|
هواجس في الحياة ــ 387 ــ
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 16:25
المحور:
قضايا ثقافية
اليوم لفت نظري تصرفات وزير خارجية تركيا، استعلاه السخيف والتافه، جالس وكأنه الامبرطور ترامب لكن بشكل أخر، مع فارق أن ترامب هو ترامب، أما هذا الصبي التركي التابع لأردوغان الكشتبنجي فهو صغير ومقاسه أصغر. يبدو أن المنصب أكبر منه. يريد من الشرع أن يطرد قسد من محافظ الحسكة، أو أن يضم قسد إلى سوريا كلها عن طريق الشرع، والا أن دولته ستقوم بالواجب. هذا استغلال سخيف من دولة قبيحة ساهمت في خراب سوريا كلها، دمرت بنيتها الاجتماعية وعملت على تقسيم سوريا. وهي التي أدخلت داعش وتاجرت بها. الشرع سواء اتفقنا معه أو كنا ضده، فالرجل أمامه آلاف الملفات التي تحتاج إلى مئات الخبراء والمختصين ليحلوها، فكيف السبيل إلى ذلك؟ ليذهب أردوغان وهدهده إلى الولايات المتحدة المستعمرة لجزء من سوريا، ويحلوا هذه القضية معها. شو هذا الاستغلال يا همج، يا قرباط.
لا سلطة على العقل إلا العقل وحده، هذا هو التنوير، أما أولئك الذين ينزاحون عنه فلهم عذاب أليم. من أراد أن ينزاح عن العقل ويلجأ إلى النقل، فلا يظنن أنه سينتصر، فكيف سينتصر وهو نائم في فراش الوهم والضياع والخيبات. إن أعمال العقل يستوجب منك أن تشحذ معاولك، سكاكينك وتضعهم أمامك وتبدأ في حرث الارض والتاريخ والزمن لإنتاج واقع اجتماعي جديد متقدم. النقل نصٌ ميت، مات قبل أن يولد، ومن مات فات، ومهما أردت أن توقظه من موته لن يستيقظ. الأمم ترتقي بالعقل، تشتغل فيه وعليه، تكسر صخرة الواقع الصلب، بعقده وأمراضه وخيباته من أجل عالم أجمل وأبهى.
إبراهيم الخليل، ابو الأنبياء، ما هي الخدمات الجليلة التي قدمها هذا الرجل حتى اصطفاه الله وميزه عن بقية الخلق؟ سيرته الذاتية ليست عطرة، وكمان ليست جيدة، بل مخجله، مع هذا فقد أنتج عشرات الأنبياء مثله، واسوأ، وورثنا أمراض نفسية عميقة هذا الإبراهيم. هل الله كائن طبيعي، محترم، حتى يقبل بشخص جبان مثل إبراهيم حتى يكون أحد مبشريه؟ هل نشك بسلوك الله أم بإبراهيم، لأن هذا الأخير ليس بمثال يحتذى به، فقد قدم زوجته للفرعون على أنها أخته، كيف يصح هذا التصرف؟ إلى متى نتبع الخرافات والقصص الخيالية، ونحن في القرن الواحد والعشرين، ونتجه لاكتشاف الأكوان الأخرى.
في الموت تقف حائرًا أمام ثنائية الوجود والعدم، بل أراهما متساويان في النتيجة. واسأل نفسي التي لا ترقى إلى مستوى الإجابة: ـ ما هو العدم وما هو الوجود؟ وأقول: ـ كلاهما يتحدان في النهاية في اتحادنا بهما في الموت. الوجود والعدم متمددان يسايران الزمن ويسيران معه إلى اللانهاية، ويكسران بعضهما ثم يتفقان على خط سيرهما. في لحظة الموت أقف مشدودًا، مشدوهًا، منبهرًا كأنني أمام لحظة جمالية خاطفة. هذا الانبهار يأخذني من يدي ويرفعني إلى أعلى سماء ثم يرميني من ذلك العلو لأهبط متكسرًا، مذهولا من هذا الكون الغريب. وأجمل ما في هذا الكون أن لا إجابة على اسئلته.
قرأت رواية الأم لمكسيم غوركي في وقت مبكر من عمري، وكيف سقينا الفولاذ لنيقولاي أوسروفسكي. وكلا الروايتان تتحدثان عن أبطال مجندين لإنتاج الحياة دون لذة أو فرح. أبطالهما خدام الفكرة على حساب الواقع. أبطال نذرا حياتهما إلى الموت من أجل حياة أخرى غير معروفة. لا أعرف لماذا يعشق الطهوريون الموت، ويذهبون إليه بفرح غامر لإنتاج حياة متخيلة معشعشة في جوف العدم أو الفراغ. أصحاب الرسالات الكبرى أكثر الناس تضررًا من مشاريعهم الوهمية. وأكبر مأساة في حياة بطل رواية الأم أنه لم يعرف الحب والفرح. والآخر قدس الفكرة ونسي نفسه. هذه الحياة المشوهة ما زالت قائمة في أذهان الكثير من الناس في بلادنا الذين نذروا حياتهم وأنفسهم من أجل حياة متخيلة. إن هذا جزء من تراجيديا الشرق الذي يعشق الوهم ويكره الحياة، ولهذا يهرب منها.
الثورة عندما تنتصر أول عمل تقوم بها أنها تكسر أو تدمر أو تغير التراتبية الاجتماعية كلها، بيد أنها تأزم الدولة والمجتمع، لهذا يعيشان أزمة مدة طويلة دون أن يتصالحا. الثورة الفرنسية عاشت 11 سنة في أزمة قاهرة إلى أن حسمها نابليون وبغروب شمسه عادت الملكية. التطورات الهائلة في وسائل الانتاج في فرنسا والمانيا وبريطانيا وتطور البرجوازية، أدى إلى الصراع العدمي بين الدولة والمجتمع، ولم يتوقف إلى بداية القرن العشرين. الثورة البلشفية جعلت الدولة والمجتمع السوفييتي يعيشان حالة انعدام وزن، ثم التحمت الدولة في النظام الرأسمالي، وهكذا فعلت الثورة الصينية. عدم نضوج الواقع الموضوعي، ستبقى الثورات مجرد هبة اجتماعية على الظلم، واذا نجحت هذه الهبة ستغير التراتبية الاجتماعية، ممكن تكون اسوأ من التراتبية القديمة كإيران، التي لا زالت تعيش أزمة منذ تولي الخميني السلطة وإلى اليوم. وأغلب الانقلابات الاجتماعية تعيد إنتاج الدولة بحلة اسوأ. هذا لا يعني أنني مع الثورة أو ضدها، أنما قراءة لما يحدث. إن المطالبة في تحسين الشروط الاجتماعية والسياسية أفضل وأرقى من الدم أو اجهاد المجتمع وتفتيته. بالنسبة لي إن تحسين الظروف أفضل من الثورات. ولن يكون هناك نقلة نوعية. صرت أومن أن الظرف الموضوعي هو الذي سيغير حياتنا، الظروف الذاتية انتحار
الكثير من المفكرين الروس وقفوا ضد لينين، توجهه كان سلطويًا، وجاءت التغييرات من فوق. تقريبا كانت روسيا تتجه نحو بناء الثورة الديمقراطية لأن القياصرة كانوا قد فقدوا السيطرة على الدولة، انتقلت لمجلس السوفييتات. كانت الثورة اللينينية والدولة والمجتمع يسيران في عنق الزجاجة إلى أن انهارت التجربة بالكامل، والدليل لم يدافع عنها أحد. ببساطة لأنها ثورة حزب على الدولة والمجتمع، قادته من رقبته إلى اصلاحاتها كما تقود القطة برقبة اولادها. بليخانوف أهم منظر ماركسي حذر لينين مرات كثيرة، أن روسيا غير جاهزة لحمل الثورة، لهذا الثقل. والمحاججات بينهما تم حجبها طوال الحقبة السوفييتية، قرأنا شذرات منها في مجلدات بليخانوف الخمسة، التي تم تنقيتها على المسطرة من قبل مخابرات لينين وستالين.
الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع أن تصنع من المهرج بطلًا. لديها الإعلام الممنهج، والموظفين الخاضعين للنهج السياسي للدولة، مهما كان نهجها. لديها القدرة على تلميع العبد وتلوينه وتسويقه وبيعه إذا اقتضدت الضرورة. هذه الدولة تاجر في سوق النخاسة، تبيع وتشتري العبيد وفق الحاجة والضرورة. ودائمًا تغدق على نفسها الصفات الجميلة البراقة، بلد حر، رئيسة العالم الحر، وهي أكثر دولة مخابراتية في العالم، تراقب الصغيرة والكبيرة ولا تراعي سوى مصالحها. حولت دول كثيرة إلى ساحة حرب، لأنها لا تستطيع العيش في السلام والحرية. تخلق الازمة، وتغذيها، وإذا كانت الأزمة موجودة تفعلها، وتدفعها إلى الدمار. ميزانية دفاعها أكثر من تريليون دولار، ونقول عنها بلد حر؟
اعتقد أن الثورة الحقيقية في عالمنا المعاصر، هو في إخضاع النص لصيرورة الحياة وحركيتها وحيويتها، وليس التمسك به، أو محاولة تسويقه كما هو، ليبقى بيننا وكأنه حقيقي وواقعي. النص بحد ذاته يولد غريبًا فما بالك إذا ولد قبل آلاف السنين. قلت مرات كثيرة أن النص كائن متحرك، متنمر، يتأول، يؤول، وفي التأويل نص أخر، لهذا أن وجوده بيننا علينا اخضاعه لإرادة الحياة، وليس إخضاع الحياة لإرادة النص. التأويل، مثل محاولة مساعدة المشلول في الوقوف على قدميه. يجب تناول النص بالشك، بالكسر والتفكيك، لأن النصوص تعيش في الماضي، في العبودية، ولا حياة للنصوص الميتة في الحرية. النص يعاني من أمراض كثيرة بمجرد أن يرى الضوء، سواء في قرأته أو في تأويله، أو الاشتغال على تفسيره إلى أن يتوافق مع العصر والحداثة، أو على تفكيك الحداثة لإنتاج مفاهيم جديدة تواكب الواقع الجديد.
قرأت الكتاب والقرآن في سجن عدرا بدمشق في العام 1990، جلبه الإخوان المسلمون تهريبًا، ووزعوه على من يحب قرأته. سجلت دورًا وحصلت عليه، قرأته بمتعة شديدة، وقرأت ما كتبه عن الكتاب، شوقي بغدادي، إشادته فيه: وإن هذا الكتاب أكثر من مهم، لم يكتب بمثله منذ ألف عام. تعاون الشحرور مع المدقق اللغوي جعفر دك الباب، محاولتهما إدخال الإسلام في الحداثة أو ما بعد الحداثة. اعتقد لم يفلح الشحرور، لأنه توفيقي، لم يكن ثورة على النص أنما حارب لتأكيد صدق النص، وأنه قابل للحياة. وإن الخلل ليس في النص وأنما في قرأته وتأويله، واشتغل على تفسير النص بما يتوافق مع العصر والحداثة. اعتقد أن الثورة الحقيقية هي في إخضاع النص لصيرورة الحياة، وليس التمسك به، أو محاولة تسويقه ليبقى بيننا وكأنه حقيقي وواقعي. كتبت مرات كثيرة أن النص كائن متحرك، متنمر، يتأول، يؤول، وفي التأويل نص أخر، لهذا أن وجوده بيننا علينا إخضاعه لإرادة الحياة وليس إخضاع الحياة لإرادة النص.
احيانًا كثيرة ننصت إلى صوتنا الداخلي، نذهب مع نداءه دون أن نناقشه أو نتذمر أو نوقفه عند حده. واحيانًا كثيرة يكون هذا الصوت مظللًا، يكذب علينا، يخذلنا، صوت أحمق يأخذنا إلى متاهات غامضة. يكون أقرب إلى الهواجس، ينزع عنا التفكير أو الوقوف مع الذات ومحاسبتها، ربما يكون هذا الشيء أقرب إلى السحر يدخل في عقولنا ويتوهنا. لا يعرف المرء كيف ينبع هذا الصوت الغريب والغامض، ولماذا يفرش لنا طريق السقوط أو الهزيمة النكراء، وكأننا نلعب البوكر أو الروليت. من أين يأتي هذا الصوت القبيح، ولماذا يقودنا إلى الضياع؟ يبدو أن الصوت ينبهق من دهاليز الذات الغامضة، يدفع المرء إلى أماكن مجهولة. تراه يعبد لنا الطريق، يزينه كما زين الشيطان تفاحة حواء لذلك الأبله المغلوب على أمره. الأصوات كثيرة ومتعددة، أنها مثل الألوان، نغم وميزان ولون يناسب لون ويتقاطع معه. ويدفع للسؤال: لماذا أنا عدو نفسي؟
آرام كرابيت الساعة الخامسة والعشرون روايةُ "السّاعة الخامسة والعشرون" للكاتب والرّاهب الروماني "جيورجيو فرجيل قسطنطين التي صدرت لأول مرة في العام 1949، باللغة الرومانية، بالرغم من أنها منعت في أوروبا لسنوات طويلة. وتمت ترجمتها بقلم فائز كم نقش، وتقديم د. عبد الله إبراهيم، وتقع الرواية في خمسمائة وستة صفحات من القطع الكبير. هذه الرواية ثقيلة بأحداثها ومجرياتها، تعكس حياتنا المعاصرة الذي تنبأ بها الروائي، لهذا تبقى مستقرة في ذاكرتنا حتى بعد أن نغادرها بسنوات طويلة. من يقرأ هذه الرواية لا يمكنه أن ينسى شخصياتها المكسورة المهزومة بفعل ثقل الدولة والحداثة والآلات الحديثة عليها. وإن مضمونها ما يزال فاعلًا في حياة البشر إلى يومنا هذا. في مجريات الرواية، إشارات واضحة إلى تمأسس الإنسان، إرتقاءه بالعبودية أكثر فأكثر إلى أن أصبحت منظومة متكاملة، تزداد بإطراد يومًا بعد يوم كنتاج لتطور الحداثة والتقانة، والتراكم الذي مارسته القوى القابضة عليهما، وتسييرهما وفق غايات محددة هو الوصول بأقصى سرعة إلى الثروة والمال وحيازة القوة. يقف المرء مذهولًا أمام قدرة العمل على فضح عالمنا، وثقل المفاهيم التي تحول الإنسان إلى كائن مستلب مهزوم من الداخل قبل أن يهزم من الخارج. المفاهيم عمليًا أداة استلاب، قيد أو سجن يدخله الإنسان سواء بإرادته أو بالرغم عنه، يتسلل إلى حياة الإنسان من خارجه ليصبح جزءً منه ينهش تكوينه الطبيعي من الداخل إلى أن يحوله إلى كائن هش وضعيف أمام الوقائع التي تعصف به من كل الجوانب. فبعض المفاهيم انزياح للحرية والقيم الخالدة، تحويل الإنسان إلى مادة نافلة لا قيمة لها. الرواية تغوص في مضمون الحرب، العنصرية، التمييز على أساس الدين والعرق، كمادة لتعويم الحرب والقتل والإبادة لخدمة المفهوم، والمصلحة العليا للحداثة الغربية التي شيأت الإنسان والطبيعة والحياة، لتصبح على مقاس طموحاتها وتوسعها المرضي. إيوهان موريتز أحد الشخصيات المهمة في الرواية، مجرد إنسان عادي أو طبيعي، يعمل خادمًا للكنيسة، يحلم بالسفر إلى الولايات المتحدة للعمل فيها لتأمين مبلغًا ماليًا ليشتري أرضًا وبيتًا، ليتزوج حبيبته سوزانا: ـ كانا تحت شجرة الجوز، حيث التقيا الليلة الفائتة. أحس بثقل المرأة بين يديه، فأسندها ومددها على العشب، واستقلى بجانبها، وتداخل جسمهما، وتعاقدا كالحيتان، أو كالنبات المتسلق. كانت الأيدي تبحث عن الأيدي في الظلام، والشفاه تلتصق بالشفاه، برغبة وشوق، وقد أغمضا عيونهما. الصراع بين الإنسان والآلة كان على أشده، الصراع على من سيكون العبد المفضل لدى القابض على الثروة والسلطة، إلى أن انتصر الثاني على الأول بالضربة القاضية. الرواية تتنبأ بموت الإنسان الغربي على لسان بطل الرواية، الروائي تريان كوروغا، في إشارة إلى مكانة الآلة وتأثيراتها: ـ إن العبد التقني، الخادم الذي يقدم لنا ألف خدمة، يدفع سيارتنا، يعطينا النور، يصب لنا الماء لنغتسل، يحمل لنا الرسائل، والأخبار والقصص، يخطط الطرق ويزيل الجبال من أماكنها. ويسيطر على النقاط الحيوية في المجتمع العصري، والاستراتيجية في مجتمعنا من جيش ونقاط خطوط المواصلات والتموين والصناعة والزراعة. ويعتبر التقانة طبقة، يسميها البروليتاريا، ويشير إلى تأكيد فكرته: هناك آلات عبيد بالمليارات، وبشر عبيد بالمليارات يعملان، الأقوى يجبر الأضعف على اعتناق عاداته ولغته وتقاليده وثقافته بالرغم من أن الأول محتل للثاني، بيد أنه أسره، ويومًا بعد يوم سيتخلى البشر عن صفاتهم الإنسانية ويعتنقون صفات العبد الآلي. فالإنسان المعاصر يدرك بفطرته إن الزمن القادم سيخرجه من المعادلة لمصلحة الآلة، لأن الحداثة هذا خط سيرها، أن تنظم العلاقات القائمة وفق النظم التقنية واحتياجاتها. تبدأ الحرب العالمية الثانية تحت تبريرات تأتي إلينا من خارجنا بالرغم عنا، في استخدامها للمفاهيم بدقة كالقومية أو الدين والوطن، لتترافق مع آلة البطش كأنه صراع بين تقنات من أطراف مختلفة يفوز بها من لديه آلة أكثر تقانة وبطشًا وتأكيدًا لهزيمة الآلة القديمة أو الإنسان القديم لمصلحة الآلة الجديدة وغياب الإنسان. عندما يتشبع الناس بالمفهوم أو الفكرة دون إدراك لأبعاد وغايات من يقبضون عليهم، يذهبون إلى الموت بصدر رحب وطاقة معنوية عالية. ينسون أو يتناسون أنهم مجرد فضلات أو مادة نافلة في هذا العصر. ينسحب الإنسان ككائن طبيعي عن الطبيعة، ويأقلم ذاته وعقله مع متطلبات العبودية الجديدة. وعندما لا يستطيع أن يتأقلم مع عالم التقانية يخرج من المعادلة ويتحول إلى نكرة، يمكن نعته بالدونية والجهل، وتتملكه الغربة والبعد عن الذات والآخر. تنبأ الكثير من الفلاسفة والكتاب بموت الإنسان الغربي في ظل الحداثة، بيد أن الرواية هي منطقة العمليات الفاضحة. هي المنطقة الرخوة في الحداثة، لأن روح الأدب وضميره وقلبه يقوم أو قائم على تعرية المعتم، المخبأ خلف الأحجيات الثقيلة، لأنه كائن حساس يبحث عن العوالم الضائعة، يدخلها ويعريها وفي يده النور أو القنديل. هنا تبرز قدرة الأدب على فضح المؤوسسة، العبد المقنع، تعريته دون خجل أو أي اعتبار للحسابات الجانبية. يتسلل إلى الأعماق، يقبض على المفاهيم المتلبسة الملتبسة التي تزيح الإنسان من البيئة الطبيعية النقية الخالية من الأمراض والعقد، والعمل على إعادة إنتاجه وفق الواقع الجديد: ـ التحول البطيء، سيقلب الكائن الحي، وسيجعله متخليًا عن أحاسيسه وقيمه وعلاقاته الاجتماعية، ويجعلها محصورة في حدود ضيقة، واضحة، آلية تمامًا، كتلك العلاقات التي تجمع بين قطعة آلة وأخرى، أي بين الإنسان والآلة. وهذا العمل سيقيد البشر في علاقاتهم الاجتماعية وفي الإدارة والفنون والرسم والأدب، واللغة الخاصين بالعبد التقني. ما يقرأ هذه الرواية يشعر بالألم على ذات الإنسان، وجعه، بعده عن طبيعته، وتتغير المفاهيم، ويدخل في متاهات اللغة لينمو فيها ويكبر وينفصل عن ذاته، ويكون لنفسه ذات أخرى من خارجه. ينسى القيم الطبيعية ويفترش القيم التقانية البعيدة عن طبيعته، لهذا سيعاني ويعاني، وفي معاناته سيذبل كالوردة العطشى ويضيع ويتلاشى. الرواية سهلة القراءة، تعتمد على الأسلوب التقليدي، عبر السرد البسيط المتتابع عبر أقسام وفصول، تجعل القارئ يذهب معها إلى أبعد مدى. وإن ترجمتها أكثر من رائعة ولغتها نقية وصافية كحبات اللؤلؤ، لهذا اتمنى أن تقرأ هذه الرواية، لأن هذا النوع من العمل الجليل يسهل الأمر على القراء العاديين، بعيدًا عن النخبة أو النخبوية. كما أنها عالجت فترة الحرب وما قبلها، وقسوتها والآثار الجانبية على الناس والعمران والحياة، وعلى ضياع القيم والمبادئ في أتون هذا العصر الظالم.
قال لي في لحظة ألم: قلبي كالأبواب العتيقة، يحن إلى يد حنونة، إلى يد مسكونة بارتعاشات العشق والصباحات الندية، كيد الكون، كانفلاق الليل في النهار. يد امرأة، يد تدق على ذاك الخشب المعرق. الخشب العتيق المشرش بالوجع القديم ليتسلل من خلاله وجهها، ودفقات الموج وبقايا الزمن. وأردف: القلب، ذلك الغصن الأخضر لا ينكسر ولا يهزم يحب الترحال على أجنحة الفراشات، ولا يتقيد بالفصول ولا يحط على منحنى
على الأرجح أن التهجير من أدلب مدروس ومتفق عليه بين أردوغان وروسيا وإيران وبقية الشلة كالنظام وحزب الله. فالمنظمات الجهادية مرتبطة بالمخابرات أو ممولة من جهات مخابراتية تعمل بالقطعة أو بالجملة، وتأتمر بأمر الممول سيتم توطين المهجرين أو المرحلين إلى أدلب في الشمال السوري، ليتحولوا إلى غنيمة حرب ينفذ فيهم سياسة العزل أو الجدار العازل بين الأكراد السوريين والدولة التركية، أي جدار الفصل العنصري بين دولة المؤمن أردوغان والأكراد. أي سيتم توطين المهجرين إلى أدلب ليوطنوهم في عفرين أو رأس العين أو تل أبيض أو عين عرب، وسيمتد إلى المالكية بعد أن يتم استيعاب الدفعة الأولى. أما الشباب من هؤلاء المغرر بهم فسيتم تجنيدهم كمرتزقة حسب الطلب، ربما يتم إرسالهم إلى ليبيا للجهاد في سبيل الله الواسع الذمة وربما إلى نيجيريا أو النيجر أو ساحل العاج، حسب متطلبات الصفقة اللعنة على كل من مد يده وتعاون مع أردوغان سواء من المعارضة أو من النظام. اللعنة عليكم جميعًا
عقلك الباطن يتكلم دون أن تعي، اللاشعور، ذلك القابع في الزاويا، في الصندوق الأسود. ذلك المارد الجبار، الذي ينتظر الإشارات، لينط ويفتح أبوابه، ويقول: شبيك لبيك، المارد الديني بين يديك. ليس هناك من مشكلة أن يكون سوقيًا، مخربًا، مدمرًا، جلب لنا الكوارث والويلات. المهم أنه منا وفينا ومن عدنا. كيف ستنتصر بهذا العقل المريض؟
عملت الثورة على تكسير الرأسمال الرمزي للأنظمة العربية, كالهيبة والمكانة والسمعة الحسنة. وأخلت أو ضعضعت الكثير من الرموز التي استند عليها الحاكم. أو لنقل, لم يعد له أي قيمة رمزية كحامل للمكانة أو القوة, بله تحول إلى مجرد مجرم أو لص, فاقد للشرف والهيبة.
وجدت داعش لتبقى جنبًا الى جنب مع الأنظمة العربية والأقليمية, تساندهم ويساندونها. إنها مشروع استعماري طويل الأجل, تعمل على توظيف الصراع واستمراره إلى أجل غير مسمى. من يظن أن داعش ستنتهي قريبًا فهو واهم. خاصة هناك غياب قوى اجتماعية وسياسية مناهضة لها. وحالة تخبط هائلة تعيشها الشعوب برعاية أنظمة على عداء مع مصالحها الوطنية. من أوجد داعش يعلم أن هذا الخادم مجرد روبوت, يمكنه التحكم به عن بعد.
كنت اعتقد أن الإبادة التي تعرض لها بعض الشعوب والقوميات هي حالة عابرة في تاريخ البشرية, وأنها من الماضي, بيد أن ما نراه ونشاهده من واقع عملي يحدث أمام العين, مرعب ومخيف للغاية. إنه يتم بإشراف ورعاية دولة عظمى كالولايات المتحدة وحلفاءها. ووصلت لقناعة أن البشرية تنحدر يوما بعد يوم إلى مستنقع مملوء بالاوساخ. وإن الزمن القادم مرعب للأجيال القادمة.
الرواية, في أوروبا والولايات المتحدة, تجاوزت القضايا الاجتماعية التي نعاني منها كالفقر والتشرد والحرب والحرمان والسجون والقهر والحب والجنس ,والجوع والاستغلال, والتناقضات الاجتماعية الصارخة. الرواية لدينا تتناول القضايا التي كانت مطروقة في تلك البلدان في المراحل السابقة على الحرب العالمية الثانية. ولإن الغرب, صانع نجوم الفن والأدب والسياسة, لا يعر مثل هذه القضايا أي اهتمام, لذا فأن من يكتب بها تبقى في الزاوية المظلمة.
ما يثير التساؤل أن الجزيرة العربية في فترة وجود محمد كانت مملوءة برجال وشخصيات لديهم قدرات كبيرة, كالمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب وسعد بن ابي الوقاص وغيرهم, لديهم حس سياسي عالي ومعرفة بتناقضات المجتمع وقدرة كبيرة على فهم الصراع المحلي والاقليمي والدولي في عصرهم. وقدرتهم على نقل ملفات كبيرة كبيرة خارج حدود وطنهم, والدخول في صراع عسكري مع دول عريقة. السؤال: لماذا عاشت الجزيرة العربية في سبات عميق بعد خروج الرعيل الأول والثاني, منذ العام 655 وإلى الأن.
مات الملك هيرودس قبل الميلاد بأربعة أعوام, علمًا أن المسيح ولد في العام الثاني للميلاد. نريد تفسيرًا لهذا الموضوع.
لدينا إحساس كبير بالفوقية, والتعالي, بأننا كبار, عظماء. لسنا متواضعين, وان تواضعنا فهو تواضع مزيف. اعتقد ان التربية منذ الصغر هي السبب. نزرع في أذهان أطفالنا, أننا أصحاب رسالة. وننمي فيهم ذلك. وأن تاريخنا كله مجيد, ورجال تاريخنا كلهم أبطال, صناديد كالافلام العسكرية الأمريكية المأدلجة. وإنهم من صنف الآلهة لا يخطئون ولا يبولون ولا يقدمون على الرذائل او العيوب التي يحاسب عليها التاريخ. ويمنع علينا أن نحلل تاريخنا أو نفككه لنعيده إلى المربع الأول بحسناته وسيئاته, حتى لا نغير القناعات الراسخة في أذهاننا. أو نهز أو نخرب ذلك البناء الهش الذي نحن عليه. كما لا ننمي في عقل أطفالنا لغة الحوار وقبول الاخر. العناد صفة ملازمة لنا. وهي مقدمة أكيدة للحماقة بكل ألوانها التي أقلها تصفية الآخر بدم بارد لأنه ليس على دين أباءنا. بالمناسبة لا استثني نفسي من الحماقة والعناد والدوغما.
الإنسان العادي في المجتمعات الديمقراطية يتصف بالمرونة واللباقة واللطف الجم في حياته اليومية مع الأخرين, والقدرة الهائلة على الإصغاء والسمع. ولا يتمترس في رأيه مهما كان صحيحًا. ولا يعتبر نفسه صاحب رسالة أو قيم عليا. متواضع إلى درجة غريبة. ويمتص سلوكيات الأخرين الشاذة دون أن يرفع صوته أو يشتم أو يبصق أو يقدم على شيء منافي للعلاقات الاجتماعية العامة. والميزة الأهم هو احترام إنسانية الأخر, كقيمة عليا كما يحترم الكائنات الأخرى كالحيوان أو الشجر. هذا الكلام لا يعني تماهيًا معهم أنما كمقارنة بسيطة بيننا وبينهم, من أجل المستقبل. في مجتمعاتنا, نرفض سماع رأي الأخر الذي يخالف رأينا, نخونه, نهدده بالموت, نعلن عليه الحرب. ولو يطلع بأيدنا سنقتلعه من جذوره. الرأي الأخر المختلف, جريمة كبيرة يعاقب عليها من يشذ عن فكر القطيع وتوجهه الدوغمائي.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس عن قراءات متعددة 386
-
هواجس عن العلمانية والإسلام ــ 385 ــ
-
هواجس اجتماعية وسياسية عامة 384
-
هواجي عن سجن تدمر ــ 383 ــ
-
هواجس أدبية ودينية ــ 382 ــ
-
هواجس ثقافية ــ 381 ــ
-
هواجس عن الاستبداد والعلمانية 380
-
هواجس عن الاستبداد ــ 379 ــ
-
هواجس أدبية 378
-
هواجس 377
-
هواجس عامة وخاصة 376
-
هواجس عن سوريا اليوم 375
-
هواجس عن الاستبداد ــ 374 ــ
-
هواجس تتعلق بالتأويل ــ 373 ــ
-
هواجس تتعلق بسقوط بشار الأسد ــ 372 ــ
-
هواجس تتعلق بسوريا 371
-
هواجس تتعلق بسوريا 370
-
هواجس حول الوطن والغربة 369
-
هواجس أدبية وشخصية وعامة ــ 368 ــ
-
هواجس عن الدولة ــ 367 ــ
المزيد.....
-
ما الجديد حول التحقيقات بشأن الهجوم في سوق عيد الميلاد في أل
...
-
رغم الخوف من كارثة جديدة...سكان مايوت يضطرون لإعادة بناء منا
...
-
-لم أستطع التعرف على أي شيء عندما عدت إلى القرية-.. تايلاندي
...
-
-لن نقبل علويا رئيسا لسوريا-.. جمال سليمان يتحدث عن اعتراض ا
...
-
هل بدأ انتقام إسرائيل من أردوغان وهل أصبحت تركيا الهدف المقب
...
-
بيربوك تحذر من نشوب حرب بين تركيا والمقاتلين الأكراد بسوريا
...
-
دمشق.. الصفدي يلتقي الشرع
-
ميقاتي يطالب إسرائيل بتنفيذ بنود الاتفاق
-
فريق RT يلتقي عائلة الراحل محمد بعلوشة
-
مدير صحة طرطوس ينفي أنباء عن تسريح موظفين في القطاع الصحي
المزيد.....
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|