|
نصوص اسلام المذاهب (5)
صفاء علي حميد
الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 21:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
النص (15) عن عبدالله بن سنان قال: ذكرت لابي عبدالله رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت: هو رجل عاقل، فقال: أبوعبدالله وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال سله هذا الذي ياتيه من أي شئ هو؟ فإنه يقول لك من عمل الشيطان " الكافي / ج 1 / ص 12 "
تعليق : عبد الله بن سنان بحسن نية شرح للامام مشكلة يتعرض لها صاحبة الذي ربما قام بسؤاله فمن باب الاطمئنان والرجوع الى العالم سأل الامام ولم يجبه جزا الله الف خير فشيء جميل ان يرجع العالم الى الاعلم منه ناهيك عن الجاهل وارجو ان يكون ابن سنان ليس جاهلاً وكيف يكون كذلك وهو معاصر للمعصوم ويعيش تحت رعايته ودائماً ما يقوم بسؤاله...؟!
النص يتمحور حول خواطر تأتي للانسان اثناء تأديته للواجبات العبادية وتسمى بالوساوس وهي ليست كلها شيطانية بل هناك ما يكون منها رحماني انساني عقلائي يصب في دائرة الفضائل الاخلاقية الحسنة ...!
الرجل الذي جاء لابن سنان ويسأله عن حالته امره يرجع الى امور تخالف الشرع وتجعله مشغولاً عن اكمال صلاته ووضوءه وهذا ليس بحسن بل قبيح جداً ...
للملا صدرا كلاماً دقيقاً ويوزن بالذهب كتبه تعليقاً على هذا النص ... يقول بالحرف الواحد ( والوسوسة في النية سببه خبل في العقل او جهل بالشرع، لان امتثال امر الله کامتثال امر غيره، وتعظيمه كتعظيم غيره فى باب ما يتعلق بالقصد، فمن دخل عليه عالم فقام له تعظيماً، فلوقال: انتصبت قائما تعظيماً لدخول هذا الفاضل لاجل فضله قياماً مقارناً لدخوله مقبلا عليه بوجهي، لعد سفيهاً في عقله، لان هذه المعاني و الصفات محظورة بالبال لا يستدعى حضورها جملة فى القلب طولا فى الزمان وانما يطول زمان نظم الالفاظ الدالة عليها اما تلفظاً باللسان اوحديثاً بالنفس، فمن لم يفهم نية الصلوة على هذا الوجه فكأنه لم يفهم معنى النية، فليس معناها الا انك دعيت بامر الله الى ان تصلى في وقت معين فاجبت وقمت فالوسوسة محض الجهل.
فان هذه القصود وهذه العلوم مجتمعة فى النفس فى حالة واحدة ولا تكون مفصلة مشروحة في الذهن، وفرق بين حضور الشيء في النفس وبين حضور تفصيله في الفكر، وقد يتصور الانسان شيئاً بصورة واحدة يتضمن معاني كثيرة وقد يحكم عليه بحكم واحد يتضمن احد ما كثيرة، كقولك: الانسان حادث، فتصور الانسان يتضمن تصور الموجود و الممكن الجوهر والجسم و و المتحيز المتحيز و النامي و المتغذى و الحساس و العاقل و المختار والمتحرك وذا الاعضاء من الرأس واليد والرجل.
جل وغيرها من الصفات والاعضاء، وكذا الحكم بانه حادث حكم بانه موجود وانه في زمان و ان لعدمه زمان سابق ولوجوده وزمان لاحق، فهذه احكام متعددة يتضمنها الحكم بانه حادث، ولكن ليست هذه التفاصيل حاضرة في الذهن متميزة بعضها عن بعض، فكهذا القياس في قصد ايقاع الصلوة وغيرها ثم الوسوسة في غير النية كاعمال الوضوء والصلوة اشنع والقبح.
قوله عليه السلام: فيقول لك من عمل الشيطان، هذا قوله بلسانه ولم يؤمن به قلبه، اذ لو عرف على وجه البصيرة ان الذي يأتيه من عمل الشيطان لكان رجلا عاقلا لاموسوساً، و انما يقوله تقليداً اوضطراراً، وذلك على وزان ما حكى الله عن الكفار : ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله (لقمان - (25) هذا قولهم بافواهههم ولم يؤمن به قلوبهم، اذلو علموا ذلك لم يكونوا كفاراً وانما قالوا ذلك تقليداً وسماعاً من الناس على العادة و الرسم لا تحقيقاً وعرفاناً، فلذلك لا ينفعهم لافي الدنيا و لافي الآخرة فكهذا قول الموسوس في جواب من سأله من اى شيء لك هذا؟
فان قلت: ما معنى الوسواس وما سببه القابلي وما مبدأه الفاعلي؟
قلنا: هذا من علوم المكاشفات التي تقتبس انوارها من مشكوة النبوة والولاية، و تقصر عن ادراكها العقول الرسمية بانظارها الفكرية، ولكن انموذج منه مذكور في كتب العرفاء ونحن نلخص حاصل ما ذكروه على النظم الحكمي و القانون العقلى بعد تمهيد مقدمة هي:
ان اللطيفة الانسانية المسماة بلسان الشريعة بالقلب و عند طائفة بالنفس الناطقة جوهر روحاني متوسط في اوائل النشأة بين العالمين الملك والملكوت كأنها نهاية هذا و بداية ذاك، يفعل فيمادونه و ينفعل عما فوقه، فالقلب بمثابة ارض تتكون فيها انواء المخلوقات على صورها المثالية، او مثل مرآة منصوبة تجتاز عليها اصناف الصور المختلفة، فيترالى فيها صور بعد صور و لا يخلو دائماً عنها.
و مداخل هذه الآثار المتجددة في القلب. أما من الظواهر كالحواس الخمس و اما من البواطن كالخيال و الفكر والاخلاق النفسانية كالشهوة و الغضب وغيرهما، فاذا ادرك بالحواس شيئا حصل منه اثر فى القلب، وكذلك اذا هاجت الشهوة بسبب كثرة الاكل او بقوة في المزاج حصل منها اثر فيه و ان كف عن الاحساس، فالخيالات الحاصلة في النفس لا ينقطع، وينتقل الخيال من شيء الى شيء و بحسبه ينتقل القلب من حال الى حال.
فثبت ان القلب الانساني محل الحوادث الادراكية وموضوع الاحوال النفسانية و هذه الاحوال هي الدواعى والارادات التي هي بواعث للافعال المقدورة الصادرة بالقدرة، فالقلب في التغير والتأثر دائماً من آثار تلك الاسباب الخارجة والداخلة واحضر الآثار الحاصلة فيه هي المسماة بالخواطر، و انما هى ادراكات وعلوم اما على سبيل التجدد أو على سبيل التذكر و يسمى بالخواطر، لانها تخطر بالبال بعد ان كان القلب غافلا عنها، فالخواطر محركات للارادات والاشواق، و هي باعثات و دواعي للقوى والقدر، و هي فاعلات اى محركات للاعضاء والجوارح و بها تظهر الأفاعيل في الخارج.
فمبدأ الفعل البشرى هو الخاطر والخاطر يحرك الرغبة وهي تحرك العزم والنية وهي تبعث القدرة والقدرة تحرك العضو فيصدر الفعل من هذه المبادى المترتبة كل ذلك باذن الله و مشيته و قدرته هكذا جرت سنة الله في افعال عباده، و من انكر هذه الوسائط و عزل الاسباب عن فعلها فقد اساء الأدب مع الله مسبب الاسباب حيث اراد رفع ما وضعه الله و عزل ما نصبه فاذا تمهد ما ذكرناه فنقول:
يسمى وسو ان الخواطر المحركة للارادات تنقسم إلى قسمين : قسم يدعو الى الشر اعني الى ما يضر في العاقبة، وقسم يدعو الى الخير اعنى ما ينفع في الآخرة، فهما خاطران مختلفان فافتقرا الى اسمين مختلفين، فالخاطر المحمود يسمى الهاماً والخاطر المذموم ثم انك قد علمت ان هذه الخواطر حادثة و الحادث لابد له من سبب
محدث و مهما اختلفت الحوادث دل على ان اسبابها القريبة مختلفة سيما الاختلاف بالذات والنوع، هذا ما عرف ايضاً من سنة الله في ترتيب المسببات على الأسباب، فمهما استنار حيطان البيت بنور النار و اظلم سقفه و اسود بالدخان علمت ان سبب السواد غير سبب الاستنارة، كذلك لأنوار القلب وظلماته سببان مختلفان فسبب الخاطر الداعي الى الخير يسمى ملكاً و سبب الخاطر الداعي الى الشر يسمى شيطانا، واللطف الذي يتهيأ به القلب لقبول الهام الملك يسمى توفيقاً والذي به يتهيأ لقبول وسوسة الشيطان يسمى اغواء وخذلانا ، فان المعاني المختلفة يفتقر في التعبير عنها الى اسامى مختلفة، فالملك عبارة عن خلق خلقه الله شأنه افاضة الخير والهام الحق و افادة العلم والوعد بالمعروف وقد خلقه و سخره لذلك، والشيطان عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك و هو الاغواء والايحاء بالغرور والوعد بالشر والأمر بالمنكر والتخويف والايعاد بالفقر عند الهم في الخير، فالوسوسة في مقابلة الالهام والشيطان في مقابلة الملك والتوفيق فى مقابلة الخذلان واليه الاشارة بقوله تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين (الذاريات - (49) ، والله الواحد لا مقابل له ولاضد و لاند، والممكنات امور متقابلة وهو الواحد الفرد الخالق للازواج والاضداد والانداد، والقلب مادام كونه قلباً متجاذب بين الشيطان والملك.
و قد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله فى القلب لمتان: لمة من الملك وعد بالخير وتصديق بالحق، ولمة من العدو ابعاد بالشر وتكذيب بالحق و نهى عن الخير؛ و عنه صلى الله عليه وآله : قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمن، والله سبحانه اجل من ان يكون له اصبع جسماني، لكن معنى الاصبع وسره و روحه الواسطة المقدرة التي بها يقع سرعة التقليب والتحريك، سواء كانت الواسطة جسماً أو امراً آخر، وكما انك باصابعك تتقاضى الافعال، فالله سبحانه انما يفعل ما يفعله في هذا العالم باستسخار الملك والشيطان وهما مسخران لقدرته في تقليب القلوب، كما ان اصابعك مسخرة لك في تقليب الأجسام، والقلب باصل الفطرة صالح لقبول اثار الملائكة ولقبول اثار الشيطان قبولا متساويا، و انما يترجح احد الجانبين على الآخر اما باتباع الهوى والاكباب على الشهوات او بالاعراض عنها و مخالفتها.
ولكل من الملائكة والشياطين جنود و احزاب كما سيأتي في حديث الهشام فان اتبع الانسان مقتضى الشهوة والغضب والهوى و الدواعي الذميمة و الاخلاق السيئة ظهر تسلط العدو بواسطة الهوى والجهل وصار القلب عش الشيطان وملكه، و ان جاهد الهوى والشهوات وسلك سبيل الله وتشبه باخلاق الملائكة بالعلم والطهارة و التقوى و ذكر الحق و اياته و اشتاق الى الآخرة و زهد في الدنيا صار قلبه كالسماء مستقر الملائكة الكرام ومهبط الالهامات ومعدن المعارف الالهية والاشراقات العقلية فقد ظهر لك معنى الوسوسة وقابلها ومبدأها الفاعلى الذي هو الشيطان ومعنى الالهام الذي يقابلها وقابله ومبدأه الفاعلى و هو الملك وعلمت اسباب كل من الطرفين ومباديه وغاياته.
فان قلت: الداعي الى المعاصى شيطان واحد او شياطين مختلفة؟
قلنا: الذي يصح بنور الاستبصار وعليه شواهد الاخبار انهم كالملائكة جنود مجندة، و ان لكل نوع من المعاصى شيطاناً يخصه ويدعولها، اما طريق الاستبصار ذكره يطول ويكفيك القدر الذي ذكرناه من ان اختلاف الآثار يدل على اختلاف المؤثرات كما مر فى نور النار وسواد الدخان، و اما الاخبار : فقال مجاهدان: لابليس خمسة من الأولاد قد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره، فذكر اساميهم ثبور و الاعور ومسوط و داسم وزلنبور فامانبور فهو صاحب المصائب الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدودو دعوى الجاهلية، و اما الاعور فهو صاحب الزناء يأمر به و يزينه، و اما مسوط فهو صاحب الكذب، واما داسم فيدخل مع الرجل الى اهله ويريه العيب فيهم ويغضبه عليهم، و اما زلنبور فهو صاحب السوق وبسببه لا يزالون ملتطمين، وشيطان الصلوة يسمى خنزب وشيطان الوضوء الولهان برا تحقيقات پيوتري علوم اسلامي وقد ورد امثال ذلك في اخبار كثيرة، وكما ان الملائكة فيهم كثرة لا تحصى كذا فى الشياطين، وتولد شيطان من آخر كتكون شرر نار كثيرة الدخان من نار أخرى مثلها، و تولد ملك من ملك كحصول نور من نور او كحصول علم من علم آخر.
و روى عن ابي امامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وكل بالمؤمن مأته و ستون ملك يذبون عنه مالم يقدر عليه من ذلك للبصر سبعة املاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذبان في اليوم الصائف، و ما لو بدالكم لرأيتموه على كل سهل و جبل كلهم باسط يده فاغر فاه ، ومالو وكل العبد الى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين، و قال يونس بن يزيد بلغنا انه يولد مع ابناء الانس من ابناء الجن ثم ينشئوا معهم، قال جابر بن عبد الله : ان ادم لما اهبط قال: يارب هذا العبد الذي جعلت بيني و بينه عداوة الا تعينني عليه لاقوى عليه ؟
قال : لا يولد لك ولد الا وكل به ملك قال: رب زدني، قال: اجزاً بالسيئة سيئة و بالحسنة عشراً الى ما اريد، قال: رب زدني قال: باب التوبة مفتوح مادام في الجسد روح؛ قال ابليس هذا العبد الذي كرمته على الا تعينني عليه لاقوى عليه قال: لا يولد له ولد الا ولد لك ولد، قال: رب زدني، قال: تجرى منهم مجرى الدم، قال : رب زدني، قال: اجلب عليهم بصوتك و رجلك..... الى قوله غرورا ( شرح الكافي / ج 1 / ص 222 - 228 ) .
#صفاء_علي_حميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كربلاء مقدسة بدون قيود مكبلة
-
لقاء الاستاذ فائق بالجولاني
-
مصدر دموعنا في العراق
-
نصوص اسلام المذاهب (4)
-
الحظ العاثر
-
معاقبات لا داعي لها
-
نصوص اسلام المذاهب (3)
-
عانق الحياة
-
لن تتكرر
-
الشعب لا يستحق العادل
-
نصوص اسلام المذاهب (2)
-
انتهت ورقتكم يا سياسي السلطة
-
نصوص اسلام المذاهب (1)
-
احب الفنون الى قلبي
-
المقاومة اللبنانية لم تنتصر
-
حراس دكاكين استغلال علي
-
رعاع الاسلام السياسي الى زوال
-
القرارات التي يحتاجها العراق
-
اسلام الكهنة والفقهاء
-
انقلاب المليشيات على ايران
المزيد.....
-
مدير مستشفى كمال عدوان بغزة: قوات إسرائيلية تحاصرنا وتأمرنا
...
-
صرح فريد لا تحلق فوقه الطائرات!
-
الهند تعلن الحداد 7 أيام
-
الرئيس الصربي: وساطة الصين جيدة في التسوية الأوكرانية
-
جريمة في جامعة مصرية
-
مصر.. شركة كبيرة تثير أزمة بإشارة على أحد منتجاتها
-
وزير خارجية سلوفاكيا: تصريح بوتين عن المفاوضات حول أوكرانيا
...
-
إصابة إسرائيلية بجروح حرجة في عملية طعن قرب تل أبيب
-
المقاتلة إف-15.. لهذا استخدمتها إسرائيل لقصف اليمن
-
إحياء ذكرى سامر أبو دقة في متحف قطر الوطني بصوت ابنه زين
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|