|
قناة بَنَما نموذج من -الإستعمار الجديد-
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 14:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تقع بنما ( 75,5 ألف كليومتر مربع) في أمريكا الوُسطى، ويسكنها حوالي 4,5 ملايين نسمة، واشتهرت القناة ( قناة بنما) التي تشقها لِرَبْطِ المحيط الهادئ وبحر الكاريبي بالمحيط الأطلسي، مما يُقَصِّر مسافة طُرُقَ التجارة البحرية، حيث كانت السفن التي تنطلق من الساحل الشرقي للولايات المتحدة مُضطرة إلى الإلتفاف حول أمريكا الجنوبية لتقطع حوالي 21 ألف كميلومترا قبل الوصول إلى السواحل الغربية والجنوبية الأمريكية، وبعد حفر قناة بنما انخفضت المسافة إلى أقل من ثمانية آلاف وأربعمائة كيلومتر، وازدهرت حركة التجارة وارتفع عدد السفن التي تعبر القناة من حوالي ألف سفينة سنة الإنتهاء من حفرها ( 1914) على حوالي 15 ألف سفينة سنة 2008، وبقيت القناة منطقة خاضعة لسلطة للولايات المتحدة – داخل جمهورية بنما- وفق معاهدة هاي بونو فاريا في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1903، وهي المعاهدة التي سمحت باستكمال أشغال الحفر والتّهْيِئَة من قِبَلِ الولايات المتحدة، حتى سنة 1914 بعد إفلاس الشركة الفرنسية التي إدارت حفر القناة بين سنتي 1880 و 1883، بإشراف المهندس فردناند دي ليسابس ( المُشرف على حفر قناة السويس سنة 1868) وتوفي خلال هذه المدة القصيرة حوالي 22 ألف عامل، بسبب تفشِّي الأمراض وسوء ظروف العمل والإنهيارات الأرضية، فضلا عن الفساد السياسي في فرنسا وفساد الإدارة المالية، وانطلاق فضيحة سميت بفضيحة بنما، وحوكم العديد من المسؤولين الذين اتهموا باختلاس الأموال المخصصة في بناء القناة المُقدرة بنحو 287 مليون دولارا – بعد إعلان الشركة إفلاسها يوم 15 أيار/مايو 1889 - وكان على رأس المُتّهَمين تشارلز دي ليسبس وكذلك ابنه فرديناند، وتم الحكم عليهم بالسجن خمسة سنوات، وتم نقض الحُكْم فيما بعد... وتولت الشركة الفرنسية ( Compagnie Nouvelle du Canal de Panama ) إدارة مشروع بناء القناة، سنة 1894، إلا أنها فشلت فيما بعد كذلك، فاستغلت الولايات المتحدة إفلاس الشركة الفرنسية لتتسلم عملية الحفر التي اكتملت سنة 1914، باستثمارات بلغت 380 مليون دولارا، بعد وفاة أكثر من 5600 عامل، بين سنتَيْ 1903 و 1914، وسيطرت الولايات المتحدة على إدارة القناة، وضفافها، بما فيها المدن الكبرى، مثل العاصمة بنما بموجب اتفاقية بين البلدين بدأت سنة 1903، وتم تجديدها من سنة 1978 إلى 1999 واستعادت جمهورية بنما سيادتها على القناة بعد إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لها لمدة 85 عاما، واستحوذت الولايات المتحدة الأمريكية على المشروع لأنها كانت ترغب تسهيل الحركة التجارية، وتم استئجار القناة بعقد قابل للتجديد يوم 22 كانون الثاني/يناير 1903 (معاهدة هاي – هيران ) على إسم وزيريْ خارجية الولايات المتحدة (جون هاي ) ووزير الخارجية الكولومبي – حيث لن تكن بنما آنذاك سوى مقاطعة من كولومبيا ( توماس هيران )، وصادق الكونغرس الأمريكي على المعاهدة يوم 14 آذار/مارس 1903، وبعد ضغوط أمريكية كبيرة حصلت الحكومة الأمريكية على حق بناء القناة وإدارتها لأجل غير مسمى، ولما أكملت الولايات المتحدة إنشاء قناة بنما سنة 1914، ظَلّت تستغلها وتستعمر البلاد وتُغيِّر من لا يستجيب لرغباتها من الرّؤساء، وتُطَبِّقُ قانون الولايات المتحدة على سكان المنطقة المُحيطة بالقناة، حتى سنة 1999 حيث استعادت البلاد السيطرة على قناتها، بموجب معاهدة وقعها الرئيس الأمرايكي جيمي كارتر سنة 1977، وفي مرحلة لاحقة تم توسيع القناة من قِبَل شركة صينية بين سنتَيْ 2006 و 2016 بتلكفة بلغت 5,25 مليار دولار...
قناة بنما مَصْدَر دَخْل ومَصْدَر تهديد أمريكي أصبحت القناة مصدرا دخل لحكومة بنما بعد انتقال ملكيتها إلى الدولة يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر 1999، وزيادة حصة الدّولة من أرباح القناة من حوالي 89 مليون دولار سنة 1999 إلى 134,6 مليون دولار سنة 2000، ثم ارتفعت هذه العائدات تدريجيا، وتتكفل الدّولة بتأمين خدمات الأمن وإدارة الإطفاء وصيانة وتنظيف وإنارة الطرقات ومراقبة حركة المرور الخ، مقابل رُسُوم تُسدّدها السّفن والشركة التي تُشرف على إدارة القناة، وهي حاليا شركة تابعة لمجموعة " سي كيه هاتشيسون " القابضة ومقرها هونغ كونغ، وتُعد القناة مصدرًا حيويًا لاقتصاد البلاد، تُقدّر إيراداتها بنحو 20% من الإيرادات السنوية للدّولة، ولكن الولايات المتحدة استاءت من التّوسُّع الإقتصادي والتّجاري للصّين التي امتدَّ نُفُوذُها إلى أمريكا الجنوبية، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، من خلال اتفاقيات التجارة والإستثمار في الطّاقة والبُنْيَة التّحتية وإدارة الموانئ، ومن بينها إدارة شركة مقرها هونغ كونغ الميناءَيْن الرئيسِيَّيْن على طرفَيْ قناة بنما، "بالبو" في جانب المحيط الهادئ، و "كريستوبال" في الجانب الأطلسي، ولذلك انتقد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، يوم السبت 21 كانون الأول/ديسمبر 2024، ما وصفها ب"الرسوم غير العادلة المفروضة على السفن الأميركية التي تمر من قناة بنما"، وهدد بالمطالبة "بإعادة سيطرة الولايات المتحدة على هذا الممر المائي الحيوي لتجارتنا لوضع حدّ لهذا النّهب لبلدنا فَوْرًا"، وأشار ترامب بطريقة غير مباشرة إلى نفوذ الصين على القناة التي تعد طريق ملاحة رئيسي للشركات الأميركية التي تشحن البضائع عبرها بين المحيطَيْن الأطلسي والهادئ، وكتب على منصته تروث سوشال: "إن إدارة القناة تركت لبنما وحدها، وليس للصين أو لأي جهة أخرى. لم ولن ندعها تقع في الأيدي الخطأ أبدًا، وإذا لم تتمكن بنما من ضمان التشغيل الآمِن والفَعّال والمَوْثُوق للقناة سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بشكل كامل ... إن قناة بنما تعتبر من الأصول الوطنية الحيوية للولايات المتحدة، بسبب دورها الحاسم في الاقتصاد الأميركي، والأمن القومي، وإن الولايات المتحدة هي المستخدم الأول للقناة، إذ تتجه أكثر من 70% من عمليات العبور من أو إلى الموانئ الأميركية، ولذلك لا يمكن لبنما أن تفرض على الولايات المتحدة وقواتها البحرية وشركاتها أسعار مرور باهظة." يُعَدُّ رئيس بنما الحالي، خوسيه راؤول مولينو، حليفًا قويًا للولايات المتحدة، لكنه رفض تهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، باستعادة السيطرة على قناة بنما وقال: " لا أحد يُسيْطِرُ على القناة، لا الصين أو المجموعة الأوروبية أو الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى، لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر، وبصفتي بنميّا، أرفض بشدة أي تعبير يشوه هذه الحقيقة (...) إن استقلال بلادنا غير قابل للتفاوض وإن الصين ليس لها أي تأثير على إدارة القناة. لا تسيطر الصين على القناة ولكن شركة تابعة لشركة سي كيه هاتشيسون القابضة ومقرها هونغ كونغ تدير منذ فترة طويلة ميناءين عند مدخلي القناة في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ (...) إن كل متر مربع من قناة بنما والمناطق المتاخمة لها هو ملك لبنما وسيظل تابعا لها". اعتبر موقع مجلة "بوليتيكو ( 22 كانون الأول/ديسمبر 2024 ) " إن التصريحات التي أدلى بها ترامب مرتبطة بمخاوف بشأن زيادة النفوذ الصيني في التجارة العالمية والبنية التحتية الاستراتيجية، رغم عدم وجود كيان صيني يدير قناة بنما مباشرة أو يتحكم في عملياتها حاليا، كما لم تصدر عن بكين أي مؤشرات علنية على اتخاذها أي خطوة لشراء القناة أو توسيع نفوذها على عملياتها، وربما كانت تصريحات ترامب استباقية، لمحاولة إثناء الصين عن أي توسع مخطط في أميركا الجنوبية ( وفي بنما) تَعَهَّدَ الرّئيس خوسيه راؤول مولينو بتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة..."
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألمانيا مِرْآة لوضع الإتحاد الأوروبي
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث بعد المائة، بتاريخ الوا
...
-
سوريا ضمن مًخَطّط -الفَوْضى الخَلاَّقَة- أو -الشرق الأوسط ال
...
-
تونس 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 – 2024
-
سوريا - من الأهداف الخَفِيّة للولايات المتحدة
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني بعد المائة، بتاريخ الرّ
...
-
عيِّنات من الديمقراطية الأمريكية
-
سوريا بعد انهيار النّظام – من المُستفيد وأية آفاق ؟
-
سوريا في ظل الصراعات الدّولية
-
مصر، وضع اقتصادي سيّء وآفاق محدودة
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد بعد المائة، بتاريخ السا
...
-
اليمن بين العمل الإنساني والجَوْسَسَة
-
عَسْكَرَة التكنولوجيا وتحويلها إلى سلاح اقتصادي أو حَرْبِي
-
سوريا ضمن مُخَطّط -إعادة تشكيل الشرق الأوسط-
-
الصحراء الغربية: فرنسا والمغرب ينتهكان -القانون الدولي-
-
مَجْزرة -ثياروي- - السنغال 01 كانون الأول 1944 – 2024
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد مائة، بتاريخ الثلاثين من تشرين
...
-
ضرورة مُقاومة مخططات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني
-
متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والتّسعون، بتاريخ الثال
...
-
السنغال – ظروف وآفاق فَوْز حزب -باستيف- المُعارض
المزيد.....
-
الدنمارك تعزز دفاعها عن غرينلاند بعد أن كرر ترامب رغبته في ا
...
-
8 شهداء وإصابة قائد لواء إسرائيلي بانفجار عبوة ناسفة في طولك
...
-
-وول ستريت جورنال-: -انحدار القدرات العقلية- سيكون إرث بايدن
...
-
مصر.. أستاذ أزهري يعلق على التقاط الصور أمام الكعبة المشرفة
...
-
وسائل إعلام: رئيس مجلس النواب الأمريكي قد يخسر منصبه
-
هذا هو العدو الأكبر المتربص بسوريا الجديدة الآن
-
أوكرانيا: قوات كوريا الشمالية ليس لها تأثير كبير في المعارك
...
-
هزة أرضية بقوة 4.3 درجات غربي قبرص
-
-نيويورك بوست-: شراء غرينلاند سيكون أكبر عملية استحواذ في تا
...
-
وزيرا الدفاع التركي والأمريكي يبحثان الوضع في سوريا
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|