|
وقفة تأمل مع الساعات الأخيرة التي تسبق حلول رأس السنة الميلادية الجديدة
خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 10:44
المحور:
قضايا ثقافية
وقفة تأمل مع الساعات الأخيرة التي تسبق حلول رأس السنة الميلادية الجديدة ٢٠٢٥
خالد محمود خدر
مع اقتراب نهاية عام 2024، وبدء العد التنازلي لاستقبال العام الجديد 2025 ، تكتسب هذه المناسبة عند كل فرد طابعا خاصا يمزج بين الاحتفال والفرح وبين التأمل والوقوف مع النفس. إنها ليلة فاصلة تجمع بين وداع عام مضى بكل ما حمله من إنجازات وإخفاقات ، واستقبال عام جديد يأمل كل فرد أن يجد خلاله الأمل والفرص لتغيير واقعه وظروفه وتحقيق طموحه.
رأس السنة ليست مجرد مناسبة للاحتفال و إطلاق الألعاب النارية او إضاءة الشموع كما يفعل الكثير، بل هي أيضا فرصة لإعادة تقييم الذات ومراجعة مسار الحياة ، ودعوة للتفكير في ما مضى ، وما يمكن تحقيقه في المستقبل، بما يتطلب ذلك من اعادة ترتيب الأولويات التي وضعها كل فرد في سابق الأيام والسنين ، بما يتلائم مع تحقيق طموحاته والنهوض بواقعه.
رأس السنة ليست مجرد لحظة تبديل أرقام السنة في التقويم، بل هي مناسبة تحمل في طياتها معاني عميقة للتأمل والتغيير و التطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا قائم على قيم التسامح والمحبة، التي تُعدّ ركائز أساسية لتطوير الذات وتحقيق السلام الداخلي والخارجي.
النظر إلى المناسبة على المستوى الشخصي والمجتمعي: بينما يملأ الفرح اجواء العالم أجمع ، يمكن لكل فرد أن يتسائل مع نفسه: ما الدروس التي تعلمتها من العام الماضي وكيف يمكنني تصحيح أخطائي وتحقيق او مضاعفة إنجازاتي ، وما الذي يمكن أن اقدمه لنفسي وللآخرين لجعل حياتنا أفضل؟. و يكمن الاحتفال الحقيقي هنا في اتخاذ قرارات صاىبة واعية تعكس الرغبة في التغيير والتطوير . فليكن عام 2025 على المستوى الفردي عاما للشروع بتنفيذ الخطوات الشجاعة نحو حياة أكثر إشراقًا.
نعم إن ليلة رأس السنة هي لحظات للفرح وايضا للتوقف والتأمل كما النظر بصدق في علاقاتنا ، سواء مع أنفسنا أو مع من حولنا ، بدأ من التصالح مع الذات الذي يتطلب الشجاعة للاعتراف بأخطائنا ومسامحة أنفسنا عليها، والعمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه. أما التصالح مع الآخرين ومسامحتهم ، فهو خطوة اكبر تتطلب شجاعة كبيرة نحو بناء جسور جديدة نتجاوز بها خلافاتنا حتى مع من نعتبرهم او ننظر لهم كأعداء لنا.
رأس السنة وفرصة التسامح: التسامح مع الأشخاص الذين آذونا ، لا يعني التنازل عن حقوقنا و تبرير اذاهم أو نسيان ما حدث، ولا يعني مسامحة سلوكهم ، بل يعني نسيان الطريقة التي أذونا بها وعدم السماح لها بإذائنا أكثر ، أي أن التسامح هنا يعني التصالح مع الماضي، والتخلي عن الأشياء التي تثقل أرواحنا ، من خلال فهم أن هذا الالم لم يعد يخدمنا ولا يخدم عوائلنا ، بل لا يخدم حتى عموم مجتمعنا ، لانه أصبح جزء من الماضي ، و بتحرير أنفسنا من هذا الماضي نسمح لأنفسنا ومن يعنينا بالعيش بسلام و بهدوء وراحة بال بقية العمر دون منغصات ودون انفعالات ودون هموم . وكل هذا يتحقق إذا تجنبنا فكرة الانتقام ممن ظلمنا لتستريح أنفسنا من عناء ذلك ، بتمسكنا بالصبر وتوديع أمرنا إلى السماء لنرى مكافئتنا على ذلك منها بعد حين عندما يدور الزمان ويتولى القدر فيه تصفية الحسابات بطريقته الخاصة بدلا عنا لمن يعنينا ممن ظلمنا ، لننام بعدها مرتاحي البال والضمير مادين أيدينا بجد شكرا للسماء لتوليها أمرنا واحقاق حقنا وحينها يحين وقت فهم التمييز بين من ظلمنا ومن نحسبهم عليه جزافا وإن كانوا من عاىلته. هكذا يبقى التسامح كما تشير عالمة النفس لويز هاي اعظم هدية نقدمها لأنفسنا لتحريرها من الألم. تحرير للنفس يتعافى فيه الجميع من ظلم الظالم وبظمنهم افراد عائلته. فطوبى لمن يحرر بالتسامح نفسه واهله من هذه الدوامة. طوبى لمن يعترف بوقع الظلم على غيره من الظالم وان كان من أفراد عائلته. هكذا يمكن أن تتعافى القلوب وتتلاقى وتعيد لحمه ما افسدها الظالم.
رأس السنة ومراجعه النفس وفقا للقيم الإنسانية :
أن القيم الإنسانية العليا ليست مجرد مسؤولية فردية بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الجميع لبناء جسور الثقة بين أفراد المجتمع، لتعزيز التعاون والسلام و بناء مجتمع خالٍ من الكراهية والعنف .
إن قيم المحبة والتسامح والتصالح بعد تحقيق العدالة ، ليست فقط شعارات تردد عشية رأس السنة او تتلى في المناسبات في أروقة الجامعات أو محاريب العبادة او دواوين علية القوم ثم ننساها او نتناساها ، بل هي مفاتيح لتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا ، مفاتيح تشكل حجر الأساس لمجتمع قوي ومتماسك بتماسك أفراده ، بحيث تتفاهم و تتلاقى القلوب على الخير والمحبة ، وتبنى جسور الثقة والسلام بين المجتمعات والأفراد في الوطن الواحد.
عليه فرأس السنة الميلادية الجديدة 2025 هذه التي تحتفل بها جميع الشعوب مشتركة على الأرض ، تمثل فرصة ذهبية ليتوقف او يواجه كل فرد قليلا نفسه خلالها ويراجعها ( وبنفس المفهوم يمكن اعتماد رأس اي سنة يعتمد تقويمها في المجتمعات اوالشعوب سواء كان ذلك رأس السنة الهجرية او الزردشتية او البابلية او الآشورية او الايزيدية ، بل إن تطلب الأمر اي يوم يختاره المرء في السنة ليجعله فرصة لبداية جديدة لنفسه ) ليطهرها ويغسل قلبه من كل ضغينة، ليكون ذلك نقطة تحول في حياته نحو حياة مليئة بالأمل والعمل الجاد. ان كل لحظة جديدة ستمنح له فرصة ليكون أفضل بما يعزز روح التعاون والمحبة بينه وبين الآخرين.
عندما نبدأ عامنا الجديد بقلب نقي مليء بالمحبة والنية الصادقة، نصبح قادرين على تحقيق التغيير الذي نطمح إليه، سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي. فلنجعل من العام الجديد بداية لحياة حرة مليئة بالسلام والتسامح والمحبة للجميع.
هكذا تمثل رأس السنة فرصة ليس للبحث عن الذات، بل للبدء برحلة لصنع الذات على مدار ما يليها من ايام او سنين ، رحلة يجد القليل فيها دون غيره أن الحياة مليئة بالتعقيدات والأحداث التي تسلب منهم ما يظنوه ثمينًا، وتضعهم في مواقف لم يختاروها ، وتريهم أياما صعبه ومتعبه مثلما تجعلهم يمرون بمواقف لم تسرهم او لم يتمنوا أن يمروا بها ، مع انه حاولوا عبثا عدم الاقتراب منها. ومع ذلك، يظهر هؤلاء القلة قوة استثنائية في مواجهة هذه التحديات والصعاب ، بالتمسك بروح التفاؤل والصبر والأمل ، بعد ان أدركوا أن الحياة أعمق من أن تفسر وتبرر انها تسلك مساراً خطياً ، بل هي مليئة بالمنحنيات التي لا يمكن التنبؤ بها ولا يمكن فك رموزها باعتماد القلم والادوات الهندسية والمعادلات الرياضية. ومع ذلك لم يحٓجٍم أحد من هؤلاء القلة حياته ، كي لا يضــيق عليه الكون ، ولم يوسع احدا منهم أفاق أحلامه كي لا يـضـيـع عنه الواقــع. وهذا يُظهر كيف يمكن للإنسان أن فكر بعمق أن يصنع ذاته في ظل ظروفه الصعبة وإمكانياته المتواضعة ، دون الوقوع في فخ الإحباط أو المبالغة ، معتمدا في هذا الظرف الصعب الوسطية بين الطموح الواقعي والأمل في تحقيق ما يصبو إليه ، قدر ما تمكن من ذلك ليعيش اللحظــه بحسن الظن والأمل متفائلا ، وكأنه في كل سفره بالحياة هكذا يقرأ على مسامع نفسه أن معروفاً صنعه ثم نساه ، ما زال يحرسه من مصائب الدهر، حتى تمكن او يتمكن من صنع ذاته ، كما يقول أحد الحكماء. لعل هنا يكمن سر تحقيق العظماء من علماء ومفكرين نابهين وقادة نابغين ما حلموا به وضحوا بسنوات عمرهم لتحقيقه خدمة للبشرية جمعاء.
الاحتفال على المستوى الجماعي او العالمي: الاحتفال الجماعي المشترك للشعوب كل حسب توقيت دولته على الكرة الأرضية التي لا تكف عن الدوران السرمدي ، يظهر الترابط الإنساني و يعكس فكرة عميقة عن وحدة البشرية ومصيرها المشترك على هذا الكوكب الذي يتقاسم الجميع فيه التحديات والفرص ، وهم في اشبه ما يكون مسافرين برحلة واحدة مشتركة على متن هذا الكوكب، الذي يمكن اعتباره بمثابة سفينة فضائية تدور سرمديا حول نجم الشمس مرة في كل سنة وعلى متنها احياء كثيرة واولهم جموع البشرية الذين أجمعوا منذ زمن بعيد جدا على اختيار هذه الليلة لتكون فاصلا بين كل دورة وأخرى اسموها بالسنة.
من هنا يلمس الجميع فيها أهمية التعاون بين الأمم للحفاظ على هذه "السفينة" وحمايتها. والحديث عن حماية السفينة هذه يذكرنا برؤية العالم ستيفن هوكينغ التي كانت تهدف دائما إلى تحفيز البشرية على التفكير في مستقبلها بشكل مسؤول، والعمل بجدية على حماية كوكب الأرض من التهديدات البيئية التي تتسبب بالتغير المناخي، الاحتباس الحراري، ونضوب الموارد الطبيعية. كي يتجنب الكل ما يؤدي إلى عواقب كارثية للجميع . ورغم اهتمام هوكنك الشخصي بالبحث عن حياة خارج الأرض ، فقد أشار هوكنك إلى احتمالية وجود كائنات فضائية متقدمة قد تفاجئنا يوما ما ، وحذر من محاولة التواصل المباشر معها ، لأن مثل هذه الحضارات إذا كانت متقدمة تقنيًا ، فقد تنظر إلينا كما ننظر نحن إلى الكائنات البدائية ( وبالمناسبة وبعيدا عن لغة العلم ، فقد اشارت العرافه البلغارية فانغا المتوفية سنة 1996 في تنبئاتها الكثيرة ان يكون أول لقاء مع هذه الكائنات الفضائية في السنة الجديدة 2025 ، ولكن لا علينا ، قد يكذب العرافون وان صدقوا ).
ورغم ما يلمسه الكل لحد الان من الخدمة الكبيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات الطبية والصناعية والخدمية ، فقد اعتبر ستيفن هوكينغ الذكاء الاصطناعي سنه 2014 واحداً من أخطر التهديدات المحتملة للبشرية. ورأى أن تطوير ذكاء اصطناعي بما يفوق ذكاء البشر او ما يعرف بالذكاء الخارق الذي يعتمد على نفسه تعليما وتدريبا ومن ثم تفكيرا ، قد يصبح يصبح معها الذكاء الاصطناعي مستقلًا في اتخاذ قراره ليخرج عن السيطرة ويهدد وجود البشرية. هذا الخوف عبر عنه لاحقا بعض أبرز العلماء والرواد التقنية ومؤسس شركة تسلا إيلون ماسك، وكذلك مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس.
حذر هوكينغ أيضا من احتمال استخدام التكنولوجيا الحيوية لتطوير فيروسات مميته ، يتم تعديلها وراثيا سواء عن طريق الخطأ أو كجزء من الحروب البيولوجية. وشدد على أهمية التحكم الصارم في هذه التكنولوجيا لضمان سلامة البشرية.
واعتقد برأيي الشخصي وفقا لما قرأته ، إن العالم الكبير هوكنك و لاعتباراته الخاصة أن ذلك ليس من شأنه كونه عالم في فيزياء الكون وغير متعمق في الاقتصاد ، بما يجعل من طروحاته غير دقيقه عند الإشارة إلى المخاوف المتعلقة بزيادة أعداد سكان الكرة الارضية ، وتأثير ذلك على الموارد المحدودة فيها. هذه المخاوف اشار اليها سنه 1798 العالم الاقتصادي البريطاني توماس مالثوس في نظريته الشهيرة حول العلاقة بين النمو السكاني والموارد المتاحة التي تنبأ فيها أن النمو السكاني يتبع متوالية هندسية يتجاوز قدرة الأرض على إنتاج الموارد التي تنمو بمتوالية عددية أي أن أعداد السكان ستتضاعف بعد كل ربع قرن وستستمر في الزيادة إلى ما لا نهاية ما لم يقف عائق أمام هذا النمو من مجاعات، حروب، أوبئة، كوارث طبيعية، تنظيم النسل وغيرها. هذا التزايد سيشكل ضغطًا كبيرًا على موارد الأرض، مثل المياه العذبة، الطاقة ، والأراضي الزراعية ، ذلك أنه مع توسع المدن وتزايد عدد السكان، يتم تدمير الغابات والمساحات الخضراء لتحويلها إلى مناطق سكنية أو زراعية ، و هذا بالنتيجة يسبب تدهور البيئة وتغير المناخ، مما يزيد من تفاقم المشكلة. الكثير بعد مالثوس من علماء الاقتصاد وجدوا أن اكتشاف قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية وبعدهما قارة استراليا وما تبع ذلك من هجرة الملايين إليها ، و ما حصل من ثوره زراعيه وافتعال حروب حال دون رؤية اثار نظرية مالثوس واقعا ولكن ذلك سيبقى إلى حين مالم تجد البشرية في البحث عن طرق جديدة للزراعه فوق المسطحات المائية من بحار ومحيطات ، وقد يتم شحن الفضاء القريب من الارض بما يمكن أن يطلق عليها مزارع فضاىية لزراعة محاصيل معينة على غرار ما يفكر العلماء والمهندسين المعنيين بشحن الفضاء باقمار صناعية لأغراض متعددة ،وعلى غرار ما تحاول دول متقدمة واليابان والصين من وضع منظومات كبيرة لإنتاج الطاقه الشمسية بما يكفي لتزويد الكرة الأرضية بالكهرباء بعد التوصل إلى طريقة لا سلكية لنقلها اليها. وبالمناسبة فإن هؤلاء وغيرهم الكثير من العلماء والمفكرين هم جزء من كثير ممن نذروا انفسهم كما سيأتي القول لاحقا لخدمة البشرية فطوبى لهم على جهودهم و انتماىهم الانساني.
ولحل مسألة الزيادة السكانية يجب أن تتبنى منظمة الأمم المتحدة حاليا او مستقبلا وضع سياسات عالمية تهدف إلى تحقيق توازن بين النمو السكاني والقدرة الإنتاجية للأرض على الأقل في الدول الفقيرة ذو الكثافه السكانية العالية جدا . مثل هذه السياسات يمكن أن تشمل تحسين التعليم لتعزيز الوعي بأهمية تنظيم الأسرة لتحسين وضعها الاقتصادي. كما أشير إلى ضرورة المساعدة والتعاون بين الدول الغنية والدول الفقيرة ، في وقت تفضل بعض الدول المنتجة للقمح مثلا بما يزيد عن حاجتها او قدراتها في خزنه إلى رميه بالبحر احيانا ، كي لا تنخفض قيمته عالميا وفق ما اشرت له ، فإن هذه التحديات تتطلب عملا جماعيا وعالميا ، . وهذا ما يعزز الإحساس بالمسؤولية الجماعية تجاه الأرض بيت البشرية المشترك.
هكذا نجد أنه بالرغم من اختلاف الثقافات، اللغات، والديانات، إلا أن البشر مرتبطون بمصير واحد على هذه الرحلة الكونية.
من اجل الحفاظ على هذا البيت المشترك يتوجب أن تكون المحبة والتعاون هما الأساس الذي تبنى عليهما العلاقات بين المجتمعات او الدول ، مثلما هي الأساس في التماسك المزدهر للمجتمع الواحد أو الدولة الواحدة. ذلك أنه عندما يتعاون أفراد المجتمع مع بعضهم بروح إنسانية ، يخلقون بيئة من الثقة والاحترام المتبادل، بما يعزز التعاون والتفاهم في العمل الجماعي لأجل البشرية والأرض التي تحتويها .
يقول جبران خليل جبران، يكفي أن يحمل الإنسان نوايا طيبة وروحًا صادقة ليعيش بوجه واحد. المحبة هي القوة التي توحد الشعوب وتجمع القلوب رغم اختلاف الثقافات والأديان. وعندما نتبنى قيم المحبة، نصبح قادرين على بناء مجتمعات متماسكة تُعلِي من قيمة الإنسان وتعزز التعاون والاحترام.
يبقى السؤال: كيف يتم بناء مجتمعات متماسكة متعاونه ، دون أن ينظر افرادها لواقع او حال بعضهم البعض ، و دون أن يحاول الكثير واولهم المسؤولين الرسميين في الكثير من الدول في تقليل حجم الهوة بين الأغنياء المحترفين والفقراء المعدمين عبر توزيع المال العام بعداله وخلق فرص للعمل أو التعيين وغيرها الكثير مما هو خارج نطاق المقال.
لبيان ذلك سأتخذ من رأس السنة كنموذج لبيان ذلك كون الحديث يتناولها ، مع انها حالة خاصة لا يقاس عليها بقدر ما يقاس على بقيه ايام السنه ، بما يجعل الفروقات أكبر بكثير مما ساشير له في ادناه.
نقلا عن مواقع الانترنيت المعنية ، فانه وفقًا لتقديرات هذا العام 2024، فإنه من المتوقع أن يتجاوز الإنفاق العالمي على الأنشطة المتعلقة باحتفالات رأس السنة تريليون دولار، تشمل التسوق، والطعام، والسفر، والترفيه. في المقابل، يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من الجوع وانعدام الأمن الغذائي. ففي عام 2023، أشارت التقارير إلى أن حوالي 2.33 مليار شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، منهم أكثر من 864 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد.
هذا التباين يعطي مؤشرا على الأقل ليثير تساؤلا حول كيفية توجيه الموارد بشكل أكثر فعالية لمكافحة الفقر والجوع. على سبيل المثال، يُقدَّر أن مقدار الإنفاق على الألعاب النارية والاحتفالات في بعض المدن يصل إلى مئات الملايين من الدولارات؛ ففي دبي، يُنفق حوالي نصف مليار دولار على احتفالات رأس السنة. رأس السنة ليست فقط مناسبة للفرح أو للتأمل الفردي، بل هي أيضًا لحظة للتفكير الجماعي في قضايا أعمق تتعلق بالعدالة الاجتماعية والإنسانية. إنها فرصة للنظر إلى واقع الحياة من زاويتين: الأولى شخصية تتعلق بصنع الذات ومواجهة التحديات، والثانية اجتماعية تتصل بالاختلالات الكبيرة في توزيع الثروات والموارد.
نعم يوجد في العالم الكثير ممن ينذرون حياتهم لبناء جسور السلام والمحبة بين الشعوب ، و يسهرون الليل بحثاً عن حلول تُنهي معاناة الإنسان ، فطوبى لهم على انسانيتهم ، ولكن يؤسفنا جميعا أن نجد بالمقابل البعض غير القليل ممن يتهيأ لأن يخطط على مدار بقية ايام السنة لإشعال نار الحروب وافتعال الأزمات بين الشعوب ويتحين الفرص لزرع الإرهاب وتأجيج الصراعات والعداءات بمختلف أنواعها ، ليستمر نزف الدماء والدموع.
كلمة أخيرة: ليكن الاحتفال برأس السنة الجديدة يجسد أسمى معانيها ، في أن يحمل مع الفرح والبتهاج ابعادًا إنسانية ومسؤوليات جماعية ، و يحمل في طياته المعاني السامية في الوقوف بجانب المحتاجين والضعفاء ليس بالمال فحسب بل بالمواقف النبيلة والالتفاتة الإنسانية التي تنقذهم من بؤسهم او مرضهم او واقعهم وان أتى ذلك بكلمة طيبة فقط منبعثة من شعور انساني صرف. ليكن الاحتفال بعام جديد يكون فيه الكل صوتاً للسلام في عالم تمزقه الحروب والصراعات .
والمهم أيضا أن تكون هذه المناسبة فرصة للمعنيين للتفكير في كيفية تحقيق توازن بالمسؤولية في معالجة المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والعمل على تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، لضمان مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية للجميع.
رأس السنة ليست نهاية ولا بداية فقط ، بل هي مناسبة لإعادة اكتشاف إنسانيتنا ، هي فرصة لنحول هذه المناسبة إلى دعوة للتغيير الإيجابي ، فرصة لنشر رسالة المحبة والسلام ، ومن المؤكد ان هذا ما إراده الاقدمون منذ زمن بعيد عندما اتخذوا من يوم رأس السنة التي ولد فيها السيد المسيح عليه السلام يوما للمحبة والسلام ليحتفلوا و يتباركوا وياملوا ، كما اتخد البابليون والاشوريين قبلهم من رأس سنتهم التي تبدأ في اليوم الاول من نيسان عيدا اطلقوا عليه عيد اكيتو او عيد رأس السنة ليحتفلوا ويتباركوا به وبموسم أرضهم الزراعي وبكل ما يحمله من معاني ، عيد رأس السنة هذا لازال يعمل ويحتفل ويتبارك به الآشوريين والايزيديين في العراق وكذلك غيرهم من القوميات وبطرقهم وتراثهم الخاص.
أمنياتي الصادقة بأن يكون العام 2025 عامًا مليئًا بعناوين السلام والمحبة والتعاون بين جميع الدول
كل عام وأنتم بخير اصدقاء واهل . كل عام وانتم بخير عراقيين وكل شعوب الأرض. كل عام وأنتم جميعا في سلام ومحبة وعطاء. لنمضِ معاً نحو عام 2025 لنعشه واقعا عاما يكون بهمة الكل مليء بالخير والعطاء والتقدم العلمي بما يساهم في جعل حاضر ومستقبل البشرية على كوكب الأرض جنانا لم يحلموا بها.
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشاهد الأولية لهجوم وإطلاق نار بملهى ليلي في نيويورك.. وإص
...
-
ليلى علوي تعايد متابعيها بصور عائلية.. و-المستريحة- في دور ا
...
-
ماسك يدعو لانتخابات جديدة في بريطانيا
-
أخطاء شائعة في تخزين زيت الزيتون قد تؤدي إلى فساده
-
مصدر: واشنطن قد تضطر -لمهاجمة إيران قريبا-
-
ماسك يؤيد منشورا رجّح أن يكون عام 2025 الأهم في تاريخ البشري
...
-
وصول طائرة مساعدات قطرية ثانية إلى مطار دمشق
-
لماذا أثار تدشين حزب الجبهة الوطنية الجديد في مصر جدلا؟
-
-التحول في سوريا يمثل تحدياً إستراتيجياً عميقاً بالنسبة لإسر
...
-
الجيش الإسرائيلي يكشف عن معطيات جديدة حول قتلاه منذ بداية ال
...
المزيد.....
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|