بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8202 - 2024 / 12 / 25 - 11:42
المحور:
كتابات ساخرة
في يوم من تلك الأيام التي تخلو من الأحداث الشيقة، وجدنا أنفسنا نبحث عن مغامرة تضفي على يومنا بعض الحماس، كان صديقي العزيز "بونجا" – المعروف بروحه المرحة وعشقه للمغامرات التافهة – جالسا معي نتحدث عن الحياة، حين فاجأني بفكرة لا يمكن لأحد غيره أن يبتكرها: "أريد الحصول على شهادة نجارة الألومنيوم."
نظرت إليه بذهول شديد، لأنني أعرف أن "بونجا" بالكاد يستطيع تثبيت مسمار دون تحويله إلى مشروع كارثة. لكنه أضاف بحماس طفولي: "وأنت ستساعدني، لأنك الوحيد الذي يستطيع التفاوض مع الإدارات! لديك كاريزما ووجه بريء!" كان هذا أغرب مجاملة أسمعها، لكني وافقت، لأنني ضعيف أمام الحماقات التي تقودها ثقة زائدة.
انطلقنا إلى مندوبية الصناعة التقليدية بمكناس، وكلانا يعتقد أننا سنخرج بشهادة تفتح لبونجا أبواب المجد الحرفي. لكن ما إن وصلنا إلى هناك حتى اكتشفنا أن الإدارات لدينا ليست أماكن عمل بل لوحات فنية تصور العدم. المكاتب كانت خاوية على عروشها، الأوراق متناثرة كأن إعصارا قد مر، والموظفون؟ لا أحد!.
وقفنا في المنتصف مثل شخصين دخلا مسرحية عبثية دون أن يعرفا النص. "وين الناس؟" تساءل بونجا، بينما كنت أحاول تفسير هذا السكون المريب. فجأة، ألهمني الشيطان بفكرة عبقرية: "لماذا ننتظرهم؟ لنصبح نحن الموظفين!".
بالطبع، لم يحتاج بونجا إلى إقناع. بدأنا باقتحام أحد المكاتب، وجدنا طوابع وأوراقا رسمية، وكأن النظام الإداري قرر أن يثق في أي عابر سبيل. حملنا ما نحتاجه، وقررنا استكمال المهمة في مكان أكثر إبداعا: المقهى.
هناك، وسط رائحة القهوة وأصوات الزبائن، جلسنا نحرر شهادة نجارة الألومنيوم بكل احترافية. كنت أكتب التفاصيل بدقة، وبونجا كان يضيف لمساته الخاصة بطوابع كأنها لوحات فنية. ختمنا الشهادة بختم السيد الرئيس، وأنا أقول بفخر: "أنت الآن نجار ألومنيوم معتمد بشهادة رسمية صدرت من المقهى!".
ضحك بونجا حتى كاد يسقط من كرسه، وقال: "لم أكن أعرف أن الأمر بهذه السهولة! ربما أفتح شركة استشارات بيروقراطية قريبا."
لكن، كما يعرف الجميع، كل مغامرة عظيمة تحتاج إلى التخلص من آثارها. أخذنا الطوابع والأوراق وألقيناها في أقرب حاوية نفايات، وكأننا ندفن جريمة نكراء. "يكفي أننا نملك الذكريات. لا حاجة للمسؤوليات!" قال بونجا، وهو يحتسي القهوة وكأنه لم يرتكب قبل لحظات أكبر عملية كوميدية في تاريخ الإدارات.
عاد كل منا إلى حياته المعتادة، لكن القصة بقيت. نرويها لأصدقائنا ونضحك على عبثية الموقف. لقد أثبتنا أن النظام الإداري لا يحتاج إلى قوانين بل إلى قهوة وطوابع، وأن الشهادات قد تكون مجرد نكتة، لكن الذكريات الساخرة هي التي تبقى.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟