تغييرالتوازنات في الشرق الاوسط التي أسقطت الاسد و ضرورة أعادة ترتيب الاستراتيجية الكوردستانية.

هشام عقراوي

الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 18:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

سقوط الاسد في سوريا و سيطرة الفصائل المؤيدة لتركيا على الدولة السورية هي ليست و ليدة لحظة السقوط، بل هي نتيجة لحصول تغيير في التحالفات الدولية و تغيير في ميزان القوى في المنطقة وجولات من المواجهات العسكرية. و ما يهمنا هنا هو توضيح تأثير هذا التغيير في التوازنات في الشرق الاوسط على الكورد و نضالهم من أجل الحرية و العيش بسلام على أرضهم. و سنأتي الى التوضيح بعد التطرق على بعض الاحداث التي ساهمت على افراز ما نراه الان في الشرق الاوسط بشكل أجمالي.
سقوط الاسد أتى بشكل رئيسي بعد أن غيرت روسيا سياساتها حيال سوريا و أنجرارها الى الموقف التركي حول سوريا و التي تتمثل باسقاط الاسد و بقاء روسيا في سوريا و ضمان المصالح الروسية في سوريا. تركيا لم تصل الى هذا القرار ألا بعد أن مارس الاسد تعنتا قوميا ضد الاطماع التركيه في سوريا حيث أن الاسد لم يكن مستعدا للاتفاق مع تركيا و قبول بقاء القواة التركية في سوريا بل طالب بخروج القواة التركية من سوريا الامر الذي ترفضة تركيا رفضا قاطعا. روسيا من جانبها لم تتحمل العبئ العسكري و الاقتصادي لأستمرارها في دعم الاسد و نظامه بسبب وضعة الاقتصادي و العسكري في أوكرانيا الى درجة قام بوتين بطلب المساعدة العسكرية من كوريا الشمالية.
روسيا وافقت على المشروع التركي حول أسقاط الاسد و البقاء في سوريا بشرط أن تعمل الادارة السورية الجديدة و التي تديرها تركيا بأعادة العلاقات السورية الروسية الى نفس مستوى علاقاته مع الحكومات السورية السابقة. حتى الحكومة السورية الجديدة تقبل هذا التحول في الموقف الروسي فهي تعلم أنها ستكون بحاجة الى روسيا في حربها المستقبلية مع أسرائيل و أمريكا التي ستأتي طال الوقت أم قصر. هذا التحالف لسوريا مع روسيا سيخصلها من الدور الايراني في سوريا. المشكوك فيه هو وفاء أردوغان لوعودة لروسيا كي يستمر هذا التوازن الجديد.
التغيير الحالي سيؤدي الى حصول سيناريو اخر و هو تأزم العلاقات بين ايران و روسيا و عدم بقائهم متحالفين على الاقل حول سوريا. فالقيادة السورية الحالية سوف لم و لن تسمح لأي دور أيراني فيها و هذا يعني أن سوريا ستصبح قريبا العدو اللدود للسياسات الايرانية التوسعية في المنطقة. تحسن العلاقات بين روسيا و سوريا و بين تركيا و روسيا و سوريا سوف توصل أيران الى حقيقة و هي أن روسيا و تركيا لعبوا عليها لعبة ليست صديقة بل خبيثة و هذا يعني أن الصداقة الروسية الايرانية سيحصل فيها خلل كبير الامر الذي سيترتب علية أشياء كثيرة لاحقة.
السبب الاخر الذي أضعف نظام الاسد و جعل بالامكان سقوطه و خلق هذا التحالف الجديد بين تركيا و روسيا و طرد أيران من المعادلة هي وقوع ايران في حرب مباشرة مع أسرائيل. تلك الحرب التي أضعفت ايران الى درجة كبيرة حيث أنها فقدت حماس و حزب الله كقوتين مؤثرتين. هذا الاضعاف أثر أيضا على نظام الاسد و حصلت خلافات ولو سرية بين الاطراف الشيعية المتضررة من الحرب التي اشعلتها في غزة و قد تنتهي في اليمن أو حتى في طهران نفسها. وهذا يعني أن الحرب الايرانية مع اسرائيل اسهم على تغيير الموقف الروسي والخروج من أزمة لا تستطيع قيادتها و المشاركة فيها.
في حال استمرار التحالف التركي الروسي حول الدور الروسي في سوريا و عدم اخلال تركيا لوعودها لروسيا و خاصة أن تركيا هي التي تدير سوريا فعندها نستطيع القول أن التوازنات في الشرق الاوسط تغيرت بشكل رئيسي و ثابت و هذا سيؤثر أيجابا أو سلبا على النضال الكوردي من أجل تحقيق الحقوق.
التوازنات القادمة هي:
• روسيا أختارت التحالف مع تركيا التي هي عضو في حلف الناتو و متذبذبه بين الصداقة و العداوة للمصالح الامريكية و الاسرائلية.
• تركيا سيطرة بشكل كامل على سوريا و على المقدرات السورية تحت الارض و فوق الارض و في البحر أيضا. بكلمة اخرى فأن تركيا هي التي تدير الان الحكومة السورية بشكل كامل و أعلنت بشكل رسمي الانتداب على سوريا.
• أيران أصبحت خارج ذلك التحالف و تم سحب البساط من تحتها في سوريا، لبنان و فلسطين و لاحقا قريبا العراق أيضاو هذا يعني تقوية الدور العربي السني فيها.
• أمريكا و اسرائيل يتأملان من تعمل الادارة الحالية في سوريا على الحفاظ على المصالح الامريكية الاسرائلية. أوربا هي مكملة للدور الامريكي في المنطقة لاغير.
• كوردستان، العراق، الاردن، مصر و بعض دول الخليج ستكون محل مد وجزر من قبل هذه الدول الرئيسية التي تحدد شكل المنطقة. و طبعا التوازنات الحالية سيكون له تأثرات دولية أيضا.
كوردستانيا سيحصل التالي:
تركيا و روسيا سوف تعملان على أخراج الكورد في سوريا من المولد بلا حمص كما يقال المثل المصري. و نتيجة لأخراج أيران من المعادلة و تعرضها للخيانة الروسية بالذات فأنها ستعمل على استغلال الصراع العلوي و حتى الكوردي أيضا أن أستطاعت داخل سوريا. و لكن هذا سيعرض الكورد بالذات الى مخاطر خسارة التأييد أو الدعم الامريكي للكورد. و بما أن الكورد بأمس الحاجة الى الدعم الامريكي و حمايتها في خضم ما يجري الان فمن المستبعد أن تلقي ايران أذان كوردية للاستماع اليها. فليس من مصلحة الكورد أبدا التعاون بأي شكل من الاشكال مع ايران هذا أن كانت أيران في وضع يسمح لها بالتمدد خارجيا مرة اخرى. و لكن أن خانت أمريكا الكورد كما فعلت سنة 1975عندها قد يتغير الوضع.
أما في أقليم كوردستان فأن تركيا ستعمل على أضعاف الدور الكوردي في العراق أيضا و لكن ذلك سوف يصطدم بالمصالح الامريكية في العراق و مصالح اسرائيل بالقضاء على النظام الايراني. و بما أن روسيا لا دور يذكر لها في العراق فأن الصراع سيكون بين أمريكا و اسرائيل من جهة و أيران من جهة اخرى و بين تركيا التي ستقف ضد أناطة دور ريادي لأقليم كوردستان بمحاصرة النظام الايراني على الاقل. لذا سيكون أقليم كوردستان مضطرا الى عدم الرضوخ للسياسة التركية و البدأ بأعطاء دور للمعارضة الكوردية في أيران و هذا سيقوي دورهم في العراق و خاصة أن الشيعة في العراق سوف لن يشاركوا أسرائيل و أمريكا في عدائمها لايران. قد نرى في القريب العاجل خلافا بين اقليم كوردستان و تركيا وخاصة بعد أستتباب الامر في سوريا و انتهاء الصراع مع الكورد في سوريا سلبا أو ايجابا. في حال نجحت تركيا في اخراج الكورد في سوريا من المولد بلا حمص فأن تركيا ستقوم حتما بأضعاف الكورد في أقليم كوردستان ايضا و لا تنفع التحالفات مع تركيا بالنسبة للكورد.
أدراك ايران بأن تركيا و روسيا أوقعوها في الفخ لربما سينتج عنه محاولا أيرانية يائسة لدعم الاحزاب الكوردية في تركيا و أحراضهم ضد نظام الحكم في تركيا و لكن تركيا لربما بدأت بالتحرك من الان و على جبهتين أحدهما التفاوض مع أوجلان لأنهاء القتال مع حزب العمال الكوردستاني و الجبهة الثانية هي مع الكورد في سوريا حيث تحاول أنهاء القضية الكوردية في سوريا من خلال عدم حصولهم على أية حقوق و أنهاء الثورة قبل أن تصحى الدولة الصفوية مقابل العثمانيين الجدد.
و بما أن سوريا أختارت تركيا و عن طريقها روسيا للتحالف معهم و مع أن تركيا تحاول التظاهر بأنها عدوة لاسرائيل و بما أن أسرائيل تحتل الاراضي العربية في سوريا، فأن سوريا شاءت أم ابت سوف تدخل في خلاف مع اسرائيل. و لكن هناك سيناريو اخر و هي ان تعلن سوريا تصالحا مع أسرائيل بعكس معتقداتهم الدينية كما فعلت مصر و الاردن و باقي دول الخليج و خاصة أن دول الخليج و السعودية هم في تحالف واضح مع اسرائيل. و هذا أحتمال وارد لو كان الجولاني هو الحاكم و لكن عندها سيتحرك الاسلاميون و القوميون العرب ضد الحكومة السورية. هكذا طرح من الحكومة السورية الحالية مستبعد لأن ذلك يتطلب حكومة سورية تفكر بنفس طريقة مصر و الاردن و دول الخليج و الذي نراه الان على الاقل هو أن الحكومة الحالية أسلامية أن لم تكن متطرفة ايضا. الذي قد يحصل هو أن تطيل الحكومة السورية الحالية ابراز الخلاف مع أسرائيل لوقت قد يصل الى سنتين أو أكثر. عندها حتى لو كانت الثورة الكوردية في سوريا قد أخمدت فأنها ستظهر الى السطح مرة أخرى.
كوردستانيا قد تكون الاستراتيجية التالية هي أفضلها و هي: استمرار التعاون مع أمريكا و عدم أتخاذ موقف كوردي معادي لأسرائيل و المصالح الاسرائيلية في المنطقة و قد تكون الدولتان مضطرتين للتعاون مع الكورد حيث أنهما بحاجة الى استخدام الورقة الكوردية للضغط على الحكومة السورية الحالية و من خلالها الدول التي تدعم تلك الحكومة و تعادي المصالح الامريكية و الاسرائيلية داخل الاراضي السورية. فتركيا هي الدولة التي لا تأتمن لها أمريكا و لا أسرائيل و لا حتى روسيا و الان أضيفت اليهم أيران ايضا.
الكورد هم الجهة الوحيدة التي تضمن الحكم العلماني في سوريا و في العراق أيضا لذا فأن الوجود الكوردي مهم جدا بالنسية لامريكا و اسرائيل. فأعتماد أمريكا على السنة الاسلاميين أثبت فشلة من خلال القاعدة و غيرها من المنظمات و كذلك التعامل الامريكي مع الشيعة أيضا أثبت هو الاخر فشلة من خلال دعمهم للخميني و سحب دعمهم للشاه. و لكن أمريكا ترى أن مصر و الاردن و السعودية والكثير من الدول الاسلامية المعتدلة و النصف علمانية لا تشكل أبدا خطر عليهم و لا على أية دولة من الدول. و هذا يجبر أمريكا و اسرائيل و من خلفهم أوربا الى محاولة بناء دولة علمانية نصف أسلامية على الاقل في سوريا و هذا يدفعهم الى دعم الكورد في سوريا و العراق و حتى تركيا و أيران ليصبح الكورد العامل الذي يعيد التوازن الى أنظمة الحكم في المنطقة.
و هذا لا يعني أبدا أن السيناريوهات ستكون بهذا الشكل الى نهاية الخط فأي تغيير في المنطقة سواء موت رئيس دكتاتوري مثلا أردوغان أو الخامنئ أو اشتعال حرب أهلية داخلية في سوريا أو أنتهاء حزب أو أحزاب متطرفه أو أتفاق على عملية سلمية لاحدى الصراعات كما في تركيا مع أوجلان أو حصول تحالفات جديدة كالقضية الروسية الاوكرانية أو استحداث خلاف جديد مثلا بين الصين و أمريكا، قد يؤدي الى ضرورة أعادة الاستراتيجية الكوردستانية من أجل نيل الحقوق.

#هشام_عقراوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات