آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8205 - 2024 / 12 / 28 - 16:29
المحور:
قضايا ثقافية
الكثير من الثورات قتلت الحلم بالثورة لدى أغلب المؤمنين بها.
الثورة حلم جميل، حلم وردي، بمجرد أن تدخل أرض الواقع سرعان ما تختطفها الذئاب الجائعة من داخلها أو خارجها.
الثورة لا انصار لها لهذا تموت، ويبقى الزبد.
أنها حلم وردي بالمستقبل، وتجاوز للماضي والحاضر.
طبعًا لا اقصد بالثورة تلك الذي حدثت في سوريا، فهذا الذي حدث هو توظيف سياسي قامت به دول الأشد رجعية وتطرف، اقصد تركيا والولايات المتحدة.
كفوا عن الرقص، وإعطاء شهادات حسن سلوك للقادمين الجدد.
أنهم لا سياسيون، أنه جهاديون دون بعد سياسي أو ثقافي أو فكري، حتى أنهم لا يعرفون الإسلام، ولا أبعاده، بل أنا أعرف هذا الدين أكثر منهم.
لعد تعروا، واليوم أنهم في فراش الجوكر التركي، اللأعب المسوق أمريكيًا، بل ويناموا في حضنه وظله.
أنهم اسوأ من طالبان، وأكثر شراسة.
إلى اليوم لا نعرف ماذا يريد الجولاني، لأنه لا سياسي وليس لديه معرفة بالسياسة وأبعادها، بل يأخذ تعليماته من المخابرات التركية، وهناك عدد كبير من الفصائل يريدون لهم حصة في السلطة في غنائمها، ولا زالوا خارجها، وربما يرفعون السلاح في وجه بعضهم
على المجتمع السوري المهمش أن يرتب صفوفه للمواجهة القادمة، أن ينتظم في أحزاب ويفتح خطوط مع الدول العربية المهددين بالانهيار من قبل الولايات المتحدة، ان يتحالفوا ضد الإسلام السياسي الفاجر المدعوم امريكيا عبر الجوكر أردوغان.
عليك، علينا العودة إلى ما كتبه بريجنسكي في كتابه رقعة الشطرنج الكبرى الذي وضع تركيا في المركز الأول للرقعة، الشبيح الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين، ويكمله هنتكتون في كتابه صدام الحضارات، الذي يضع الولايات المتحدة في صدام مع ثماني حضارات أولهم الاسلام.
طبعا رأي أن ما يحدث هو عنصرية مقيتة.
الموضوع يحتاج إلى مساعدة أنفسنا في قراءة عقل هذا الامريكي المتأهب للقتال الدائم، أدواته كل من يفُعل الصراع، لإبقاء الدولة الشبيحة في رأس القمة العالمية.
الفقر أكبر عيب، على الإنسان أن لا يجلب طفلًا مكسورًا، عبد جديد إلى هذا العالم، طفل مملوء بالعقد النفسية والأحلام المريضة الناتجة عن القهر.
كفى نكذب على أنفسنا لنبرر خيباتنا وهزائمنا.
الاستبداد يحتاج الى شيطان والا كيف اخترعه الإنسان
ما دام التاريخ يقرأ من عدة زوايا ورؤى وغايات، فالحقيقة غائبة.
الإنسان عدو تاريخه، يمارسه ويتنكر له.
هذه الحضارة الشريرة المريضة تقتل فيك أي حس طبيعي في الحياة، كالحب والحميمية والتعاطف.
إنها حضارة سادية بامتياز، تنتشلك من الوسط الاجتماعي وتغلفك بإطارها الخاص والعام، تجعلك تدور حول نفسك مثل رحى الطاحون باحثاً عن منفذ تنقذ بها نفسك المتعبة، ذاتك الوحيدة الغريبة من الوقوع في مصيدة الجوع والذل والبرد والتشرد.
إنها حضارة حرب وقلق وذل وقهر، لا تتركك تفكر بغيرك.
فذاتك المأسورة المكسورة تحتاج إلى ترميم، إلى الخلاص أن تنعم بالسلام والأمان والحب والتأزر والتواصل.
حركتها سريعة جداً لدرجة لا تتركك أن تلتفت إلى الضحايا والمعوزين والمحتاجين خوفا من أن تكون أنت الضحية والمشرد والمحتاج في القادم من الأيام.
خيارات الناس تتقاطع مع تكوينهم النفسي والعقلي والفكري، في الحب والصداقة والعلاقات.
لا يمكن لواحد سوي أن يقيم علاقات سوية لا تتقاطع مع بنيته النفسية، كالأمانة والصدق والحب والتضحية.
يقول الرسول محمد بن عبد الله:
ـ المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
يولد الحلم في دماغ الإنسان ولادة غريبة، كأنه يهبط عليه من مكان ما، مكان غامض، يدفعه أن يأخذ هذا الحلم بعين الاعتبار ويتمثله.
هناك عباقرة يحلون مسائل رياضية معقدة جدًا في الحلم، مسائل عجز الواقع عن حلها.
كما لم يعرفوها سابقًا.
هل هي عملية تراكمية، رغبة الوجود أن يعري الرموز الغامضة في داخله بومضة برق أو رفة عين سريعة لا تتجاوز بضعة ثواني؟
هذا الوجود حيرة ويكتنفه الغموض والكثير من الأسرار.
في النوم ننفصل عن الرتابة ونحلق بعيدا عن ثقل الأيام، لنتحول إلى فراشات تبحث عن نفسها في الضوء.
ماذا يريد الوجود منّا، لماذا يخزن طاقاته الإبداعية في داخلنا، لماذا يريد الإعلان عن نفسه عبرنا؟
يبدو للوجود لغة، ترصدنا، وتعلمنا بعض أسرارها.
العالم السياسي اليوم كله في جاهزية عليا استعدادا للحرب، مصانع السلاح تعمل على قدم وساق، الخطط السياسية والعسكرية مفروشة على الطاولة، والخبراء والمختصين يضعون الخطط ويحسبون القياسات.
لغة السلام أصبحت في الأدراج وبعيد المنال.
اليابان في الطريق لتتحول إلى رقم عسكري كبير، ووضعت أعداءها في سلم أولوياتها، الصين وروسيا وكوريا الشمالية، ألمانيا وفرنسا يشتغلون على بناء مصانع السلاح المتطور.
كوريا الشمالية تتحرش باليابان وكورية الجنوبية، تستفزهما لتلعب في أعصابهما.
الولايات المتحدة رصدت 858 مليار دولار لحربها القادمة على عدو وهمي.
حتى السعادين لا يعرفون مثل هذا الرقص العنيف في إدارة هذا العالم وتوجيهه نحو الموت.
وما زالت روسيا وأوكرانيا يريدان ادخال بعضهما في عنق الزجاجة، ليخنقا بعضهما من أجل اعلاء شأن الحقد والموت ومواجهة الكارثة.
العصفورية شغالة على قدم وساق
أغلبنا يعاني من فوضى داخلية في الحواس والتفكير والسلوك، وعدم الانضباط في الحياة والعلاقات.
نعاني من التشتت في التفكير والحب، وعدم التركيز على مجال محدد من مجالات الحياة.
ونفتقد إلى السلام الداخلي، وبين الحين والآخر تتأجج تناقضاتنا الداخلية الذاتية في مواجهة ذواتنا وعدم القدرة على التصالح معها.
هذه الفوضى والتشتت له أرضية صلبة في التربية والتعليم في بيئة الحياة المفتوحة على احتمالات كثيرة
علينا أن نعلم أن هذه الذات لا تستطيع أن تعطي أو تمنح الحب والحنان والمودة ما دامت تعاني من التشوش والضياع.
ونعاني من الفراغ والوحدة الداخلية، وعدم القدرة على التواصل الحقيقي مع الناس، لأننا عمليًا نفتقد إلى تجسير العلاقة مع ذواتنا الذاتية. ولدينا إنعدام هائل في الثقة بالنفس والآخر.
إننا نعيش حالة ضياع وتعب نفسي وعقلي. وكلما وقعنا في مآزق نحله على حساب مشاعرنا وأحاسيسنا ثم ننتقل لنقع في مأزق آخر.
إذا كنّا غير قادرين على إقامة علاقة متوازنة مع ذواتنا، فكيف نقيمها مع الأخر.
الضائع لا يمكن أن يحب أو يمنح الحب، لإنه في حالة بحث دائم عن نفسه الضائعة
الصين تقول على لسان علمائها أنها على اعتاب امتلك صاروخ ذي نبضة كهرمغناطيسية يستطيع تدمير كل الأجهزة الكهربائية والألكترونية في المنطقة المنكوبة.
بهذا الاختراع تستطيع أن تحرق كل الكابلات وشبكات الكهرباء خلال عشر ثوان من إلقاء الصاروخ.
وستسقط الطائرات وتتوقف السيارات والموبايلات وتشل المنطقة أو الدولة التي ستتعرض لهذا الصاروخ بالكامل.
نريد القول، أن العلم بريء من فعل السياسة، يمكن لهذا العلم أن يبني حضارة إنسانية عظيمة، ويمكن أن يدمر عالمنا بثوان معدودة.
المسألة متعلقة بجشع الإنسان، دونيته، قذارته وحب للسيطرة والتفوق الأحمق على أبناء جنسه.
هذا الجنس هو الأقدر على تدمير نفسه من أجل غايات مريضة، من أجل تأكيد الأنا الدونية المتعالية الفارغة.
القمر منير والنجوم متلألئة، والأرض بيضاء والحرارة باردة، تصل إلى عشرة تحت الصفر.
يا فرحة لن تكتمل.
مع بدء السبات الشتوي، نخرج إلى الشارع كالفقمات، ونتحرك كالفقمات نتمايل على الجهتين خوفًا من التزحلق أو الوقوع، لا يبان منّا سوى العيون طوال الشتاء.
والنهار طوله ست ساعات
سنضطر لممارسة رياضة المشي على الثلج والبحص المذبب، بحذر شديد وخوف شديد.
هذه حالنا مع بداية نوفمبر إلى نيسان.
يلجأ الإنسان إلى إملاء الفراغ لأنه يعرف في قرارة نفسه إن المضمون بعيد المنال.
وإنه هش وضعيف وخائف أمام تقلبات القدر والزمن العابث والمستمر في رحيله.
ولا توجد وسيلة عملية وحقيقية تسنده في سعيه نحو حياة آمنة
حالة الغربة الوجودية التي يعيشها الإنسان تدفعه لطرح اسئلة إشكالية عميقة: من هو الله، ومن أين جاء، ولماذا جاء؟
لو كان الله حقيقة لعشنا الحقيقة بذاتها ولذاتها، بيد أن الله ذاته غربة
الاستمتاع بتأنيب الضمير، وتمزيق الذات، وتكفير عن فعل لم يحدث، جزء من تكوين الكثير من الناس، خاصة المؤمنين بالله
هناك متعة هائلة لدى هؤلاء الناس، أن يمزقوا ذواتهم، ويقدموها قربانًا لصدى زمن مقيم وراحل.
إن يرموا حمولات الكون وتشتته ويضعوها فوق رؤوسهم، وتفريغها وتعبئتها بالألم.
حتى في الموسيقى القديمة، هناك حزن عميق على روح الإنسان الهائم على وجهه، وعلى غربته وضياعه.
ربما هو شكل من أشكال البحث عن الوعي الضائع في المكان الضائع.
لم يكن التاريخ منصفًا على الإطلاق، سواء أردنا أو رفضنا، يتداخل صدقه مع كذبه، لأن زوايا الرؤية والروى متداخلة.
هذا ليس عيبًا أو جحودًا أو نكرانًا، فالجهل يزيل الإجلال عن طريقه، بل يأخذ مكانه، ولا خصلة تخلو من عيب.
هذا التداخل بينهما يجعل يومنا امتداد إلى الماضي، وينسحب منه ليبقى حاضرًا.
لماذا يعلم الأهل أبناءهم الصدق، ما دام هناك خيط يوحده مع الكذب؟
وما هو الصدق وما هو الكذب؟
ولمن يتوجهان في توجههم؟
الصدق يقودنا إلى طريق أوحد يعمي الروية، فيفيض بنا إلى الضياع وبه نتحول إلى كائنات على أطرافها وعيونها برقع يمنع معرفة الاتجاهات والتوجهات.
كل حوادث الحاضر والتاريخ لهما زوايا رؤية مختلفة، وكل زاوية لا تعد كذبًا أو صدقًا، أنهما متداخلان.
كيف نقرأ التاريخ، بل كيف نقرأ الحاضر إذا كانت المفاهيم لا حواجز بينها؟
هل الحياة عبث، وهم، أم أن العبث والوهم يقودنا أن نعيش حياتنا كما هي دون حساب لأبعاد ما نحن عليه؟
لا يترتب على داعش أي مسؤولية أخلاقية أو سياسية او اجتماعية أو إنسانية.
النظام الدولي جعل من داعش سلة مهملاته, كلما أراد أن يصفي قضية ما أو يخرب منجز حضاري ما أو أي شيء له قيمة يرميها في تلك الزبلة.
ليس بعيدا أن تعمد الدول على قتل زعماءها أو مواطنيها لسبب من الأسباب ورمي التهمة على داعش, ثم تطمس الجريمة وتقيد ضد مجهول.
لو بقي صوت القاشوش صادحاً وكاميرة ناجي الجرف وأصوات الهتافات النقية في الشوارع تلعن آل الاسد ونظامه وشكله والمتعاونين معه, لرأينا سوريا أخرى, وشعب أخر ووطن أخر.
الجميع متفق على أنهما الأجمل, القاشوش والجرف, وأمثالهما, في هذه الثورة المباركة التي اغتالتها الأنظمة الأقليمة, كتركيا وإيران والسعودية وقطر, والدولية كروسيا والولايات المتحدة وغيرهم, بالتعاون مع النظام القاتل في دمشق.
ذكريات من رأس العين
رأس العين قصيدة من السماء, متجذرة في لعبة الريح. ينابيعها ألحان, عزفتها الطبيعة بأوتار ملائكية. مركونة داخل ماء زلال, في صفاء وجمال ورقة. والأرض متجذرة في التراب بنعومة البصر. وأشجارها باقة أحلام ممتزجة بالضفاف.
كانت المدينة أمتداد للتاريخ واليقين, متجددة كل يوم كرفيقة للطبيعة الخلاقة التي تحملنا من حلم إلى آخر.
كان والدي مسكونًا بحب الطبيعة والأرض, يحملنا في الصباحات الصيفية المنعشة إلى هناك, إلى مصب الأحلام. يوقظنا من النوم عندما تكون أجنحة السماء غافية. نضع كل مستلزمات الصباح في السيارة, طاولة, جبس, بطيخ, جبنة بلدي, خبز تنور تحضره والدتي قبل بيوم, خبز بايت من الفرن. زيتون, جبن بلدي, مربى مشمش, ورد, تين وقرع. وننطلق قبل الساعة الخامسة. عندما يكون الناس نيام أثناء العطلة, يوم الجمعة. يتحاشى والدي الذهاب من وسط المدينة, الشارع الوحيد الذي يمر فيها جميع الناس ويقسم المدينة إلى قسمين ويوزع السكان على بقية الأحياء حتى لا يستفز المخبرين أو البعثيين الذين كانوا عيون النظام على الشاردة والواردة. حتى لا يقولوا أن هناك سيارة للدولة فيها أطفال وامرأة. ويستخدمها الموظف للاغراض الخاصة. بالرغم من أن والدي كان يأخذ أذنًا من رئيس المصلحة قبل الذهاب بهذا المشوار بيوم واحد لمسافة تقدر بأقل من ثلاثة كيلومترات.
ننطلق من البيت مسافة مائتي متر باتجاه الغرب ثم ندور نحو اليسار, نمر عبر الثكنة الفرنسية القديمة المتموضعة فوق تلة أو مرتفع عن الأرض مسافة بضعة مئات من الأمتار. ندخل فج, طريق بين تلين, إلى أن نصل إلى الملعب البلدي المكشوف, نعبر المطحنة إلى أن نصل إلى الينابيع.
كانت الحياة بسيطة في ذلك الزمن, معجونة بالشهقة الجميلة. وتمر كدعابة أو حلم ملون يناجي طيف السماء. في هذا المكان, ترقص بحار المياه العذبة فوق طبقة التراب النائمة كفاكهة على غصن أخضر. هذا الماء البللوري يمتد كجذور للأرض وأشجارها, وفوقه تسطع غمائم السحر وشبابيك الشمس وغابة الحياة.
المكان عذب, ساحر. ولا سحر أجمل من ينابيع رأس العين في العالم كله.
مع الأسف كنا نملك أجمل بقعة في هذا العالم. زينة من الطبيعة البكر وهبتها لنا على طبق من صفصاف. وضيعناها إلى الأبد.
عندما نصل إلى نبع عين رياض يوقف والدي السيارة في مكان مظلل بالشجر, بعيدًا عن العيون.
ننزل, وندخل غابة صغيرة عبر ممر مملوء بالأشجار مسافة بضعة أمتار. على امتداد البصر, ماء وينابيع. أخذنا أقرب مكان لنا. عين حمزة. نبع دائري, قطره أقل من أربعة أمتار. وينساب منه الماء كشعر صبية جميلة في مقتبل العمر. على الضفة نفرش الطاولة ونجلس. تقشر أختي وأمي البطيخ ويحضران الفطور. أنزل إلى الماء برفقة والدي ونسبح. العمق لا يتجاوز المتر. عندما أقف أحس بالرمال تدغدع رجلي وأصابعي. ترقص الرمال الصغيرة المذببة تحت تأثير أندفاع الماء من جوف الأرض كطفل ولد للتو. ينسحب الماء من جسد الأرض ويسير فوقها كغطاء من الورد ويستمر إلى ما نهاية كنبض وعطاء.
كنت أرى قدمي. والأسماك الصغيرة يلعبون بأصابعي. أرى الماء الصافي, العذب يلعب في مسامات الصباح الباكر ويضخ الحياة في شرايين الحياة.
ويحتمي هذا العري الكوني بالضوء ولعبة الحياة.
لم اكتف بهذا النبع, أقول لوالدي:
ـ أريد ان أذهب إلى نبع رياض, أنه على بعد ستة أمتار. هناك النبع أوسع, مفتوح على نبع أخر. اريد أن أسبح في فضاء أكبر.
ينهرني بكلام قاس:
ـ أنت طفل عجول. تحب التنقل من مكان لآخر. لا تستطيع البقاء في مكان واحد. ما الفرق بين هذا النبع وذاك؟ نريدك أن تبقى معنا, مع أمك وأخيك وأخواتك. لماذا تحب أن تتميز عنا؟
ـ لقد سبحت سابقًا هناك مرات كثيرة. لا أحب هذا النبع, أنه صغير ولا يفي بامكاناتي كسباح ماهر.
ـ هذا هراء. النبع هو نبع. وإذا أخذتك إلى نبع عين حصان ستطلب عين الزرقاء. وإذا أخذت عين عروس ستطلب عين الزرقاء, وستطلب عين الكبريت, عين بانوس, قطينة. المشكلة فيك وليس في النبع. لا اسمح لك أن تتركنا وتذهب وحدك. الا يكفي أنك تقضي معظم أوقاتك بين كرة القدم والسباحة في الينابيع.
نفطر هناك. ونتمتع بالصفاء والجمال. العصافير والبلابل والطيور يغردون طوال الوقت. الحياة هادئة, الناس بسطاء. لم تتلوث الحياة في بلادنا بالطائفية أو الانتماءات المذهبية.
ركبنا السيارة ومررنا بجوار بقية الينابيع التي لا تعد ولا تحصى. ربما مئات أو أقل أو أكثر. الماء في كل مكان. والماء جار للماء. يغنون لبعضهم او يتزاوجون أو ينجبون أطفال. وصلنا إلى نبع سيروب. كانت العمة سيران, أم سيروب, على علاقة قرابة مع والدي. لم تكن تعرف العربية. كانت تتحدث الأرمنية والكردية. استقبلتنا بابتسامة مشرقة. ورحبت بنا. جلسنا تحت الأشجار. كانت الشمس قد خرجت من حلمها ومخبئها وأخذت ترمي بسيول أوجاعها في أفراحنا.
أخذتنا إلى شجرة عالية قالت لوالدي:
ـ هل لديك المقدرة على هز هذه الشجرة. وأشارت إلى شجرة مشمش.
قال لها والدي:
ـ بالطبع أستطيع.
في هذه اللحظات اقترب الكثير من الأطفال يريدون جني بعض حبات المشمش أو يريدون الصعود يصعدون إلى أعلى أغصان الأشجار المثمرة. كانت المرأة المسنة تركض وراءهم وتشتمهم بأقدح العبارات بلغة عربية مضحكة, يتخلل الشتم شتم لنفسها أكثر من شتمها للأطفال الذين كانوا يهربون منها ويضحكون عليها.
صعد والدي إلى أعلى الشجرة وصعدت وراءه بعد أن فرشت والدتي بطانية على الأرض. هززنا الشجرة. وانتقلنا إلى شجرة أخرى. امتلأ المكان بالمشمش ووضعنا في السيارة كميات كثيرة. قال لها والدي:
يجب أن نتوقف. من المؤسف أن ننتقل إلى بقية الأشجار ونترك هذا المحصول الوافر يعفن ويموت على الأرض.
ـ أريد أن اتخلص من المشمش النائم على الأشجار. الأطفال يسببون لي إزعاجًا. أرميهم, أرجوك. أريد أن تتعرى الأشجار من الثمار حتى لايكسرها الأطفال أو يدخلون حقلي ونبع الماء الذي بحوزتي.
اي تحليل خارج ادوات العصر وسياق الزمن محكوم عليه بالفشل.
الورع والتقوى والسياسة مفاهيم متباعدة، لكنهم يلتقون في الفساد والتورية والخداع.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟