إكرام فكري
الحوار المتمدن-العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 10:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العرب بطبيعتهم التاريخية يميلون إلى الاستقلالية الفردية ورفض الخضوع لأي سلطة بسهولة. هذه السمة، التي تشكلت نتيجة للبيئة الصحراوية القاسية والحياة القبلية التي عاشوها، جعلت من العربي شخصًا يعتز بكرامته الفردية . لكن هذه النزعة، في غياب عامل موحد، كانت سببًا في تفكك المجتمعات العربية قبل الإسلام وصعوبة تشكيل كيان سياسي مستقر.
قبل الإسلام، كانت القبيلة هي الوحدة الأساسية في المجتمع العربي، وكان الولاء لها يسبق أي ولاء آخر. عاشت القبائل في حالة دائمة من النزاعات والصراعات , غياب مفهوم الدولة أو السلطة المركزية جعل من المستحيل تحقيق وحدة سياسية أو مواجهة التحديات الكبرى. النزعة الفردية، التي كانت تُمجد استقلال القبيلة والفرد، أدت إلى إضعاف المجتمعات العربية وتفككها أمام القوى الكبرى مثل الفرس والروم.
مع مجيء الإسلام، قدم الدين مفهومًا جديدًا تجاوز الولاءات القبلية والفردية، وهو مفهوم "الأمة". الإسلام أعاد تشكيل الهوية الفردية من الانتماء القبلي الضيق إلى الولاء لجماعة أكبر تجمعها الإيمان بالله والمبادئ المشتركة. هذا التغيير الجذري أسهم في تهذيب النزعة الفردية، حيث لم يعد الفرد يرى نفسه جزءًا من قبيلته فقط، بل عضوًا في أمة موحدة تهدف إلى تحقيق العدل والسلام. الدين ألغى العصبيات القبلية ودعا إلى التضامن والتعاون، مما أتاح توحيد العرب لأول مرة في تاريخهم ، تحت راية الإسلام، نجح العرب في تحويل طاقتهم من التنافس والانقسام إلى العمل الجماعي والبناء الحضاري.
في العصر الحديث، ورغم استمرار الدين كعنصر ثقافي أساسي في المجتمعات العربية، عاد استغلاله سياسيًا ليصبح أداة للفرقة والتخلف. إذ يتم استخدام الدين لتبرير قرارات سياسية ، الاختلافات المذهبية والطائفية أدت إلى حروب داخلية مزقت النسيج الاجتماعي ، ظهرت أيضًا جماعات متطرفة استخدمت الدين لتبرير العنف والتطرف. هذه الجماعات شوهت صورة الإسلام عالميًا وأضعفت المجتمعات الإسلامية داخليًا. بذلك، أصبح الدين عاملًا للتفرقة والضعف، ليس بسبب طبيعته، بل بسبب استغلاله لتحقيق مصالح سياسية ضيقة.
الإسلام، كما ظهر في بدايته، كان عاملًا للتوحيد وبناء حضارة قوية قائمة على العدل والتعاون. لكن عندما يُستخدم الدين كأداة قمع أو تبرير للسياسات الرجعية، يتحول إلى عائق أمام التنمية والحرية.
#إكرام_فكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟