|
حرب الخامس عشر من أبريل: صراع الجيش والدعم السريع أم غزو إمبريالي؟
خزامي مبارك
الحوار المتمدن-العدد: 8205 - 2024 / 12 / 28 - 02:48
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
إنَّ الفهم الموضوعي لحرب الخامس عشر من أبريل السودانية لا يمكن أن يتم بمعزل عن الديناميات الاقتصادية والسياسية العالمية، خاصة في ظل سعي القوى النيوليبرالية إلى دمج الدول في الاقتصاديات الرأسمالية العالمية، وتحويل الشعوب إلى أدوات لخدمة رؤوس الأموال والشركات المتعددة الجنسيات. السودان، كدولة غنية بالموارد الطبيعية من معادن وزراعة وثروات حيوانية، كان دومًا محط أنظار القوى الإمبريالية. وهذه الحرب الأخيرة تمثل ذروة الصراع على هذه الموارد، التي أصبحت محورًا للصراعات الداخلية والخارجية.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى مليشيا الدعم السريع كأداة محورية في تنفيذ هذه الأجندة الإمبريالية. فمليشيا الدعم السريع لم تتشكل عشوائيًا، بل هي نتاج عمليات طويلة من الدمج الرسمي لقوى الجنجويد التي تشكلت في دارفور وارتكبت فيها أبشع الجرائم ضد الإنسانية، مما جعلها محل إدانات دولية واسعة. مع ذلك، فإن هذه المليشيا أصبحت لاعبًا اقتصاديًا مهمًا في السودان، متورطة في الاقتصاد غير الرسمي وتحالفات مع رؤوس الأموال الأجنبية، خاصة من دول الخليج، التي تستخدم هذه المليشيا لتحقيق مصالحها.
الجنجويد (الدعم السريع): التحول من مليشيا محلية إلى قوة إقليمية
تأسست قوات الدعم السريع رسميًا في عام 2013 كجزء من استراتيجية الحكومة السودانية السابقة لمواجهة الحركات التحررية في دارفور. لكن الجذور الفعلية لتلك القوات تعود إلى الجنجويد، وهي مليشيات عشائرية مسلحة تورطت في النزاع الدامي في دارفور، حيث وُجّهت إليها اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، من قتل واغتصاب وتهجير قسري.
وعلى الرغم من هذه الجرائم، تمكنت مليشيا الدعم السريع من تحويل نفسها إلى فاعل اقتصادي مهم، متغلغلة في القطاعات الاقتصادية الأساسية في السودان. لقد استفادت من المغامرات الاقتصادية لنظام المخلوع عمر البشير، الذي حول أجزاءً كبيرة من الاقتصاد السوداني إلى أدوات للتهرب من العقوبات الدولية المفروضة عليه. ومع مرور الوقت، أصبحت مليشيا الدعم السريع قوة تجارية بامتياز، تمتلك بنوكًا وشركات ومشاريع كبرى، وتعمل بالتنسيق مع استثمارات خليجية ودولية.
دور الإمارات وتحالفاتها في الحرب السودانية
تحتل الإمارات مكانة بارزة في هذا الصراع. فمنذ سنوات، عملت الإمارات على ترسيخ نفوذها الاقتصادي في السودان وإفريقيا عبر دعم مليشيا الدعم السريع. وقد بدأت هذه العلاقة في فترة حكم البشير، حيث دخلت قوات الدعم السريع في حرب اليمن كجزء من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية والإمارات. ونتيجة لذلك، حصلت المليشيا على دعم عسكري ومالي ضخم، بما في ذلك إيداع مليار دولار في بنك السودان مقابل مشاركة الدعم السريع في اليمن. هذا التحالف ليس فقط اقتصاديًا، بل يمتد إلى مجالات التسليح والتدريب، حيث دعمت الإمارات حميدتي وقواته في أكثر من مجال، وهو ما جعل المليشيا قوة مؤثرة على المستوى الإقليمي.
الدعم السريع كجزء من المنظومة الاقتصادية العالمية
الاستثمارات الإماراتية في السودان عبر مليشيا الدعم السريع لا تقف عند حد الدعم العسكري. فقد تمكنت مليشيا الدعم السريع من التوغل في القطاعات الاقتصادية الرئيسية في البلاد، بما في ذلك تعدين الذهب. ومع هذا التوسع الاقتصادي، أصبحت المليشيا جزءًا من الشبكة العالمية التي تربط السودان بالإمارات ودول الخليج الأخرى، حيث تستفيد من التدفقات المالية والتجارية عبر هذه الدول.
إحدى أبرز الأمثلة على ذلك هو سيطرة حميدتي وعائلته على بنوك مثل "بنك الخليج"، الذي تساهم فيه شركات لها صلة بمليشيا الدعم السريع. تشمل هذه الشركات "الوديان السودانية" و"الجيل القادم"، التي تمتلك حصصًا كبيرة في البنك. هذه العلاقات الاقتصادية المعقدة تعزز من سيطرة الدعم السريع على الاقتصاد السوداني، وتمنحه الوصول إلى الأسواق المالية الدولية عبر بنوك في الإمارات والبحرين ومصر وتركيا.
العلاقات الإمبريالية في إفريقيا
لكن النفوذ الإماراتي لا يقتصر على السودان فقط، بل يمتد إلى إفريقيا بأكملها. فقد دعمت الإمارات جماعات مسلحة ومرتزقة في مناطق مثل الصومال، حيث مولت انفصاليين في منطقة بورتلاند بقيمة 50 مليون دولار. كما تورطت الإمارات في تهريب الذهب من دول إفريقية مثل غانا وجنوب إفريقيا، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الذهب الإفريقي المتدفق إلى دبي من 16% إلى 50% بين عامي 2006 و2016.
إن استغلال الإمارات للموارد الإفريقية من خلال التعامل مع المليشيات الإجرامية والشبكات غير القانونية يعكس نموذجًا إمبرياليًا جديدًا، يعتمد على التدخل غير المباشر عبر دعم المليشيات والسيطرة على الاقتصاديات الهشة. هذا النموذج يتجلى بوضوح في السودان، حيث تسعى الإمارات إلى نهب موارد البلاد عبر مليشيا الدعم السريع التي باتت قوة تجارية وعسكرية بامتياز.
إمبريالية جديدة وتصفية الثورة السودانية
ما يحدث في السودان اليوم يمكن اعتباره عملية غزو إمبريالي مكتملة الأركان. فقوى خارجية مثل الإمارات، بالتعاون مع القوى الاقتصادية العالمية، تسعى إلى السيطرة على موارد السودان من خلال مليشيات مثل الدعم السريع. هذه القوى تستفيد من الفوضى التي خلفها نظام البشير، وتسعى لتثبيت وضعها عبر دعم الفصائل المسلحة وإغراق السودان في صراعات داخلية تستنزف موارده وتمنع تحقيق أي تقدم سياسي أو اقتصادي.
لكن في المقابل، تأتي الثورة السودانية كعقبة أمام هذه المخططات. فقد رفض الشعب السوداني السياسات النيوليبرالية التي فرضت عليه بعد سقوط نظام البشير، وعمل على تطوير أشكال جديدة من القيادة الشعبية من خلال لجان المقاومة والتنظيمات الشعبية. هذه اللجان عبرت عن رؤى ثورية واضحة تتعارض مع سياسات السوق الحر والشركات المتعددة الجنسيات، وقدمت مواثيق ثورية تعبّر عن تطلعات الشعب نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية.
خاتمة: الحرب كوسيلة لتصفية الثورة
الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 ليست مجرد صراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل هي حرب تهدف إلى تصفية الثورة السودانية. فالإمبريالية الجديدة، التي تمثلها دول مثل الإمارات، ترى في الثورة تهديدًا لمصالحها الاقتصادية في السودان، وتعمل على دعم القوى التي تقف ضد تطلعات الشعب السوداني. وبهذا، تحولت شوارع السودان إلى ساحات صراع دموي، في محاولة لشطب أي أمل في تحقيق التحرر الوطني الذي طالما حلم به السودانيون.
#خزامي_مبارك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خواطر وآمال
-
في اليوم العالمي للمهاجرين
-
لا يمكن بناء سودان خالٍ من الحروب إلا بالعلمانية:
-
سؤال العلمانية في السودان
-
النخبة المهزومة تلملم أطرافها من جديد لتصفية الثورة
-
لا ثورة وطنية بلا قوى ريفية
-
هل ابتلعت قوى المركز حزب المؤتمر السوداني؟
-
نخاسة الرقيق كوعي في دولة الاسلاموعروبيين
المزيد.....
-
-حسب الأحوال الجوية-.. حزب تركي مؤيد للأكراد ينال موافقة على
...
-
احداث سوريا ومنطقة الشرق الأوسط مابعد سقوط نظام الاسد
-
تصريح الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع حول المحاك
...
-
جريدة الغد الاشتراكي العدد 44
-
تركيا تسمح لحزب مؤيد للأكراد بزيارة عبدالله أوجلان
-
الدفاع التركية: تحييد 14 عنصرا من -حزب العمال الكردستاني- شم
...
-
-حل العمال الكردستاني مقابل حرية أوجلان-.. محادثات سلام مرتق
...
-
عفو «رئاسي» عن 54 «من متظاهري حق العودة» بسيناء
-
تجديد حبس المهندس المعارض «يحيى حسين» 45 يومًا
-
«نريد حقوق المسيحيين» تظاهرات في سوريا بعد إحراق «شجرة كريسم
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|