تقليص مدد مهرجانات المسرح: أزمة استخفاف أم تحديات معقدة؟

حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري

الحوار المتمدن-العدد: 8209 - 2025 / 1 / 1 - 18:47
المحور: الادب والفن
    

"تقليص مدد مهرجانات المسرح في العالم العربي هو دليل على تزايد أعداد الذين يستخفون بهذا الفن وسط المشتغلين به." كانت هذه الجملة التي نشرها الناقد والكاتب السوداني عصام أبو القاسم على صفحته على فيسبوك الشرارة التي دفعتني للتفكير في واقع المهرجانات المسرحية العربية. هل يعكس تقليص مدد المهرجانات حقاً استخفافاً بالمسرح، أم أن الظاهرة أكثر تعقيداً مما تبدو عليه؟ وهل يمكن حصر أسباب هذه المشكلة في جانب واحد فقط، أم أن ثمة عوامل متعددة تساهم في صياغة هذا الواقع؟

سرد واقع المهرجانات المسرحية
لطالما كانت مهرجانات المسرح في العالم العربي متنفساً إبداعياً للفنانين وفرصة لعرض تجارب جديدة أمام جمهور واسع. لكنها اليوم تواجه واقعاً مغايراً. المهرجانات التي كانت تمتد لأسبوعين أو أكثر، أصبحت تقتصر على بضعة أيام تختصر البرامج، وتُلغى بعض العروض، ويتقلص الحضور الدولي.
بدأت أتساءل: لماذا يحدث هذا؟ هل فقد المسرح مكانته في مجتمعاتنا؟ أم أن هناك عوامل أخرى تلقي بظلالها على المشهد؟

التحديات الاقتصادية وسيف التقشف
أولى الإجابات التي وجدتها كانت في الأرقام والميزانيات. الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعديد من الدول العربية دفعت إلى تقليص الإنفاق على الثقافة والفنون. في بعض الأحيان، تُلغى المهرجانات تماماً، وفي أحيان أخرى تُختصر المدة لتقليل التكاليف. يبدو أن المسرح، كما هو حال الفنون الأخرى، يدفع ثمن هذه الأزمات. لكن هل يمكن اختصار الأمر كله في المال؟ بالطبع لا.

نقص التمويل وأثره على الفاعلية
في الماضي، كانت الحكومات العربية، إلى جانب مؤسسات خاصة، تقدم دعماً سخياً للمسرح. إلا أن هذا الدعم تراجع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. حتى المؤسسات الثقافية التي كانت تلعب دوراً أساسياً في دعم الفنون أصبحت تعاني من الضغوط الاقتصادية. والنتيجة هي اضطرار المنظمين لتقليص المهرجانات، مما أدى إلى انطباع قد يكون خاطئاً بأنهم يستخفون بالفن.

ضعف الجمهور وتراجع الحضور
المسرح لم يعد يجتذب الجمهور كما كان في السابق. مع تطور السينما وانتشار المنصات الرقمية، أصبحت خيارات الترفيه متعددة وأكثر سهولة. الأجيال الجديدة، على وجه الخصوص، تفضل المحتوى السريع والمبسط على حضور عرض مسرحي طويل. في ظل هذا الواقع، يحاول المنظمون التكيف مع جمهور متغير، مما يدفعهم إلى تقليص مدد المهرجانات والتركيز على العروض التي يُعتقد أنها ستلقى رواجاً أكبر.

استخفاف أم واقع مفروض؟
بالعودة إلى مقولة عصام أبو القاسم، قد يكون هناك شيء من الحقيقة في كلامه. في بعض الحالات، يظهر الاستخفاف بفن المسرح، سواء من بعض المشتغلين به أو من المؤسسات التي يفترض أن تدعمه. لكن من الظلم اختزال المشكلة في هذا التفسير فقط.

الواقع أكثر تعقيداً. تقليص مدد المهرجانات ليس مجرد خيار، بل هو نتيجة لتشابك عوامل اقتصادية، ثقافية، وإدارية. المشتغلون بالمسرح أنفسهم يعانون من هذه التحديات ويحاولون الحفاظ على هذا الفن رغم كل الصعوبات.

هل هناك أمل؟
رغم كل شيء، فإن المسرح لا يزال موجوداً. قصير المدة أو طويلها، يظل المسرح حياً بفضل جهود المبدعين الذين يؤمنون برسالته. لكن إن أردنا أن نرى مهرجانات مسرحية حقيقية وقوية، علينا أن ندعم هذا الفن على كل المستويات: مادياً، ثقافياً، ومجتمعياً.

في النهاية، مقولة عصام أبو القاسم ليست مجرد نقد، بل هي دعوة للتأمل. علينا أن نتساءل: هل نحن فعلاً نستخف بالمسرح، أم أننا عاجزون عن مواجهته؟ الإجابة على هذا السؤال ليست فقط ضرورة لفهم الأزمة، بل أيضاً خطوة نحو تجاوزها. المسرح هو مرآة المجتمع، وإذا اختفى، فقدنا جزءاً كبيراً من هويتنا الثقافية.

#حسام_موسي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات