|
ملامح المرحلة الجديدة لسوريا
فتحي علي رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 8204 - 2024 / 12 / 27 - 00:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سوريا ،الى أين ؟ هروب بشار الأسد لا يعني سقوط حكم آل الأسد فقط ، بل يعني سقوط حكم حزب البعث .الذي تسلم حكم سوريا عام 1963 .ما يعني اننا بتنا في سوريا امام نهاية مرحلة وتوجه اعطى أكله وانتهى دوره ، وأمام بداية توجه جديد ومرحلة جديدة .مرحلة لن تؤثر على سوريا وشعبها بل على جميع الدول المحيطة بها والعالم .. 1: لا يمكن ان نحدد ملامح المرحلة الجديدة دون معرفة ملامح المرحلة السابقة لحكم حزب البعث وما جرى فيها ولماذا أسقطت . ولماذا جيىء بحزب البعث ليحكم سوريا ولماذا انتهى دوره ليأتوا ببديل عنه .الا إذا اخذنا بعين الاعتبار الماضي القديم لسوريا الذي استدعى المجيء بحزب البعث . وهي المرحلة الممتدة من الاستقلال عام 1947 الى عام 1963 .والتي لايمكن بدورنا معرفتها دون تحديد الملامح الرئيسية للمرحلة التي سبقتها . والتي حكم فيها الفرنسيون سوريا ـ أي منذ عام 1920 الى عام 1947 .وبالتالي دون معرفة لماذا قسمت سوريا وكانت هي ولبنان من حصة فرنسا . والأهم معرفة لماذا جرى تقسيم سوريا عام 1916 باتفاقية سايكس بيكو . والتي من دون معرفة لماذا جرت هذه الاتفاقية ومن كان وراءها لا يمكن ان نعرف لماذا سارت الأمور بذلك الطريق الذي أدى لضياع فلسطين .وبالتالي لابد من معرفة خلفيات صراع الدول الغربية على اقتسام تركة الدولة العثمانية.وتوافقها على إعطاء فلسطين لليهود ليقيموا عليها دولة . 2:سأستبق الأمور كي اظهر حقيقة تكشفت منذ بداية القرن التقطها المفكر اللبناني الفلسطيني نجيب عازوري عام 1905 ثم كثير من الباحثين .بينوا فيها ان الحركة الصهوينة بما تمتلكه من امكانيات كبيرة قبلت فلسطين يومها كي تتخذ منها قاعدة تنطلق منها كي تهيمن على المنطقة الممتدة من الفرات الى النيل ومن خلالها على الشرق الأوسط الكبير وتتحكم بالعالم كله . 3:يتجاهل كثيرون ان أول بلد سيكون مطلوبا للحركة الصهيونية لفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد هو سوريا . لذلك شكلت من يوم تقسيمها الى اليوم أهم عقبة امام فرض هذا المشروع . بما يعني اننا يجب ان نربط كل ما جرى في سوريا منذ عام 1918 حتى عام 1948 ؛عام إقامة دولة لليهود في فلسطين من حركات وثورات او حركات وثورات مضادة لذلك المشروع .فبعد ان أقيمت تلك الدولة التي عرفت باسم إسرائيل كان لابد من ارغام الأم (سوريا ممثلة بنخبها وقياداتها )على التخلي عن ابنتها فلسطين والاعتراف بأمومة اليهود لها .وهو امر اعتقد انه صعب جدا . 4:سنبين كيف ان الأمريكان استطاعوا بما سمي المؤتمر السوري الأول الذي عقد في دمشق عام 1920 من الركوب على الحركة الثورية التي جرت في سوريا او تمكنوا من اختراقها بما عرفت بالثورة السورية الكبرى ؛التي انتهت بما عرف انه استقلال لسوريا عام 1947 .وهو ما تجلى بعد الحرب العالمية الثانية من هيمنة أمريكا على أوروبا وبالتالي على البلدان المستعمرة والتي كانت سابقا تخضع لأوروبا حيث باتت أمريكا من يومها المتحكم الرئيس بالعالم الغربي والثالث والعربي . وبالتالي باتت هي الراعية للمشروع الصهيوني بدلا من بريطانيا .وهو ماتجلى لأول مرة بثورة مضادة بعد الاستقلال تمت عام 1949 من خلال انقلاب عسكري قام به حسني الزعيم في سوريا حيث طرح فكرة ضرورة الاعتراف باسرائيل . ومن يومها تتالت الانقلابات تماشيا مع او ضد ذلك الأمر حتى تمكنت أمريكا وأدواتها في سوريا عام 1958 من القضاء على الحكم الوطني الديمقراطي والمجيء بحزب البعث والذي على الرغم من رفعه شعارات الوحدة والحرية والتحرير والاشتراكية . الا أنه لم يتمكن من تحرير شبر واحد من فلسطين المحتلة بل أضاع او سلم الجولان حيث كان يفترض بعدها ان يسقط لكنه استمر بقدرة قادر مكنت حافظ الأسد من تسلم حكم سوريا ومن ثم فرض ابنه القاصر على سوريا .والتي كان لابد من ان تمر على يده بعملية تدمير ممنهجة ؛ كان لابد من ان تؤدي في النهاية الى اسقاطه واسقاط حكم آل الأسد وحكم البعث والمجيء بجبهة النصرة . وهذا بحث طويل يحتاج لعشرات الصفحات . وللإضاءة الأولية على ما جرى بعد سقوط نظام البعث أختصر من خلال طرح السؤال التالي : 5: هل ستعود سوريا للنظام البرلماني الديمقراطي الوطني الذي أُسقط من قبل الأمريكان عام 1958 بعد وصول شكري القوتلي لرئاسة الجمهورية وتسلم خالد العظم رئاسة الوزارة وعفيف البزري وزارة الدفاع .حيث تكون سوريا في ذلك العهد تبني دولة وطنية وتتمكن من تجاوز فرض حظر تقديم الاسلحة الذي فرضته الدول الغربية على دول المنطقة من خلال ابرام صفقة أسلحة وطائرات ودبابات ومدافع ورشاشات من الاتحاد السوفييتي لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا والرامية الى اخضاعها . وهو كما بين باتريك سيل في كتابه الصراع على سوريا "أن هذا الأمر أرعب إسرائيل وامريكا وجعلت الرئيس الأمريكي ايز نهاور عام 1957 يقول يومها "ظهر اليوم في مستنقع الشرق الأوسط الراكن زورقا سيعكر صفوه لذلك علينا ان نسقط هذا الزورق " . وهوما حققته أمريكا لإسرئيل من خلال الوحدة مع مصر حيث انتقلت بسوريا على يد عميل المخابرات المركزية عبد الحميد السراج من خلف عبد الناصر في عهد الوحدة الى الرعاية الأمريكية ومكنها بالتالي من القضاء على النظام الوطني الديمقراطي .وهو ما أكد عليه نائب الرئيس جمال عبد الناصر السيد "اكرم الحوراني "في مذكراته من الانتقال بسوريا من نظام برلماني وطني ديمقراطي الى نظام قومجي رئاسي استبدادي من خلال حزب البعث . حيث بدأت من يومها عملية تدمير ممنهجة لسوريا سياسيا وفكريا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وروحيا . ام ستسيرسوريا في طريق هجين علماني- ديني استبدادي مطعم بالمدني كما هو الحال في تركيا . ام ستسير في طريق يؤدي إلى مزيد من الدمار والتركيع لمصلحة إسرائيل ؟. الاجابة تتطلب التذكير بحادثين جرتا بشكل متشابه . الاولى : حصلت بعد موت "حافظ الأسد " حيث سادت يومها سوريا حالة من الضياع والقلق والخوف من نشوب حرب بين اركان النظام . حيث جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية الصهيونية اليهودية " مادلين اولبرايت " الى القرداحة للتعزية بوفاة حافظ وحسمت الأمر. حيث التقت ببشار وسمعت منه ووجدت انه مستعد للاستمرار في نهج والده في عدم شن أي حرب على إسرائيل و استعداده لاستئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل فوافقت على تسلمه السلطة ورحلت . وبعدها تركت للسفير الأمريكي ونوابه مهمة ترتيب انتقال السلطة لبشار بما في ذلك تغيير الدستور وتمكينه من الحكم والتغلب على خصومه الأقوياء. الثانية : حصلت يوم سقوط نظام البعث حيث ساد سوريا أيضا حالة من القلق والفزع من تمكن جبهة النصرة مع حلفائها من اسقاط النظام واحتلال القصر الجمهوري في دمشق .وهنا جاءت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية انطوني بلينكن اليهودي الصهيوني السيدة " بربارا ليف " مع وفد امريكي بالسيارات من عمان الى دمشق لحسم الأمر كما فعلت اولبرايت فالتقت بأحمد الشرع . بالرغم من أن حكومتها كانت قد رصدت عشرة ملايين دولار لمن يدل فقط على مكانه لتقتله ..وبعد ان التقت به وجدت (كما صرحت ) انه يملك برنامجا مناسبا للخروج بسوريا من مأزقها فطلبت من حكومتها رفع اسمه من قائمة الإرهاب وشطب الجائزة والمشاركه معه في صنع القرارات التي تتطبها المرحلة القادمة في سوريا من خلال التنسيق بينه وبين كبير مستشاري البيت البيض لشؤون الشرق الأوسط الصهيوني اليهودي السيد " دانييل روبنشتاين ". بما يعني اننا في سوريا والمنطقة امام واقع جديد سيكون فيه الشرع رئيسا لسوريا وعلى الجميع تقبل ذلك والتكيف معه . قد يستغرب او لايصدق كثيرين كيف يمكن لأمريكا ان تنتقل من حالة وضعت فيها جبهة النصرة على قائمة المنظمات الارهابية ورأس رئيسها مطلوب الى شريك يمكن التفاهم والتعاون معه للإنتقال بسوريا وضع جديد . لكن من تابع او يتابع السياسة الأمريكية يجد ان جميع اداراتها لا تقيم وزنا للقيم والمبادئ بل للمصالح ولا يهمها من سيحكم هذا البد او ذاك بشكل استبدادي قمعي إجرامي او علماني مدني او إسلامي او بوذي أو ايا كان . لذلك تقبلت حكم جبهة النصرة لسوريا . والعثرة ستكون الشعب لعدة أسباب : أولا : بما أن حكومة الإنقاذ التي ستحكم سوريا في المرحلة المقبلة ستكون صورة مشذبة عن طريقة حكمها لإدلب منذ عام 2017 بطابع عام إسلامي معتدل مطعم بمدني على علماني شبيه بالنظام التركي المقبول من أمريكا . بما يفهم منه ان جبهة النصرة منذ ان حكمت في ادلب برعاية تركيا كانت تأخذ بعين الاعتبار ما يرضي أمريكا وبالتالي بتنا بعد اسقاط النظام امام قبول امريكي سريع للتحول في طبيعة الحكم في سوريا من حكومة علمانية استبدادية قمعية إلى حكومة إسلامية نصف علمانية نصف استبدادية .ولا يهم ان تكون او ان تصبح ديمقراطية او عادلة او نص . ثانيا : إذا أصبح الطابع العام للحكم الإسلامي في سوريا رئاسيا استبداديا ـأي غير ديمقراطي . فهذا معناه أن ما تبقى من المنظومة التي حلها حزب البعث وبشار سوف يبقى على حاله تقريبا مع تغيرات طفيفة تتعلق بالدرجة والشدة والظروف المحيطة بسوريا . ثالثا : ان النظام الإسلامي كذلك السائد في تركيا او إيران او أفغانستان او غيرهما ليس مرفوضا من قبل أمريكا وأوروبا والصين بشرط ان لايكون جهاديا ولا يتدخل في الشؤون الداخلية للأنظمة العلمانية في الدول المجاورة .لكنه سيكون موضع قلق لإسرائيل . إلا إذا حصلت على ضمانات سياسية او تفرض حقائق جديدة على الأرض .وهو ما ادركته القيادة الإسرائيلية ففرضت واقعا جديدا على سوريا لا يتيح لها أي إمكانية للقتال . وبالتالي للتفاوض والعودة لشعار الأرض مقابل السلام . رابعا : إذا ما حقق النظام الجديد في سوريا تلك الشروط والضمانات فإنه سيكون مقبولا . من القوى الفاعلة في سوريا والمنطقة وتركيا وأوروبا وروسيا ويمكن ان يحكم سوريا لعشرات السنين حتى لو عارض جزء كبير من الشعب السوري ونخبه النشيطة ذلك الأمر ورغما عنهم . فتحي رشيد 26/ 12/ 2024
#فتحي_علي_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول قرار محكمة الجنايات الدولية
-
الوطن وطني والقضية قضيتي -
-
بؤس ثقافة الهوان
-
مفترق طرق بين الذوبان والتلاشي وبين البقاء والرفعة
-
بايدن وخلط المفاهيم والحقائق
-
محرقة مجمع الشفاء الطبي
-
نزعة العدوان والعنف عند البشر
-
استعادة الشموخ
-
مقاربة بين معاناة غرنيكا ، أوشفيتس ،ماي لاي ومعاناة غزة
-
بين حل الدولتين و الحل الجذري الشامل للقضية الفلسطينية
-
تجرية الصين وتحرير فلسطين
-
المواقف المخزية لحكام ونخب الدول الغربية الفاعلة
-
جوهر قضايا الشرق الأوسط
-
حق الدفاع عن النفس في ميزان الحقوق
-
حزب الله ما بين العقلانية والمقاومة
-
مقاومة حماس في مواجهة إرهاب إسرائيل والغرب
-
غَزًة عِزًة فلسطين
-
الدورالسلبي للجهاديين في الثورات العربية
-
لماذا فشلت ثورات الشعوب العربية
-
جريمة استلاب وسرقة فلسطين وتراثهاٍ
المزيد.....
-
كان على متنها.. رجل -يكبر ويتشهد- قبل لحظات تحطم الطائرة الأ
...
-
بمساعدة الذكاء الاصطناعي.. شاهد -الثلوج تكسو- أبرز معالم دبي
...
-
الدفاع الروسية: تحرير بلدتين جديدتين وحصيلة خسائر أوكرانيا ا
...
-
كوريا الجنوبية تصوت لعزل الرئيس المؤقت هان داك سو
-
عملية طعن في هرتسليا، وإسرائيل -أحرقت- مستشفى كمال عدوان في
...
-
بعد أقل من أسبوعين على استلام مهامه.. برلمان كوريا الجنوبية
...
-
مالي: مقتل 69 مهاجرًا على الأقل من بين 80 بعد غرق قارب قبالة
...
-
الحرب الأهلية في السودان تخلّف أزمة إنسانية غبر مسبوقة: 150
...
-
نيوجيرسي: انهيار أرضي يغلق الطريق السريع 80 ويؤثر على حركة
...
-
البرلمان الكوري الجنوبي يعزل رئيس البلاد بالوكالة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|