محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8200 - 2024 / 12 / 23 - 02:09
المحور:
الادب والفن
طائرُ السنونو... غاب عن السماء ولم يترك خلفه سوى صمتٍ مهيبٍ.
كان السنونو أكثر من مجردٍ طائرٍ يعبر الأفقِ؛ كان رسالةً من الحياة بأن الأملَ يأتي كلّ عامٍ، وأن الغيابَ مؤقَّتٌ مثل غيمةٍ سرعانَ ما تعودُ الشمسُ لتبددها، لكن ماذا نفعلُ حين يتوقفُ الأفقُ عن استقبالٍ جناحيه؟ ماذا نفعلُ حين يصبحُ الربيعُ صامتاً بلا غناء السنونو؟
أينَ ذهب؟
هل تاهَ في عواصف القدرِ؟
أم أن العالمَ قد أصبحَ قاسياً لدرجةٍ لا تحتملها تلكَ الأجنحةِ الرقيقةِ؟
السنونو الذي كان يبني أعشاشه على حافة نوافذنا، كأنه يرفضُ الرحيلَ عن عالمنا، يبدو اليومَ كذكرى بعيدةٍ.
نحدقُ في الأماكنِ التي كان يعششُ فيها، فلا نجدُ سوى آثارٍ مهجورةٍ، تكسوها الغبارَ كأنها شاهدٌ على خيانةِ الزمنِ.
كان السنونو رمزاً لكلِّ ما هو جميلٍ وعابرٍ. كنا نراقبُه وهو ينسجُ خيوطَ حياته بمهارةٍ وصبرٍ، لكننا نسيناه حين طارَ بعيداً. والآن، ونحن نفتقدُه، ندركُ أنه لم يكن مجردَ طائرٍ، بل كان قطعةً من أرواحنا، تلكَ التي ضاعت في طرقٍ لا نعرف نهايتها.
البحرُ الذي كان يعبره السنونو بجسده الصغيرِ، أصبح الآنَ سجناً يحجزه بعيداً عنا.
السنونو الذي كنا ننتظره كلَّ عامٍ، أصبح اليومَ رمزاً لفقداننا الأكبرِ، لكلِّ ما مضى دونَ رجعةٍ، ولكلِّ ما غابَ دونَ وداعٍ.
ربما لن يعودَ السنونو. ربما ستظلُّ السماءُ فارغةً من رقصاتهِ، لكن الحزنَ الذي تركه في قلوبنا سيبقى حاضراً.
سنظلُّ نرفعُ أعيننا للسماءِ، نبحثُ عن جناحين صغيرين، عن أملٍ ضعيفٍ، عن أيِّ شيءٍ يكسرُ هذا الفراغَ الذي أكلَ أرواحنا.
سنظلُّ ننتظرُ... حتى وإن علمنا أن الانتظارَ قد لا يُجدي.
نرفعُ أعيننا للسماءِ كلَّ يومٍ، نبحثُ عن ظلِّ جناحيه، عن ذلكَ الحلمِ الصغيرِ الذي كان يحلقُ فوقنا، لكنه لا يعودُ.
السنونو الذي رحلَ بلا وداعٍ تركَ في القلبِ جرحاً لا يلتئمُ، وذكرياتٍ تعودُ معَ كلِّ ريحٍ تحملُ بقايا صوته.
ربما لن يعودَ أبداً...
وربما كان رحيله درساً بأن الحياةَ ليست إلا سلسلةً من الخساراتِ، وأن بعضَ الغيابِ يحملُ معه جزءاً من أرواحنا إلى الأبدِ.
سنظلُّ ننتظرُ، رغمَ علمنا أن الانتظارَ قاسياً، لأن الحنينَ أقوى من كلِّ الحقائقِ.
فلتكن السماءُ شاهدةً على أوجاعنا، ولتظلُّ أجنحةُ السنونو في ذاكرتنا طيفاً لا يمحوه الزمنُ.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟