شهناز أحمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 16:47
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
صيدنايا
كان سجن صيدنايا جزءًا من الألم السوري الممتد منذ أمد بعيد. جدرانه حُفرت عليها آمال الإنسان بالحياة رغم القمع والاستبداد. معتقلون تناسوا أحلامهم ومعتقداتهم، وربما كرهوا تلك الأيديولوجيات التي اعتنقوها وألقت بهم في غياهب هذا السجن المرعب. لقد كتبوا على جدران الزنازين كلمات تعبّر عن ألمهم مثل: “أمي، اشتقت إليكِ”، “سلامًا من القلب لأمي”، إضافة إلى تواريخ مثل “الخميس 5-12” و”24-7-214”. كما نُقشت خطوط صغيرة بأظافرهم لمعرفة الأيام، أو ربما لكسر الملل والبطء القاتل في ظلمة الزنازين.
قبل عام 2011، كان اسم هذا السجن مجهولًا بالنسبة لمعظم السوريين، لكنه أصبح بعد الثورة رمزًا للرعب والاختفاء القسري، ووصمة عار على جبين الإنسانية ومنظماتها التي تدّعي حماية حقوق الإنسان.
عقب سقوط النظام، هرعت جموع السوريين من مختلف المناطق إلى محيط السجن، يقضون أيامًا في العراء، باحثين بين أكوام المستندات الممزقة والمبعثرة عن خيط يدلهم على مصير أحبائهم. لم تستطع التقارير الصحفية المنتشرة عن التعذيب والانتهاكات إلا أن تزيد من آلامهم. كان البحث بين الزنازين جهدًا مؤلمًا ومريرًا. ومع ذلك، رفضت أمٌّ واحدة مغادرة المكان، وظلّت تتنقل من زنزانة إلى أخرى، تلامس الجدران والقضبان الحديدية بحنان، وكأنها تبحث عن أثر يروي لها كيف عُذّب ابنها أو ابنتها.
من أجل تلك الأم وكل الأمهات السوريات، لا بد من تشكيل لجان مختصة بجمع الأدلة والوثائق التي توثق هذه الجرائم وحفظها لتقديمها إلى القضاء في سوريا الجديدة أو أمام المحاكم الدولية. العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية هما السبيل الوحيد لمداواة الجراح، وهما أهم بكثير من التقارير الإعلامية التي، رغم دورها في كشف الحقيقة، ساهمت في زيادة الشرخ السياسي والمجتمعي في سوريا. ما تحتاجه سوريا اليوم هو العدالة، لا الانتقام، والمصالحة، لا الانقسام.
#شهناز_أحمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟