|
لقاء صحفي حول الأوضاع في تونس وسوريا .
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 8204 - 2024 / 12 / 27 - 22:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع احتفال تونس بذكرى 14 للثورة، لماذا باتت هذه الذكرى باهتة لدى التونسيين؟ في تونس اليوم ماتت السياسة إلى حد كبير، وأعني هنا الاهتمام بها والانخراط فيها والدليل الأبرز انفراط عقد الأحزاب السياسية أو أغلبها على الأقل، وإذا كان البعض يرى في ذلك دليل صحة تدعيما لفكرة مسبقة حول موت الأحزاب على نطاق العالم كله ونهاية زمنها فإني أراه دليل مرض، فالتحزب دليل حياة طالما يعبر عن تآلف مجموعة من الأفراد وانتظامهم على قاعدة الدفاع عن مطالب وطنية أو اجتماعية الخ.. توحدهم، بينما انعدام التحزب دليل فوضى وسيادة للفردانية والتوحد والانعزال، مثلما هو رائج في البلدان الرأسمالية، أو هو عودة إلى العائلة والعشيرة والقبيلة والطائفة والمذهب مثلما يسود في البلدان ما قبل الزراعية. وما ينطبق على الأحزاب ينطبق على المشاركة في الانتخابات حيث تزداد نسبة المقاطعة لا في تونس وحدها وإنما في أغلب بلدان العالم، بمعنى أن الأمر يتعلق بالسياسة عامة لا بالأحزاب وحدها. وهذه الظاهرة نفسها نجد ملامحها في الاحتفال الباهت بذكرى 17 ديسمبر مركزيا وجهويا قبل أيام قليلة في تونس، فالرئيس قيس سعيد قضى ذلك اليوم في السفر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وفي الاتجاهين في موكب من السيارات متوقفا في بعض القرى، ملقيا كلمة مقتضبة في إحداها. أما في سيدي بوزيد مهد الانتفاضة التونسية فلا أثر لتلك الذكرى، بينما كانت قبل سنوات تعج بالمسيرات والهتافات والنقاشات والحوارات، بل إنها تحولت إلى محج للرؤساء والوزراء ومنهم الرئيس الحالي مما يسمح لنا بالقول أن تلك الذكرى مرت مرور الكرام شعبيا ورسميا في الوقت نفسه، وبالإضافة إلى الأسباب التي ذكرت، هناك سبب أعمق يتمثل في حالة الإحباط العامة التي يتقاسمها الحكام والمحكومون، فالمنجز الانتفاضي محدود والوعود الكبيرة لم تتحقق. هل تعتقد أن هناك فرصة لتنظيم حوار وطني في تونس يجمع جميع الأطراف موالاة ومعارضة أم يصعب ذلك في ظل تمسك الرئيس بنهج فردي في الحكم؟ الفرصة موجودة والمهمة تستحق عناء تحقيقها، ويمكن أن تكون البداية بمؤتمر وطني ديمقراطي يجمع كافة القوى الحية في البلاد من سياسيين ونقابيين ومثقفين ونسوة وشبيبة الخ.. تكون كلمة السر فيه خدمة الشعب أولا وأخيرا، بحل المعضلات التي تقف في طريقه وما أكثرها، فتونس تحتاج كتلة تاريخية تتأسس على رؤية برنامجية إستراتيجية واضحة المعالم وخطة تنفيذية تكتيكية لا تقل وضوحا، ورئيس الجمهورية الذي رأى في وقت من الأوقات أنه لا حاجة إلى ذلك، معتبرا أن البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم كفيلان بتحقيقه، معني اليوم قبل الغد بتغيير الوجهة خاصة أن المؤسستين التشريعيتين ثبت أنهما ليسا الإطار المناسب لإنجاز تلك المهمة التي تفوق من حيث اتساع مجالاتها قدراتهما بل ربما اختصاصاتهما أيضا. وفيما يخص المعارضة فمن المهم التأكيد أنه لا وجود لدولة ونظام سياسي دون معارضة بغض النظر عن طبيعتها، فالأهم هو فهمها وحسن تدبير التعامل معها لا إنكار وجودها والاكتفاء بالثرثرة الخطابية عن انتصارات وفتوحات لا وجود لها.. حسب تقديرك، ماهي الخطوات التي يجب أن يتخذها الرئيس سعيد في ولايته الثانية لإنقاذ المشهد السياسي من مزيد التأزم؟ في تونس يبدو الرئيس كما لو كان جالسا في كرسي المعارضة، وهذا ما لاحظه كثيرون ومنذ وقت طويل ولهم الحق في ذلك، إذ يبدو الرئيس خاضعا إلى تأثير حلقة ضيقة لا يعرف الشعب شيئا عنها، وهي المسؤولة عن تعيين “المسؤولين” الكبار وعزل آخرين دون تقديم أي تفسير وتحديد السياسات العامة حتى أنه تم التخلي عن أغلب الولاة بلا تبرير، وهذا معناه أن الرئيس لا يحكم إلا جزئيا، وهو من قال يوما أن المنظومة لا تزال على حالها وأنه غريب ضمنها غربة صالح في ثمود، ولم يتردد في وصف مراكز النفوذ بأنها “مافيا” حقيقية ولو سئلت من سيقتل قيس سعيد رمزيا بطبيعة الحال لقلت: ستقتله الحلقة الضيقة. واللحظة التاريخية الحالية تفرض عليه أولا التحرر من سطوة الحلقة الضيقة وجعل السياسة التونسية ملكا مشاعا للشعب بأسره، من خلال قواه الحية التي يجب الإصغاء إليها، وتشريكها في اتخاذ القرارات ثانيا، والدفع بها في اتجاه تنفيذها ثالثا، وتكاتف الجميع وتضافر جهودهم لمراقبة ذلك التنفيذ رابعا. يروج أن قيس سعيد لا يؤمن بالأجسام الوسيطة ولكنه هو نفسه جاءت به الأجسام الوسيطة ومدير حملته الرئاسية الأخيرة كان أخاه ولا أحد غيره، ولا وجود لشعب يتجمع بأسره في مكان مفتوح أو مغلق ليقرر مصيره حتى أثينا التي كانت مدينة دولة لم تعرف تلك الممارسة السياسية. ذكرت مؤخرا أن تفجير اتحاد الشغل خطوة أولى في اتجاه تفجير تونس، كيف ذلك وهل سيكون لتراجع دور الاتحاد كقوة اقتراح في المشهد تداعيات على استقرار البلاد؟ الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة نقابية عريقة وهي بمعنى ما “خيمة الشعب” كله، جامعة بين صفوفها لا العمال وحدهم، وإنما الموظفين بمختلف فئاتهم وشرائحهم بل حتى المتقاعدين، ودورها يتجاوز الاجتماعي والمطلبي إلى الوطني بمعناه الواسع، وكان لتلك المنظمة موقف مشرف غداة هبة 25 جويلية من حيث التمايز مع حكام العشرية السوداء وانخراطها في الدفاع عن السيادة الوطنية، وهي تعيش منذ مدة أزمة ما فتئت تتصاعد مما يهدد بانفجارها، وأرجح أن السلطة لا علاقة لها بذلك، والعلاقة بين الرئيس وأمين عام تلك المنظمة كانت دوما مقبولة ولم تشبها توترات كبيرة، وإذا حدث وانفجرت وتفتت أو ماتت فإن هذا ستكون له انعكاساته على تونس بأكملها بالمعني السلبي، خاصة في هذه اللحظة التاريخية حيث ترسم الخرائط الجيوسياسية من جديد في الوطن العربي بأكمله، فالنسر التونسي لن يحلق في الآفاق دون جناحيه الحاليين على الأقل قرطاج (قصر االرئيس) وساحة محمد علي (مقر اتحاد الشغل)، لذلك يتركز العمل على تفجير الاتحاد أولا وبعدها سيكون تفجير قرطاج، ومن هنا أهمية حل أزمة الاتحاد بالسبل الديمقراطية داخليا والذود عن الاتحاد بقبضة واحدة ضد محاولات تفجيره وهي القادمة غالبا من خارجه. كيف تنظر الدولة التونسية للتغيرات التي حدثت في سوريا، كيف ستتعامل الدبلوماسية التونسية مع هذه التحولات، هل لها خطة للتعامل معها؟ أصدرت الدولة التونسية من خلال خارجيتها مواقف تعبر عن الوقوف مع سوريا وهي تواجه الاعتداءات الصهيونية مستغلة أزمتها، مؤكدة على ضرورة صيانة وحدة وسيادة الدولة السورية، داعية الأطراف المتصارعة إلى حماية أمن الوطن واستقلاله، ويبدو أن تونس كانت من بين الدول التي تفاجأت بالتحولات السريعة في سوريا، ولم يكن لها علم بما كان يجري في كواليس السياسة الدولية والإقليمية والعربية من توافق على تغيير النظام السياسي، لذلك كان الموقف في البداية واضحا، أما بعد مغادرة بشار الأسد دمشق فبدأ أقل وضوحا، مركزا خاصة على الاعتداءات الصهيونية، وهذا معناه أن متابعتها للأحداث في سوريا لم تكن دقيقة، وهو ما يفسر ذلك التلعثم الذي عانت منه دول كثيرة غيرها. ومن المرجح أن ذلك سببه غياب تحليل دقيق للأوضاع وخطة للتعامل مع المتغيرات، مثل الحدث السوري الذي ستكون له تداعيات على الداخل التونسي، فالكثير من حملة السلاح الذين كانوا في ادلب ثم انتشروا الآن في سوريا كلها، هم من الجنسية التونسية فضلا عن آخرين كانوا يقبعون في السجون التي فتحت أبوابها. كيف تقرأ ردود الفعل السياسية والشعبية التونسية بعد سقوط نظام بشار الأسد، وماهي تداعيات هذه التطورات على المنطقة وخاصة تونس ودول المغرب العربي؟ وقفت تونس الشعبية باستمرار إلى جانب سوريا في مواجهة الصهيونية والإرهاب التكفيري، نجد مواقف واضحة تبين ذلك عدا استثناءات قليلة عبر عنها الإسلام السياسي وبعض حلفائه من الليبراليين، أما عن التداعيات فإن عنوانها الكبير سيكون تغيير الأنظمة بقوة السلاح المدعوم خارجيا ومن ثمة تطويع الشعوب، لكي تقبل بالاستسلام القومي للامبريالية والصهيونية دون قيد أو شرط. كيف يمكن أن يؤثر إطلاق سراح آلاف المقاتلين من الجماعات المسلحة على الأمن والاستقرار في تونس؟ لا تزال الجماعات المسلحة المعادية للدولة التونسية موجودة في الجبال وخاصة على الحدود مع الجزائر التي تعاني بدورها من هذه الظاهرة وخروج المعتقلين منهم من السجون السورية يمكن أن تكون له تداعياته على أمن الدولة التونسية خاصة أن هؤلاء يمكن لهم بسرعة التنقل إلى ليبيا التي ستعود قريبا الرحلات الجوية بين عاصمتها طرابلس والعاصمة السورية دمشق، فضلا عن ذلك فإن تلك الجماعات يمكنها ربط الصلة فيما بينها تونسيا وليبيا وجزائريا فهي عابرة للحدود ولها أفريقيا نقاط ارتكاز عسكرية مهمة. ماهي التدابير التي يمكن أن تتخذها تونس لتقليل التهديدات الناشئة عن وصول الجماعات المسلحة للحكم في سوريا؟ أمام تونس الكثير من التدابير التي يمكنها اتخاذها وهي تنظيم الشعب ورص صفوفه وتأسيس الجبهة الوطنية سياسيا، وانفتاح السلطة السياسية على مختلف القوى الوطنية في شتى المجالات السياسية والنقابية والثقافية والنسوية والشبابية وانفتاح تلك القوى على بعضها البعض حتى لو استدعى الأمر تمرد قواعدها على قياداتها التي أحاطت نفسها بحلقات حديدية ضيقة، ووضع خطة دقيقة تقوم على تحليل عميق ومفصل والمباشرة في تنفيذها، وفتح عيني الشعب بالثقافة الوطنية أولا وثانيا وأخيرا أي تقوية الحصون الثقافية وتحرير الإعلام من المافيا المتحكمة به، بعيدا عن التفاهة التي لم تعد تغري إلا القلة من ضحايا الاغتراب الثقافي، فضلا عن الاشتغال على تقوية تحالفاتها الخارجية والتحلي باليقظة في هذا المجال، فالعامل الخارجي الذي كان له دوره في خلخلة الدولة السورية على مدى سنوات، وصولا إلى تحطيم جيشها وتغيير نظامها سيكون له تأثيره وأثره في أقطار عربية أخرى وتونس في صدارتها. حسب تقديرك، هل ستتواصل تونس رسميا مع الجماعات المسلحة التي سيطرت على الحكم في سوريا؟ من المرجح ذلك فتونس لها سفارة في دمشق والسلطة الحالية في سوريا سلطة أمر واقع، وإذا كانت بريطانيا وفرنسا وأمريكا وألمانيا مثلا ترسل الوفود إلى هناك، طلبا للمنافع في تنافس مع دول كبرى دوليا وإقليميا فلا شيء يمنع دولا صغيرة مثل تونس من النسج على منوالها وما يوجد في النهر قد لا يوجد في البحر.
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في العقل الصهيوني.( 1)
-
النهضة والثورة.
-
المقاومة الفلسطينية بين الماضي والمستقبل . في الذكرى الأولى
...
-
الاجتياح البري .
-
لبنان ونصرالله وما سيبقى .
-
أستاذ فلسفة مترشح لرئاسة أمريكا.
-
اليوم انتخابات رئاسية في الجزائر ... وغدا في تونس .
-
ورقات أردنية .
-
مخاطبة المنازل.
-
التنوير الديني والماركسية عند محمود محد طه ( الحلقة الرابعة
...
-
التنوير الديني والماركسية عند محمود محد طه . ( الحلقة الثالث
...
-
التنوير الديني والماركسية عند محمود محمد طه .( الحلقة الثاني
...
-
التنوير الديني والماركسية عند محمود محمد طه .( الحلقة الأولى
...
-
تونس : حيرة أوربية أمريكية .
-
هجوم وهجوم مضاد .
-
معركة تونسية .
-
ايران و - اسرائل- وأسئلة المواجهة .
-
استقالة من اتحاد الكتاب التونسيين .
-
بورقيبة ومساجينه وسجنه.... الرئيس والفلاق
-
أرونداتي روي كاتبة هندية تمشي مع فلسطين .
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي ينشر صورا لأسلحة عثر عليها وصادرها من حزب ا
...
-
الجيش الإسرائيلي يحرق مستشفى كمال عدوان ويكثف قصفه على غزة و
...
-
بدء مراسم الجنازة الرسمية لرئيس وزراء الهند السابق مانموهان
...
-
أوكرانيا تواجه خسائر فادحة في كورسك مع استمرار الهجوم الروسي
...
-
أهم الأحداث المتعلقة بالهجرة في عام 2024
-
القنافذ مهدده والنسور البحرية في أزدهار
-
كنز مخفي وأدوات تبطل الطلاسم السحرية و-اللعنات-!
-
لوكاشينكو يصدر عفوا عن 20 شخصا آخرين مدانين بجرائم تطرف
-
روسيا.. بدء الاختبارات البحرية لأول ناقلة غاز مسال محلية الص
...
-
كييف ستوقع على استسلامها في أوديسا
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|