أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة المثقفين و الخيانة














المزيد.....


مقامة المثقفين و الخيانة


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 14:12
المحور: الادب والفن
    




النخبة المثقفة هي ركاز النقلة الحضارية , وما نمت أمة وازدهرت إلا بسبب من مثقفيها الذين يحملون شرف الكلمة , وصدق النيات , فإن انتكسوا ومالوا , تبعهم الناس من حيث يدرون ولا يدرون , فتكون خيانة العالِم أشد من خطأ الطبيب , فما خطأ الطبيب إلا نقطة في بحر , وحبة في رمل بإزاء خطأ العالِم , إذ يفسد العقول , ويلوث المفاهيم , ويحيد عن الطريق المستقيمة , لقد ابتلينا بأولئك المثقفين الذين اتخذوا من المصالح صنمًا لهم , فهم يعكفون عليه بكرة وأصيلاً , غير عابئين بأن المجتمعات في مسيس الحاجة إلى وعي اجتماعي , ووعي ينتشلهم من اللقب المخجل حين يوصمون بالعالم الثالث .

عبدالله بن المقفع صاحب (( ألف ليلة وليلة , وكليلة ودمنة , والأدب الكبير وكذا الصغير)) , كتب عن الأخلاق والقيم المثلى , بينما طريقة مقتله تبرهن أنه لم يستفد من علمه , وأن كتاباته لا تمثله , فهو زنديق أفسد الناس على رأي قاتله سفيان بن معاوية بن المهلب بن أبي صفرة , حيث كان أميرًا على البصرة , وكان كبير الأنف , فإذا دخل عليه ابن المقفع قال مسلمًا : السلام عليكما , يقصد سفيان وأنفه , ثم إنه عيّره بأمه بقوله : يا ابن المتغلمة , أي المرأة التي لا يكفيها رجل واحد شبقًا , فكان أن احتال عليه حتى قطّع أطرافه وهو ينظر ثم رماه في تنور محمر حرارة.

تطالعنا مقولة لينين الخالدة : (( المثقفون أقدر الناس على ارتكاب الخيانة , لأنهم الأقدر على تبريرها )) , التي تنطوي على مفارقة غريبة , وهي أن قائلها يعتبر من أهم مثقفي القرن العشرين وأغزرهم انتاجا فكريا , ثانيا أن الإشارة في المقولة تعلي من قيمة القدرة الكامنة على التبرير وليس من فعل الخيانة في حد ذاته , باعتبار أن محط النظر هو التبرير وليس الفعل رغم شناعته , هذه المقولة تستخدم الآن بشكل واسع لتجرم المثقف , وقد يدرج تحتها جريمتي الصمت والتواطؤ بالسكوت على الظلم رغم معرفته ومعرفة وسائل مقاومته وهنا يعتبر الساكت عن الحق شيطانا أخرسا , وأكثر شرا من الخائن الذي يتفنن في تبرير خيانته.

نقرأ كتاب جوليان بيندا (خيانة المثقفين) الذي يحدد فيه أنواع المثقفين بقوله إنهم أولئك الذين لا يسعون وراء المصالح والمكاسب , بل يجدون سعادتهم في ممارسة فن أو مزاولة علم أو البحث في نظريات ما وراء الطبيعة , ويلخص بيندا سعادتهم في الترفع عن ملذّات الحياة , ذاكرا أنه في أثناء مطالعته للتاريخ منذ أكثر من ألفي عام وحتى وقتنا هذا , وجد مجموعة متواصلة من الفلاسفة ورجال الدين والأدباء والفنانين والعلماء كان تأثيرهم وحياتهم في تعارض مباشر مع الغالبية العظمى من العامة , ويعترف بيندا أن واقعية البشر العاديين تدفعهم لارتكاب الشر باستمرار, ولكن طوال عمر البشرية لم يتحوّل الشر إلى خير برغم إصرار الإنسان على ارتكابه , وظل ضميره يؤنّبه كلّما ارتكب هذا الشر, كما أنه ظل محباً للخير حتى لو سلك ضدّه , لاسيّما بوجود الفئة المثقفة التي تقف حارسة على قيم الخير سواء بعدم مبالاتها بدوافع الشر ومكاسبه أو بالتصدي لمن يرتكب هذا الشر من دون البحث بذلك عن مكاسب دنيوية , وهذا التناقض هو الذي صنع الحضارة الإنسانية في نظر الكاتب , فعدم مس القيم من الناحية النظرية هو الذي يبقي على الحضارة الإنسانية حتى لو انتهكت فعلياً.

من الواجب ألا نعمم , فليس كل المثقفين تنطبق عليهم الأحكام ذاتها , فمنهم من بقي ثابتا ومُخلصا لمواقفه وقناعاته ومبادئه وللمجلات والجرائد التي يكتب فيها , وهؤلاء نكن لهم كل تقدير واحترام مهما كانت مواقفهم , لأن كل إنسان حرّ يحق له أن يعتنق ويؤمن بالأفكار التي يراها مناسبة , لكننا في المقابل لم يعد بإمكاننا تجاهل تذبذب الكثير من المثقفين وخاصة الذين يحتلون منابر ثقافية , أي تكون لهم زاوية أسبوعية وأحيانا يومية يخاطبون من خلالها الجمهور , ويعتقدون أنهم يضيئون أذهاننا بتحليلاتهم الفذة , أولئك الذين يقفزون من موقف إلى موقف نقيض , ولا يجدون حرجا ولا خجلا في تغيير أقوالهم وتحليلاتهم بحجة أنها متطلبات السياسة , فتجد أحدهم كان يغازل الإسلاميين ثم ينقلب عليهم شرّ انقلاب دون أن يشرح لنا الأسباب التي دفعته لهذا التحوّل , وآخر لم يجد مانعا لأن يكتب في ثلاث مواقع وصحف متباينة إن لم أقل متناقضة في توجهاتها السياسية والفكرية مقالات أسبوعية أشبه بالهلوسات والهذيانات , كل مقال يتناقض مع المقال الآخر, ولم يجد البعض أيّ حرج في تغيير المنبر الثقافي أو الزاوية الثقافية التي يكتبون فيها على مدى سنوات إلى الاتجاه المعاكس , وإلى جريدة تختلف جوهريا في توجهاتها عن الجريدة الأولى , وتأشر ايضا لغة الشتائم عالية المستوى التي كان يخاطب بها كاتب الزاوية المثقف الكاتب الآخر الذي قفز إلى الطرف الآخر , بعد أن كانا من أعز الأصدقاء وكوجهين لعملة واحدة , لكننا لسنا بحاجة إلى كثير من الفهم والذكاء لندرك ونفهم أن هؤلاء الكتاب لا تهمهم الشعوب العربية المُنتفضة من أجل الكرامة والحرية والعدالة , فكل ما يعنيهم هو المبلغ الذي يقبضونه ويسيل له اللعاب .

رحم الله صديقنا ورفيقنا كوان خلف درويش , الذي كان يخاطب من يقصر في السؤال والاهتمام : ((هواكم مو مثل الايام مجراه )) , ليردد بعدها كلام الشاعر الشعبي : (( محّد عملها وياي عملة رفيجي .. شرّبني سم عربيد وآنه على ريجي )) , أو (( لتكول الزمن غدار ويخون , زمانك ماغدر وانته أغدرتني , لجلك حاربت كل أهلي والكون كلت ماريد غيرك يل عفتني , ولا يحتاج أكلك طبعك أتخون تعرف نفسك أنته أشكد خنتني , حبيتك صدك حب طفل مجنون وانطيتك حياتي وموتتني )) .

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة الحلو و المر .
- مقامة العنكبوت .
- مقامة المدمي .
- مقامة البرد .
- مقامة روما .
- مقامة البواكي .
- مقامة الشوغة .
- مقامة الأنتصار .
- مقامة المرأة .
- مقامة الفراك .
- مقامة الغلطة .
- مقامة خطار .
- مقامة المعروف والمنكر .
- مقامة غمار الأشواق .
- مقامة السلح .
- مقامة الربا في الحب .
- مقامة الزوجات .
- مقامة لا تضيعوه .
- مقامة الغراب .
- مقامة الشتاء .


المزيد.....




- -معاريف-: الاستخبارات الإسرائيلية بدأت دورات لتعليم اللهجة و ...
- لغز الفرعون: هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي تحدث عنه الك ...
- موسيقى من قعر بحر الإسكندرية
- نجوم عالميون يدعمون لبنان برسائل مصورة في افتتاح سينما -مترو ...
- -معاريف-: الاستخبارات الإسرائيلية بدأت دورات لتعليم اللهجة و ...
- وفاة الفنان الاردني هشام يانس
- رئيس نادى الأدب بقصرثقافة كفرالزيات(الشاعروالكاتب محمد امين ...
- رحيل الفنان المغربي محمد الخلفي عن 87 عاما بعد صراع مع المرض ...
- -العائلة- في سربرنيتسا.. وثيقة حنين لأطلال مدينة يتلاشى سكان ...
- فيلم عن فساد نتنياهو وآخر عن غزة.. القائمة القصيرة لجوائز ال ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة المثقفين و الخيانة