أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - أنيس صايغ: الشُّعلةُ التي لا تنطفِئُ !














المزيد.....


أنيس صايغ: الشُّعلةُ التي لا تنطفِئُ !


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 14:55
المحور: القضية الفلسطينية
    


في سماءِ الكِفاحِ الفلسطينيِّ، كان أنيس صايغ نجمةً أضاءت عتمة المنافي، وقنديلاً أشعلَ ظلامَ النِّسيانِ بحروفِهِ التي تنبُضُ وطناً وأملاً.

لم يكن مجرَّد إنسانٍ، بل كان سيمفونيَّةً من العزمِ والإصرارِ، عزفتها الأيَّامُ على وترِ الشَّوقِ والحنينِ لفلسطين.

كان حضورُهُ أشبه بمقطوعةٍ موسيقيَّةٍ تبدأ بلحنٍ هادئٍ، ثم تتصاعدُ نغماتُها لتُشعِلَ القلوبَ، وتبعثَ الحياةَ في الأرواحِ المُرهقةِ.



طبريا، تلك البحيرةُ الحنونُ التي شهدت طفولتهُ، كانت مفتاح لحنِهِ الأوَّلِ.

هناك، على ضفافِها، تعلَّم أن يقرأَ الأرض كقصيدةٍ، وأن يُصغيَ لصوتِ الحجارةِ وهي تحكي حكاياتِ الأجدادِ.

كانت طبريا بالنسبةِ له أشبهَ بكمانٍ قديمٍ يعزفُ لحنَ الحنينِ كلَّما لامستهُ نسائمُ الغربةِ.

حملها في قلبِهِ كما يحملُ العاشقُ صورة محبوبتِهِ، وظلَّ وجهُها الصَّبوحُ يطلُّ عليهِ في كلِّ لحظةٍ، حتَّى وهو بعيدٌ عنها.

كم مرَّةً كتبَ عن طبريا وهي ترتدي ثوبَ العروسِ، تنتظرُ أبناءَها ليعودوا؟ كانت كلماتُهُ كالأغاني الشَّعبيَّةِ التي يُنشِدُها الفلَّاحون في الحقولِ، تحملُ وجع الأرضِ ودفءَ الأملِ. حتَّى عندما كان اليأسُ يُخيِّمُ على القلوبِ، كانت طبريا في كتاباتِهِ مرآةً تعكسُ حلمَ العودةِ، ولو بعد حينٍ.



حروفُهُ كانت أوتاراً تنبُضُ بالحياةِ، تحملُ بين ثناياها صوتَ الجليلِ، وأنينَ المُخيَّماتِ، وضحكاتِ الأطفالِ الذين لم يعرفوا سوى خيمةِ الوطنِ المؤقَّتةِ.

كان يؤمنُ أنَّ الكلمةَ ليست مجرَّد صوتٍ، بل هي وترٌ في سيمفونيَّةِ النِّضالِ، وصوتٌ لا يخفُتُ إلَّا ليعود أقوى.



في بيروت، حيثُ عاش جلَّ سنواتِهِ، كان يحملُ وطنَهُ معهُ كعازفٍ يحملُ كمانَهُ. لم تُفارِقهُ فلسطين، ولم تنقطع أغنيتُها عن وجدانِهِ.

كان صوتُهُ في المنفى أشبهَ بصوتِ البحرِ حين يلتقي بالشَّاطئِ، متلاطِماً، صاخباً، لكنَّه مليءٌ بالشَّوقِ للهدوءِ الذي لا يجدُهُ إلَّا على ضفافِ الوطنِ.



كان يرى في الغربةِ قسوةً تُشبهُ قسوةَ العزفِ على وترٍ مشدودٍ، لكنَّه كان يعرفُ أنَّ هذهِ القسوةَ هي التي تصنعُ الموسيقى الأجملَ. كان يعيشُ على إيقاعِ الأملِ، ويوقنُ أنَّ العودة ليست حلماً، بل حقيقةً تنتظرُ لحظة التحقُّقِ.



في زمنٍ طغت فيهِ أصواتُ المصالحِ والمساوماتِ، ظلَّ أنيس كقائدِ أوركسترا يرفضُ أن يتبعَ الإيقاعَ الخاطئَ.



كان يؤمنُ أنَّ فلسطين لحنٌ لا يقبلُ التَّحريفَ، وأنَّ النغمةَ الصَّحيحةَ هي التي تقولُ: "كاملُ التُّرابِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ."



لم ينحنِ يوماً لموجاتِ اليأسِ، ولم يُساوِم على المبادئِ التي عاش لأجلِها.



كان يعرفُ أنَّ العزف على أوتارِ الحقيقةِ قد يكونُ مؤلماً، لكنَّه كان مستعدّاً لتحمُّلِ الألمِ، لأنَّ النَّغمَ الذي يخرجُ منهُ هو الذي يبقى خالداً في ذاكرةِ الشُّعوبِ.



حينَ رحلَ أنيس صايغ، لم يكن رحيلُهُ صمتاً.

كان أشبهَ بنهايةِ مقطوعةٍ عظيمةٍ تتركُ الجمهورَ في حالةٍ من التَّأمُّلِ العميقِ.

جسدُهُ قد غابَ، لكنَّ موسيقاَهُ تظلُّ تعزفُ في كلِّ قلبٍ فلسطينيٍّ.

كلماتُهُ تحوَّلت إلى أغانٍ يُردِّدُها الأطفالُ في أزقَّةِ المُخيَّماتِ، وألحانٍ يستمدُّ منها الحُفاةُ قوتهم وهم يسيرونَ نحو بقعةِ الضَّوءِ التي أشارَ إليها أنيس دوماً.

لقد كان شخصيَّةً قريبةً من قلوبِ النَّاسِ، بصدقِها وبساطتِها، عاش حياتهُ مُلتزِماً بقيمِهِ ومدافعاً عن مبادئِهِ دون تنازلٍ.



أنيس صايغ لم يكتفِ بالتَّأليفِ والبحثِ، بل كان حريصاً على توجيهِ الشَّبابِ، إذ آمنَ بأنَّهم الأساسُ في استمراريَّةِ النِّضالِ الفلسطينيِّ. عبرَ محاضراتِهِ ولقاءاتِهِ، استطاعَ أن ينقلَ قضيَّتَهُ وروحهُ النِّضاليَّةَ إلى الأجيالِ الشَّابَّةِ، ويحفِّزهُم ليكونوا جزءاً من مسيرةِ الحفاظِ على الذَّاكرةِ الوطنيَّةِ.



نَمْ مُطمئنّاً أيُّها القائدُ العازفُ، فقد تركت لنا لحناً لا يَصدأُ، ووتراً لا ينقطعُ.

سنظلُّ نعزفُ سيمفونيتكَ، نُغنِّيها بصوتِ الأرضِ والحقِّ.

لأنَّكَ لم تكُن مُجرَّد اسمٍ، بل كُنتَ أنشودة الحُرِّيَّةِ الَّتي لا تنتهي.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا طائر السُّنُونُو، في غيابك يغيبُ الأُفُق!
- طائرُ السنونو: حينَ يَخذُلُنا الأُفُقُ
- نعمات قدورة: حينَ يَكتُبُ الحُزنُ تاريخاً!
- غزة: ملحمةُ الصَّبرِ والأَلمِ
- غزة.. صرخةٌ في وجهِ الخذلانِ!
- حين يُغتالُ الوفاءُ.. وخذلانٌ لا يُغتَفَرُ
- دورُ الرياضيات في التخطيطِ العسكريِّ لدى المقاومةِ الفلسطيني ...
- تاريخُ علمِ الرياضياتِ القديمِ وتطوراتهِ عبرَ العصورِ
- دورُ الرياضياتِ في تنميةِ المهاراتِ وصناعةِ المستقبلِ
- عز الدين القسَّام: ملحمةُ الشَّجاعةِ في وجهِ الخُذلانِ!
- غزّة بين جحيمِ ترامب وخذلانِ الأُمّة!
- خيانة الأمانة: غدرُ الأتراكِ بفلسطين!
- نزار بنات: شهيدُ الكلمةِ في لحظةِ غدرٍ!
- الخُبّيزة: وفاءُ الأرضِ وخذلانُ الذاكرةِ!
- على أرصفةِ الانتظار: حكايةٌ من الخذلان!
- ذَاكِرَةُ الغِيابِ!
- حِينَ تُعَانِقُ الظُّلْمَةُ بَرِيقَ الأَمَلِ !
- منير زيدان: الطبيب الذي جعل الإنسانية مهنته الأولى
- خضر محمد الأحول: وحلم العودة الذي لم يتحقق!
- أوراقٌ ضائعةٌ في صمت الذاكرة !


المزيد.....




- 4 دول عربية تؤكد استعدادها لدعم الحكومة السورية الجديدة
- بايدن يندّد بالهجوم الصاروخي -الشائن- على أوكرانيا
- مصر.. -الوطنية للإعلام- تحظر استضافة العرّافين والمنجمين
- إندونيسيا تحيي الذكرى الـ 20 لكارثة تسونامي
- عشرات القتلى والجرحى في قصف إسرائيلي على غزة
- موزمبيق.. فرار أكثر من 1500 سجين ومقتل العشرات في اشتباكات م ...
- دعوات لتقديم الحوار الوطني في الجزائر
- موسكو.. بنية مواصلات داخلية متينة
- مصر.. قرار من الهيئة الوطنية للإعلام حول استضافة العرافين وا ...
- ترامب: بنما تسرق الولايات المتحدة


المزيد.....

- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - أنيس صايغ: الشُّعلةُ التي لا تنطفِئُ !