|
كل هؤلاء كانوا يشاركون المواطن وجبة الطعام
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 16:50
المحور:
كتابات ساخرة
توقفت، اليوم، صباحاً وأنا أرتجف، كالعادة، خوفاً وهلعاً وفزعاً من غلاء الأسعار الفاحش، أمام صاحب عربة الموز، وهو طالب جامعي أعرفه من زمن طغمة الحثالة والجواسيس والخونة الفاشية، لأسأله عن "بورصة" هذه الفاكهة لهذا اليوم التاريخي الأغر، فقال لي بلهجة محلية محببة: "بس بعشرة آلاف يا أستاذ"، فقلت له: "بلا مزح ولك حسون، يرحم بيّك، على الصبح، الله وكيلك مو طايفين حالنا"، فأقسم لي، بأنه بعشرة آلاف، ومع ذلك لم أصدّقه، فقمت بانتقاء عنقوداً من الموز وقلت له: لو تكرم زِن لي هذا، فزانه وقال لي: " اتنين كيلو طابشين أستاذ بعشرين ألف"، أعطيته المبلغ غير مصدق نفسي، ومضيت في طريقي دون أنظر ورائي مخافة أن يتراجع برأيه، وأنا استذكر كيف اشتريت نفس المادة قبل شهر بالتمام، بسعر خمسة وأربعين ألف ليرة سورية للكيلو غرام الواحد، أي زيادة بنسبة 350% على كل كيلو غرام واحد. فما السبب؟ طبعاً في حقبة البهارزة الحرامية اللصوص السرسرية الأشرار وشركائهم من الزبانية المافيات واللصوص والزعران ومهربي المخدرات ومومسات القصر سارقي قوت الشعب، كانت تضاف عشرات الرسوم والخوّات والضرائب والأتاوات والجبايات وإعادة إعمار وضريبة إنفاق استهلاكي وطابع إيدز و ووو على أية مادة غذائية أو غير غذائية يستهلكها أو كان بحاجتها المواطن السوري، ناهيكم عن خوّة الجمارك الباهظة التي كانت تفرض على كل مادة وتعادل أحياناً أضعاف ثمنها الأصلي من بلد المنشأ. فكان المقاوم النحرير الممانع المعاند الصامد العابد الزاهد فيلسوف المنتديات والاجتماعات ومهرج مؤتمرات الحزب الفاشي القومي العروبي هو وزوجته يتربصان بكل كسرة خبز وذرة طحين يتناولها الجياع، ومن وراءه العصابات العائلية الشهيرة وملوك المواد الاستهلاكية كملك المشروبات الروحية "عامل نتافة الفراريج" الذي أصبح مستشار القصر الجمهوري لشؤون المافيا والتشليح وتجارة الحبوب المهلوسة، ومالكو "البطاقة الذكية" وسواها من أبواب النهب واللهط ومص الدم، وكل تلك السلالات القدرية المعروفة التي كانت تطبق على رقاب الفقراء، وتخنق الشعب السوري وتتحكم بلقمة عيشه كلها كانت تشارك المواطن الفقير لقمة عيشه وتفرض الخوة والضريبة والأتاوة حتى على حبة الرز التي يتناولها، إضافة للفرقة الرابعة (الفرقة النحاسية كونها كانت مشغولة بجمع النحاس) ذراع البهارزة العسكرية والنهبوية الضاربة، وحواجزها الأكثر من الهم على القلب التي كانت تتمركز في كل مكان وعلى كل مفرق وحاجز وهناك، أيضاً، إدارة الجمارك والتموين والمالية وإدارة أمن الدولة والمخابرات العسكرية والجوية والسياسية والجنائية وأمن الحدود والأمن العام كلها كان لها حصص معلومة ومعينة ومحسوبة من أية لقمة خبز يتناولها السوري الفقير العادي والتي كانوا يتقاسمونها آخر النهار، دون شفقة أو لرحمة أو أسف وندم، أو يرف لهم جفن أو ينتابهم أي وجع أو تأنيب ضمير، كأية عصابة قطاع طرق وتشليح وخطف واغتصاب، وكل هذه المبالغ الهائلة كانت تذهب لجيوب الطاغية وزوجته اللصة الحرامية، بالمقام الأول، وبقية الحيتان والضباع التي لم ولن ولا تشبع من مص دماء البشر، ولم تكن كل تلك الجبايات والخوات والأتاوات أبداً تدخل لخزينة الدولة، وكل واحد منهم كان مختصاً بمادة غذائية وقطاع محدد، فهناك، مثلاً، ملك الموز، ممنوع لأحد أن ينازعه في استيراده، وهناك ملك المتة، وملك السكر، وملك الدخان، وملك الويسكي، وملك القهوة، وملك الشاي وووو، وكل حوت منهم يتحكم بأسعاره ويسرّبها بالقطارة للأسواق كي يحافظ على ندرتها وارتفاع أسعارها، فيما كان الفأر والصرصور الهارب القابع على عرشه الذليل يصدر المراسيم الجمهورية والقرارات القراقوشية خدمة للصة زوجته ولمصاصي الدماء هؤلاء وحماية لمسروقاتهم ومنهوباتهم وأعمالهم القذرة، وخصص لهم، مثلاً، قانوناً باسم "قانون الجرائم الإليكترونية"، مهمته الأساسية حماية هؤلاء اللصوص والحيتان، ومنع توجيه أي انتقاد لهم من النشطاء، أو إبداء أي تذمر وشكوى وامتعاض ضدهم، ولعل القارئ الكريم يستذكر كم كنت قد كتبت مراراً تغريدات عن هؤلاء "الملوك" وبوستات عن هذه الشراذم المنحطة وممارساتهم الشايلوكية القذرة الجشعة. حكى لي صديق، يسكن في المشروع العاشر، عن سيارة "فان" كانت تأتي يومياً للمشروع العاشر في مدينة اللاذقية، معبأة، ومحشوة خشواً، بالأموال، تعود لجنرال وضيع ساقط منحط مجرم وضبع مافيوزي مرعب كبير وشهير كلها من عائدات تلك الجبايات والحواجز، ولم يكن يدري أو يعرف أين سيضع كل تلك الأموال الحرام المنهوبة من عرق ودم وجوع ملايين الجياع والمحرومين والمقهورين الفقراء. الآن رُفعت كل هذه الجمارك والجباية والخوات والأتاوات عن مادة غذائية استهلاكية رئيسية فأصبح سعرها عادياً، وبالأرض، كما يقال، وضمن السياق، بعد أن كان "قرن" الموز حلماً بعيد المنال من أحلام الكثير من الأطفال... فهل عرفتم الآن كيف كان المقاوم الصامد المعاند المماتع يسرقكم هو وزوجته اللصة الجشعة ويحرمكم من أبسط مقومات الحياة هو وحاشيته وزبانيته، وتأكدتم ممن كان يشارككم لقمة الخبز ووجبات الطعام؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا الجيش يجب أن يهزم: لماذا انهار الجيش يا بشار؟
-
أسطورة وخرافة الخلق: وخرافة الأديان الإبراهيمية
-
نعوات رسمية أم استمارات أمنية؟
-
التكنولوجيا تسحق الإيديولوجيا
-
سوريا: كذبة وخرافة الوحدة الوطنية
-
سوريا: غزوة الضباط الأحرار
-
عيد الغدير: أعظم أعياد العلويين(النصيرية)
-
خرافة أمة المليار
-
ال DNA وخرافة خلق الله
-
الكسوف والخسوف: أكبر دليل على عدم وجود الله
-
من هو التكفيري والعنصري إسرائيل أم ثعابين حماس؟
-
C/V لمسؤول بدولة فاشلة
-
أعياد النصيرية -العلويين- بين الأمس واليوم
-
يسقط حكم للعسكر
-
روسيا: نمر من ورق
-
أيها الجنرالات: كفى عودوا لثكناتكم
-
تدشين الحنفية والفشخرة البعثية
-
فقعة ضوء: الله لا يرحمك ولا يرحمه
-
لغدير: أقدس أعياد النصيرية -العلوية-
-
الغباء الوطني والعقل الترللي
المزيد.....
-
-بندقية أبي-.. نضال وهوية عبر أجيال
-
سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي
...
-
لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
-
مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م
...
-
رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|