|
سقوط الإمبراطورية البابلية المقدسة في كرة القدم
عمر سلهم آل صالح بك
الحوار المتمدن-العدد: 8207 - 2024 / 12 / 30 - 10:41
المحور:
قضايا ثقافية
كثيرة هي الشعوب والشخصيات التي تعيش في التاريخ وعلى أمجاده الغابرة وتنطلق منه فقط في تقييم نفسها والآخر، فتكون أسيرة تاريخها الذي يصبح عبئا عليها يمنعها من فهم واقعها والتخطيط لمستقبلها، ففي الأيام الماضية شعر معظم العراقيين وكأن كورش البحريني ثم السعودي قد أسقط بابلهم بفوزه عليهم في مباراة لكرة القدم، شعرنا بالانكسار والهوان لأننا خسرنا مباراتين أمام البحرين والسعودية! رغم أننا نعرف أن كرة القدم فوز وخسارة، وأن البطولة خليجية، عليه فالخسارة ستكون أمام إحدى هذه الدول الخليجية -والسعودية أكبرها- وليس أمام ألمانيا مثلا، كما أننا يجب أن نعرف أن العراق أيضا دولة خليجية -وليس بأكثرها تطورا- فلماذا خسارتنا مدوية ومفاجئة لنا بينما خسارة منافسينا أمر منسجم -من وجهة نظرنا- مع التاريخ والواقع وهو ما يجب أن يكون؟ أرى أن صدمتنا وحرقتنا ليست من مجرد الخسارة، بل لأننا خسرنا أمام دول نرى بعيون التاريخ أننا أكبر وأقوى وأفضل منها، في حين أننا جميعا دول لها التاريخ والجغرافيا والإمكانات نفسها، والذي يتميز منا هو الذي يعمل ويجتهد ويخطط. نحن كالأخ الكبير الذي لا يستطيع تقبل فكرة أن أخاه الصغير قد كبر وغدا منافسا له وقد يبزه، نحن كالذي عاش حالة نكران لسقوط الاتحاد السوفيتي منذ 1990 وحتى 2024 وبقى مصرا على أن روسيا هي الاتحاد السوفيتي وأنها قطب قادر على الوقوف بوجه أمريكا. نحن لم نغادر بعد أيام كان منتخبنا لكرة القدم يصول ويجول في الخليج، أيام كان حسين سعيد وأحمد راضي يفوزان بالسبعة والخمسة على هذه الدول. وحتى تلك الانتصارات لو حللناها سنجد أن تفوقنا فيها فيه نظر؛ لأننا تفوقنا على منافسين كانوا آنذاك مبتدئين في كرة القدم وفي كل شيء، وليس لأننا كنا متطورين كرويا، بدليل أننا وفي المدة ذاتها كان أعلى انجاز لنا تأهلنا لكأس العالم الذي لم يتكرر منذ الــ 1986 والذي لم نصمد فيه سوى مباراتين ولم نحرز سوى هدفا على المكسيك حسبما أذكر. ليس مجرد الخسارة هو السبب في الحنق والهوان الذي نشعر به، بل لأننا خسرنا أمام دول نستعلي عليها وسأقول كرويا فقط حتى لا أقسو على الشخصية العراقية المعاصرة. فلو خسرنا مباراة أمام البرازيل أو المكسيك لقلنا بأن كرة القدم فوز وخسارة، والأفضل هو من أعد منتخبه للبطولة جيداً، ويكفينا شرف المحاولة، وأننا استفدنا من مشاركتنا لتقييم منتخبنا ومعالجة أماكن الضعف فيه. إننا نشعر بفقدان المكانة، مكانتنا التاريخية على كل الأصعدة، مكانتنا التي نريد استردادها لا بالعمل بل بقناعتنا بأنها حق لنا ووعد إلهي، لم نتقبل أن الضعيف قويَّ والفقير اغتنى والمبتدئ تطور، وأن أيام كان منتخبنا (يُسَطِّر) المنتخبات الخليجية ويأتي بالسبعة أهداف قد ذهب، وبأننا لم نعد امبراطورية نبوخذنصر، ولا روسيا هي الاتحاد السوفيتي ولا إسرائيل هي بنو قريظة. ولا دول الخليج مكان يذهب إليه جيشنا لــ(يتريك). ولا الأردن (بدو احنا نعطيهم نفط)، ولا إيران هي تلك التي أرضخناها بحرب الثمان سنوات، لم نتقبل أن الدول التي نستعلي على منتخباتها ونستفظع خسارتنا أمامها هي ذاتها التي نحلم بالحصول على فيزتها ويحلم أغلبنا بالحصول على عقد عمل فيها، وأن أبرز لاعبينا وأكثرهم حظا هو الذي يحصل على فرصة للاحتراف فيها، وأن لاعبين من وزن رونالدو يلعب في أنديتها، في حين أنه لا يوجد في نوادينا -العريقة تاريخيا- أي محترف خليجي. ولنصحح فكرة أن الدول الخليجية تستقطب لاعبينا وأساتذتنا وخبراءنا لأنها دول صغيرة ومحدودة الكثافة السكانية، وبالتالي فهي محتاجة لنا، فأوروبا وأمريكا كذلك تستقطب اللاعبين المحترفين والأساتذة والخبراء وهي ليست محدودة الكثافة السكانية ولا محتاجة لنا، فالذي يستقطب الكفاءات هي الدول الطامحة التي رسمت منهجا للتطور وتعمل على رفده بأفضل الإمكانات من كل أنحاء العالم. لم نتقبل أن دولنا التي تسقط جيوشها بسيارات الدفع الرباعي ممكن أن تسقط منتخباتها حتى أمام منتخب بورتريكو، التي لا أعرف إن كان لديها منتخب أم لا. قد يكون الوحيد الذي يرى الحقيقة في منظومتنا الكروية هو ذاته الذي صببنا جام غضبنا عليه وحملناه وحده مسؤولية خسارتنا المتوقعة جدا، ذاك هو مدرب المنتخب الوطني (كاساس)، لأنه الوحيد المتحرر من عقدة وعبء تاريخنا العريق الذي نريد اجتراره والتزود به لبناء المستقبل، فالرجل وهو من اسبانيا صاحبة أعظم ناديين كرويين عرفهما التاريخ رأى ببساطة أن الخسارة أمر وارد في كرة القدم، وأن بطولة الخليج ودية -ولا يعرف المسكين أن لا ود بين الأخوة العرب- والمهم هو الإعداد لكأس العالم، كأس العالم الذي أقصى أحلامنا أن نتأهل إليه، نتأهل فقط، ولا يخطر لأحدنا ولا في أحلامه أن يفكر أو يتوقع الوصول إلى أدوار متقدمة فيه، ولن نحنق وننصدم لو خرجنا من دوره الأول. ولكننا ندخل البطولات مع الدول العربية بسقف عالٍ جدا ولا يرضينا غير الفوز ليس لأننا الأفضل استعدادا وتدريبا بل لأننا العراق! فيدخل لاعبونا ومدربهم بضغط عالٍ جدا وذهنهم مرتعب مما سيقوله الإعلام والجمهور عن كل تمريرة وحركة داخل الملعب، وكأني بلسان حال (كاساس) لو قدر له النطق بعربيتنا يقول: على ايش خابصينا؟ حتى بطولة الخليج أنتم لم تحصلوا عليها إلا أربع مرات من أصل ست وعشرين مرة أقيمت. وفي كل مباراة أو بطولة نخلق مشكلة مع دولة عربية، إذ يشعر منافسنا وبوضوح أننا وبتعالي لدينا حُكم مسبق لما يجب أن تكون عليه نتيجة المباراة وذلك فقط لأننا العراق. في حين أن إخواننا اليمنيين احتفلوا بواقعية وبنظرة إلى المستقبل بفوزهم الأول في تاريخ مشاركتهم في بطولة الخليج رغم أنهم اليمن السعيد جمجمة العرب ولهم تاريخ لا يقل عن تاريخنا، إلا أنهم فهموا أن التطور لا يعتمد على التاريخ فقط والتمني. وأن المنافس لن يحترمنا فقط لأننا لدينا تاريخ ونرى أنفسنا الأفضل مهما ردَدنا وهتفنا أمامه: (لا تتمادى نخبزك خبز العباس). الهوة الفكرية كبيرة جدا بين مدرب غربي محترف يحاول بناء لاعبين تكنيكيا وبدنيا ومهاريا وبين لاعبين وجمهور يفكر بطريقة عَبَّرَ عنها أحد أصدقائي المثقفين حين صرح بعد نهاية المباراة أن سبب خسارتنا (أن السعوديين يكرهونا ولن ينفع معهم شيء لأنهم أحفاد أبي جهل وموقفهم منا امتداد لسياسته تجاه المسلمين)! إن مدربا محليا أقدر على إيقاظ (الغيرة والنخوة) وكل ما يصلح لخوض معركة وانتقام وإنجاح غزوة جديدة في سجل حضارتنا ضد إخواننا العرب، فكاساس لن يستطيع ولو استعان بكل المستشرقين مستشارين أن يفهم كيف ننظر للعبة كرة القدم.
د. عمر سلهم آل صالح بك 19/12/2024
#عمر_سلهم_آل_صالح_بك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشاهد الأولية لهجوم وإطلاق نار بملهى ليلي في نيويورك.. وإص
...
-
ليلى علوي تعايد متابعيها بصور عائلية.. و-المستريحة- في دور ا
...
-
ماسك يدعو لانتخابات جديدة في بريطانيا
-
أخطاء شائعة في تخزين زيت الزيتون قد تؤدي إلى فساده
-
مصدر: واشنطن قد تضطر -لمهاجمة إيران قريبا-
-
ماسك يؤيد منشورا رجّح أن يكون عام 2025 الأهم في تاريخ البشري
...
-
وصول طائرة مساعدات قطرية ثانية إلى مطار دمشق
-
لماذا أثار تدشين حزب الجبهة الوطنية الجديد في مصر جدلا؟
-
-التحول في سوريا يمثل تحدياً إستراتيجياً عميقاً بالنسبة لإسر
...
-
الجيش الإسرائيلي يكشف عن معطيات جديدة حول قتلاه منذ بداية ال
...
المزيد.....
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|