|
سوريا والمليون سؤال
جعفر سلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 12:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أعتقد أن هناك من لم يتفاجأ بسقوط نظام بشار الأسد، أو بمعنى أصح طريقة سقوط النظام، ولا أعتقد بأن هناك من تخيل ولو مجرد التخيل إمكانية حدوث ما حدث وبالطريقة التي حدث بها، بل ولايزال الغالب الأعم من المراقبين للوضع في حيرة من أمرهم وهم يواجهون أسئلة كثيرة تبدأ بكيف ولماذا من دون القدرة على استنباط أو استقراء أسباب ما جرى بشكل قاطع.
لست في وارد تحليل تفاصيل سقوط النظام، ولا من أين أتت المعارضة بكل هذه القوة، ولا سر اختفاء الجيش السوري من المشهد بطريقة غريبة، ولا سر تنازل إيران وروسيا عن حليفهم بهذه السرعة، فهذه الأمور ستكشف الأيام عن أسرارها، فالمهم الآن هو الجواب عن سؤال: ماذا بعد؟
فسوريا بلد متعدد الثقافات والأعراق والأديان، بلد كبير في المساحة، بلد في موقع جيوسياسي معقد للغاية، ولا أعتقد بالنتيجة أن السيد أحمد الشرع يمتلك الكثير من الخيارات في التعامل مع الواقع الجديد، فهناك دولة على الشرق منها ليست في وارد قبول التنظيمات الجهادية وأقصد العراق، وفي الشمال الشرقي هناك الأكراد، مع دولتهم الموجودة بحكم الأمر الواقع، والمدعومة أمريكيا وإسرائيليًا، بينما في الغرب، هناك الفسيفساء اللبنانية والتي لا يمكن أن تكون حليف قوي أو عدو قوي، وأيضًا إسرائيل التي ستدعم الأكراد وربما تتحالف مع بعض أطياف الشعب السوري، ولا يجب أن ننسى الأردن التي لا أعتقد بأنها ستكون مرتاحة من وجود قوات جهادية على حدودها.
هناك طريق سلامة لسوريا رسمه مؤتمر العقبة والذي شاركت فيه مجموعة من الدول من بينها مملكة البحرين، والذي خرج ببيان رسم فيه معالم ذلك الطريق حين دعا إلى حوار وطني سوري شامل، حوار لا يستثني أحد، ويؤمن انتقال سلس للسلطة، وحين دعا أيضًا إلى مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتنظيماته، وأن لا تكون سوريا مرتع للتنظيمات الإرهابية.
هذا الطريق ورغم وضوحه إلا أنه قد يشكل تحديًا جديًا للسيد أحمد الشرع، فالمجاهدين الذين يملؤون سوريا حاليًا، والذين أتى بعضهم من خارج سوريا، لم يقاتلوا من أجل بناء دولة مدنية، لم يهاجروا من بلدانهم لكي يعيشوا في دولة علمانية والتي بدون تحقيقها لا يمكن أبدًا الحصول على دولة مدنية، هذا من دون النظر للتنظيمات الجهادية المحلية، والتي يسيطر بعضها على مدن كاملة، فتنظيم هيئة تحرير الشام في النهاية هو مجرد فصيل من بين عدة فصائل.
من جهة أخرى، هناك قوات سوريا الديمقراطية (الكردية)، والتي هي إرهابية بحسب تركيا، وديمقراطية بحسب أمريكا، هل يا تُرى ستقبل الدخول في الدولة الجديدة وترك حلم الدولة المستقلة؟ أم ربما ستحافظ على مستوى من الاستقلالية كما هو الحاصل في كردستان العراق؟ أم ربما ستقتطف هذه الفرصة الذهبية لمحاولة إنشاء دولة كردية كاملة السيادة؟ وماذا يستطيع السيد أحمد الشرع أن يفعل تجاه أي خيار تختاره؟
ثم ماذا عن مخاوف الأردن ومصر والعراق؟ فهذه الدول لن تقبل بوجود الجهاديين على حدودها أو قريبًا منها (كمصر مثلا)، وماذا عن إسرائيل التي استبقت الأحداث وقصفت السلاح الثقيل في مخازن الجيش السوري كي لا تقع في يد المجموعات الجهادية، هل تقبل بسوريا قوية؟ أم تريد سوريا مفككة وضعيفة؟
وماذا عن تركيا نفسها، هل ستقبل أن يشاركها أحد في ملء الفراغ الذي خلفه انهيار النظام؟ وهل يستطيع السيد أحمد الشرع الاستقلال بقراره بعيدًا عن الأتراك؟ بل هل سيسمح له الأتراك بذلك؟
وماذا عن بقية الشعب السوري بمختلف طوائفه وانتماءاته، هل سيبقى في مقام دور المتفرج أم سيشارك في عملية الانتقال للدولة؟ وهل خياراته تتفق مع خيارات الشرع؟ بل هل بإمكانه الاتفاق على صيغة محددة للدولة، لا يكون فيها غالب أو مغلوب؟
هناك بالفعل مليون سؤال حول سوريا، ومعهم مليون احتمال لما قد تؤول إليه الأمور، ومع أن السيد أحمد الشرع قد أبدى إلى الآن تعقلًا وحكمة في التعامل مع ما بعد سقوط الأسد، إلا أن الطريق السليم لقيامة سوريا مجددًا لابد أن يمر على الانفتاح على دول الخليج، وهذا بدوره يتطلب أخذ مخرجات مؤتمر العقبة بالاعتبار، فدول الخليج تعتبر حل دائم لسوريا الجديدة، بخلاف الاعتماد التام والأحادي على تركيا والتي قد تتغير عقيدتها السياسية بمجرد سقوط حزب العدالة والتنمية في أية انتخابات قادمة.
التحدي أمام السيد أحمد الشرع كبير، وأعين العالم كلها مركزة عليه، والأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة لمستقبل سوريا، وكل ما نتمناه هو أن تعود سوريا لحضن العرب مجددًا، فالأيدي ممتدة لها، وكل ما عليها الآن، هو أن تختار بحكمة.
#جعفر_سلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا ناقة لنا فيها ولا جمل
-
التغيير الثقافي والفكري لم يعد ترفًا
-
النهر لا يسير إلى منبعه
-
هل حان وقت الدبلوماسية؟
-
الردع الاستراتيجي
-
ولاية الفقيه سُلطة الله في الأرض
-
الثورة البحرينية ( غياب اليسار )
المزيد.....
-
أوكرانيا تكشف عن -خدعة- تستخدمها روسيا لإخفاء هوية جنود كوري
...
-
للمرة الخامسة في أسبوع.. إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ أطلق من ا
...
-
وزير خارجية سوريا يوجه تحذيرا إلى إيران
-
إيران تستنكر الاعتراف الإسرائيلي باغتيال هنية وتصفه بـ-الوقح
...
-
وزير خارجية سوريا الجديد يحذر إيران من نشر الفوضى في بلاده
-
حرب غزة.. تصعيد بلا نهاية وأفق سياسي غائب
-
حصيلة جديدة لضحايا إعصار- شيدو- في أرخبيل مايوت
-
اغتيال هنية في طهران.. إيران تندد باعتراف إسرائيل -الوقح-
-
رسميا.. -النسر الأصلع- يصبح الطائر الوطني في أميركا
-
إيران وسوريا.. إعادة ترتيب العلاقات وسط التحديات الجديدة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|