رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 22:08
المحور:
الادب والفن
جواد العقاد والارتباك
" وفي إيابي
عدتُ أحملُ خرائطَ الدَّمِ الموزعِ بالتساوي على بيوتِ الحيِّ
أخذتُ حصتي،
أشعلتُ سيجارةً تُؤنسُ وحشةَ الارتباكِ في شرياني
ومضيتُ أحصي خطايَ خطوةً خطوةً
موتاً موتاً..
ماذا لو كنتِ معي؟ هل سأحصي الموتَ خطوتين خطوتين؟
أم أَشدُّكِ وتراً إلى روحي
وأهربُ من الخبرِ العاجل"
!
الشعراء يتأثرون أكثر منا نحن العامة، فهم يتمتعون بمشاعر حساسة ومرهفة، وعندما يرى الشاعر شعبه يقتل ويذبح أمامه، والعالم (الديمقراطي) يقف متفرجا على المذابح، و(الشقيق) يقف متفرجا أو مشاركا في القتل فهذا يعني الانهيار والفناء لكل أمل في هذه الحياة.
الشاعر "جواد العقاد" يعيش بين أبناء شعبه في غزة، ويشاهد ويرى عمليات الإبادة وكيف تتواصل في كل ساعة وكل دقيقة، يكتب لنا عن مشاعره من خلال مقطع "وفي الإياب" راسما بكلمات حجم الموت وتفشيه على الأرض وبين الناس، حتى أننا نجده في القصيدة، فيذكر الموت ثلاث مرات: "موتا (مكررة)، الموت" وهذا يكفي لإيصال فكرة استمرار القتل/الموت، فمن معاني/دلالات رقم ثلاثة الاستمرار والبقاء.
وإذا ما توقفنا عند "موتا موتا" المكررة والمتواصلة نصل إلى تواصل واستمرار وتكرار وتتابع الموت، ونلاحظ أن الموت غير معرف، وهذا يشير إلى كثرته وعظمته، بحيث (يصعب) عدة، لكنه عندما استخدم "الموت" معرفا سبقه ب "هل سأحصي" فبدا الشاعر وكأنه طفل يريد (عد) ما لا يعد، من هنا جاءت تكرار صيغة السؤال "هل، أم"
إذن كثرة القتل/الموت فكرة المقطع، وهذا ما (أربك) الشاعر، وجعله (أسيرا) لألفاظ بعينها، فنجده يكرر "أحصي/سأحصي، موتا، خطاي/خطوة، خطوتين" وحتى أننا نجدها في معاني الألفاظ كما هو الحال "ايابي، عدت" وهذا ما جعله يستعين بالمرأة لتخلصه مما هو فيه من بؤس: "ماذا لو كنت معي؟ أم أشدك وترا إلى روحي" نلاحظ الحاجة الشاعر الملحة للمرأة "معي، أشدك وترا" وبهذا يكون الشاعر قد أوصل لنا حجم جرائم المحتل الذي رأى/وجد أن (إزاحته) من القصيدة أطهر/أفضل، فهو لا يريده أن يلوثها كما لوث غزة التي عاث فيها فسادا وقتلا وتدميرا.
وإذا ما توقفنا عند ألفاظ " خطاي، خطوة، خطوتين" المكررة خمس مرات، وإلى تقارب معنى لفظي "إيابي، عدت" نصل إلى تكرار حالة النزوح والتنقل التي أرهقت أهلنا في غزة، وهذا ما جعل المقطع يعطي صورة (حقيقية) عما يعيشه الفلسطيني في غزة.
المقطع منشور على صفحة الشاعر
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟