أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - جمال الهنداوي - كتب بلا صور














المزيد.....


كتب بلا صور


جمال الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 22:09
المحور: قضايا ثقافية
    


للوهلة الأولى ، قد يبدو ابتعاد الدولة عن دور الرقيب والمنتج والموزع للثقافة.. نقطة لصالحها، وأن ترك قواعد العمل الثقافي وتطبيقها، لنقابات وجمعيات تدير وتنتج الأعمال الثقافية والفنية هو لتوفير هامش واسع من الحرية والانفتاح قد يتيح للمثقف الأجواء الملائمة لإدامة منجزه الإبداعي، ولكن نظرة ثانية أكثر تركيزا تجعل البصر يرتد خائبا وهو كسير، لأن الأمر سيكون واضحا حينها أن المحرك الأساس لهذا التوجه هو الإهمال المحض.. والتجاهل والتطيرالكامل من المنظومة الثقافية برمتها ، حد غض النظر حتى عن الفساد الذي من الممكن أن تنتجه هذه الهشاشة في إدارة الواقع الثقافي وافتقار هذه الجمعيات الثقافية الكامل إلى الحوكمة الرشيدة والهياكل الإدارية الفعالة والمؤثرة وإلى الموارد البشرية التي يمكنها القيام بتلك المهمة.
وهذا الواقع المؤسف هو الباب الذي يلجمنه الفساد الى المشهد الثقافي كظل خفي، يلتهم ببطء جمالية الفكر وحيوية الإبداع، دون أن يراه أحد أو يتحرك له ساكن. والأكثر إيلاماً هو أن هذا الفساد، الذي يعصف بمقدرات الثقافة ويدمر الجمال، لا يُنظر إليه من قبل السلطة كجريمة أو انتهاك. بل يتم تجاهله وكأنّه مجرد "لعب للنساء ولهو للصبيان "، شيء غير جاد، لا يستحق إيقاظ الضمير ولا تحريك المياه الراكدة في بحر الأنظمة السياسية.
فالثقافة، في قاموس السلطة،ليست أكثر من مجرد ترف فكري، شيئاً قابلاً للنفاد ، لا يستحق سوى بعض الصبر، وغض البصر عن شقشقة تصدر عن هذا المثقف أو ذاك، فهي – بجميع الأحوال - لن تكون أكثر من فقاعة سرعان ما تنفجر، وتريح وتستريح.
المثقف، بنظر بعض رجال السلطة، شخص "قاصر"، يقضي وقته في قراءة كتب بلا صور، عاجز عن التأثير، لا يملك قدرة على الخروج من خيالاته إلى أرض الواقع.. والمثقف الذي يتساءل عن الفساد الثقافي، أو يرفع صوته مطالبًا بالحقوق الثقافية، يُنظر إليه بازدراء وكأنه طفل صغير يشكو تحطم إحدى ألعابه، متناسيا أن العالم الحقيقي قاسٍ ولا يتسع لأحلامه.
فللفساد أن يعبث بكل شيء، مكشوفًاً أمام الجميع، بلا عقاب أو محاسبة. مادام بعيدا عن رصد السلطة وتجاوزاتها، فالأموال تُخصص, والنتيجة هي "اللا شيء". لا معارض فنية حقيقية، لا مسرحيات تُعبّر عن الواقع، ولا أغنيات تحكي معاناة الناس.. والأهم لا حساب ولا مساءلة، فما للبن للبن، وما للثقافة للثقافة، فالفساد الثقافي ليس أكثر من "تحايل صغير"، لا يُستحق أن يُنظر إليه على أنه قبيح أو مضر. حتى لو كان بأرقام فلكية بعدة أصفار، ولا يجب أن يُصنف كجريمة ، بل مجرد "حالة عابرة"، مشكلة ليست ذات شأن.. والمثقف الذي يصر على المطالبة بالكشف عن هذا الفساد، يصبح كمن يصرخ في وجه الرياح. هو لا يُسمع، لا يُرى، مجرد صدى بعيد لا يهم من يملك القوة الحقيقية..
إننا نعيش اليوم في ظل فوضى من الفساد، والثقافة ديكور فارغ، تغيب فيه قيم الإبداع، وتُسرق الأحلام تحت غطاء من اللامبالاة، يُستمرئ الفساد ويمضي دون عقاب..، بينما تظل السلطة بعيدة عن مشهد المسرح الثقافي، وكأنها تتفرج على "لعبة " تخرج قليلا عن المسار.
لكن، من يظن أن الثقافة يمكن إخمادها أو سحقها بكل هذا الازدراء، هو مخطئ. فالثقافة تظل نبض الشعب، وإن اختنقت في الظلال، ستظل تخرج من بين الأنقاض لتؤكد وجودها، وتكتب لنا مستقبلًا آخر.. فهناك دائما هاجس في داخل كل من يهتم بالثقافة، في داخل كل من يشعر أن هذه اللعبة يجب أن تنتهي .. إنهم أولئك الذين يؤمنون أن الثقافة ليست مجرد رفاهية أو إنحياز فكري، و- بالتأكيد- ليست بضاعة تُعرض للبيع أو تُسحب من الرفوف مثل أي منتج تافه، بل هي أساس بناء الوعي، وهي التي تمنحنا القدرة على مواجهة الفساد والنفاق..
أمامنا بالتأكيد طريق صعب وطويل، مليء بالفخاخ والمتاهات، ولكننا لن نستوحشه بسبب آثار أقدام الشعوب التي سبقتنا في مسيرة الحرية والعدالة، وقد نكون في منتصف الطريق أو في أوله مثلنا. لا نملك إلا أن نسير.. حتى لو تغول علينا الفاسدين، أوتنمروا علينا، فقط لأننا ضد الفساد في الثقافة، وأننا نقرأ كتبا بلا صور.



#جمال_الهنداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديكتاتورية الخوارزمية
- مقدمات جديدة..لتاريخ قديم
- الخلاف والاختلاف
- موقعة ( الأم بي سي)
- مثقفو القصاع
- التاريخ المحكي..والتاريخ المكتوب
- السيرة.. بين التوثيق والتلفيق
- الثقافة العربية.. والآخر
- فقه التكسب
- ثقافة تلامس الروح
- طيور المنافي
- الإمام الحسين (ع) نبراس الحرية للشعوب
- صناعة الأصنام
- تكوين، تنوير.. أم إعتام
- التكفير كثقافة استئصالية
- مطر وسماء صافية
- -سفرة- تونس
- دراما.. في رمضان
- (بسطية)..لوغوس هوب
- المثقف الطائفي


المزيد.....




- ضجة ترامب والسيطرة على قناة بنما.. نبذة تاريخية سريعة
- في اليابان.. لِمَ يُعامل الأزواج عيد الميلاد كـ-عيد حب ثانٍ- ...
- تحرك إيراني أممي بعد -اعتراف- إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية
- برهان غليون لـCNN: ما يفعله الإسرائيليون في سوريا تهديد للمش ...
- أمراض تنتقل عن طريق التقبيل
- تحضير كعك -سكوتِسِيلِه دومنولوي- التقليدي في رومانيا احتفالً ...
- روسيا.. إحباط اعتداء إرهابي استهدف مسؤولا كبيرا في مؤسسة للص ...
- -هئية البث الإسرائيلية-: الجيش يبحث شن هجوم واسع النطاق على ...
- -واشنطن بوست- تسلط الضوء على مقابر جماعية قرب دمشق
- باشينيان يعتذر عن حضور قمة الرابطة المستقلة لأسباب صحية


المزيد.....

- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - جمال الهنداوي - كتب بلا صور