|
القصة و الرواية في الادب الروسي و السوفيتي .
محمد جواد فارس
الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 22:11
المحور:
الادب والفن
أن الاطلاع على العلوم و الثقافة يجب أن تكون ليس ملكا لصاحب التجربة في الممارسة ، و إنما يجب طرحها للاخرين للاستفادة منها ، و اريد في مقالتي هذه ان اتحدث عن تجربتي و انا كنت طالبا في معهد للطب البشري في مدينة كرسنودار التابعة لجمهورية روسيا الاتحادية ، في سبعنيات القرن الماضي ، و بنصيحة من استاذي في تاريخ الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي ، وهو يعرفني اني مبعوث الحزب الشيوعي العراقي و كنت مسؤول عن المنظمة الحزبية في كراسنودار ، أضافة إلى نشاطي النقابي، في اتحاد الطلاب العرب كنت نائب للزميل محمد ابو مندور مصري الجنسية وهو دكتور في الاقتصاد الزراعي خريج معهد كوبان الزراعي ودرس في جامعة عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطي لفترة ، و يعرف الرفاق السوفيت نشاطاتنا في المجال الحزبي و كذلك الطلابي ، سجلت في المدرسة الحزبية لاعداد الكوادر التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي انذاك ، بناء على نصيحه استاذي ، و كانت المواضيع التي تدرس فيها : هي الفلسفة و الاقتصاد السياسي و الاشتراكية العلمية و كذلك تاريخ الحركة العمالية والشيوعية العالمية ، كان استاذنا في تاريخ الحركة الشيوعية و العمالية العالمية يزودنا بمعلومات مهمة أهميتها تكمن في أن نقرأ روايات في الأدب الروسي و السوفيتي ،" مثل الحرب والسلم لتولستوي و الجريمة والعقاب لدستويفسكي و رواية الفقراء لدستويفسكي و انطوان تشيخوف الروائي و الطبيب و يعرج كيف أن انطوان تشيخوف و هو من أبرز كتاب القصة القصيرة كتب عدد من القصص في رواياته كان يمازج ما تعلمه في دراسته للطب في جامعة موسكو من علوم الأحياء و الفيزياء والكمياء و الرياضيات أضافة للعلوم الاخرى في التشريح و الفسلجة ، وله قول مشهور لتشيخوف ( أن الطب هو زوجتي و الأدب هو عشيقتي ) مستفيدا بماكتبه في قصصه ومنها الفلاحين و رسائل إلى العائلة و الشقيقات الثلاث وغيرها و قد كتب تشيخوف للمسرح الروسي ، و في إحدى قصصه يقول ( اذاخرج المريض من غرفة الطبيب و هو مبتسم ، فهذا يعني أن الطبيب ناجح ) 0 و هنا تكمن عبقريته في القول أن المسألة هي نفسية لدى المريض 0 وفي إحدى قصصه القصيرة و التي كتبها عام 1953 في العهد السوفيتي وعنوانها ( العروس ) ينتقد فيها المجتمع السوفيتي ، حيث تدور القصة حول شابة جميلة أسمها نادية تعيش مع جدتها في منزل للاثرياء، نادية تستعد للزواج من خطيبها اندريه بزواج تقليدي ، و نادية كانت تعاني من شعور في الغربة ، و ترى في شخصية ساشا ابن عمها ، الذي هو مثال للمجتمع الجامد وله رؤية نقدية للحياة ، وقصة ( العروس ) لتشيخوف حولت إلى أعمال مسرحية وسينمائية ، و قد شارك في إخراجها كتاب مخرجين مع اهتمام ناتج عن موضوعها الإنساني، لأنها تحمل في طياتها مفهوم واضح عن معنى الحرية و تحدي الأعراف الاجتماعية التي كانت سائدة انذاك 0 وأريد أن انقل نص ماكتبه الكاتب الكبير صاحب قصة ( الام ) في تقيمه لرفيقه انطوان تشيخوف : ( أن لغة و أسلوب تشيخوف قمة من المستحيل الوصول اليها) و اذا تكلم المرء عن تاريخ اللغة الروسية لابد له أن فضل خلق هذه اللغة يرجع إلى بوشكين و تورجينف و تشيخوف 0 وما هو موقف انطوان تشيخوف من غوركي اذكر مايلي : عندما اختير انطوان تتشيخوف في عام 1900 عضوا بالاكاديمية الروسية ، لكنه بعد مرور عامين اي 1902 رفض العضوية أحتجاجا على عدم موافقة القيصر نيكولاي الثاني على قرار علماء و أدباء روسيا بأختيار مكسيم غوركي عضوا بالاكاديمية ، لمعرفته في شخصية و ادب مكسيم غوركي و مدى العلاقة الطيبة بينهما ، لقد عمق انطوان تشيخوف الاتجاه الواقعي في الأدب الروسي ، وحتى من خلال أبطاله في قصصه و مسرحياته و هم من المجتمع الروسي أناس بسطاء ، و كان يدرك في أن كل واحد منهم موضوع كامل في سرده للقصة القصيرة وكان في قصصه و مسرحياته تحمل التحليل النفسي من خلال دراسته للطب البشري 0 أما الكاتب مكسيم غوركي و الذي عاصر لينين بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى فقد اشتهر في أهم واجمل رواية كتبها هي ( الام ) وفي هذه الرواية والتي اخذت شهرة واسعة في اوساط المثقفين الثورين والشيوعيين ، و هي مترجمة إلى العربية ولغات عالمية أخرى ، يتحدث فيها غوركي عن ام كادحة كانت تجلس أمام مصنع عمالي كان يعمل فيه ابنها تبيع ( الشوربة ) للعمال و كانت لها علاقة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي حيث يمدها بالمناشير فكانت عندما تسكب الشوربة بالصحن بناء على طلب العامل تتطلع بوجه و تضع المنشور تحت طاسة الشوربة ، وكانت حذرة من جواسيس النظام القيصري المتابع لنشاط الحركات الثورية 0 كان الشوربة ذات طعم لذيذ و لرخصها بالنسبة للعمال فعليها إقبال كبير منهم 0 ومن هنا نجد أن هذا العمل السري و دوره في الثقافة الحزبية و ابتكاره في نشر الثقافة بين اواسط العمال و توسيع القاعدة الحزبية و من ثم الثورة على الحكم القيصري 0 وهذه الرواية نشرها غوركي عام 1906 و انتشرت الرواية و أصبحت كحافز للبلاشفة في الاعداد لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى ، و بعد الثورة ظهر روائين كتبوا عن منجزات ثورة أكتوبر الاشتراكية كما هو كتاب الأرض البكر حرثناها ل ميخائيل شولوخوف و التي تدور احداثها في قرية اوكرانية صغيرة وتتحدث عن حياة الفلاحين و العمل الجماعي ( الكلخوزات ) و شلوخوف هو مؤلف ثلاثة عشر رواية و منها الرواية المعروفه الدون الهادئ و يروي فيها بطولة الجيش الأحمر السوفيتي في الحرب الوطنية العظمى ( الحرب العالمية الثانية ) و آخر ما كتبه وأنهى حياته في الكتابة به هي رواية ( مصير انسان ) و من الروايات السوفيتية كذلك والفولاذ سقيناه لاستروفسكي و هذه القصص و الروايات تجسد الحياة في ظل النظام الاشتراكي القائم انذاك و إنجازاته في التطور العلمي و الاقتصادي و حياة المجتمع السوفيتي انذاك 0 و من خلال قراءتي لرواية الفقراء لدوستويفسكي و هذه الرواية تتضمن رسائل بين أشخاص الرواية يتبادلوها بينهم و هو أسلوب ابدع فيه دستويفسكي ، و أعجبني النص التالي : عزيزتي الغالية جدا ، ماكار أليكسيفيش ! لو انك على الأقل، لم تيأس ! يكفي أن الأمر فيه من الحزن ما يكفي 0 ابعث إليك بثلاثين كوبيكا فضية ! و ذلك كل ما في وسعي أن ابعث إليك، أشتر ما انت بحاجة ماسة اليه، ما يسد رمقك بكيفية من الكيفيات ؛ فنحن بالذات لم يتبقى لنا تقريبا أي شيئ، و لست ادري ما الذي نفعله غدا ، ان الأمر لمحزن ، يا مكار الكسيفتش! فلا تزد من عذاب نفسك ، فقد حاولت ولم تفلح 0 فما العمل أذن ؟ تقول فيدورا أن الأمر لن يصبح بعد كارثة ، اننا نستطيع البقاء هنا موقتا ، و بأننا حتى إن انتقلنا من هذا المحل ، فلن نفلح البتة في محو آثرنا ، إذ يستطيع هؤلاء - أن هم أرادوا - أن يعثروا علينا ، ولسوف يعرفون جيدا كيف و أين سيجدوننا ، في اي محل استقررنا فيه ، أجل، ذلك صحيح ، الا اني مع ذلك لم أعد في نفسي ، أي جاذبية تجرني حول هذه الشقة ، للبقاء هنا ، ولو لم يكن الأمر شديد الحزن لكتبت لك شيا ما0 يا لغرابة طبعك ، يامكار الكسيفيج ! انت تأخذ الأمور مأخذا مشرفا في الحزن ، كما انك ستبقى أيضا ، أنسانا شديد الحزن على الدوام 0انني أقرأ بتركيز شديد كافة رسائلك ، فأجد انك تعذب نفسك من أجلي، و أرى في كل واحدة من تلك الرسائل ، بأنك تهتم لأجلي بدرجة لا تهتم فيها انت بالذات لنفسك ، لن تكون هناك من دون شك ، سوى طريقة واحدة ليقول الناس بأن لك قلبا طيبا ؟ لكني انا سأقول بأنك تفرط ياصاحبي في طيبة القلب تلك 0أنا أنصحك يا مكار الكسيفتش ، نصيحة الصديقة لصديقها، كما اني ممتنة لك كثيرا ، لجميع ما قمت من أجلي ، وإني لأحس جيدا بكل ما أقوله ، فحكم هكذا بنفسك، على صدق أحاسيسي و مشاعري ، اذا مازلت أرى إلى الآن ، بعد كافة الأحزان و المآسي، التي تسببت لك فيها بشكل غير إرادي، بأنك لا تحيى الا بحياتي : بأفراحي و احزاني ، يا سلوة قلبي ! أن العناية الشديدة بالاخر ، و تجسم مثل هذه المتاعب هي بعيدة عن الذات ، ليعد بحق و حقيقة ذريعة ، ليجعل المرء نفسه شقيا و تعيسا للغاية ، فين جئت عندي اليوم بعد عودتك من المكتب ، فزعت لرؤيتك 0 كنت شاحب الوجه بدرجة كبيرة وفي غاية الروعة و اليأس و الاحباط ! كان وجهك بلا معالم معروفة - و كل هذا لأنك خشيت من أن تحكي لي حكاية فشلك ، لأنك خفتي من أن تتسبب لي في عذاب و إرهاق نفسيين ، لكنك لما رأيت بأن ملامح وجهي تنم بالأحرى عن الفرح ، أستعدت هدوءك كله ، يا مكار أليكسيفيش ؟ لا تتأسف ، ولاتيأس ، و إنما كن عاقلا، فإني أرجوك واتوسل إليك 0 هيا ، سنرى بأن كل شيئ سيسير على ما يرام ، وبأن الأمور ستدبر بكيفية حسنة لصالحنا ، لكن و جودك سيصبح ، في حالة ما إذا ظلت حياتك دوما مجرد مسار أليم و مفعم بأحزان الآخرين، مجرد ثقل ثقيل ، ستظل تئن تحت وطأته 0 الوداع يا صديقي ، و أرجوك ألا ثشغل بالك كثيرا من أجلي! ف0 د هكذا هم الكتاب الروس والسوفيت في كتابتهما الكلمات الجميلة في السردية و التعبير الوصفي قي رسم صورة لشخصية ما في الرواية 0 طبيب و كاتب
#محمد_جواد_فارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرن الحادي و العشرين و الذكاء الاصطناعي
-
من رد يوسف سلمان يوسف ( فهد ) أمام المحكمة من مذكرات محامي ا
...
-
جبهات الإسناد الداعمة للمقاومة الوطنية الفلسطنية تعمل فعلها
...
-
رواية ( الوريث ) للكاتب المسرحي حازم كمال الدين
-
فلسطين العربية ستبقى رغم مجازر الامبريالين و الصهاينة 0 ستنت
...
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
-
المقاومة الوطنية الفلسطنية تلقن الصهاينة المستوطنين القتلة ا
...
-
ترجل الفارس الوطني الشيوعي باقر ابراهيم الموسوي ( ابو خولة )
...
-
بشتشان المجزرة البشعة التي أقدم الاتحاد الوطني الكردستاني عل
...
-
إضاءات و تأملات00 تفسيرية جديدة
-
يوم الشهيد الشيوعي العراقي
-
قراءة في رواية جمال العتابي
-
كتاب بنات السياسة إعداد الكاتبة هيفاء زنكنة!
-
غزة ستكون مقبرة الغزاة الصهاينة ، و سيقرب موعد نهاية الاستيط
...
-
عملية المقاومة الفلسطينية ( طوفان الأقصى ) غيرت مسار القضية
...
-
لينين في القرن الواحد والعشرين مدرسة التنظيم الحزبي ، و الثو
...
-
رسالة مفتوحة إلى سمير طبلة و من خلاله إلى رفاقه دربه ممن تنك
...
-
أنغولا الشعبية بعد الاستقلال من الاستعمار البرتغالي ، و مرحل
...
-
أرض حضارة الرافدين لم تكن يوما للبيع
-
سبعون عاما في البناء الاشتراكي لجمهورية كوريا الديمقراطية ال
...
المزيد.....
-
فنان مصري يطالب عبر RT بحل لأزمة عقار يقطنه
-
حلم على جنبات الشام أم عيد؟ تفاعل الشعر مع انتصار الثورة
-
لماذا يلجأ بعض صنّاع السينما للتعقيد؟ ريتا تجيب
-
مكالمة مسربة تتسبب في إحراق مدرسة راغب علامة والفنان يتهم ال
...
-
أغرب من الخيال.. بلاد ما بين النهرين مزار لرسل من كوكب -نيبي
...
-
مسلسل المدينة البعيدة الحلقة 7 مترجمة قصة عشق
-
أثار غضب جمهور -حزب الله-.. راغب علامة يكشف حقيقة تسجيل صوتي
...
-
سينما -متروبوليس-.. صرح ثقافي بيروتي يعود للحياة في لبنان ال
...
-
الإيسيسكو تحيي الذكرى الـ300 لمولد المفكر التركماني مختوم فر
...
-
عيسى الشيخ حسن.. الروائي والشاعر الذي أعاد تشكيل الذاكرة الس
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|