على الأقل الرابعة عشرة، فإنها تُصبح (حسب قُدرة والدها المالية) إما كاهنة، أو من عاهرات المعبد. في كلتا الحالتين، لم تعُد تنتمي الى السُلطة الأبوية لبيت العائلة. إن ما نعرفه حول النساء اللواتي لم يكنَّ تحت السُلطة الأبوية، موجودٌ بشكلٍ رئيسي في الوثائق المذكورة آنفاً، بالاضافة الى القوانين 178-182 من قوانين حمورابي. وتأتي معلومات قيِّمة من ملحمة ايرا Erra، حيث، قيلَ أن عشتار أبعدَت جميع أزواج عاهرات المعبد وجرَّدتهم من سُلطتهم. يُمكننا أن نعرف شيئاً عن حياة تلك النساء من لوح آنا ايتيشو الطيني ana ittishu، ومن ملحمة جلجامش، ولكننا سنُناقش هذا الأمر لاحقاً. وتذكر مصادر أُخرى معلوماتٍ حول طوائف مُختلفة للعاهرات والكاهنات، ولكن لا يُمكن استخلاص الكثير منها. ومع ذلك، يُمكن من خلالها اجراء بعض مُحاولات اعادة البناء النظري لأوضاعهن. كان يُنظَر الى كاهنات المعابد على أنهنُّ زوجات أو محظيات للاله. في المعابد المركزية الكبيرة، كانت تؤدَّى طقوس الزرواج المُقدَّس Hieros gamos، حيث كان الملك أو الكاهن الأعلى (أو الكاهنة العُليا) يلعب-أو تلعب أحياناً، خلف قناع، دور الإله أو الإلهة. ولم يحدث هذا في طقوس إنانا Inana-Dumuzi في أوروك (حيث يُمارس الملك الجنس مع الكاهنة العُليا)، كما افتَرَضَ البعض أحياناً، بل وفي معابد أُخرى، ورُبما في جميع المعابد. نحن نعلم الكثير، على سبيل المثال، حول طقوس الزواج المُقدَّس بين نانا Nanna ونينغال Ningal في مدينة أور. وليس من المُستبعَد أن أُجرِيَت الطقوس في بعض المعابد، وخاصةً في الفترات اللاحقة، باستخدام التماثيل والدُمى فقط (كما كان يحدث أثناء أعياد الخصوبة في روسيا القديمة وأوروبا). وتُشير ملحمة ايرا الى أنه كانت هُناك مُحاولاتٌ لإلغاء طقوس عشتار، ولدينا سببٌ وجيه للافتراض بأن عبادة عشتار في أوروك في العصر الهيليني كانت محصورةً (ربما في شكلٍ مُقيَّدٍ للغاية) في بيت ريش Bīt Reš (أو المعبد الرئيسي)، بينما كان معبد ايانا Eanna مُكرَّساً لعبادة آنو Anu (وهو اله لم يلعب دوراً كبيراً في السابق). في المعابد الأصغر (واللاحقة)، لم تكن تُمارَس هُناك على الأرجح طقوس الزواج المُقدس، ولكن كان كُل اله بابلي الهاً للخصوبة بالدرجة الأولى، واستمرت طقوس الخصوبة في شكلٍ ما، بلا شك. ومن المُحتمل أن دور الطقوس في المعابد الأصغر لم يكن يُمنَح للكاهن، بل لأحد الأشخاص الغُرباء، وكان على الكاهنة أن تُقدم جسدها له قُرباناً على مذبح. وكان السبب وراء طقوس الزواج المُقدس الدرامية هذه، هو اعادة انتاج الفعل البدائي المُتمثل في خلق كُل الكائنات الحية بطريقة سحرية، وضمان استمرار وجود الحياة على الأرض. وهكذا، كانت كُل الكاهنات تؤدي وظيفةً اجتماعيةً حيوية، ولم تكن تلحق بهن أي وصمة أخلاقية، على الرغم من أنه كانت تسود عادات وتقاليد وحشية ومُحافظة في العائلة. وحتى عشتار-اينانا، آكثر الآلهة المحبوبة والأعظم قوةً، والتي كان الصبية والفتيات يُسمون على اسمها تكريماً لها، كانت عاهرةً مُقدسة، بل وحتى فاجرة. وحتى ميسانيبادا Mesanepada أول ملك لأول سُلالة مُلوك لمدية أور، من أجل الحفاظ على حقه في السُلطة، ورُبما على المعابد وأراضيها، لقَّبَ نفسه بأنه زوج الإلهة اينانا (dam-nu-gig). كانت العاهرات العاديات وعاهرات المعبد في درجةٍ أدنى من كاهنات المعبد. ومع ذلك فقد كُنًّ أيضاً تحت رعاية الإلهة اينانا، في حين، في ملحمة جلجامش، لم يكن أحد ذو سُلطةٍ على كاهنات المعبد، سوى زعيم آلهة العدل نفسه، اله الشمس سَما. وفي بعض الحالات، ربما لم يكن الفارق بين العاهرات العاديات وعاهرات المعبد اللواتي كُنَّ يُقدمن أجسادهن قُرباناً، ضئيلاً، وأحياناً، كان الفارق يتلخص في أن المرء كان عليه أن يدفع مهراً كبيراً للكاهنة، وهو ما لم يكن بمقدور أي عائلةٍ أن تتحمله، بينما كان الثمن الذي يُدفَع لعاهرة الشارع، ضئيلاً. بالاضافة الى ذلك، لا بُدَّ وأن العديد من العاهرات، كُنَّ قد قَدِمنَ من عائلةٍ لم يعد رجالها فيها. ومع ذلك، كان القانون، (قوانين حمورابي، 181)، ينص على أن العاهرة لها أيضاً الحق في المهر من والدها، أو، حقٌ في حصةٍ من أملاك العائلة، تُعادل ثُلثَ حصة الإبن. لم تكن عاهرات المعبد بالضرورة، من ذلك النوع الهائم في الشوارع. يبدو أن العلاقات طويلة الأمد بين عاهرات المعبد والشباب لم تكن نادرة، بل وكانت في بعض الأحيان تبدو وكأنها زواجاً. ويُمكن ملاحظة ذلك انطلاقاً من مصادر مُختلفة، لعل أبرزها لعنة وبركة عاهرات المعبد في ملحمة جلجامش. وفي قانون الملك لبث عشتار Code of Lipit-Ishtar(أ)، فإن الرجل الذي انجَبَ طفلاً من عاهرة المعبد، مُلزماً مدى الحياة بتقديم المُخصصات التي تُمنَح للأُم الأرملة أو الفتاة المُستأجرة. في عدد من الحالات، ينبغي لنا أن ننظر الى عاهرات المعبد البابليات harimtum مثل عاهرات المعبد اليونانيات، والتي كانت تُسلِّي ضيوفها بالدردشة والغناء والموسيقى. إن اللوحات الفخارية العديدة (التي كانت، كما نعلم، بمثابة ايقونات في المنازل البابلية)، التي تُصور الفتيات الموسيقيات والراقصات والغانيات، هي بلا شك صور لعاهرات المعبد المُنتميات الى عبادة عشتار. إن الشعر البابلي الآشوري، والذي يفترض علاقات حُرَّة ومُتساوية الى حدٍّ ما بين الشباب والفتيات، كان ربما مُكرسا لحُب عاهرات المعبد. وبما أن الفتيات كُنَّ يتزوجن في سنٍّ باكرةٍ جداً، ولأن خيانة الزوجة كانت تُعاقَبُ بشدة، فلا بُد أن نستنتج أنه لا يُمكن للعلاقات القانونية ما قبل الزواج وبعده أن تؤدي الى نشوء هذا النوع من الشِعر (وهذا يُذكرنا مرةً أُخرى باليونان). كانت عاهرة الشارع أو عاهرة المعبد تُدعى في كُل مكان بـ"المُتجولة في السوق" kar-kid، وفي الأكادية حريمتوم harimtum (التي عليها أن تتستَّر). أما بالنسبة للكاهنات، فقد كانت طوائفهن ووظائفهن تختلف جُزئياً من مدينةٍ إلى أُخرى، ومن معبدٍ الى آخر. يُمكننا أن نُسمي أربع أو خمس طوائف رئيسية، لكنها لم تكن تعني نفس الشيء في كُل مكان، ولم تكن حاضرةً في كُل مكان. كانت أعلى مرتبة للكاهنة هي إين En (ايوين Ewen بالسومرية) أو اينتوم entum بالآكادية. وكانت هذه المرتبة مُساوية لمرتبة الذكر اينوم Enum في مثل هذه العبادات، مثل عبادة عشتار اينانا في مدينة اوروك، وكانت تأتي في المرتبة الثانية بعد المرتبة الملكية. وكانت هذه مرتبة الكاهنات العُليا للإله القمر سين Sin (نانا Nanna) في أور واللواتي كُنَّ أميراتٍ دوماً. كانت المرتبة التالية هي سوم Sum Nin Dingir والمُترجمة الى الآكادية اينتوم Entum. وكانت هذه مرتبة عدد من كاهنات آلهة هامة. ومن ثم تأتي مرتبة نين دينجر nin-dingir والمُترجمة بالآكادية الى اوكبابتوم Ukbabtum أو كوبابتوم Kubabtum، والتي رُبما كانت ذات ارتباط بالالهة العظيمة ما قبل السومري المُسماة كوبابا Kubaba، والتي ظلَّت حتى العصر الروماني باسم سيبيل Cybele. ويبدو أن وظيفة هذه المرتبة كانت تختلف من مدينةٍ إلى أُخرى. في آشور، يبدو أن الإله اشور كان له عدة كاهنات من هذه المرتبة في وقتٍ واحد، مما يعني أن هذه الكاهنة كانت محظية الإله وليست زوجته. وفي الوقت نفسه، لا يبدو أنه يُوجد دليل على وجود كاهنة في عبادة آشور أعلى مرتبةً من أوكبابتوم. وسوف نتحدث عن اوكباتوم مدينة أور أدناه. ولم تكن كاهنات الناديتو Nadītu (والتي تعني المطرودات أو المُبعدات) موجودات في جميع المُدُن. ففي مدينة سيبار Sippar كُنَّ خادمات للإلهة آيا Aya زوجة شاماش Shamash ويعشن في أديِرة. وكانت لديهن التزامات مُعينة في معبد مردوخ في بابل، وكان يُمكنهن الزواج، على الرغم من أنه لم يكن باستطاعتهن انجاب الأطفال. تُترجَم كلمة ناديتو الى لوكور Lukur. ولكن كانت كلمة لوكور السومرية في الألف الثالثة مُختلفة تماماً عن كلمة ناديتو في سيبار أو حتى بابل. كانت هُناك، خلال أُسرة أور الثالثة، فئة من النساء يُسمين لوكور كاسكال lukur-kaskal والتي تعني محظية الملك المُؤلَّه. هُناك ايضاً طقوس مُسماة هيروس غاموس Hieros gamos أو الزواج المُقدس لمحظيات الملك. مرتبة الكاهنات التالية هي نوغيغ nugig، وهي الكاهنة المُسماة ذات الظفيرة، وهُن كاهنات كان عليهن أن يُقدمن أجسادهن قُرباناً إما لإله أو لشخصٍ غريب. لا شك أن هاته الكاهنات كُنَّ مُرتبطات بطقوس عبادة عشتار، وربما بطقوسٍ أُخرى. وكان بوسع هذه الكاهنات، ما أن قُمنَ بوظيفتهن المُقدسة، أن يتزوجن. إن الحكاية الغريبة التي رواها هيرودوت والتي تقول بأن كان على كل امرأة مُتزوجة في بابل، أن تُعاشر رجلاً غريباً مرةً واحدةً في حياتها، يُمكن تفسيرها بالحقيقة التي أثبتها خاتشيك خورينوفيتش سركسيان والقائلة بأن كُل مواطن في مدينة بابل الهلنستية (وما قبل الهلنستية؟) كان لا بُدَّ أن يكون ذا صلةٍ بالمعبد بطريقةٍ أو بأُخرى، طالما أن المُعادل البابلي للمدينة الهلنستية هومدينة المعبد.أن تكون زوجة المرء كاهنة مُقدسة qadishtum كان من السُبُل التي تُمكن الزوج من الحصول على حق المُواطنة الكامل.
* ايغور ميخايلوفيتش دياكونوف 1915-1999 مؤرخ وعالِم لُغات ومُستشرق ومُتخصص في اللغة السومرية والنحو والتاريخ المُقارن للغات الافروآسيوية والنصوص القديمة وتاريخ الشرق. دَرَسَ دياكونوف في كُلية العلوم التاريخية واللغوية في جامعة لينينغراد عام 1932. عَمِلَ عام 1941 في متحف الآرميتاج، وكُلِّفَ مع غيره في نقل المجموعات الثمينة الى مكانٍ آخر أثناء الحرب، وشارَكَ مع الجيش الأحمر في التحقيق مع الأسرى النازيين بسبب معرفته باللغة الألمانية، وشارَكَ في حملة الجيش الأحمر في النرويج. عَمِلَ مُساعداً لمُدير كُلية اللغات القديمة في جامعة لينينغراد عام 1945، ودافَعَ عن اطروحته في الدكتوراة حول علاقات مُلكية الأرض في سومر. عام 1950 عَمِلَ في معهد الدراسات الاستشراقية في لينينغراد، ونَشَرَ بالتعاون مع باحثين آخرين دراسةً حولَ القوانين البابلية والآشورية والحيثيين، ونَشَرَ عام 1963 النصوص الأورارتية التي كانت مكتوبةً على الألواح الطينية. كَتَبَ عام 1959 دراسةً بعنوان (البُنية الاجتماعية لبلاد ما بين النهرين القديمة-سومر)، وكَتَبَ عام 1983 كتاباً بعنوان (تاريخ الشرق القديم) و(الأساطير القديمة في الشرق والغرب) عام 1990.
أ- قانون ليبيث عشتار، هو مجموعة من القوانين التي سنّها الملك لبث عشتار (حَكَم من عام 1934-1924 ق.م)، كُتِبَت على لوح باللغة السومرية. وهو ثاني أقدم قانون معروف بعد قانون اورنمو Code of Ur-Nammu.وقد مهَّدَ قانون لبث عشتار الطريق الى قانون حمورابي الشهير.
ترجمة مُختصرة لمقال: Women in Old Babylonia Not under Patriarchal Authority," from Journal of the Economic and Social History of the Orient, Vol. 29, No. 3 (Oct., 1986), pp. 225-238
#مالك_ابوعليا (هاشتاغ)
Malik_Abu_Alia#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نشوء مُجتمعات الاقتصاد المُنتِج (العصر الحجري الحديث)- وردٌّ
...
-
الاثنوغرافيا وتاريخ المُجتمع البدائي
-
حول نشأة الاقطاع على الصعيد العالمي في الشرق والغرب، ومفهوم
...
-
مسائل اقتصاد مُجتمعات الصيد واللقاط
-
الانسان في فجر الحضارة
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
-
المعايير العالمية لمُجتمعات الصيد واللقاط
-
الطبيعة والمُجتمع البدائي
-
التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية العبودية
-
تعليق ايغور دياكونوف على مقال هنري كلايسِن (الديناميكيات الد
...
-
المشاعات الزراعية في الشرق الأدنى القديم
-
الدراسات الاستشراقية الكلاسيكية والمسائل الجديدة
-
الدفن الانساني الطقوسي الواعي: العصر الحجري القديم الأوسط، ب
...
-
حول مسألة دراسة تاريخ المُجتمعات البدائية انطلاقاً من الاثنو
...
-
مسألة المُلكية الخاصة البدائية في الاثنوغرافيا الأمريكية الم
...
-
المراكز المدينية في المُجتمع الطبقي الباكر
-
تاريخ الري الزراعي في جنوب تركمانستان
-
الشروط الايكولوجية لنشوء الزراعة في جنوب تركمانستان
-
سوسيولوجيا الدين الانجلو أمريكية المُعاصرة: مُشكلاتها واتجاه
...
-
الرد الثاني لسيرجي توكاريف على ستيفن دَن
المزيد.....
-
إعلام إسرائيلي: حماس لن تستسلم ونتنياهو يريد إفشال الصفقة
-
فيديو من دمشق.. أنفاق تربط قصر الرئاسة بمقر الحرس الجمهوري
-
قاتلا بغزة ولبنان.. جنديان إسرائيليان بين مصابي نيو أورليانز
...
-
وسائل إعلام حوثية: غارات أميركية بريطانية على صعدة
-
-أبو رقية-.. قيادي داعشي في قبضة جيش مالي
-
ألمانيا تحدد مصير مليون سوري.. من سيبقى ومن سيرحل؟
-
الإعلان عن حالة تأهب للغارات الجوية في مقاطعتين أوكرانيتين
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 91 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
-
إعلام يمني: العدوان الأمريكي البريطاني يشن 3 غارات شرق مدين
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لمسيرتين أوكرانيتين في مقاطعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|