|
احمد عدوية والتغيير
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8208 - 2024 / 12 / 31 - 12:53
المحور:
قضايا ثقافية
مات احمد عدوية الذي كان قد اختار : اي توقفت قدرته على الاستمرار في انتاج ما كان قد تخصص في إنتاجه ، بعد ان ذاع صبت ما أنتجه وحقق انتشاراً واسعاً سريعاً …
كان احمد عدوية مطرباً : استحقّ هذا الاسم لاجتهاده في الإتيان بجملة موسيقية وسمت طريقته في الغناء (تسمى عراقياً لونه او طوره الغنائي ) ، فامتلك مقاماً واضاف قاعدة جديدة للطرب ( وكدتُ أقول للطرب الأصيل ) ، ذلك لان الأصالة عندي ان تأتي بالجديد حتى لو قام هذا الجديد على انقاض الاصول القديمة . وفي مجال الموسيقى : الإتيان بنغم جديد ترقص على إيقاعه الجموع الغفيرة ، ولا تهتم جدلية الإتيان بالجديد برأي حراس المقامات الموسيقية التي كتبها السلف ( الصالح ) ذات يوم ،وتشدد هؤلاء الحراس في دفاعهم متأت من أنهم لم يمر بخلدهم ان هذه الأصول تم اختيارها من بعض نغم شفاهي كان سائداً تمكن صاحب كتاب ، " الأغاني " مثلاً ان يسمعه ، وأن يدون من هذا السماع : فقط ما سحره ، وخطف لبه ، وجعله يشنف السمع اليه ، ولم يدون النغم الآخر الذي لم يكن على درجة عالية من التطريب ( وتستطيع ان تستشف ذلك من ان فصول الكتاب الرائعة تنتهي باللازمة : صوت ، التي يذكر فيها " أبو فرج الاصفهاني " الأبيات الشعرية المغناة : المسبوقة دائماً بشرح مفصل لمناسبة قول الأبيات الشعرية في روايات متعددة السند ( وهذه روعة الكتاب ) لكن لنكتشف منها انها حكايات عليّة القوم وارستقراطيهم ، فأبو فرج الأصفهاني كتب من النغم ما كان يثير طرب عليّة القوم ، ولم يلتفت إلى الأغاني التي ترددها الجموع في أتراحها وأفراحها : والتي سترويها شفاهاً إلى الأجيال اللاحقة ، ومن نغماتها الشفاهية سيلتقط احمد عدوية وداخل حسن وشعبان عبد الرحيم ورياض احمد نغمته الموسيقية …
وهذه الطريقة في تدوين : ما سيصبح اصولاً لا تحمل اي لون من ألوان التآمر والخيانة ، انها الطريقة المعيارية التي اتبعها وسيتبعها كل من ألّف كتاباً : المعرفة انتقاء وليست تذكر ( واعتذر هنا من أفلاطون ) انها اختيار شيء من أشياء : وفي هذا الاختيار تكمن حرية المؤلفين الذين سيصبحون أحراراً بقدر انتشارهم شعبياً : وليس بقدر نقلهم للأصول والقواعد المتقدمة عليهم زمنياً ، اذ لا يوجد متقدم ومعاصر . في المعرفة والثقافة الشعبيتين : يوجد انتقاء واختيار ، وأحمد عدوية انتقى واختار ، واختار غيره ايصاً ولكن ما اختاره غيره لم ينتشر ولم يصبح مقاماً وقاعدة في الغناء ، وما اختاره احمد عدوية : انتشر فأصبح مقاماً وقاعدة في الغناء…
وثمة طرق أخرى للاختيار ، يعتمد انتشارها على تحريك كوامن الجمال التي جمدها التكرار الطويل : وهذا ما حدث في الثورة على عمود الشعر وانتشار شعر التفعيلة او الحر ومن بعده قصيدة النثر : لأن ثمة من حركت النصوص الجديدة الراكد من مواهبهم وخيالهم وحركت لديهم الطموح باقتحام عوالم جديدة، والتخلص من هيمنة قواعد لم تعد تحمل فتنة الإثارة …
وقد تم طرق الأبواب حتى على عالم السياسة المغلق والإطاحة بحججه عن شرعية السماء التي كلفته بحراسة الأصول والقواعد . فقد تم كسر هذا المنطق القديم في مصدر الشرعية ، وجاءت الحداثة السياسية بمنطق جديد للشرعية السياسية ، وبالتالي لشرعية إدارة الحكم . لقد تعاطف الناس مع الطرق الجديدة في تبديل الأنظمة السياسية ، وسحرتهم سرعة تغيير ما كانت الجماهير قد يأست من تغييره . وهكذا سحر التغيير الخاطف للانقلابات العسكرية ( بغض النظر عما آلت اليه الأمور بعدهما ) التي غيرت نظام الوراثة الملكية في مصر 1952 وفي العراق 1958 ، الأكثرية ، فنحول هذا التغيير السريع الانقلابي إلى قاعدة ومقام سياسي جديد استمر فاعلاً لأكثر من نصف قرن في اقليم الشرق الأوسط . وقد حظي التغيير السريع ( الذي لم يكن على مثال سابق ) ولم يكن متوقعاً ، وكان صادماً ،ومفاجئاً للجميع الذي قامت به السلفية الجهادية في سوريا ) بتعاطف شعبي عارم : لأنه حقق التغيير بطريقة غير معهودة وغير تقليدية ( رغم تشبثه بمقولة الأصول والدفاع عنها ) وهكذا قد يتحول هذا النموذج التغييري من نماذج الحروب الإهابة إلى مقام جديد في التغيير قد يتم النسج على منواله في أمكنة أخرى . كما حدث للانقلابات العسكرية لاحلاً …
لم يتم إلقاء ضوء كاف على اثر الموسيقى والغناء والرقص على سيرورة التغيير والتحديث .
لويزيانا 31 ديسمبر 2024
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يقبل احمد الشرع الحلقة التلفزيونية التي اعدها الإعلامي اح
...
-
وتستمر الهزيمة : ثانياً
-
أَنا اخترتُ
-
ورحل طاغية آخر
-
تداول السلطة على الطريقة السورية
-
موقف التيار الصدري : موقفاً صحيحاً
-
وتستمر الهزيمة
-
بعض مفاهيم المقاومة الإسلامية
-
المقاومة والمقاومة الإسلامية
-
أنا إنسان
-
أنا حزين
-
ضاحية بيروت
-
ترجم الموروث الديني والأدبي
-
الفردانية وولاية الامة على نفسها
-
إعصار فرنسيس
-
الكتابة إلى الذات - الجزء الثالث -ابتكارالكتابة
-
رسائل إلى الذات - الثالث - ابتكار الكتابة
-
الكتابة إلى الذات : الابتكار / الجزء الثاني
-
الكتابة إلى الذات
-
الرد الايراني
المزيد.....
-
تحليل.. الفراغ الأمني بسوريا وما يقلق أمريكا من داعش إلى -ال
...
-
تعديل المناهج في سوريا ـ توجه لفرض فكر أحادي في بلد متعدد؟
-
الأحذية الرياضية السميكة ـ هل هي السبب في زيادة الإصابات؟
-
وفد سوري رفيع المستوى يغادر الرياض بعد عدد من اللقاءات والاج
...
-
الدفاعات الروسية تسقط 22 مسيرة أوكرانية غربي البلاد
-
جونسون: إدارة بايدن لم تعط الأولوية لـ-الأشياء الصحيحة-
-
الجامعة العربية تعتزم إيفاد مبعوث إلى دمشق للقاء الإدارة الج
...
-
وصول وزير الخارجية الفرنسي ونظيرته الألمانية إلى دمشق
-
مكتب التحقيقات الفيدرالي يعلن إحباط مخطط لمهاجمة منظمة مؤيدة
...
-
تأثير توقيت الوجبات على صحة الجسم وزيادة الوزن
المزيد.....
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|