أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - دروس من جائزة نوبل في الاقتصاد















المزيد.....


دروس من جائزة نوبل في الاقتصاد


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 8210 - 2025 / 1 / 2 - 22:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للسعادة معاني وتعريفات مختلفة، ولكن بعد هذا العمر والتعامل مع كافة أنواع البشر آمنت بأن السعادة الحقيقية تأتي من النجاح في إنجاز أي نوع من العمل الصعب والمضني، ومن أنواع هذا العمل التي لا حصر لها، الحصول على جائزة نوبل لأن من يحصلون عليها -وقد التقيت ببعضهم- يمضون سنوات طويلة من عمرهم في بحث أو اختراع واحد ولك أن تتصور إحساسهم عندما يتم إخطارهم بأنهم حصلوا على هذه الجائزة العالمية. وفي هذا العام فاز بالجائزة في الاقتصاد للعام الجاري ثلاثة أساتذة أمريكيون منهم إثنين من جامعة MIT الشهيرة والثالث من جامعة شيكاجو العريقة، وكان موضوع بحثهم الضخم مثيرا للجدل ليس فقط بين ألاقتصاديين وإنما أيضا بين السياسيين. والبحث يحاول الإجابة على سؤال قديم وهام وهو لماذا تعاني بعض الدول من الفقر والبعض الآخر يتمتع بالغنى رغم تشابه ظروفهم. ولأن موضوع البحث طويل ومتشعب فأنني سوف أعرض لأهم ما جاء فيه بشكل مختصر، كما أن المقال سوف يحتوي أيضا على بعض الآراء والإيضاحات الشخصية من جانبي، وبالثل فإنني أرحب بجميع الآراء والمداخلات من جانب القراء.
١تعلمنا في بداية دراستنا للاقتصاد السياسي، أن مستوى رفاهية الإنسان يتحدد من خلال علمه ومهاراته وقدرته على العمل الجاد، ولكن ثبت لدينا لاحقا أن ما سبق ليس كافيا كي يكون الإنسان غنيا وأن العامل الأساسي في هذه الإشكالية هو متى وأين ولد هذا الانسان، بمعنى أنه قد يتمتع بكل المهارات التي ذكرناها ومع هذا فإنه يبقى فقيرا بسبب عوامل خارجة عن سيطرته مثل مولده في بيئة غير حاضنة أو في توقيت سيئ مثل ازمنة الحروب أو الكوارث الطبيعية. وفي عالمنا العربي فإنك إذا إردت أن تصعد لأعلى في إي مجال، فإنه لا يهم ما تعرفه بقدر ما يهم من تعرفه.
٢أما بالنسبة لموضوع البحث الفائز الذي نتحدث عنه، فإن الباحثين الثلاثة يرون أن المؤسسات السيادية في كل الدول تلعب الدور الأساسي في تحقيق الرفاهية أو البؤس لشعوبها، وهي أهم من الموقع الجغرافي والثقافة السائدة. والمؤسسات التي نتكلم عنها هنا هي السلطة التنفيذية والتشريعية والدستورية والقضائية والدينية والإعلام وأجهزة الرقابة…الخ وهم يرون أنه لو كانت هذه المؤسسات تدار بشكل ديمقراطي ومستقلة وتتمتع بالشفافية والإفصاح وتؤمن بالشمول أي حق المواطن العادي أن يعبر عن رأيه وأن يشارك في بناء وطنه لتحقيق العدالة الاجتماعية والرخاء للجميع. وأي دولة تدار وفق هذه القواعد فإن معدلات التنمية الاقتصادية والبشرية بها لابد أن تكون مرتفعة وينعم فيها الجميع بحياة كريمة ومستقرة.
٣وعلى العكس مما سبق فإن الدول ذات الأنظمة الاستبدادية تتحول فيها كل مؤسسات الدولة إلى هياكل مفرغة من الداخل، حيث ترى مبنى البرلمان في غاية الفخامة، ولكنه لا يؤدي وظيفته ولا شيء يحدث بداخله لأن النواب لا يجرؤن على مساءلة الحاكم الذي يسيطر على كل مفاصل الدولة، ولذلك ستجدهم مشغولين بأعمالهم الخاصة. مثل هذه الأنظمة المستبدة لا تؤمن بالشمول وتحتقر المواطن العادي وتحرص على إضعاف كل المؤسسات السيادية حتى لا تتعرض لإي مساءلة. وستجد أن مثل هذه الدول تدار من خلال نخبة قليلة يتم اختيارها بواسطة الحاكم نفسه، وتتمتع بالحصانة والأفضلية في كل شيء في ظل مؤسسات سيادية ضعيفة وغياب فاضح للديمقراطية ومبادئ المحاسبة والشفافية، وبذلك تدار هذه الدول وكأنها عزبة خاصة بالحاكم ولا يحترم فيها الدستور الذي يتحول إلى نوع من الديكور المصمم على مقاس الحاكم ويمكن تغييره في أي وقت بما يناسبه. ولذلك ليس بمستغرب أن تعاني شعوب هذه الدول من الفقر والفساد وغياب الحقوق الأساسية للمواطن وهي دول مهددة دائما بعدم الاستقرار بسبب حالة السخط العام والمكتوم.
٤البحث أيضا اشتمل على تحليل تاريخي لبعض الدول التي تعرضت للغزو والاستعمار الأوروبي والذي تمدد لكل قارات العالم وشمل أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا وأسيا وأفريقيا واتبع سياسات في غاية القسوة للنهب والاستعباد للسكان الأصليين. وبين البحث أن الكثير من هذه الدول لازالت تعاني حتى الآن من ويلات الاستعمار الأوروبي. وعلى سبيل المثال فإن كل الدول الإفريقية والأسيوية واللاتينية التي خضعت للاحتلال الإنجليزي والفرنسي والإيطالي والإسباني والبرتغالي والهولندي والبلجيكي لازالت تعاني من الفقر والحروب الأهلية والانقلابات وعدم الاستقرار وذلك بسبب عدم اهتمام المستعمر الأوروبي بإنشاء المؤسسات السيادية التي ذكرناها من قبل. ومن خلال زياراتي الشخصية للهند وجنوب إفريقيا وكينيا وزمبابوي وغيرها وجدت أن بعض أنواع الاحتلال الأوروبي قام بإنشاء بعض المؤسسات السيادية والتي ضمت بعض المقيمين الأصليين، ولكن لم يتم هذا بغرض أن يشارك هؤلاء في إدارة بلادهم، وأنما تم هذا لزيادة عمليات النهب لثروات هذه الدول من خلال تشجيع هجرة المزيد من الأوربيين إلى هذه المستعمرات، وهؤلاء المستعمرون الجدد كانوا يحصلون على وعود بأن يشاركوا في الحصول على نصيبهم من النهب والغنائم عند وصولهم في ظل حماية المؤسسات السيادية الوليدة لحقهم في النهب. والبحث اقترح بعض الحلول لمشاكل هذه الدول.
٥من الأمثلة الواضحة التي أظهر البحث من خلالها أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات القوية في التنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة، المقارنة بين كوريا الشمالية، وهما في الأصل دولة واحدة وشعب واحد تم تقسيمها، والآن تخضع الشمالية لأسوأ أنوع الأنظمة الاستبدادية في التاريخ والشعب هناك بدأ يعاني من الجوع، أما الجنوبية فأنها واحدة من أغنى الدول الأسيوية وإكثرها تقدما وهي الآن تحاكم رئيسها وعلى وشك خلعه من منصبه لأنه فكر منذ أسابيع قليلة في فرض قوانين الطوارئ لاضعاف الأحزاب المعارضة له. وواضح من هذا المثال أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات السيادية ودولة القانون في خضوع الحاكم للمساءلة وحماية قوى المعارضة والشعب ككل.
٦هناك بعض الأنظمة الاستبدادية القليلة التي نجحت في بناء دول ذات بنيان اقتصادي قوي في غياب مؤسسات سيادية مستقلة مثل الصين، ولكن عند زيارتي لها وجدت أن الناس خائفون فالكاميرات ورجال المخابرات في كل مكان والهواتف المحمولة مراقبة ولا يوجد شيء أسمه حرية التعبير أو أحزاب معارضة. كما أن انفراد اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بإدارة كل شيء داخل الدولة، وحتى البنك المركزي وكافة البنوك التجارية والشركات في كل المقاطعات تتلقى الأوامر من اللجنة المركزية. وقد أدي هذا الانفراد بالسلطة إلى أخطاء اقتصادية جسيمة وإلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الصين لأول مرة منذ عقود من النمو المتواصل بسبب التركيز على نموذج نمو يعتمد على الصادرات بشكل أساسي وهو ما أدى إلى ضعف الطلب في السوق المحلي، هذا بالإضافة إلى انهيار السوق العقاري والمديونية الضخمة للشركات التابعة للدولة وانخفاض ما نسميه في البنوك بنسبة كفاءة رأسمال البنوك المحلية بمعدلات كبيرة. وعموما فإن هذا موضوع أخر، ولكنني أردت من هذا المثال أن أبين أن النمو الاقتصادي المستدام يتطلب وجود مؤسسات قوية ومستقلة كما أوضحنا في ثنايا المقال. الآن يهدد ترامب بأنه سيفرض رسوما جمركية مرتفعة على صادرات الصين لأمريكا والصين في غاية القلق، وإن فعل ترامب هذا فان الوضع الاقتصادي في الصين سيشهد المزيد من التباطؤ.
٧وبحسب ما قرأت فإن الفائزين الثلاثة بدأوا بحثهم الكبير قبل ثلاث سنوات ولذلك لم يتعرض بحثهم لتأثير التقنيات الحديثة خاصة الذكاء الاصطناعي على مستويات المعيشة للطبقات المتوسطة ودون المتوسطة حتى في ظل وجود مؤسسات سيادية قوية، وسبب اهتمامنا بهذا التطور، أن هذه التقنيات سوف تؤدي بالتأكيد إلى استغناء قطاع الأعمال في كل الدول عن عدد كبير من الموظفين والعمال وهو ما سيؤدي حتماً إلى اتساع فجوة الدخل والثروة بين الفقراء والأغنياء، لأن الأرباح الكبيرة لهذه التقنيات الجديدة تذهب إلى أصحاب هذه الشركات وليس لدعم التعليم أو الخدمات الصحية مثلا. وكاقتصادي يمكنني القول بأن هذه التقنيات الحديثة والسريعة النمو عبر العالم سوف تغير حياتنا تماماً، وحتى نماذج التنمية الاقتصادية التقليدية التي تعلمناها والقائمة بشكل أساسي على التراكم الرأسمالي لعوامل الإنتاج في سبيلها إلى التراجع بشدة، وسوف إكتب في هذا قريبا بمشيئة الخالق.
والخلاصة أن البحث الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد لهذا العام بحث هام جدا وقد بذل فيه الأساتذة الثلاث جهدا كبيرا وموفقا، وقول بعض الاقتصاديين بأن البحث لم يحسم الجدل الدائر حول نماذج التنمية الاقتصادية التي يمكن أن تحدد مستوى الرفاهية الاقتصادية بشكل قاطع هو نقد صحيح، ولكن البحث بلا شك سوف يفتح الأبواب لشباب الاقتصاديين لإجراء المزيد من الأبحاث في هذا المجال الحيوي والهام.ولعلي أختم المقال بالقول بإن النموذج الديموقراطي في الحكم بالرغم من عيوبه إلا أنه أفضل بلا شك من النماذج الأخرى للحكم والتنمية مثل الديكتاتورية والاستبداد، والطغيان والملكية المطلقة والأنظمة الدينية. وقد جربت البشرية عبر تاريخها الطويل كل هذه النماذج التي فشلت بشكل لا يحتمل الجدل، وتظل الديمقراطية هي أملنا في تنمية بلادنا وتلبية احتياجات شعوبنا واحترام الحقوق الأساسية لها.
مستشار اقتصادي



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأديان والحداثة والفقر الفكري
- مراجعات وأفكار ١٥
- في نقد الاقتصاد الإسلامي
- كيف نحافظ على قيمة مدخراتنا
- مراجعات وأفكار 14
- الجامعات الأمريكية فضحتنا أمام العالم
- معضلتنا الأساسية في عالمنا العربي
- وداعاً للنظام الدولي القديم ومرحبا بالفوضى
- تطورات سياسية واقتصادية محبطة
- غزة وما يمكن أن يفعله الحوار ونحن
- مراجعات لمفاهيم اقتصادية خاطئة
- من المسؤول عن هذه المهزلة؟
- هل ينجح تجمع بريكس أمام الغرب
- مصر عبد الناصر وعراق صدام
- مراجعات وأفكار 13
- مراجعات وأفكار 12
- هل يمكن التوفيق بين العلم والدين
- الثقافة السائدة من أخطر مشاكلنا
- عن الوضع الاقتصادي المقلق في مصر-٢
- عن الوضع الاقتصادي المخيف في مصر


المزيد.....




- بعد قطع أوكرانيا الغاز الروسي.. الآلاف بدون تدفئة في منطقة ت ...
- مارسيليا.. مدينة فرنسية تبرز كعاصمة جديدة وجذّابة لأوروبا
- وزير الخارجية السوري يبدأ جولته العربية من قطر، واستمرار الا ...
- ارتفاع عدد القتلى والجرحى في غزة جراء القصف الإسرائيلي والحو ...
- الرفيقة لبنى الصغيري : تحييد بيت الزوجية من التركة غايحمي ال ...
- تأخير رحلات طيران وحوادث مرور بسبب الجليد والثلوج في ألمانيا ...
- دخول أولى قوافل الجسر البري السعودي إلى سوريا
- في عام 2025.. كيف تحولت الألعاب إلى مصدر دخل مستدام؟
- فرنسا تحاكم مؤثر تيك توك جزائرياً بتهمة التحريض على الإرهاب ...
- أعراض نفسية لا يجب تجاهلها


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود يوسف بكير - دروس من جائزة نوبل في الاقتصاد