|
في سقوط دمشق والعجز العربي
عبد القادر معيوف
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 16:19
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
بنفس تلك الركاكة الإعلامية لقنوات البترودولار وبنفس اللحي وتكبيرات العملاء المرتزقة، تسقط دمشق كما سقطت بغداد و كما سقطت طرابلس لتثبت لنا أن العرب لا يتعلمون أبدا من دروس الماضي وأن الخيانة متأصلة في عروقهم ولا يتنظر منهم شيئا في الوقت الذي إبتلع فيه المحتل العثماني شمال سوريا وتتوغل فيه القوات الإسرائيلية متخطية حدود اتفاق فك الاشتباك لسنة 74 إلى أن وصلت لريف دمشق والله أعلم إلى أي مدى ستواصل تقدمها بعد أن شنت أعنف هجوماتها عبر التاريخ على مراكز الجيش السوري. إنه زمن الرداءة يا صديقي، قنوات الجزيرة والعربية والحدث وغيرها من إعلام البترودولار يبارك سقوط دمشق بعد ان لعبت أنظمتهم دورا كبيرا في التآمر عليها لسنوات، صور ووثائقيات على قصور النظام وسجون النظام وما يحدث من انتهاكات، على أساس أن قطر والسعودية والإمارات جنات من الديموقراطية والتداول السلمي على السلطة وليست دول كهنوتية لم يسبق فيها لمواطنيها رؤية صناديق الانتخاب إلا عبر شاشات التلفاز، دول حلوب للقوى الاستعمارية التي صنعتها والتي تتواصل في حمايتها كما يحمي الصياد كلبه الوفي! تمنينا مثلا أن أن يقدموا لنا قصور آل سعود أو قصور ابن موزة أو ما يحصل في سجونهم وطريقة تعاملهم مع معارضيهم، وهنا أذكر الصحفي جمال خاشقجي وتلك الطريقة الوحشية التي تم بها التخلص منه وإذابة جثته، والشاعر القطري محمد بن الذيب المحكوم ب15 سنة سجنا لا لشيء إلا لقصيدته عن الثورة التونسية والتي يقول فيها "آه عقبال البلاد اللي جهـل حاكمهـا -يحسب ان العزّ بالقـوات الامريكيـة .
ممالك البترودولار والتدمير الممنهج للفكر العربي الكثير لا يعرفون أن خريطة الخليج العربي وحدوده اليوم هي وليدة المخابرات البريطانية والسير "برتي كوكس" ، ففي معاهدة العقير 1922 مثلا وفي اجتماع حضره الملك عبد العزيز آل سعود والميجور مور (المعتمد السياسي البريطاني في الكويت) ووزير المواصلات والأشغال العرافي في حينها صبيح بيك نشأت، رسم السير كوكس بنفسه وبالخط الأحمر الحدود على خريطة التي اعتمدت من قبل الأطراف الثلاث وتقرر بناء عليها إنشاء منطقتين محايدتين الأولى بين الكويت والسعودية والثانية بين العراق والسعودية. والسير كوكس لمن لا يعرفه هو أيضا مهندس وممثل بريطانيا في معاهدة دارين – القطيف سنة 1915 والتي رسمت السياسة العامة للمملكة وتعهداتها امام التاج البريطاني مقابل الحماية. و يذكر أن علاقة عبد العزيز بالبريطانيين تعود إلى عدة سنوات قبل ذلك ، فعلاقته بشكسبير العرب (الضابط وليام هنري شكسبير) تعود لسنة 1909 أين التقيا بالكويت ، ومن حينها التحق شكسبير بعبد العزيز حيث كان له دور فعال في السيطرة على إقليم الإحساء وطرد العثمانيين منه في 1913، وأثناء الحرب العالمية الأولى عندما عاد ابن سعود إلى نجد لحق شكسبير به ليشاركه في الأعمال العسكرية وليصل به الأمر إلى قيادة جيش آل سعود في صراعهم مع آل رشيد (المدعومين عثمانيا) أين قتل في معركة جراب سنة 1915 ليخلفه جون فيلبي الذي كان له دور مهم في انتصار آل سعود على الشريف حسين ؛ يكشف لنا الأرشيف البريطاني عبر نشره لعديد المراسلات مدى عمق العلاقة بين عبد العزيز والتاج البريطاني ، ففي رسالته مثلا إلى القنصل البريطاني بي جي لوك بتاريخ 6 فبراير 1917 طلب عبد العزيز أن تدفع له بريطانيا راتبه ذهبا وليس بالروبية لانعدام تداولها في الجزيرة العربية ! هذا جزء عن التأسيس، اما عن التاريخ المعاصر فلطالما كانت المملكة أداة وبقرة حلوب في يد الإمبريالية الغربية، بداية من محاربتها للخط القومي العربي بقيادة عبد الناصر مرورا بتمويلها للمجاهدين في أفغانستان في حربهم ضد الإتحاد السوفييتي نيابة عن الولايات المتحدة وتمويلها لحربي الخليج الأولى والثانية وما أديا إليه من تدمير كلي للعراق، وصولا لما حصل ويحصل في سوريا طبعا مع التطبيع الكلي الغير معلن مع العدو الإسرائيلي. اما عن محمية تميم بن موزة، فالتاريخ لا يمكن أن ينسى أن نظام والده قام ببناء قاعدة العديد سنة 1996 بأمواله الخاصة ليهبها للولايات المتحدة كي تكون أكبر قاعدة أمريكية بالمنطقة (10 آلاف جندي) قبل قاعدتي الضفرة بأبو ظبي (5 آلاف جندي) والأمير سلطان بالسعودية (5 آلاف جندي)، ويذكر أن الحكومة القطرية قامت بأشغال توسعة لهذه القاعدة فاقت 8 مليار دولار سنة 2018 قبل الموافقة في التمديد بالوجود العسكري الأمريكي ل10 سنوات أخرى أوائل العام 2024. وفي سياق الحديث عن هذه المحمية ، نريد أن نذكر أنه لا يوجد فيها أصلا حياة سياسية ، فسلطة الأمير هي سلطة مطلقة يعززها نظام التقديرية للقانون الذي يسيطر عليه الأمير، ومجلس الشورى (الذي يعين الأمير ثلث أعضائه) لا يتعدى دوره دورا استشاريا ، كما نذكر أن أول انتخابات حصلت (2021) عرفت منع مشاركة الآلاف تحت شرط "الجنسية القطرية الأصلية" أي من حصل أجدادهم فقط على الجنسية، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات شملت الكثير من القبائل العربية وعلى رأسهم آل مرة والذين قام حمد بتجريد الآلاف منهم من الجنسية القطرية سنة 2005 كضريبة لعدم دعم شيوخ القبيلة لانقلابه على أبيه ومشاركتهم فيما سماه مؤامرة 1996 عند محاولة والده استرداد السلطة منه. في هكذا محمية جهلوتية، تطل علينا مكنة إعلامية ضخمة لتتكلم باسم نشر الديموقراطية في العالم العربي موظفة في ذلك الآلاف من الإعلاميين والمحللين الضيوف المرتزقة ، مكنة يلتقي مديرها دوريا مع السفارة الأمريكية حسب ما نشرته وثائق ويكيليكس لتلقي الأوامر وتقديم فروض الطاعة ، فقد نجحت هذه المكنة في تدمير ممنهج للفكر العربي ، فاليوم مثلا صار من العادي أن تبث خطابات نتنياهو وجنرالاته مباشرة وأن تصل الرواية الغربية أو الصهيونية مباشرة للعائلات العربية عبر شاشات التلفزة وتسويقها بطرق مباشرة وأخرى مخفية تحت مسمى الرأي الآخر وذلك ضمن مخطط كامل للتطبيع ، مخطط يقوم على تشجيع المذهبية ، الطائفية ، الدعم اللامشروط لعصابات الإسلام السياسي كيف لا وقد نجحت أكبر نجاح في أن تقدم لأمريكا وإسرائيل مالم تحلم يوما بتحقيقه بتدميرها للعراق وليبيا وأخيرا سوريا ، ففي اللعب المتعمد على المعاني حولت هذه المكنة الجيش الليبي مثلا إلى كتائب القذافي والجيش العربي السوري إلى شبيحة الأسد والجيش اليمني إلى ميليشيات الحوثي ومجرمو جبهة النصرة (الذين كونتهم وجهزتهم الولايات المتحدة منذ 2004 حسب مكاشفته حديثا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) إلى كتائب الثوار ، ومرتزقة تركيا من إخوان إلى جيش حر تجلت حريته التامة قي رفع العلم التركي على قلعة حلب مقدمة صورة كاريكاتورية لواقع سوري مرير ! وأمام هذه الفوضى وكل هذا التدمير لايزال يطل علينا إعلاميو العهر ليعطونا دروسا عن الديموقراطية والحرية من بلد الجهلوت السياسي ونظام أشبه بالعبودية، لا أعيب على بعظهم إلزاميات العمل او حتى جني الدولارات، ولكن احترموا قليلا عقولنا، احترموا قليلا البلدان التي جئتم منها، فكيف يمكن ان يبارك أحد احتلال بلده او تدميره ويرقص على جثث أبناء شعبه ! وهل هناك أكثر من هكذا خيانة؟ ولا يسعني هنا إلا ان أستحظر مقولة للشهيد ناجي العلي "أخشى ما اخشاه أن تصبح الخيانة يوما ما وجهة نظر!"
التقسيم وتجزئة المجزء إن أجندات أي محتل وأي عملاء، لا يمكن أن تمر دون تدمير أي قوة مركزية من الممكن أن تقف عقبة أمام أهدافه، فتقسيم المنطقة من طرف القوى الاستعمارية ليس بالأمر الجديد، انطلاقا من سايكس بيكو في 1916 ووعد بلفور 1917 ووصولا إلى كوندوليزا رايس والشرق الأوسط الجديد في 2006 و جو بايدن ونظريته في تقسيم العراق وسوريا إلى مناطق حكم ذاتية حيث أعلن سنة 2014 عن دعمه المباشر لتقسيم العراق إلى 3 دويلات : كردية بالشمال ، سنية بالوسط وشيعية بالجنوب . لا يدرك الكثيرون أن التركيبة الإثنية في العراق وسوريا معقدة، وإن كان هناك مناطق مشتركة إلا ان الخارطة ومنذ زمن طويل ضلت مقسمة في لأغلبها من مناطق نفوذ وتمركز يقومان على أسس عرقية ودينية، وقد حاولت القوى الاستعمارية وأذنابها تكريس هذه التقسيمات وهنا نستذكر تقسيم سوريا عقب الانتداب الفرنسي، فبين سنتي 1920 و 1921 قام الجنرال غورو بإصدار عدة مراسيم هدف من خلالها إلى تقسيم سوريا تقسيما طائفيا وذلك بإحداث 6 دويلات : - دولة دمشق - دولة حلب - دولة العلويين - دولة لبنان الكبير - دولة جبل الدروز - لواء إسكندرون المستقل، والذي وهبته فرنسا لتركيا الأتاتوركية في 1939 وبالتالي فإن فكرة التقسيم وتدمير أي قومة مركزية ليست وليدة اليوم خاصة أن التجربة أثبتت أن فكرة الدويلات الضعيفة المبنية على أسس عرقية ودينية فكرة ناجحة للغرب وخاصة لإسرائيل ، وهذا ما يحدث مع دول الخليج المنزوعة السيادة والمتكالبة من أجل التطبيع مع إسرائيل (الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي في 2020 كنموذج) والتعامل معها وعقد الصفقات، فاليوم مثلا يبلغ معدل الرحلات الأسبوعي بين دبي وتل أبيب حوالي 77 رحلة ، أيظا إستحوذت قطر سنة 2018 حسب يديعوت أحرونوت على حوالي 75 بالمئة من الصادرات الإسرائيلية للمعدات العسكرية والذخيرة، هذا إضافة لتمويلها المعلن لعديد الجمعيات الصهيونية كإعلان جمعية "أنقذ قلب الطفل" العبرية والناشطة في إسرائيل تلقيها منحة قطرية بقيمة 5 مليون دولار، هذا ولا ننسى طبعا التطبيع الرياضي واستقبال البعثات الرياضية الصهيونية في مختلف الرياضات وما خفي كان أعظم. فالتقسيم إذا، وخلق أشبه بالدويلات يعتبر هدف أساسي للقوى الاستعمارية بما فيها الإقليمية للسيطرة على مقدرات المنطقة ووسيلة تضمن البقاء لإسرائيل وضرب أي مشروع مقاومة، لذلك ومنذ سنوات تتوالى دعوات القادة الصهاينة لتقسيم المنطقة وهنا نستحضر دعوة وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيجدور ليبرمان في 2016 إلى ضرورة تقسيم العراق وسوريا تقسيما طائفيا ودينيا وهو ما سوف يساعد حسب قوله على الاستقرار والسلام في المنطقة! ومنذ اليوم الأول لاحتلال دمشق ، وبعد رفع العلم التركي وسط عاصمة الشمال السوري حلب (بما في ذلك من رمزية) والفرحة التي لم تخفها السلطات التركية ، توغلت إسرائيل في العمق السوري إلى ما خلف الجولان لتصل لحدود ريف دمشق بعد تدميرها الممنهج لكل مواقع الجيش السوري لتصل إلى حدود 20 كيلومتر من دمشق وليعلن نتنياهو من على قمة جبل الشيخ المطلة على دمشق وعلى مرتفعات الجولان انتصاره وتدميره للجيش العربي السوري وتوجيهه لأكبر صفعة لإيران وإلى محور المقاومة وتصوره القادم لمستقبل المنطقة ورؤيته الجغراسياسية حيث يقول بالحرف : "قلت إننا سنغير شكل الشرق الأوسط ونحن نفعل هذا، ولم تعد سوريا نفس سوريا، لبنان لم يعد نفس لبنان، غزة لم تعد نفس غزة ورأس المحور، إيران لم تعد نفس إيران."
قوى اليسار العربي بين دعاوى الحرية والسذاجة السياسية لاتزال قوى اليسار العربي تعيش في عزلة عن حقيقة ما يتتالى من أحداث، لا تتعلم من تجاربها ولا تقيم تحالفاتها السابقة و لاتزال ترفض تشخيص الواقع والتفريق بين الثورات التي يقودها فكر ثوري والانتفاضات الاجتماعية السهلة الاختراق التي ابتلعتها القوى الظلامية واستغلتها من أجل تدمير الأوطان وخدة المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة. لا يمكن أبدا إنكار ما عرفته تجربة الأحزاب والتوجهات القومية (الناصرية في مصر والبعثية في العراق وسوريا واشتراكية القذافي في ليبيا) من استبداد سياسي وتحولها من أنظمة وأحزاب ثورية المبدئ إلى بيروقراطيات لا تتوافق مع ما تتطلع له الشعوب وما بفرضه العصر من مفاهيم متعلقة بالديموقراطية والحريات. فتجربتها أفرزت معارضات كثيرة شملت الكثير من التيارات السياسية من يمين ويسار، ولكن وخاصة الأحزاب الدينية المدعومة أساسا من أنظمة الكهنوت القروسطية بالخليج العربي (السعودية وقطر)، إلا أن العجيب هو خروج بعض الوجوه اليسارية والقيادات لمباركة تدمير واحتلال دولهم تحت مسمى يسقط النظام! فلقد أثبتت التجربة أنه لا مكان للأحزاب اليسارية في مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة: - ففي العراق تتشكل الخارطة السياسية أساسا من أحزاب ذات توجهات دينية (كالتيار الصدري وائتلاف الفتح) أو عرقية (الأحزاب الكردية) - وفي ليبيا تنقسم البلاد إلى مناطق سيطرة: الشرق تحت سلطة الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر والغرب إخوان ليبيا المدعوم من حلف شمال الأطلسي بقيادة تركيا - واليوم في سوريا، تتصدر قيادات النصرة والإخوان المشهد وتقتسم المراكز السيادية بينها، فالفوضى التي صاحبت سقوط الأنظمة، هيأت المجال للقوى الراديكالية المدعومة خارجيا لتسيطر على العامة ومن ثمة على المشهد الاجتماعي والسياسي في ضل تحالف تام لهذه الأحزاب مع قوى الاحتلال، بل تذهب لأكثر من ذلك لتشرعنه كما حصل الأمر في ليبيا عن إنزال قوات تركية على أراضيها بمباركة أمريكية، أو في سوريا وما يحصل في الشمال مع تقدم القوات الموالية للمحتل العثماني! في نفس الوقت، تظل القوى اليسارية منقسمة على نفسها، البعض منها يصل به الحال ليوالي أحزابا دينية ويرمي بنفسه بين أحضانها وخاصة حركة الإخوان ومكنتهم الإعلامية الضخمة والمتمثلة في قناة الجزيرة، فتراهم مستعدين لفعل أي شيء من أجل الظهور في مثل هذه الوسائل الإعلامية من أجل دور واحد يصب في خانة الأجندة الإخوانية ودون إدراك تام كونهم سيكونون العدو المقبل والذي لن يتهم بالعمالة والخيانة هذه المرة بل بالكفر والزندقة وسيحل دمه! وأن شعاراته عن الحرية والعدالة الاجتماعية ستقابلها القوى الراديكالية بأوليات وشعارات جديدة كالدولة الدينية والبيعة وتطبيق الشريعة وفرض الحجاب وغيرها هنا أدعو الإخوة من الاستفادة من الدرس التونسي: فتونس عقب سقوط نظام بن علي لم تعرف الفوضى التي شهدتها ليبيا أو مصر مثلا ولا انقسامات ذات صبغة عرقية أو مذهبية ، ولكن مع ذلك ومنذ أول انتخابات حصلت ظهر للعموم سطوة إخوان تونس نظرا لإمكانياتهم وتأطيرهم ومكناتهم الإعلامية المحلية والخارجية وخاصة قناة دكتاتور قطر التي تجندت لإيصالهم للحكم وليتغلغلو أكثر فأكثر بين مكونات المجتمع وخاصة الفئات المحرومة متحالفين في ذلك مع الحركات المتطرفة الدينية، فقدمو أنفسهم كمنقذين للبلد واللا مساومين على مبادئ الثورة (لا يمكن لأي تيار سياسي في تونس وخاصة الإسلاميين أن ينسبوا لأنفسهم هذه الانتفاضة التي كانت عفوية ودون قيادات واجندات سياسية وأبعد ما يكون عن الدين) ومن أجل الوصول للسلطة لم يترددوا يوما في مهاجمة وتشويه خصومهم السياسيين الجدد وخاصة اليساريين أصدقاء الأمس (كنجيب الشابي وحمة الهمامي وغيرهم) بكل الوسائل بل وصل الأمر بالتحريض على القتل والتصفية وهو الذي حصل بالفعل للقائدين اليساريين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي، غير أنهم في النهاية أقاموا صلحا مع الدستوريين (خصوم الأمس) واقتسموا الدولة فيما بينهما وركزوا نظاما سياسيا ضعيفا يسمح لهم بضمان وضع اليد على السلطة في تونس ، فالنظام البرلماني الذي تم إقراره في حينها لم يكن له أي إمكانية ليعبر بالبلد إلى الأفضل بل حول دوائر الدولة إلى دوائر تعمل لمصالح رجال الأعمال معينين فصرنا نرى نوابا يعملون عندهم ويتقاضون رواتب ويسنون قوانين كاملة خدمة لمصالح أولياء نعمتهم! ومنذ انتخابات 2011 اختار الكثير ممن يحسبون على التيار اليساري التحالف والانبطاح الكلي لحركة النهضة الإخوانية فيما سمي حينها بالترويكا وإلى حين عودة الروح والتنظيم للدستوريين ليشكل الاثنان نظاما سياسيا بجناحين مختلفان خارجيا ومتفقان داخليا يسوقان إلى فكرة واحدة أنه لا مكان لاي توجه سياسي ثالث في ضل حضورها وأنهما حجرا أساس أي نظام سياسي يمكن في يوم ما أن يحكم تونس! في المقابل ضل حضور معظم القوى اليسارية هامشيا وعاجزا رغم حصولهم على عدد لا بأس به من المقاعد الانتخابية وذلك في ضل صراعات وانقسامات قياداتها وولاءاتها المختلفة وعدم تخطيها لمرحلة المراهقة السياسية، ونذكر هنا صراع حمة الهمامي مع زملاءه بالجبهة الشعبية (ثالث القوى السياسية في انتخابات 2014) مما أدى في النهاية إلى انهيارها وانقسامها! لقد كان لإعلان 25 جويلية / يوليو 2021 صدى كبير في تونس، واعتبرتها أغلبية الشعب خطوة مهمة للقطع مع ما تم تسميته بالعشرية السوداء ، ولا يهم الحديث عن هذه التجربة التي حدت من توغل المكنة الإخوانية والتيارات الراديكالية وسلطة رجال الأعمال بقدر الحديث عن الدور الذي لايزال يلعبه اليوم بعض قادة اليسار التونسي الذين عانو الويلات في منظومة ما بعد الثورة في التسويق والتشويه للنظام الحالي ليس بدافع النقد والبناء بقدر ما يخدم الأجندات الخارجية والقوى المتربصة بالبلد والتي تسعى منذ سنوات إلى نزع الاستقرار في تونس وإرساء نظام ولاءه للخارج قبل الداخل.
التوسع الصهيوني وما تتبقى من القضية الفلسطينية قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الإثنين 23 ديسمبر 2024 في أول اعتراف علني "سنضرب الحوثيين بقوة، ونستهدف بنيتهم التحتية الاستراتيجية، ونقطع رؤوس قياداتهم، تماماً كما فعلنا مع هنية، ويحيى السنوار، وحسن نصر الله في طهران وغزة ولبنان، وسنفعل ذلك في الحديدة وصنعاء – لقد أسقطنا نظام الأسد في سوريا، ووجهنا ضربات قاسية لمحور الشر، وسنضرب بشدة أيضاً منظمة الحوثيين الإرهابية في اليمن التي لا تزال آخر منظمة تستهدف إسرائيل" بسقوط دمشق ، قطع الخط الرابط بين المقاومة وداعميها ، فلا أحد ينكر التسهيلات التي كان يقدمها النظام لحركات المقاومة من تزويد بالأسلحة والصواريخ واحتضان لمكاتبهم وقياداتهم ، فالنظام هو الذي مكن المقاومين في لبنان وفلسطين من صواريخ الكورنيت التي حولت المركافات الإسرائيلية إلى توابيت متنقلة لتغير إحدى اهم المعادلات في الاجتياحات البرية الإسرائيلية ، وبهذا السقوط ينقطع شريان حياة المقاومة خاصة أن حكام سوريا الجدد من نصرة وتحرير الشام لا يرون في إسرائيل عدوا بل يذهب ماهر مروان (محافظ دمشق - قريب أحمد الشرع) للتصريح بأنه ليست لديهم مخاوف تجاه إسرائيل وأن مشكلتهم ليست معها وان دمشق لا تسعى للتدخل في أي أمر يهدد أمن إسرائيل أو أمن أي دولة أخرى في المنطقة وان الشعب يريد السلام والتعايش لا الخلافات ! بهذا التصريح ترتسم لنا خطوط المرحلة القادمة التي ستجتمع في نهايتها على مبدأ حماية إسرائيل، وبالتالي من المنتظر التضييق أكثر فأكثر على حركات المقاومة وإقحامها في صراعات داخلية، طائفية ومذهبية. 450 يوما من الاعتداءات الصهيونية على غزة أكثر من 45 ألف شهيد وحوالي 100 ألف جريح، ولاتزال آلة القتل والذبح الصهيونية مستمرة في جرائمها امام صمت العالم وثوار النيتو وخدم العثماني الجديد ، الدم العربي يراق على مرأى العالم في الوقت الذي يرقص فيه الخونة والسذج طربا لسقوط عاصمة عربية بحجم دمشق ! آلاف المليارات دفعتها دول الخليج لإسقاط سوريا وشحن إعلامي وديني مستمر فقط خدمة لاجندات الولايات المتحدة وإسرائيل، في الوقت الذي لم تحرك ساكنة أمام ما يتعرض له إخوتنا في فلسطين ، بل يذهب الأمر إلى تسويق خطابات مذهبية وتحريضية ضد محور المقاومة أو ما تبقى منه ! وهاهي اليوم إسرائيل تواصل عدوانها وتوسعها في إطار حلم إسرائيل الكبرى وتماشيا مع الخرائط التي قدمها نتنياهو في الأمم المتحدة ب2023 والتي لا يوجد بها لا غزة ولا ضفة والتي تقسم المنطقة إلى قسمين : بلدان النعمة (المطبعة وتشمل مصر والسودان ودول الخليج العربي) وبلدان نقمة (الدول التي تعادي إسرائيل) مع تواطئ غربي وعربي مفضوح . إنه لمن المؤسف أن نعترف بحقيقة ما يحدث في هذا الواقع الجديد، فبعد النكبة والنكسة وحصار بيروت وحربي الخليج وسقوط بغداد وسقوط طرابلس، تضاف صفحة جديدة من البؤس سيستمر أثرها لعشرات السنين بسقوط دمشق وإحتلال حلب ، صفحة لن ترسمها الشعوب بقدر ما سيرسمها العملاء والمرتزقة ، صفحة لن تكون سهلة على قوى المقاومة وإستمراريتها ، والأكيد ان الأحداث لن تقف عند سوريا وإن الطريقة التي أعتمدت من تدريب وتسليح للعصابات سيتم الإعتماد عليه لتدمير دول عربية أخرى وخاصة كل من مصر والجزائر بإعتبارهما القوتين المتبقيتين التين لم تسقطا بعد في يد أدوات المشروع الأمريكي في المنطقة الممولة من ممالك التخلف الوهابية من قطر والسعودية... نرجو الله أن يحفظ اوطاننا لكن علينا أيضا أن نعي الدرس جيدا ...
#عبد_القادر_معيوف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى - دروس 100 يوم
-
شكرا لطوفان الأقصى
-
أزمة الخطوط التونسية وشيطنة العمل النقابي
-
مراجعات في زمن الكورونا
المزيد.....
-
مداخلة الرفيق جمال براجع في ندوة حول “طبيعة الأحداث في سوريا
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي المكتب السياسي : بيان
-
التاريخ في مواجهة اليمين المتطرف.. ابنة ناجين من المحرقة تقي
...
-
موقع إخباري: الدفاعات الجوية التركية تسقط مسيرة لـ-حزب العما
...
-
م.م.ن.ص// سنة جديدة كلها أمل في نضال الشعوب ضد عالم الاستغلا
...
-
ما وراء سقوط الأسد؟
-
الصين تصدر مذكرة اعتقال بحق النائب السابق لرئيس قسم الدعاية
...
-
بيان حزب النهج الديمقراطي العمالي بجهة أوروبا الغربية
-
سوريا وتداعيات التغيير.. عبد الله أوجلان يعلن استعداده لإنها
...
-
الجامعة الوطنية للتعليم FNE تراسل وزير التربية والتعليم الأو
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|