|
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-18
أمين بن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 8210 - 2025 / 1 / 2 - 00:47
المحور:
كتابات ساخرة
ليلة السبت تلك، كانت ملاك... الأحسن حالا، فقد نامت سعيدة لأن إيمان اتصلتْ بها وطلبتْ اللقاء في الغد... يوم الأحد، ليس في منزل أي منهما، بل في مكان جميل تعرف عنه ملاك أنه راق، للأزواج... للعائلات. إيمان نامت القليل، وأمضت ليلتها خائفة باكية... أما وفاء، فكانت ليلة غضب وسخط، ليس على أحد، بل على الحظ السيء؛ أن نُرفض لأننا لم نُعجِب يُقبل ذلك بصدر رحب، أما أن نُعجِب ونُحَبّ ثم نُرفص فذلك... ظلم! عندما استيقظتُ، غادرتُ المنزل مباشرة بعد أن اتصلتُ بمحمد. قلتُ أن وفاء تعرف عنواني، وربما ساورتها الفكرة، فهربتُ، وأمضيتُ اليوم معه. اختارت إيمان كوقت، الحادية عشرة، ووصلتْ قبل ملاك، مع العاشرة والنصف، وجلستْ تنتظر... ثم وصلتْ ملاك في الوقت المحدد... - إيمان... تُدخنين؟ منذ متى؟ - اشتقتُ إليكِ - أنا أيضا... لكنـ - اجلسي - لا أفهم... هل لو أخذتِ أكثر وقت، كنتُ سأجد قنينة خمر؟ - لا... بالتأكيد لا... أول مرة اليوم... ابتعتُ العلبة منذ قليل... - افتقدتكِ كثيرا، وسعادتي كانت لا توصف عندما اتصلتِ بالأمس... ما الجديد؟ هيا قولي كل شيء... - كنتُ مخطئة... مثلما قلتِ... فيل... لكني أخطأتُ في أمر آخر... ولا أعلم كيف سيكون موقفكِ مني... - انتهينا من مسألة... لكن عندنا الجديد... - المدة الماضية، تعرفتُ على طالبة، من الصيدلـ - لا تقولي لي أنكِ عدتِ إلى قصة إعادة التوجيه؟! - لا... لم أعد... لكنـ... اسمعيني... دعيني أُكمل - حاضر... المهم أننا انتهينا من إعادة التوجيه! طيب... واصلي - و... تعلقتُ بها... بسرعة. ذكية وفكهة وجميلة... في البدء، بحثتُ في داخلي عن... رغبة نحوها، فلم أجد شيئا من ذلك، لكني وجدتُ شيئا آخر... يشبه الذي بيننا - لم أفهم - لم تكن مجرد شخص عرفته... مجرد صديقة جديدة أخذتْ اهتمامي مثلما يحصل مع أي شخص جديد نتعرّف عليه ويُعجبنا - ... - أخذت كل اهتمامي لأيام، وشغلت تفكيري طوال الوقت، حتى صرتُ أنتظر بفارغ الصبر متى أراها - ... - لكني عندما شعرتُ أنها... توقفتُ، وأوقفتُ كل شيء، وقطعتُ كل صلة بها - أنها ماذا؟ - أنها... أنـ... - أنها؟ - بدأتْ تأخذ مكانـ... مكان... مكانكِ! لا تغضبي مني أرجوكِ! - واو! مكاني... وفي أسبوع أو أسبوعين! - ... - إن فهمتكِ جيدا... مكاني الذي تعرفينه منذ أن كنا طفلتين... شرعتْ في أخذه بقاّلتكِ... وعندما فهمتِ ذلك، قطعتِ علاقتكِ بها... لماذا فعلتِ ذلك؟ إذا كانت تستحق أن تكون الأهم عندكِ فلماذا حرمتها وحرمتِ نفسك من فرصة تصحيح خطأ عشتِ به أغلب سنين عمركِ؟ - لا تغضبي أرجوكِ! - لستُ غاضبة عزيزتي لكني أنتظر جوابا لأفهم، وربما ساعدني ذلك على إعادة حساباتي أنا أيضا - لم يتغير شيء، ولن يتغير أي شيء ولا توجد أي حساباتـ - طلبتِ وقتا للتفكير في مثليتكِ التي توهمتِها، أيام مضتْ عليّ كالسنوات وأنا أنتظركِ، فتعودين وتقولين ما قلتِ؟ يعني عندما كنتُ أنا أفكر فيكِ وأشتاق إليكِ، كنتِ أنتِ مع البقالة سعيدة بها ولم أمرّ بخاطركِ! - لم يكن الأمر كذلك! - كيف إذن؟ لا أحد كائنا من كان يمكن أن يكون قبل كل منا عند الأخرى، نسيتِ بسرعة؟ - لم أنس ولم يكن أحد أهم عندي منـ - مني؟ أضحكتني! والبقّالة؟ - أخطأتُ!! كنتُ مشوشة... كانت لحظة ضعف... وكانت... - ماذا؟ - ... رائعة! في كل شيء! - كوني صادقة مع نفسكِ قبل أن تكوني كذلك معي... وقولي... أريد أن أعرف! - لم أجد غير هذا التشبيه لأصف به... كنتُ كزوجة تُحب زوجها لكن وقع شيء معه وانسحبت لوقت... لا يهم ذلك الشيء الذي حصل، المهم أن الزوج لم يخطئ وهي تُحبه... لكنها عندما كانت وحيدة تعرفت على رجل آخر، فكان عالما آخر أنساها كل آلامها، وعندما أحستْ أنها إن واصلت ملاقاته فإنها ستحبه وربما يخفت حبها لزوجها قطعتْ علاقتها به... - تشبيه جميل... واضح وضوح الشمس... لا نختار من نُحب عزيزتي، كل شيء يُمكن أن يحدث... - لم أفهم قصدكِ - افهمي على الأقل أنه فيما يخصني... يستحيل أن يقع ذلك! ويستحيل أن يأخذ أحد مكانكِ كائنا من كان ذكرا أو أنثى! لكني... لا ألومكِ... كنتُ دائما الأضعف بيننا! - انتهتْ القصة ملاك، ولن أراها مرة أخرى! - لم أطلب ذلك، وعلى كل حال، لن يُغيّر ذلك شيئا! أشكركِ على صراحتكِ وصدقكِ، كنتُ في حاجة لذلك... - أحبكِ تعلمين ذلك! - نعم، وأنا أيضا... سأغادر الآن. - ولن تُكلميني بعد الآن! - بالتأكيد سأكلمكِ... لكن ليس كما كنا... عليّ فقط هضم ما سمعتُ، وتعلمين أنه ليس بالأمر الهين... - هدوؤكِ يُخيفني! تصورتُ أنكِ ستصرخين في وجهي، لو كان ذلك لكان الذي أشعر به الآن أحسن! - إيمان... أظن أن عندكِ فيلا جديدا عليكِ تجاوزه - أرى جيدا الآن ولا فيلة عندي!! - بل عندكِ عزيزتي، والفيل أمامكِ الآن، ويُكلمكِ... - لن تفعلي ذلك بي!! قلتُ أني أخطأتُ!! - قلتِ أنكِ هربتِ وأنها رائعة... - لن تستطيعي فعل ذلك بي! يستحيل أن أقبل!! - سأخرج... لا تلحقي بي... - لن تفعلي! كنتُ تائهة! مشوشة! وعدتُ!! فكيف تتركينني؟! - في قرف مثليتكِ نعم كنتِ كذلك، لكن ليس مع البقّالة... أراكِ غدا في الكلية... - لا تكوني قاسية هكذا! لا تكوني بلا قلب! - بيتكِ زجاج إيمان! ابتعدي عن ذكر القلوب والعهود وما أشبه! - ملاك - إيمان، كل شيء واضح، كنتِ واضحة، ولا داعي لأي كلام إضافي - لم أكمل كلامي... لأني لستُ وحدي مَن تعرّفتْ عليها... - ماذا تقصدين؟ - هو أيضا تعرّف عليها، ووقع معه نفس الذيـ... - ماذا!! - تعمل في كافتيريا، فتكلما معا، ثمـ - لا أريد أن أسمع!! تبا لكما ولها!! - انتظري! لا تغادري!! أرجوكِ!! - ... وقع ما سمعتْ كان كارثيا عليها، لكن ردة فعل ملاك لم تكن متوقعة... هدوء غريب خيّم عليها عندما غادرتْ، واسترجعتْ أحداثا كثيرة معي ومع إيمان، وفي الأخير، ابتسمتْ وقالتْ تلك هي الحياة بُدِّلتُ بكل هذه السهولة وفي وقت وجيز... لكنها، عندما خلتْ بنفسها في غرفتها، انتابتها نوبة رعشة وبكاء، ولم يقبل عقلها ما حصل خصوصا من إيمان... في الغد، الإثنين صباحا، لم أر إيمان، وكنتُ واقفا مع محمد وجامبو عندما قدمتْ ملاك... سلمتْ على ثلاثتنا وطلبتْ مني أن أتبعها، ففعلتُ وابتعدنا قليلا عن ازدحام الطلبة... - سأقول لكَ شيئا لا أريدك أن تنساه طالما حييتَ... - هلـ - فقط اسمعني!! - ... - لو ينقرض كل رجال الأرض ولا يبقى منهم غيركَ... سأنظر إلى حمار أو قرد ولن أنظر إليكَ!! - ما بكِ! ولماذا هذا الكلام!؟ - وإياكَ أن تقترب مني أو تحاول تكليمي في المستقبل!! - ماذا قالت لكِ إيمان؟ - عندكما نفس الطينة! تصلحان لبعض!! - انتظـ - إياكَ أن تتبعني أو تُكلمني في المستقبل!! - ... لحظة الصفعة أحيانا قد لا نشعر بها، لكن يعود لنا الشعور بعد وقوعها فنشعر بالألم ونرى مخلفاتها... بقيتُ مكاني أنظر إليها، راضيا بما حكمتْ، وفي تلك اللحظة قلتُ في نفسي... كنتُ سأفعل نفس الشيء لو كنتُ مكانها... لم يخطر ببالي ماذا سمعتْ، لكن الذي همني أنها عرفتْ وكفى، وحكمتْ ورضيتُ... في تلك اللحظة، قلتُ ذلك، لكن بعدها بقليل، شعرتُ بضيق شديد في صدري، وأشياء كثيرة تتحرك في بطني أشبه بديدان وفراشات هائجة... فبحثتُ عن أقرب شيء لي يُجلس عليه، وجلستُ وبقيتُ مكاني، حتى غاب كل الطلبة بمختلف مستوياتهم وهدأ المكان، لم أفكر في شيء، كنتُ أشعر بشيء ما يحدث في بطني ولم تتركني تلك الضيقة في صدري... لكني لم أفكر في شيء... شارد الذهن بقيتُ، لا أعلم كم من الوقت، حتى جلستْ إيمان بجانبي... - ماذا تفعل هنا؟ - لا شيء - ... - أعتذر عن كل شيء... أعتذر. وتركتُها، وغادرتُ الكلية... بقتْ إيمان تنتظر العاشرة... قبلها بقليل، ذهبتْ أمام المدرج تنتظر خروج ملاك، وعند خروجها رأتها ملاك فقصدتها... - خشيتُ ألا تكلميني... - ولماذا أفعل ذلك؟ لا يوجد داعي - سامحيني... أخطأتُ... دائما أخطئ ودائما تتجاوزين... ألم نتعود على ذلك منذ صغرنا؟ - نعم، كلامكِ صحيح... أنتِ تُخطئين وأنا أغفر وأتجاوز... - وهذه المرة؟ - اطلبي وأنا أنفذ - أعترف بخطئي... ومن حقكِ كل شيء... لكني لن أستطيع أن أقبل أن - أن ماذا؟ أن يتغيّر كل شيء بيننا؟ ولماذا لم يخطر ذلك على بالكِ وأنتِ... أنتِ! - رأيتني كيف كنتُ تلك الليلة! اعتبريني لم أكن بكامل مداركي كل الأيام الماضية! - تُحاولين خداع من؟ وأنتِ تعلمين أن كلامكِ غير صحيح... - لا أستطيع تصور حياة لن نكون فيها مثلما كنا وأحسن! - تستطيعين إيمان... واستطعتِ! - غير صحيح! - هذه المرة ليستْ ككل المرات التي سبقتها، تعلمين ذلك؟ - لا شيء يمكن أن يكسر الذي بيننا! - كنتُ أظن ذلك... - لكنـ - إيمان، لا تصعبي الأمر عليّ... أريد أن أكون وحدي - لا أريد ذلك! - ما عاد يهم ما تريدين، لم يعد عندكِ أي خيار... وعليّ الاهتمام بمن أهم الآن! - من؟ - نفسي!! - و - هذه المرة، انتهيتُ منه نهائيا! تصلحان لبعض... أنتما شبيهان! سأذهب... أريد أن أكون وحدي... رجاء! - لن أقبل ذلك! - ... مشيتُ شاردا حتى وجدتُ نفسي داخل المقبرة، مقبرة كبيرة ملتصقة بجامع، عندما مررتُ بجانبه، وجدتُ رجلا يشرب خمرا، فكلمني ودعاني للجلوس معه فجلستُ... - لا تعرف من أنا؟ - لا - غدرتْ بي الدنيا... كنتُ من أعيان هذه المدينة! - ما الذي حصل يا عم؟ - عمكَ صالح... الطالح! - ما الذي حصل؟ - أخوتي سرقوا ميراثي ووضعوني في السجن... - عيب عليهم! - حتى زوجتي لم تسلم من أحدهم! - لم تسلم؟ كيف؟ - كيف... كيف... مثلما يفعل الناس... - لم أفهم يا عم صالح! - غبي!! قل لي طالب؟ - نعم - والطالبات تعمل معهن... مثل الناس؟ - عندي خلل في... - المحرك؟ - نعم - ماذا به؟ - العمود الفقري فيه خلل وراثي، لا يستطيع أداء الواجب الوطني... - وما طعم حياتكَ يا ولدي دون واجب؟! لا تقل لي أنكَ!! - لا... عيب يا عم صالح! ثم عندي محركات أخرى أستعملها... - مثل؟ - يدي، رجلي... لساني - ابن حرام!! - ... - قل لي... ما اسمها؟ - من؟ - ما اسمها؟ - هالة - تدرس معك؟ - لا... في مدينة أخرى - وهنا؟ - أنا وفيّ يا عم صالح! - طفل غبي!! في كل مكان يجب أن تكون عندكَ واحدة... - قل لي عم صالح، هل عندكَ عمل؟ - كان!! وبعد خروجي من السجن... طردوني... - ماذا كنتَـ - ممرض - وكيف تشرب هنا والآن؟ نحن في الصباح... وجامع... ومقبرة...؟ - حكاية طويلة يا ولدي... تعال معي... ساعدني لأصل إلى المنزل... - عندي محاضرة - وعندي باب لن أستطيع فتحه، وعمتكَ صالحة لن تفتح لي، وسأصرخ وأقوم ببلبلة في الحي وربما استدعى أحدهم الشرطة... - طيب! - توصلني وتفتح لي الباب، والليلة في مقهى عروس البحر نلتقي وعمكَ صالح يُكافئكَ... - لا داعي لذلك يا عمـ - في الوقت الذي تريد... عمك صالح كل ليلة هناك من الثامنة حتى منتصف الليل... - وماذا تفعل... كل ليلة؟ - أكتب الشعر في عمتك صالحة... المنزل كان داخل المدينة العتيقة، ولا يظهر منه شيئا من الخارج، مجرد باب صغير تظنه يفتح على غرفة ضيقة، لكني ما إن فتحتُ الباب حتى دُهشتُ من ضخامة ما بالداخل، يفتح الباب على بهو بديع به زخارف كثيرة وتُحيط به غرف عديدة... كان عم صالح يُغني، ومع خروج زوجته من إحدى الغرف سكتَ وتسمّر في مكانه. لم تكلمني، ومباشرة صرختْ في وجهه وسبّته سبابا شنيعا أغلبه ألفاظ نابية لم أكن أستعملها حتى في أشد لحظات غضبي... استلمتْه مني، وأخذته وهو متكئ عليها إلى غرفة، وبقيتُ واقفا أتأمل الجدران والزخارف الجميلة التي عليها... كنتُ أسمع سباب زوجته المتواصل، وكان رد عم صالح عليها غناءا وضحكا، ثم سمعتها تضحكُ معه وخفتَ صوتها حتى تركته وقدمتْ نحوي... مسكتْ بيدي، وسارت دون أن تُكلمني، فتبعتها، حتى أدخلتني المطبخ، وأجلستني... ثم أخذت عجينا وشرعت في خبزه، ووضعتْ بيضا في ماء فوق النار - أين وجدتَه؟ - في المقبرة البعيدة... أطرف المدينة - بالأمس جاءني عسل من غرب البلاد... نحل يُربّى في الغابات... سترى لذته - لا أحب العسل... شكرا لكِ... سأغادر الآن - تعلّمت منه قلة الحياء بسرعة يا ولد... كيف تُغادر وأنا أحضر لكَ الفطور؟ - فطرتُ يا عمة... منذ ساعات - افطر مرة أخرى! - شكرا لكِ... لكنـ - وما رأيكَ لو أصرخ وأقول أني أمسكتُ سارقا في منزلي؟ - عم صالح يشهد لي - عمكَ صالح لو وقعتْ حرب الآن لن يستيقظ... قل لي كم عمركَ؟ - عشرون... قريبا - عشرون... عشرون... لو رأيتَ عمتكَ صالحة وهي في العشرين! - أستطيع تخيّل ذلك... مسكين عم صالح وقتها... - خذ... زيت زيتون... عسل... خبز لا تصنعه إلا عمتكَ صالحة... وبيض... البيض يُقوي العظام والعسل لزيت المفاصل... - شكرا... لكن لم أرد إتعابكِ... - كل واسكت! لستُ عجوزا كأمكَ لأتعب بسرعة! - نعم... أكيد... أؤكد ذلك... قولي يا عمة... هل يشرب دائما؟ - نعم، وبدأ يُصيبه خمره بالخرف! - لكن صوته جميل عندما يُغني... أليس كذلك؟ - صوتي أجمل منه... اسمع وغنّتْ العمة صالحة... فصفقتُ... ثم رقصتْ ودعتني للرقص معها... فرقصتُ... ثم أكملتُ الأكل، ورافقتني حتى الباب وقبّلتني وطلبتْ مني أن أزورها، وألا أرافق عم صالح إلى المنزل إذا وجدتُه مرة أخرى... "حتى يأكله الدود في عفونته وقذارته"... كنتُ محظوظا بهما ذلك الصباح، فقد أنسياني لوقت ما كنتُ فيه... وما إن تركتُ العمة صالحة، حتى عدتُ... وتذكرتُ كلام ملاك، لم ألمها... لكنه كان قاسيا! ودافعتُ عن نفسي بأني، وإن أخطأتُ، إلا أني لم أفعل شيئا مع وفاء! ما الذي حدث؟ لا شيء!! صحيح كلمتُها... صحيح أعجبتني... لكني لم أفعل شيئا معها!! لم ألاحظ وقتها غياب إيمان، كان كل شيء تقريبا محصورا في ملاك... خطئي كان معها، وكانت الوحيدة التي عليّ البحث عن أعذار معها... إيمان، كان عندها تقريبا نفس الأمر، فأنا لم أكن مصدر اهتمام بل كانت ملاك ولم أكن معها... في مساء ذلك اليوم... فهمتُ البعض مما فاتني، عندما تكلمتُ مع إيمان... كانت السادسة والربع تقريبا، وجميع الطلبة قد غادروا باستثناء قلة كانت في الكافتيريا وأمامها... كنتُ أمامها، واقفا وحدي، أدخن، أحتسي قهوة، وأنظر أمامي، حتى لمحتُ إيمان قادمة من جانبي... من جهة الساحة الكبرى... وقفت لحظات دون كلام، ثم تكلمتْ... - ملاك غاضبة مني... وتتجاهلني - تجاهلتها كل الفترة الماضية أنتِ... - لم أتجاهلها! أردتُ أن أبقى وحدي قليلا... - وربما هي الآن مثلكِ... ولماذا تتجاهلكِ؟ - ... وفاء... - ما بها؟ - تعرف ملاك! - لا أعرف... ولم أفهم... - هل تُحاسبني أنتَ الآن أم ماذا؟! إذا ظننتَ أنكَ تستطيع فأنتَ مخطئ!! - أعرف وضعي الآن، ولم أحاسبكِ... أنا فقط سألتُ... - لماذا كلمتها؟ - من؟ - ... - أخطأتُ... كانت صدفة... مجرد صدفة لم تدم أكثر من ساعة... وانتهتْ القصة - انتهتْ؟ - نعم - لا أظن ذلك... - نعم... انتهتْ وظنكِ خطأ - أنتَ قلتَ... - لماذا لستِ غاضبة مني؟ - أنتَ محظوظ... لأني لا أستطيع ذلك! - لم أفهم؟ - لأني أخطأتُ نفس خطئكَ - لم أفهم - تعرف لماذا أكلمكَ الآن؟ - لا - لأني يجب أن أفعل ذلك مع أحد... وملاك تتحاشاني! - ليس عندكِ خيار غيري إذن... - نعم! - ولماذا غضبتْ منكِ؟ تعرّفتِ على طالبة ليستْ من هنا، أين المشكل؟ - لم تكن مجرد... طالبة... - ماذا كانت إذن؟ - أكثر - ثم ماذا؟ هي... مميزة... لكن لم أفهم ما المشكل؟ - المشكل أن هناك ملاك!! - وما دخل ملاك؟ - مكان ملاك... لا يمكن أن يأخذه أحد! - ماذا؟ - ... - ... - ما المضحك؟!! - غريب وعجيب الذي يحدث... - ... - إذن لستُ وحدي الذي... أخطأ ولم يلتزم بوعوده... بل أنتِ مثلي وأكثر! - سعيد!!؟ - لا... لكن حقا الأمر غريب! ثم... لم أمض معها الليالي أنا، بل كانت مجرد ساعة أو ساعتين على أقصى تقدير ذلك الصباح... - نعم!! حقا الموقف غريب!! أنتَ الذي نظر إلى أخرى، الآن يتجرأ ويفتح فمه ويُحاسبني!! خطئي كان مع ملاك وليس معكَ، أما أنتَ فمعي ومع ملاك!! - وتعلمين أن كل شيء بيد ملاك الآن... ولا يهم من أجرم أكثر... الأهم أن كلا منا أخطأ في حقها... - نتكلم وكأننا أصدقاء ولسنا... - نعم... أمر آخر غريب - لا أظن أنكَ تحب كلينا... - لا تخلطي الأمور - هي الأهم عندكَ... هذا ما أراه وتراه - غير صحيح! وإذا تبعتُ منطقكِ سأقول أنكِـ - ولن أنكر! ملاك عندي أهم من كل شيء... - ماذا؟ - لم أهتم كثيرا عندما وجدتكَ مع وفاء... وبعد ذلك... كل الذي حصل... لم أفكر إلا في ملاك - ... - ماذا نفعل مع بعض إذن؟ - ماذا تقصدين؟ - الذي فهمتَه... - إذن... جئتِ تقولين أن كل شيء بيننا - لا... لكننا نتكلم... وهذه هي الحقيقة الواضحة لي ولكَ - لستُ أرى مثلكِ - على من تضحك!! أحببتها وفاء ولم تكترث لي بل فقط لملاك! - الظاهر أنكِ تُلقين ما عندكِ عليّ! ولم أحبها!! قلت أنها مميزة نعم... لكني لم أقل أني لستُ أدري ماذا!! - تُخادع نفسك - غير صحيح! - أعرف ما قلتَ لها... قالت لي كل شيء! - وماذا قالت لكِ غير ما قلتُ؟!! لستُ مسؤولا عن أقوالها كذبا كانت أو توهما!! - وفاء لا تكذب! - تدافعين عنها؟!! - ... - ماذا قالت؟ - الذي حصل والذي تعرفه جيدا - لا! لا أعرف! - كف عن هذا! لستُ حمقاء! منذ متى نعرف بعضنا؟ هل دعوتني مرة واحدة إلى منزلك؟ لا!! هل دعوتكَ أنا إلى منزلي؟ لا!! ووفاء؟ بعد دقائق... - لا أرى أي وجه للمقارنة! ويمكن أن يدخل منزلي أي شخص حتى بعد ثواني!! - لماذا إذن ثلاثة فقط دخلوه؟ - ... - محمد، ملاك و - لم تشأ الصدف... فقط! وليس مثلما تقولين! - شخصان فقط دخلا منزلي... ملاك و... وفاء! - هدفكِ من وراء كل هذا؟ - شعرتُ بذلك كل المدة السابقة... ولازلتُ... لكني أظن نفسي مخطئة... أشك في حبي لكَ... كل شيء في حياتي ملاك دائما الأهم فيه... في كل خطوة... مع أي شيء جديد يحدث... دائما أهم شخص عندي، أهم مرجع أعود إليه، أهم شيء أخاف خسارته... لا أحد غير ملاك!! - تُقارنين بين ما لا يُقارن... ثم هذا الكلام أظن أننا تجاوزناه؟ - نعم، ظننتُ ذلك... وملاك أيضا لازالت تظنه! - يعني؟ - لا أعلم - بل تعلمين! عندكِ مدة تُفكرين في كل شيء... وأكيد وصلتِ إلى نتائج! - كلام وفاء صحيح! لو كنتَ تُحبني حقيقة ما نظرتَ إليها! ثم، عندما تراجعتَ لم تهتم لي بل فقط لملاك! ونفس الشيء وقع معي! لم أهتم لكَ بل فقط لملاك! - يعني... أنا وأنتِ... لا شيء، وهم، أكذوبة... وملاك كل شيء... وهذا اكتشفته من وفائكِ... هذا ما قصدتِه؟ - لا أعلم! سأذهب إلى ملاك... أرجو أن تفتح لي! - مثلما تُريدين... - فكر فيما قلنا... ربما نكون على خطأ في كل شيء... وإذا كنا كذلك لماذا نواصل؟ - لا أظن أن... يوم القاعة... وهناك أمام كل الطلبة... كانا وهما! - ... سأذهب... وغادرتْ. لم أستغرب عدم اكتراثي كثيرا لكل ما قالته، وقلتُ أنه أمر عادي ألا أكترث لخدش بسيط في يدي عندما تكون ساقي مقطوعة وتنزف... بقيتُ بعدها وقتا قليلا، ثم غادرتُ. تسكعتُ طويلا بين الأنهج والأزقة، ومن حين لآخر كنتُ أطارد بعض القططة... استغربتُ من قلة الناس تلك الليلة، لكني رأيتُ ذلك... أحسن! فأنا لم أكن أرغب في رؤية أحد... فقط، أردتُ البقاء وحدي، ماشيا دون وجهة، وناظرا دون اهتمام لكل ما أمر به... لكني اهتممتُ عندما مررتُ بجانب مقهى عم صالح... عروس البحر... ودخلتُ... كان الضجيج وكان كثيرون يقفون ويحيطون بطاولة، الجميع يضحكون ويتكلمون في نفس الوقت... فتقدمتُ نحو من يحضّر الطلبات وطلبتُ قهوة، وما إن التفتّ من جديد نحو تلك الطاولة حتى كانا واقفان أمامي... سارة ورفيقها... - ماذا تفعل هنا؟ - عندي موعد - وفاء؟ جيد لم نرها منذ تلك الليلة، اتصلنا بها ولم نجدها، كيف حالها؟ بخير؟ - لا أعلم - آه... كنتما... والليلة ليلة الصلح؟ - لا... الحقيقة لا يوجد بيننا شيء - تريد أن تستغفلني؟ بعد منتصف الليل أنتَ وهي... هناك... ولا يوجد شيء؟ - نعم... الموعد ليس معها... رجل اسمه عم صالح... - لا... مستحيل! أكيد تمزح! - ...؟ - عم صالح... نجم هذا المكان! حبيب الجماهير! تعال إذن إنه هناك... والليلة بصفة خاصة... معه العمة صالحة! عندما تسللتُ بين الواقفين، رأيتُ عم صالح وبجانبه زوجته، وبقية الجلوس كانوا رجالا، ككل الواقفين، باستثناء سارة... ذكرني المشهد بأفلام شاهدتها عن الصيادين عندما يلتقون في مقهى أو مطعم بجانب مرسى سفنهم... وعندما رآني عم صالح، قدمني للجموع وقال أني: "ابن صالحة وصديقه الصغير" فأجابته العمة صالحة: "يا رجل استح عيب عليك لم يكفكَ اتهامي بالرجال لتزيدني أبناء..."، فردوا مساندين لها: "عجوز خرف يا صالحة لا تهتمي له"... فرد أنه أصغر وأصح منهم ويستطيع الإبحار وحده يوم عاصفة بعكسهم الجبناء الكسالى... فقالوا: "سبحان القوارير يا صالح" وعنوا الخمر التي تُذهب العقل ويغيب معها الحذر وتحضر الشجاعة. بقينا وقوفا، نسمع ونضحك، قرابة الساعة، ثم خرجتُ معهما... سارة ورفيقها... وائل... عرفتُ اسمه وقتها. وعند الباب لحق بي عم صالح، وطلب مني زيارة العمة صالحة كلما أردتُ ذلك... في كل وقت... فهي لا تُغادر المنزل، فوعدتُه أن أفعل في المستقبل. ثم دعاني وائل للذهاب معهما فاعتذرتُ، وعندها تكلمتْ سارة غاضبة: "إلى متى ستواصل هكذا! ناس لا يريدوننا وأنتَ تُصر!"، فاعتذرتُ منها، وقلتُ أن ما قالته غير صحيح، لكن فقط عندي واجب تلك الليلة عليّ القيام به للغد، واقترحتُ أن نلتقي مستقبلا، ولأؤكد صدقي اقترحتُ أن نحدد موعدا لذلك واتفقنا أن يكون السبت أو الأحد القادمين... فقبلا، وافترقنا.
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-17
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-16
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-15
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-14
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-13
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-12
-
الهولوهوكس: إلى كل التيارات الفكرية... دعوة وتحذير
-
الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب (
...
-
الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب (
...
-
الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب (
...
-
الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب (
...
-
الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب (
...
-
الحجاب بين ليبيا وأمستردام!
-
فيلة
-
وهم الدعوة إلى الإلحاد
-
الإلحاد والملحد والحرية (جزء سابع)
-
خرافة الهولوكوست وحقوق الإنسان... اليهودي!
-
الإلحاد والملحد والحرية (جزء سادس)
-
هل أنتَ منافق؟ (2)
-
هل أنتَ منافق؟
المزيد.....
-
الأردن يعلن إرسال وفود لدراسة الحالة الفنية والأمنية لإعادة
...
-
ألبر كامو: قصة كاتب عاش غريباً ورحل في ظروف غامضة
-
كتاب الفوضى.. قصة صعود وهبوط شركة الهند الشرقية
-
ترامب يعتبر جلسة تحديد عقوبته بقضية الممثلة الإباحية -تمثيلي
...
-
-زنوبيا- تُحذف من المناهج السورية.. فهل كانت مجرد شخصية خيال
...
-
عمرها 166 مليون سنة.. اكتشاف آثار أقدام ديناصورات في أوكسفور
...
-
الفنان عبد الحكيم قطيفان ينفي تعيينه نقيبا للفنانين في سوريا
...
-
تسجيل صوتي للمشتبه به في هجوم نيو أورليانز شمس الدين جبار: -
...
-
قضية الممثلة الإباحية تلاحق ترامب قبل أيام من تنصيبه
-
الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا وبيئتها
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|