أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-15















المزيد.....



نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-15


أمين بن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 02:48
المحور: كتابات ساخرة
    


أثناء كل ذلك...
سيارة الأجرة كان ينقصها ثلاثة ركاب عندما وصلتُ، المقاعد الخلفية... فجلستُ في أحدها... ثم... استيقظتُ على يد تتحرك بلطف على رأسي، وحوار... سمعتُ منه القليل... امرأتان... التي كنتُ نائما على فخذها كانت تتكلم والأخرى تضحك وتطلب منها أن تُخفتَ صوتها... بقيتا دون كلام تُشاهدان الفيلم، حتى رن الهاتف مرة أخرى، فقامتْ إيمان وسحبتْ خيط الجهاز لكيلا يُسمع له صوت مجددا، ثم رجعتْ إلى بنكها وتغطتْ...
- لا أحد سيسمعني! تلك هي الحقيقة أبوكِ كان فاجرا والجميع كانوا يعرفون ذلك...
- لا أصدق... أول مرة أسمع بهذه القصة!
- طول عمركِ وأنتِ ساذجة... العشاء يجب أن يكون جاهزا مع الخامسة والنصف، والسادسة يجب أن يخرج... لماذا حسب رأيكِ؟
- الأغنام كثيرة... والذئب
- غبية! أبوكِ كان الذئب ولا ذئاب غيره!
- اسكتي... اذكروا موتاكم بخير! حقيقة لا أصدق!
- كنتُ المفضلة عنده... ولستُ أثلبه الآن... لكن
- وما الذي دعاكِ لقول كل هذا الآن؟
- تذكرته... وافتقدته! لم يتركنا يوما نحتاج لشيء...
- نعم... رحمه الله... أفتقده دائما! تتذكرين يوم زواجي؟
- نعم... أراه كالآن... كان سعيدا... يضحك ويرقص... والعصا في يده...
- رحمه الله... لا ليس الآن! لا تبكي! عيناكِ مريضة... لا تزيدي عليها!
- معكِ حق... الطبيب قال فيروس، وتلك الأدوية ستُحسّن حالتي... أحيانا أتمنى لو أستطيع قلعهما وحكّهما بسكين ثم أعيدهما لمكانيهما
- سكين! أضحكتني...
- نعم! عذاب كبير أن تشعري بعينيك مملوءتان ترابا! دعينا من كل هذا الآن... هذا الولد كأنه لم ينم منذ أيام...
- أخذ كل المساحة منذ أن ركبنا...
- لا بأس بذلك... المسكين تعب... ماذا كنا نقول؟
- أظلمتْ... هل سنجد تاكسي الآن؟
- كله بسببكِ، أنتِ من أخّرتنا!
- نعم نعم... أنا السبب دائما! أظنكِ قبل خروجي من بطن أمي صرختِ فيّ وقلتِ أنني السبب!
- عندما وُلدتِ... غبتُ عن العمل أكثر من أسبوعين... أنا من سميتكِ
- سترتاحين منه السنة القادمة...
- نعم! أنتظر ذلك بفارغ الصبر! كرهتُ التعليم وأصوات الأطفال وصراخهم!
الكبيرة في بداية الستينات، والأصغر في بداية الأربعينات... بقيتُ أتحيّن الفرصة لـ... أستيقظ، وحانتْ عندما تحركتْ الكبيرة وصرختْ تطلب من السائق ألا يُدخن... اعتذرتُ منها على استيلائي على جل المكان المخصص لثلاثتنا، وعند نزولنا لاحظتُ عدم وجود أي سيارة تاكسي وكثرة حقائبهما، فاقترحتُ المساعدة، فرفضتا ومع اصراري قبلتا، فسرنا معا طويلا حتى وصلنا منزل المعلمة... وقبل ذلك، عرفتُ كل شيء في الطريق! الكبيرة... المعلمة زارت المعلمة، أختها الصغيرة، أين أدرس، ولم تتركها ترجع وحدها برغم غضب زوجها منها بسبب من سيعتني بالأطفال، الكبيرة لا تقود لأنها تخاف من القيادة، ومثلها الصغيرة، ولذلك... سيارات الأجرة والحافلات. وعدم قيادة الصغيرة يسبب لها شجارا دائما مع زوجها الذي يقوم مُكرها بمهام كانتْ ستكون هي المسؤولة عنها لو كانت تقود... أما المنزل، منزل الكبيرة فكان فيه زوجها؛ معلم متقاعد منذ سنتين ومقعد بعد جلطة دماغية، ابنتها الصغيرة، الوحيدة التي لا تزال تعيش في المنزل، وطالبة تدرس هندسة في الجنوب وأكبر مني بسنتين...
كنتُ أحمل حقيبتين، إحداهما كانت مملوءة حجرا أو حديدا! لا أعلم! كنتُ أمشي معهما، أسمع، وأتمنى رؤية تاكسي!! لكن ذلك لم يحدث حتى وصلتُ باب المنزل، لم يُخلع كتفي لكنه... شارف على ذلك! ولكيلا يبق شيء ببالي تجرأتُ وسألتُ الكبيرة...
- عذرا طانط، لكن ماذا يوجد فيها هذه الحقيبة؟! أقصد هذه... ليس الأخرى
- سامحني يا ولدي أتعبتكَ... لكن... إذا أردتَ أن تعرف ماذا فيها عليكَ أن تدخل
- لا... لا... شكرا لكِ... لكني تأخرتُ... ينتظرونني في المنزل!
- ينتظرونكَ في المنزل! وتأخرتَ! ادخل وأغلق فمكَ وكأنكَ عذراء تمشي وحدها في صحراء وخائفة من قطاع الطرق! هيا...
- شكرا لكِ... لكن
- احمل الحقائب وادخل، اتبعني قلتُ لكَ! شباب آخر زمن!
- ...
- سلم على عمكَ علي ثم اتبعني...
ففعلتُ، وتبعتها حتى دخلتْ المطبخ، هي وأختها، عندها سألتني، عن بابا وماما، فأجبتها...
- ماذا قلتَ؟
- أبن فلان أستاذ الفلسفة وفلانة أستاذة الإسلامية
- ...
- هل تعرفينهما؟
- لـ... لا... لا أتذكر... خذ... طارط بالليمون... لا أحد يستطيع أن يصنع ألذ... جرب وقل لي رأيكَ...
- نعم... عندكِ حق... ألذ ما تذوقتُ
- أنتَ الصغير إذن؟
- نعم
مع دخول ابنتها...
- ماما لماذا تأخرتما؟
- خالتكِ... تعرفينها...
- و... من
- آه... هذا... هذا... تذكرين أستا‍‍ذكِ في الفلسفة؟
- نعم
- هذا... هذا...ابنه
- وماذا يفعل هنـ
- خالتكِ تنادي... سأعود
- ...
- أأأ... ركبتُ بجانبهما صدفة... في سيارة الأجرة... ونمتُ... وعندما استيقظتُ وجدتُ رأسي على فخذ أمكِ والمكان كله استحوذتُ عليه... وعندما وصلنا رأيتُ حقائب كثيرة معهما، فـ... ساعدتُ و... أصرتْ أن أدخل... حتى الطارط... و... ابنتها المهندسة التي تدرس في الجنوب... ملخص جيد؟
- نعم... شكرا لكَ على المساعدة... ماما وخالتي عندما تلتقيان!
- حقائب كثيرة...
- نعم! دائما... الشراء والشراء ثم الشراء حتى امتلأ المنزل وماما تقول أن كل شيء ينقصنا!
- فهمتُ... بالمناسبة، ليس مجاملة، لكن أول مرة... طارط بهذه اللذة...
- أعرف، كل شيء يقال لماما يُمكن أن يكون مجاملة إلا الطارط بالليمون!
- اختصاصها؟
- نعم، خالتي أيضا، لكن ليس مثلها...
- كلاهما في التعليم، ومختصتان في الطارط
- بالليمون
- وأنتِ؟
- لا أحب الطبخ، ولا أجيده...
- ابن الجزار ينتظر من يذبح له خروفه يوم العيد؟
- يمكنكَ قول ذلك...
- أمكِ رائعة، مرحة ولطيفة ومتأكد أنه معلمة ممتازة... وعليّ أن أغادر... هل تُناديها لأشكرها وأستأذن منها؟
- نعم... في الحال
لكني انتظرتُ... وانتظرتُ... وانتظرتُ! فلم يأتِ أحد! فخرجتُ... وقبل وصولي الصالة، رأيتُ الأختان تقفان، وما إن رأتاني حتى قدمتْ الكبيرة نحوي، وضمتني بقوة، وبقتْ وقتا لم يكن قليلا وكأنني ابن لم تره منذ زمن أو ابن مغادر إلى حرب أو سجن، تعجبتُ أكثر عندما شعرتُ بجسدها يرتجف وكأنها تبكي، وعندما تركتني رأيتُ عينيها وكانت فعلا تبكي، فسألتها مستغربا هل هي بخير، فقالت أن عينيها تؤلمانها بسبب الفيروس، فشكرتُها ورجوتُ لها الشفاء و... غادرتُ.
ثم... أمضيتُ وقتا طيبا بقية السبت والأحد، بسمة لم تكن موجودة، ونور كانت وحدها ولم أر خطيبها القبيح... مع بابا مرّت الأمور جيدة؛ لا مناوشات... وماما كذلك... أما طانط الطارط بالليمون فلم أذكر لأحد ما حصل معها، ولم أر أيّ داع لذلك.
أما ملاك، فمباشرة بعد وصولها ومعرفتها باتصال إيمان، اتصلتْ بها فقالت في البدء أنها ربما خرجتْ، فأعادتْ الاتصال مرات عديدة لكن دون جدوى، عندها اتصلتْ بمنزلها فرد العميد وأعلمها أنها لم تأتِ، ففهمتْ ملاك أنها لا تزال تطلب وقتا... لكنها قالت أنها لو كانت كذلك، لماذا اتصلتْ بها عند أبويها وأكيد فعلتْ ذلك بعد أن اتصلتْ بها في منزلها ولم تجدها، أي نفس الطريق الذي سلكته ملاك... وفي الأخير، رسا رأيها على... قصة الوقت، إيمان الآن بصدد التفكير ويلزمها وقت، واتصالها... أكيد... لا شيء...
كانت وفاء قرب الباب عندما رن الهاتف، فنظرتْ لإيمان لتلاحظ ارتباكها...
- لم يكن هدفي إخافتكِ... أترككِ تردين على من يتصل...
- أنا خائفة!!
- ماذا؟
- لا أستطيع رفع السماعة!!
- إيمان... ما بكِ؟ من يتصل بكِ؟
- ...
- أيمان لماذا تبكين؟ ما الذي حدث؟
- ...
- إيمان؟
- لا تُكلميني!
- حاضر... لكنكِ لستِ بخير!
- أمر لا يهمكِ
- لكنكِ قلتِ أنكِ خائفة! من اتصل؟
- لا أحد...
- لن أفرض نفسي عليكِ أكثر... لكني قلقة... وأريد... المساعدة... ولا أعرف كيف!
- لم يطلب منكِ أحد ‍ذلك! ولستُ في حاجة إلى مساعدتكِ!
- كلنا نحتاج المساعدة إيمان... لا عيب في ذلك...
- لستُ في حاجة لمساعدتكِ قلتُ لكِ!
- طيب... طيب... سأخرج الآن... لكني قلقة بشأنكِ! على العموم أرجو أن تكوني بخير...
- ...
- تصبحين على خير...
- لا ترحلي...
- ماذا؟
- لا تُغادري، لكن لا تتكلمي... ابقي هنا... تعالي... اجلسي مكاني... ولا تتكلمي!!
- حـ... حـ... حاضر... طيب... أفعل... ولن أنطق بحرف...
دخلت إيمان الحمام، ونظرتْ لوجهها في المرآة، قرّبته ونظرتْ في كل عين على حدة، ثم تراجعتْ إلى الخلف وهي تنظر، ثم تقدّمتْ وأعادت النظر إلى وجهها... ثم خرجتْ إلى المطبخ، فنظرتْ إلى البيتزا والبوب كورن فوق الطاولة فلاحظتْ أنها نستْ الصودا، ثم فتحتْ الثلاجة ونظرتْ إلى كل ما فيها ثم أغلقتها، ثم نظرتْ طويلا إلى البيتزا وهي تُحرك ساقها اليمنى بسرعة، ثم غادرتْ المطبخ، ودخلتْ غرفة نومها وحملتْ غطاءين، ثم رجعتْ إلى الصالة، ألقتْ بالأول على وفاء وبالثاني على بنك بجانبها، ودون أن تكلمها، شغّلتْ الفيديو، ثم استلقتْ على البنك وتغطتْ وقالت: "أطفئي الضوء... من هناك... وراءكِ"، ففعلتْ وفاء دون أن تتكلم... بقيتا كذلك قرابة النصف ساعة... حتى رن الهاتف، فقامت إيمان وسحبتْ خيط الجهاز لكيلا يُسمع له صوت مجددا، ثم عادتْ إلى بنكها، وتغطتْ...
كانت وفاء مُحرجة، تريد الكلام لكنها لم تستطع، حاولتْ متابعة الفيلم، لكنه لم يُعجبها، كانتْ تُشاهد قليلا، ثم تنظر لإيمان، وتحاول تكليمها لكنها... لم تستطع... حتى سمعتْ صوت شخير... فابتسمتْ... نامتْ إيمان وسط الفيلم... فواصلتْ وفاء المشاهدة بعض الوقت دون تركيز، ثم قامتْ ومشتْ حتى الطاولة، وقلّبتْ باقي الكاسيت... The X-Files، Titanic، Crash، Bound... أما الذي وضعته إيمان فكان Gattaca... ثم نظرتْ إلى إيمان، ومشتْ نحوها، ووضعتْ فوقها غطاءها... ثم تركتْ ورقة صغيرة فوق الأفلام الأربعة، وخرجتْ...
عندما استيقظتْ إيمان، وجدتْ الورقة، عليها رقم اتصال، و... "أنتظر اتصالكِ"... فمزّقتها مباشرة، وألقتها فوق البيتزا... ثم حملتها، والبوب كورن إلى المطبخ، ووضعتها فوق البيتزا الثانية التي تركتها البارحة هناك... ثم ألقتْ كل شيء داخل الحاوية...
أما وفاء، عندما دخلتْ منزلها ليلا، لم تجد رفيقتيها في السكن... شاردة الذهن كانت، لكنها شعرتْ بسعادة... وعندما استلقتْ في فراشها، شعرتْ بالغرابة... وهي المتحفظة المنزوية، كيف مرّ عليها يوم كذاك؛ في الصباح تدخل منزله، وفي الليل منزل حبيبته!؟ وتساءلتْ ماذا ستقول لإيمان عندما ستتصل بها في الغد... ثم... نامتْ. وعندما استيقظتْ، فكّرتْ مباشرة في الهاتف، ثم بقتْ طويلا قريبة منه تنتظر اتصالا... وكلما ابتعدتْ، استرقتْ السمع خاشية ألا تسمع صوته. عادة وفاء، الاستحمام يوم الأحد... يومها لم تفعل، لأنها خشتْ ألا تسمع الهاتف وألا تردّ... عادتها أن تغسل ملابسها... في الحمام، والحمام بعيد عن مكان الهاتف، فلم تغسل. عادتها أيضا أن تجري في الصباح الباكر، ثم تلتحق بنادي الجمباز... فلم تفعل. في الليل، غضبتْ وفاء من نفسها، وقالتْ أنها أضاعت كل يومها دون أن تفعل أي شيء باستثناء انتظار اتصال إيمان، وتعجبتْ من ذلك، وكيف سمحتْ بحصوله... ثم قرّرتْ أن ينتهي كل شيء: لا إيمان ولا... في المستقبل! وغضبتْ أكثر من نفسها، فهي لا تعرف حتى اسمه!!
يوم الإثنين، التحقتُ باكرا بمحطة سيارات الأجرة، قرابة الخامسة والنصف صباحا، مثلما اعتدتُ... كان مكان شاغر فقط، وعندما جلستُ... وجدتُ المعلمة الصغرى...
- يا للصدف! التقينا مرة أخرى...
- نعم... الآن عادة أعود إلى الكلية... بين الخامسة والنصف والسادسة...
- كل ويكاند؟
- لا... ليس دائما
- عندكَ أخوة؟
- أختان... أنا الصغير
- المدلل؟
- لا أظن ذلك...
- تنوي العمل هنا بعد التخرج؟
- لا أعلم... ذلك الوقت بعيد جدا... سأرى عندما سيأتي...
- الدنيا تجري بسرعة... أغمض عينكَ وافتحها تجد ثلاثين سنة مرتْ...
- ...
- هل... هل قلتَ لأبويكَ على من تعرفتَ عندما عدتَ؟
- ماذا؟
- يوم يوم السبت... وركوبنا معا...
- آه... لا، لم أقل... لستُ ممن يذكرون كل شيء يشهدونه لأمه...
- وأبوكَ؟
- نفس الشيء... لا أعلم... لكن منذ كنتُ صغيرا، لا أتكلم كثيرا عن نفسي للآخرين...
- أمكَ وأبوكَ ليسا "آخرين" بل أقرب الناس إليكَ
- لا أظن ذلك... أقرب الناس إليّ إ... إإ... أقصد أصدقائي
- نعم... لكن أباك وأمك ليسا "آخرين"
- نعم، عندكِ حق... قالت ابنة أختكِ... ما اسمها؟
- سارة
- قالت أنكِ أنتِ أيضا تجيدين الطارط...
- نعم، لكن ليس مثل أمها
- امرأة طيبة... وسُعدتُ كثيرا بمعرفتها...
- أنتَ لطيف
- وبمعرفة أختها... وبـ...
- بماذا؟
- لا شيء...
- قل
- يعني... وبحقيبتها المملوءة حجرا أو حديدا...
- آه فهمتُ... أعتذر عن ذلك... مشترياتنا كثيرة عندما نلتقي...
- كنتُ أمزح فقط! وإلا... كنتُ سعيدا بالمساعدة...
- أعلم
- تُدرسين خارج المدينة إذن؟
- لا، في المدرسة القريبة من كليتكَ
- غريبة...
- ما الغريب؟
- سامحيني... لكن... عندما كنتما تتكلمان، فهمتُ أن مدرستكِ بعيدة ولذلك زوجكِ يُعاتبكِ كلما
- عندكَ حق تستغرب... قل لي ماذا حملتَ معكَ من مأكولات؟ أكيد أمكَ طبختْ لك الكثير...
- لا شيء
- ماذا؟
- قلتُ لكِ لستُ مدللا... ثم لا أرغب في ذلك... أستطيع التعويل على نفسي...
- طبيخ الأم لا يُعادله غيره
- لا أريد أن أتعبها...
- محظوظة بكَ
- لا أدري... ربما...
طلبتْ من السائق التوقف قبل بلوغ المحطة، فنزلتُ معها وساعدتها في إنزال أغراضها، وشاورتْ على منزل في أطرف النهج وقالت أنه منزلها ودعتني في المستقبل إن مررتُ صدفة بالمكان أن أطرق بابها فشكرتها وعاودتُ الركوب... وبعد وصولنا المحطة، نزلتُ، ومشيتُ قليلا ثم ابتسمتُ وقلتُ: "لستُ مريضا، المرأة جميلة وأصغر من أم محمد، و... لم يحصل مني شيء!"... واصلتُ مشيي، دون أن يخطر ببالي شيء، فقط أصل منزلي، أبقى قليلا، ثم أغادر إلى الكلية... فسمعتُ صوتا من خلفي...
- أنتَ... هاي أنتَ...
- أنتِ... ماذا... ماذا تفعلين هنا؟
- أنتَ ماذا تفعل هنا... أنا في حيي...
- محطة سيارات الأجرة... و... منزلي... أنا في طريقي...
- نهاية أسبوع مع الأسرة؟
- نعم
- بقيتُ وحدي أنا... حتى رفيقتا السكن غادرتا...
- آسف لذلك
- أنتَ نشط إذن وتستيقظ باكرا
- وفاء
- نعم
- ماذا تريدين؟
- لا شيء!! خرجتُ من منزلي قاصدة كليتي وما إن استدرتُ في هذا الشارع حتى رأيتكَ أمامي... فقط
- السابعة الآن، ليس وقت ذهاب إلى الكلية...
- قلتُ أفطر هناك وأنتظر بداية المحاضرات
- جيد... جيد لكِ... عليّ الذهاب الآن...
- طيب! اذهب! لا أحد منعكَ!
مشيتُ خطوات، ثم توقفتُ، وعندما التفتّ رأيتها لم تبرح مكانها، فعدتُ إليها... ووقفتُ أمامها، نظرتُ ونظرتْ لحظات دون كلام
- نعم! ماذا تريد؟
- ليس من طبعي أن أكون
- فظا!!
- ... لكننا تكلمنا واتفقنا!
- اتفقنا؟ لم أتفق معكَ على شيء! ‍ذكّرني إن نسيتُ!؟
- وفاء... أرجوكِ... لا داعي لكل هذا الآن
- كأني أترجاكَ لشيء ما! لا داعي لماذا؟
- وفاء... أنتِ رائعة، وجميلة، وقوية الشخصية، وتعتمدين على نفسكِ عكس أغلب من هن في عمركِ و
- أين لكن؟ هات ما بعدها؟
- ... لنتكلم بصراحة... ماذا تريدين؟
- لا شيء!
- أنا أريد ألا نتكلم مرة أخرة
- حاضر... وصلتْ الرسالة... تستطيع الذهاب الآن...
- جيد، سأذهب...
- اذهب!!
- ...
- جبان!!
- ماذا؟
- نعم! جبان!! ولا أحب الجبناء!!
- ...
و... مشيتُ... دون أن ألتفت. لم أفكر في شيء، حتى وصلتُ منزلي... بقيتُ حتى اقتربتْ الثامنة، وغادرتُ قاصدا الكلية. ثم... مرّ أسبوع، وتلاه آخر... مع محمد، جامبو، وملاك؛ أربعة زملاء مع بعض طوال الوقت، انشغلتُ بالدراسة، ولم أفكر كثيرا... أما إيمان، فكانتْ أحيانا تقف معنا قليلا، تتكلم مع محمد وجامبو، ثم تُغادر. أحيانا أخرى، كانت تنظر إلى أربعتها، تبتسم أو تُسلّم وتمرّ... لم أر في ذلك بأسا، وظللتُ أقول أنها ستعود، ما إن ترى الأفق، ولم تكن ملاك ترى ذلك، لكنها لم تُعلمني... مع ملاك، تلك الأيام، كنا نلتقي تقريبا كل ليلة تقريبا، في منزلها، كنا نتكلم مثلما مع محمد وجامبو، ثم ندرس، كل في ركن، ثم أغادر مع منتصف الليل أو بعده بقليل، لنلتقي في الصباح... الأسبوع الثاني، يوم الجمعة ليلا، كنا ندرس، كنتُ مستلقيا على بنك، وكانت تجلس على كرسي وأغراضها على الطاولة، فقلتُ "أظن أنني سأمضي نهاية الأسبوع مع العائلة" فلم تُجبني، وواصلنا كل ينظر إلى ما كان بين يديه... ثم وقفتْ، وظلتْ واقفة دون أن تنظر لي...
- ماذا؟
- مللتُ
- لنأخذ راحة بعض الوقت...
- لم أقصد الدراسة!
- لم أفهمكِ...؟
- أشعر بالوحدة! إيمان لا تُكلمني وأنتَ... أنتَ! تتعامل معي وكأني مكتبة!!
- مكتبة؟
- نعم! كل ليلة تقريبا، ثلاث أو أربع ساعات تدخل المكتبة... تدرس... ثم تُغادر!
- أنا أتبعكِ... أتبعُ ما قرّرتِ! إيمان لا أكلمها لأنكِ قلتِ
- نعم قلتُ!! لكن لم أطلب هذا؟
- هذا ماذا؟؟
- ما الفرق بيني وبين جامبو؟ أو حتى محمد؟ ثم... لماذا لا تُمضي معهما الليل؟!
- ما هذا الكلام ملاك! ثم... لا أريد أن أتصرف! لا أريد أخذ زمام الأمور! فعلتُ ذلك مرات في السابق وأخطأتُ... والآن... منذ أن طلبتْ إيمان... أنا أتبعكِ
- لا تتبعني إذن!! ولم أطلب ذلك!
- ماذا تُريدينني أن أفعل؟
- لا شيء!! سأذهب لأنام... تُصبح على خير!!
- انتظري! ليس هكذا!
- كيف إذن؟! أنتَ بجانبي، لكني أشعر بالوحدة! هل تعرف معنى ذلك؟!
- لا أعرف... ولا أشعر بذلك أنا! إيمان لن تأخذ أشهرا... ثم... الامتحانات قريبة... فترة وستمرّ... المهم أننا معا
- معا؟!
- نعم
- لا أشعر بذلك!
- قولي ماذا تُريدين أن أفعل وسأفعله في الحال؟
- أشعر بالنعاس... أريد أن أنام...
- هذا ما تُريدين؟
- نعم...
- طيب... أدخل الحمام... ثم أغادر
- ...
عندما خرجتُ من الحمام، لم أجدها في الصالة، فوضعتُ أغراضي فوق الطاولة، ولحقتُ بها إلى غرفتها... كان الباب مغلقا، وعندما طرقتُ وناديتها لم ترد، ففتحتُ ودخلتُ... ثم جلستُ على السرير بجانبها، وظهري من جهة ظهرها، بقيتُ لحظات أنظر للحائط أمامي، ثم تكلمتُ...
- أحبكِ...
- ...
- وأحاول... نعم أحاول... لكني لا أعلم كيف أفعل... أنا أيضا لا يُعجبني كل ما يحصل الآن... لكني لا أريد أن أخطئ... مثلما فعلتُ في السابق...
- ...
- و... عندما... عندما أضجر... أقول فترة وستمرّ... لن نبق هكذا أبدا! مجرد فترة و... سنكون بعدها أحسن... أشعر بذلك! أنا متأكد...
- ...
- لا تغضبي مني أرجوكِ... إيمان... ثم... أنتِ... تغضبين مني... ذلك كثير عليّ...
- ...
- سأخرج الآن... ليلة سعيدة...
- ...
في الغد، عند منتصف النهار، خرجتْ ملاك مسرعة، فلحقتُ بها، فقالتْ أنها ستُغادر إلى منزل أسرتها، فاقترحتُ مرافقتها إلى المحطة فرفضتْ وتركتني مواصلة سيرها بسرعة... فتوقفتُ... وبقيتُ أنظر إليها حتى توارتْ. ثم مرّتْ بجانبي إيمان، ولم تُكلمني، جامبو فعلتْ، ثم واصلا سيرهما، دون أن تلتفتَ... أما محمد، فقال أنه سيلتقي بصديق درسا معا في الثانوية، ثم غادر... وبقيتُ وحدي، واقفا مكاني، لم أبرحه... نسيتُ تماما فكرة المغادرة إلى منزل أسرتي، فكرتُ في الذهاب إلى الكافتيريا، لكني عدلتُ، ومن مكاني، عُدتُ أدراجي نحو الملعب... وعند وصولي، جلستُ في وسطه أنظر إلى أشجار أمامي، والكلية وكل ما فيها ورائي... لا أعلم كم بقيتُ بالضبط، ربما بين الساعة والساعتين... ثم وقفتُ ونويتُ الخروج من الكلية دون وجهة محددة... ومشيتُ... حتى وصلتُ الكورنيش... كنتُ أمشي وأنظر الأرض أمامي وبين الحين والآخر أنظر للبحر... حتى أوقفني صوتُ المعلمة... الصغرى...
- مرة أخرى نلتقي...
- إإإ... نعم...
- هذا ابني الصغير... كريم... وهذه ابنة أختي... وفاء... تدرس صيدلة هنا...
- ... عنـ... عندكِ أخت أخرى؟
- أختين... أربعة بنات...
- و... الـ... أقصد... الرابعة تسكن هنا؟
- لا، زوجها من الجنوب... سارة معها... تتذكر سارة؟
- نعم... نعم... المهندسة...
- قريبا تُصبح مهندسة...
- مررتُ مرتين أو ثلاثة بجانب المدرسة... مدرستكِ... وفكرتُ في... لكني قلتُ أنها تُدرّس... ولا يجب أن أُقلقها...
- بالعكس!! كنتُ سأسعد بذلك! ولا حرج في ذلك إطلاقا...
- مرة أخرى إذن... سترينني واقفا أمام باب قاعتكِ... إن سمحوا لي بالدخول...
- بسيطة... تقول للبواب... لنقل أنكَ تُريد مفاجأة خالتكَ أو عمتكَ وسيترككَ تدخل...
- اتفقنا إذن... خطة جيدة... إإإ... أترككم الآن... صدفة جميلة أن التقينا مرة أخرى...
- إلى أين تذهب؟
- لا وجهة عندي... أتسكع...
- لماذا لا تذهب معنا؟
- أذهب معكم؟ أين؟ لا... لا أريد أن
- ستندم... هناك حلويات... وطارط!!
- أشكركِ لكن عليّ أن أذهب... أكيد عندكم
- نعم عندنا... احتفال... سنحتفل... عيد ميلاد وفاء اليوم... كبرتْ بسرعة... لم أرزق ببنات، فكانت ابنتي التي لم أنجبها...
- هذا... الصغير؟
- نعم، الأخير، قبله ولدان، أخذهما أبوهما لزيارة أمه...
- وأنتِ... لم
- وكيف أترك ابنتي يوم عيد ميلادها؟
- آه... فهمتُ... أرجو لكم وقتا طيبا إذن... وسأذ
- سأغضب منكَ إن رفضتَ دعوتي
- لكني لا أريد... ربما أ
- هيا... تعال معنا... خذ... احمل عني هذا...
- لا أدري ما أقول
- ستقول أنكَ كنتَ ستخسر الكثير لو لم تسمع كلامي... ليس ثقيلا؟
- لا... ليس كتلك الحقيبة الـ... الحجرية...
عندها تكلّمتْ وفاء وسألتْ خالتها عن أي حقيبة... فأجابتها وقصتْ عليها... كل القصة... يوم السبت... والإثنين...
ثم مشينا، في البدء كانت الخالة في الوسط تُمسك بيد ابنها، أنا عن يمينها، ووفاء عن يسارها... ثم تأخرتُ خطوة وراءهما لأني تحرجتُ مما سمعتُ، حيثُ كانت الخالة تنتقد أختها... أم وفاء، وبشدة، وكانت وفاء تُحاول إسكاتها من حين لآخر: "خالتي!!"، لكنها لم تسكتْ ولم تأبه بوجودي... كنتُ وراءها كنادل في نزل، مجرد نكرة يحمل أغراضها، ولا يهم إن سمع! أو هكذا قلتُ في البدء... لكنني بعد ذلك قلتُ، وتذكرتُ ماما... المُعلمات أتعس حالا من الأستاذات! ما أكثر كلامهن وما أعلى أصواتهن... عملهن الصراخ وتعودن عليه حتى صرن لا يعبأن بمن سمع وبمن لم يسمع! المهم... سمعتُ الكثير، وعلمتُ أن أم وفاء ليست بتلك الأم، بل لولا الخالة ما كانتْ وفاء...
مع دخولنا إلى محل... اهتمتْ الخالة بأشياء تبحث عنها، ووقفتُ أنتظر، فاقتربت مني وفاء ووقفتْ دون كلام...
- لا أعلم ماذا أفعل هنا! خالتكِ... لم أستطع الهروب منها... وأشعر بحرج شديد الآن...
- ...
- هل... هل... أكون ممتنا لو خلّصتني... امرأة طيبة ولا أريدها أن
- ماذا؟
- أشعر بالحرج!! لكني سيكون غير مهذبا موقفي لو رفضتُ دعوتها الآن...
- جبان!!
- ماذا؟
- إذا كنتَ لا تريد الذهاب، قل لها ولا تهتم لما ستقول وتشعر! ثم لستَ ملزما بشيء نحوها!! مجرد امرأة ركبتَ معها في سيارة أجرة! لماذا تهتم؟!!
- أهتم... نعم أهتم!! لستُ تمثالا أو إنسانا بلا قلب! وليستْ أي امرأة ركبتُ معها مرتين! امرأة رائعة تستحق كل الاحترام!!
- اذهب معها إذن!! ولمعلوماتكَ أنا أيضا لا أريد الذهاب! ولو وجدتُ حلا للهروب منها لاستعملته لنفسي... نعم خالتي! أنا قادمة... اللعنة!
عندما التحقتْ بخالتها، نظرتُ بجانبي، فرأيتُ بطاقات بريدية، فاخترتُ واحدة... نخلة بجانب بحر، وفي الأفق مركب قارب على الاختفاء... وضعتُها في جيبي... وانتظرتهم حتى أكملوا... أو... حتى أكملتْ الخالة الصغيرة شراء ما أرادتْ...قُضي الأمرُ قلتُ في نفسي، ولن أستطيع التهرب، لكن الوقتَ لم يكن وقتَ حفلات! لم نصل وقتها حتى الرابعة! وتساءلتُ هل يعني ذلك أني سأبقى معهم حتى منتصف الليل؟!! وتمنيتُ لو كانتْ الخالة ممن لا يأبهون بذلك الوقت، أي تحتفل حتى الخامسة أو السادسة، وليست ممن ينتظرون بالدقيقة والثانية حلول منتصف الليل! غريب كيف يفعل ذلك كثير من البشر، برغم أن من يُحتفل به قد يكون وُلد في وقت آخر من اليوم... غير منتصف الليل!
ثم غادرنا... مشينا قليلا، وبرغم رفض وفاء، دخلنا محلا آخر، لملابس النساء... "اليوم يومكِ، والصيف قادم، عندنا أعراس كثيرة هذا الصيف" قالتْ الخالة... بقيتُ مع ابنها جالسيْن قريبا من المدخل، وبعد فترة، نادتنا الخالة، وطلبتْ رأي كل منا في... في الفستان... قال الطفل: "جميل"، أما أنا... فلم أقل شيئا حتى أعادتْ الخالة طلب رأيي... نظرتْ لي خالة وفاء، منذ البدء، منذ لقاءنا للمرة الثالثة بالصدفة، على أني مثل ابنها الصغير ذاك، لأني كنتُ أصغر من وفاء بسنة، وقاعدة تقول عادة أن المرأة يمكن أن تكون أصغر من الرجل، لكن العكس لا يجوز... وكان تقديرها خطأ...
بعد مغادرتنا، لم يفتْ وفاء، ما رأته على وجهي عندما رأيتها بفستانها الجديد... لكنها تظاهرتْ بأنها لم تلاحظ شيئا، وواصلتْ مشيها والكلام مع خالتها... حتى قالت الخالة أنها تعبتْ وتريد أن نبقى بعض الوقت في مقهى ثم نغادر إلى منزلها... ومباشرة بعد جلوسنا، وقبل مجيء النادل، استأذنتُ للذهاب إلى الحمام، وعنده كلمتُ نفسي: "اللعنة! لا أريد الذهاب!! ولم يعد عندي مجال للخلاص الآن!"... وعند خروجي، رأيتُ وفاء بصدد الدخول إلى الحمام المخصص للنساء...
- انتظري
- ماذا؟
- كيف ستكون هذه الحفلة؟
- حفلة؟ لا يوجد أحد في المنزل!
- أعلم... لكن أقصد... متى سأستطيع المغادرة يا ترى؟
- تُغادر متى تُريد!
- اللعنة! أقصد... الكعكة والشموع... يعني متى تنتهي؟
- أستطيع أن أفعل ذلك بسرعة إن أردتَ
- نعم... أكون ممنونا...
- ...
- شكرا لكِ... سأعود... أعود إليها الآن...
- صدف غريبة...
- أه... نعم... والمآزق أيضا...
- ...
- ماذا؟ ما بكِ؟
- لا شيء! سأدخل الحمام...
- طيب...
عند عودتي، فتحتُ حقيبتي، وتناولتُ منها قلما، ثم أخرجتُ البطاقة البريدية من جيبي، ونظرتُ للخالة، ثم لابنها
- منذ قليل... قلتُ... هدية صغيرة لابنة أختكِ... ماذا أكتب فيها؟
الطفل لم يهتم لي، ونظر خارجا، أما الخالة...
- لطف منكَ أن تفعل ذلك... أكتب ما تريد...
- لنقل عيد ميلاد سعيد؟
- تستطيع أحسن من ذلك...
- أتمنى أن تتحقق كل أحلامكِ في سنتكِ الجديدة؟
- يعني... حاول مرة أخرى
- لا أعلم... أول مرة أقتني بطاقة بريدية...
- ماذا كنتَ ستكتب لأختكَ؟
- صعّبتِ الأمر كثيرا... لا أهد شيئا لها
- لماذا؟
- علاقتنا ليست بذلك الود...
مع رجوع وفاء، غمزتني الخالة أن قد جاءتْ، فوضعتُ البطاقة في جيبي وأعدتُ القلم إلى حقيبتي... ثم بقينا بعض الوقت، وغادرنا في سيارة تاكسي... الخالة في الكرسي الأمامي، وأنا ووفاء في الخلف والطفل بيننا...
عند دخولنا المنزل، كان زوجها وابناها... وفهمتُ بعد ذلك أن الزوج تشاجر مع أمه وألغى مبيته عندها... كان لطيفا معي، وكذلك الابنان، أمضيتُ جل الوقت مع الكبير، في الصالة، ثم في غرفته، كان كالب باكالوريا ويُفكر في اختصاص طبي، فسألني الكثير، وأجبته، كان من هواة الفورمولا 1 كذلك، فوجدنا اهتمامات مشتركة أخذت منا وقتا طويلا... حتى دخلتْ وفاء تطلب منا الحضور للعشاء، ولحظتها أيقنتُ أن الخالة من جماعة منتصف الليل!!
غاب الحرج عني بعد لطف الزوج، وتعرّفي على ابنها الأكبر، لكنه عاد عندما تطرّقوا إلى مواضيع عائلية تخص أم وفاء، وكأني لم أكن موجودا... الزوج أيضا هاجمها، ولم تدافع وفاء عن أمها... الذي فهمتُه أن الخالة مثل زوجها يلومانها على عدم اعتنائها مثلما يجب بوفاء، ولو لم تكن "ذكية" بطبعها لكانت قد غادرتْ الدراسة الآن وتعمل خياطة مثلها... كان حرجا أردتُ معه الاستئ‍‍ذان والمغادرة، لكني لم أتجرأ على ذلك...
ثم بقي الجميع في الصالة... وبعد وقت خرج الصغير ولم يعد، ثم الذي يليه، ثم الزوج، وبقيتُ مع الكبير والخالة ووفاء...
- ربما يكون زميلك السنة القادمة...
- نعم... أرجو ذلك...
- لو ركّز في دراسته، وابتعد عن

- ماما!!
- ماذا؟ هل أنا مخطئة؟
- سأذهب إلى غرفتي!

- يغضب مني كلما تكلمتُ عنها...
- ...
- فتاة طيبة... جميلة ومتفوقة... لكنهما يتشاجران دائما وذلك يؤثر على تركيزه... قل لي وأنتَ؟
- أنا ماذا؟
- قل
- الدراسة تأخذ كل وقتي، ولا وقت عنـ
- كاذب، أعرف أن الفتيات جميلات في كليتكَ... لم تعجبكَ أي واحدة منهن؟
- جميلات نعم... لكن
- طيب... طيب... لن أحرجكَ أكثر... انتظرا سأعود... قارب الوقت...

- خالتي! دائما هكذا...
- تسكنين معها؟
- قلتُ لكَ أني أسكن مع رفيقتين...
- نعم... صحيح... تذكرتُ...
- ...
- امرأة طيبة... وزوجها... وابنها...
- بمنزلة ماما... الثانية...
- سعيد بذلك... من أجلكِ...
- لماذا بقيتَ؟
- ماذا؟
- لماذا بقيتَ؟ كنتَ تستطيع رفض دعوتها... حتى مع اصرارها...
- لا أعلم... لم أستطع الرفض... وبرغم كل شيء... ها أنا لا أزال هنا...
- كل هذه الصدف لا تعنـ
- لي شيئا نعم! ولن نعود الآن! أرجوكِ!
- جبان وكاذب!
- ...
ثم عادت الخالة بالكعكة والشموع... لم يحضر الصغيران والزوج لأنهم ناموا... وحضر فقط الكبير... ثم بعد أكل وشرب ما قُدّم لي، استأذنتُ للمغادرة... أصرّتْ وفاء على المغادرة أيضا وقالتْ أنها ستجري باكرا ثم تلتحق بنادي الجمباز، واقترح الكبير إيصالها... فخرجنا معا ثلاثتنا... ومباشرة بعد تجاوز الشارع الذي يوجد فيه المنزل، انسحب الكبير... زعم لأمه أنه سيوصل وفاء، لكنها كانت تعلة ليذهب لرؤية رفيقته... قالت وفاء، أنه يقفز إلى الحديقة، ثم يتسلق حائطا، وتفتح له هي بابا علويا يفتح على درج، فينزلان إلى غرفتها... وكثيرا ما يعود إلى منزل خالتها عند الفجر...
عليه اللعنة!! وعلى رفيقته!!



#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-14
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-13
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-12
- الهولوهوكس: إلى كل التيارات الفكرية... دعوة وتحذير
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الهولوكوست وإسرائيل: سلاح دمار شامل وإفلات مستمر من العقاب ( ...
- الحجاب بين ليبيا وأمستردام!
- فيلة
- وهم الدعوة إلى الإلحاد
- الإلحاد والملحد والحرية (جزء سابع)
- خرافة الهولوكوست وحقوق الإنسان... اليهودي!
- الإلحاد والملحد والحرية (جزء سادس)
- هل أنتَ منافق؟ (2)
- هل أنتَ منافق؟
- الإلحاد والملحد والحرية (جزء خامس)
- شيزوفرينيا اليسار بين الإمبريالية والصهيونية والعروبة والفار ...
- الإلحاد والملحد والحرية (جزء رابع)


المزيد.....




- الاعلان الرسمي لفيلم الدشاش.. الأكشن والإثارة محمد سعد في هذ ...
- فنانون سوريون -واهمون ومخدوعون-
- ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي ينعون الفنان الأردني هشام ...
- -معاريف-: الاستخبارات الإسرائيلية بدأت دورات لتعليم اللهجة و ...
- لغز الفرعون: هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي تحدث عنه الك ...
- موسيقى من قعر بحر الإسكندرية
- نجوم عالميون يدعمون لبنان برسائل مصورة في افتتاح سينما -مترو ...
- -معاريف-: الاستخبارات الإسرائيلية بدأت دورات لتعليم اللهجة و ...
- وفاة الفنان الاردني هشام يانس
- رئيس نادى الأدب بقصرثقافة كفرالزيات(الشاعروالكاتب محمد امين ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-15