أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -تحلية الديمقراطية: حين تختلط مياه البحر بملوحة المصالح-














المزيد.....


-تحلية الديمقراطية: حين تختلط مياه البحر بملوحة المصالح-


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8201 - 2024 / 12 / 24 - 01:05
المحور: كتابات ساخرة
    


في بلد يعاني من أزمات متشابكة تبدأ بشح الموارد المائية ولا تنتهي عند غلاء المعيشة، كان من المفترض أن تمثل محطة تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء-سطات بارقة أمل وحلا عمليا لمشكلة العجز المائي. لكن بدلا من ذلك، تحولت هذه المحطة إلى مركز جدل سياسي واقتصادي حاد، بعدما فازت بها شركة مملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش. لم يكن الفوز مجرد خبر عابر، بل قصة تتجاوز حدود المناقصة وتتغلغل في قلب العلاقة المعقدة بين المال والسلطة، لتسلط الضوء على زواج غير شرعي بينهما يهدد ما تبقى من الثقة في العملية الديمقراطية.

عزيز أخنوش، رئيس الحكومة ورجل الأعمال الذي يملك إمبراطورية اقتصادية ضخمة، وجد نفسه مرة أخرى في قلب عاصفة سياسية بعد أن حصدت شركتا "أفريقيا غاز" و"غرين أوف أفريكا" صفقة ضخمة بقيمة 15 مليار درهم. السؤال الذي يطرحه الجميع هو: كيف يمكن لشركتين لا تمتلكان خبرة كافية في مجال تحلية المياه أن تتفوقا على شركات عالمية ذات باع طويل في هذا المجال؟ الأدهى من ذلك أن معظم الشركات المنافسة انسحبت بشكل غامض من السباق، وكأنها أدركت أن التنافس مع رئيس الحكومة نفسه أشبه بمحاولة السباحة ضد تيار سياسي جارف.

هذا الفوز لم يكن مجرد نجاح تجاري عابر، بل نموذج صارخ لتضارب المصالح. إذ كيف يمكن لرئيس حكومة، من المفترض أن يمثل مصالح الشعب، أن يصبح في الوقت نفسه مستفيدا مباشرا من صفقة بهذا الحجم؟ هذا السؤال أثار غضبا واسعا، خصوصا لدى المعارضة البرلمانية التي طالبت بفتح تحقيق في هذه "البيعة" التي لا تتماشى مع روح دستور 2011. النائبة البرلمانية فاطمة التامني، عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، اعتبرت أن هذه الواقعة تعكس تضاربا واضحا للمصالح، مشيرة إلى أن الشركات المملوكة لرئيس الحكومة تفتقر إلى الخبرة التقنية اللازمة، وأن فوزها يثير شبهات حول شفافية العملية برمتها.

الأمر لا يتوقف عند محطة تحلية المياه. فقد سبق أن واجه أخنوش اتهامات باستغلال منصبه لتحقيق مكاسب مالية، خاصة في قطاع المحروقات. مجلس المنافسة، الذي كان من المفترض أن يكون الحارس الأمين على نزاهة السوق، أصدر تقريرا مفجعا عن الأرباح الخيالية التي تحققها شركات المحروقات، والتي تشمل شركات أخنوش. بدلا من أن يؤدي هذا التقرير إلى محاسبة المسؤولين، انتهى الأمر بإعفاء رئيس المجلس نفسه، مما أرسل رسالة واضحة بأن المحاسبة لا تشمل أصحاب النفوذ.

هذه الوقائع تعكس أزمة أعمق من مجرد صفقة واحدة. إنها تشير إلى أن المغرب لا يزال عالقا في حلقة مفرغة من زواج السلطة بالمال، حيث يصبح القرار السياسي وسيلة لحماية المصالح الاقتصادية الخاصة بدلا من خدمة الصالح العام. هذا النوع من العلاقة لا يهدد فقط مبدأ تكافؤ الفرص، بل يقوض أسس الديمقراطية، التي تقوم على المحاسبة والشفافية.

إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من هذه القضية، فهو أن الانتقال الديمقراطي الحقيقي يتطلب كسر هذا الزواج غير المقدس بين المال والسلطة. فطالما استمر هذا التداخل، ستظل الصفقات تعقد في الغرف المغلقة، والمواطن يترك يدفع الثمن، سواء من جيبه أو من ثقته المتآكلة في مؤسسات الدولة.

محطة تحلية مياه البحر، التي كان من المفترض أن تكون مشروعا وطنيا يرمز إلى التقدم والابتكار، أصبحت رمزا للفساد وسوء استغلال السلطة. وبينما يستمر المواطن العادي في مواجهة أزمات الحياة اليومية، يبدو أن النخب السياسية والاقتصادية مشغولة بتوزيع الغنائم فيما بينها. في هذا السياق، لم تعد القضية مجرد صفقة، بل اختبارا حقيقيا لمدى قدرة النظام السياسي على تصحيح مساره والعودة إلى مبادئ العدالة والنزاهة.

لكن، حتى ذلك الحين، ستظل الديمقراطية المغربية عالقة في بحر من الملوحة السياسية، حيث يختلط المال بالسلطة، وتضيع مصالح الشعب في أمواج المصالح الشخصية.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -سياسة الأوهام: ابن كيران بين بطولة مسرحية وسخرية ثلاثي النا ...
- بدون فلتر** -زيت الوكيلي: كوميديا سوداء بنكهة الزيتون-
- -نايضة: كوميديا تبحث عن نفسها في متاهة الكليشيهات-
- **زيارة الموت: عندما يكون لديك -وقت إضافي-**
- -اللصوص الجدد: كيف تسرق أفكار الآخرين وتجعلك عبقريا في عيونه ...
- جنود الحدود: صمت الأبطال في مواجهة اللامبالاة-
- النقيب زيان: -الحرية مشروطة بالصحة-
- -غالي أم رخيص؟! الرأي في قفص الاتهام: هل يمكن للزواج أن يغير ...
- -حافلة النقل الحضري تقرر تغيير مسارها إلى عالم المقاهي!-
- خطبة الوداع: كوميديا السلطة وسخرية الواقع السوري
- -العالم للبيع: تخفيضات نهاية السيادة أم نهاية السنة؟-
- -أنا والنكوة: حين تتحول الهوية إلى مسرحية كوميدية متعددة الف ...
- -هل هرب بشار الأسد... أم أن الشائعة أسرع منه؟-
- بدون فلتر: -بين حدود الأوهام وصراعات الواقع: مغامرة الهروب و ...
- ضحكة في زمن الحروب: السلام والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائ ...
- بدون فلتر: يا للقدر! من قطع الأشجار إلى قطع الرؤوس
- العزوبة: حياة الرفاهية أم فخ الوحدة؟
- الاستمطار الصناعي في المغرب: حلم السماء التي لا تمطر
- نتنياهو في قبضة القدر: اعتقال غفلة!
- -أزمة الكهرباء في جماعة وليلي زرهون: بين التهميش والتمييز وغ ...


المزيد.....




- أثار غضب جمهور -حزب الله-.. راغب علامة يكشف حقيقة تسجيل صوتي ...
- سينما -متروبوليس-.. صرح ثقافي بيروتي يعود للحياة في لبنان ال ...
- الإيسيسكو تحيي الذكرى الـ300 لمولد المفكر التركماني مختوم فر ...
- عيسى الشيخ حسن.. الروائي والشاعر الذي أعاد تشكيل الذاكرة الس ...
- لقطات تظهر لصّا -جريئا- يسرق فنانة لبنانية والأخيرة تعلق (في ...
- نمر سعدي في -ظلالٌ مضاعفةٌ بالعناقات-: استعارات من قلب جبال ...
- فنان مصري يستغيث بعد طرده من منزله للشارع
- ارتياح تنظيمي للدورة الثانية لمعرض كتاب الطفل والشباب بالدار ...
- تقرير سنوي: حرب غزة محفز جيوسياسي للإسلاموفوبيا في أوروبا
- مؤسسة قطر تطلق مبادرة -بالعربي- لتعزيز الأفكار الملهمة باللغ ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -تحلية الديمقراطية: حين تختلط مياه البحر بملوحة المصالح-