|
السياسة والعواطف
خالد بطراوي
الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 12:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السياسة أيها الأحبة .... لا تعرف العواطف ولا تتفاعل معها ولا تأخذها بعين الاعتبار ولا تتأثر بها ولا تغير من مسلكياتها. السياسة تقودها الأحزاب من خلال قادة لهم مصالحهم الشخصية داخل هذه الأحزاب ويستفيدون من الكم العددي لهذا الحزب حتى ولو كان حمولة "باص" أو سيارة " فولكس فاجن صرصور" حتى ولو كان السائق " مش من عندهم". قليل من السياسيين من يمتاز بنكران الذات، وربما كان ذلك مكوناً رئيسياً من مكونات قادة اليسار في العالم في الحقبة التي كان يميزها العمل الثوري لنيل الحرية والاستقلال. السياسي الرأسمالي يمتاز بعلو "الأنا " لديه وهو على أتم الجاهزية "سراً وعلانيةً" لكي يعمل " كالبلدوزر" في تصفية كل من يعارضه. السياسي اليساري يمتاز بأن " الأنا" لديه مخفية ومستترة لكنها موجودة ومعروفة لأبناء وبنات حزبه الذين في غالبيتهم لا ينافسونه. قليل من قادة اليسار يعملون فعلاً بنكران ذات، ومصير بعضهم " غياهب السجون"، لأنهم بالأساس من رفع "المجموع" على حساب "الفرد" ويعتبرون أن الفرد يجب أن يسخر كل طاقاته وقواه لأجل المجموع ولا ينتظرون حتى تصفيقاً. وبالتناوب، إذا كان الحزب حاكماً فإن رموزه لا يعرفون الرحمة مطلقاً، لا يرحمون ليس فقط من هم خارج الحزب، بل أيضا من هم داخل الحزب ولا "يصفقون" لهم البته ، ويؤمنون بمقولة " كلب يعوي معنا ... ولا كلب يعوي علينا". كم هو محزن ذلك المشهد حينما نرى مجموعة من القادة العسكريين يمسك كل منهم دفتراً وقلماً ويدونون ملاحظات زعيم كوريا الشمالية، كما ونشاهدهم جميعا يصفقون بحرارة له بل ويبكون. كم هو محزن عندما كنا نغفو ونحن نستمع إلى خطابات الزعيم الكوبي الرفيق فيدل كاسترو التي تعتبر أغاني وكوبليهات أم كلثوم الطويلة قصيرة المدة بالنسبة لهذه الخطابات. من منا لا يذكر الأناشيد والهتافات " حافظ ... أسد ... رمز الوحدة العربية" وأيضا نشيد البعث العربي السوري " يا شباب العرب هيا ... وانطلق يا موكبي ... وارفع الصوت علياً .. عاش بعث عربي". أما مشهد الرئيس العراقي صدام حسين ، ذلك المشهد السريالي وهو يدخن "السيجار الكوبي" في مؤتمرات الحزب ويبدأ بتلاوة أسماء " الرفاق المتآمرين على الحزب وعليه" ليساقوا "زمراً .... زمراً" إلى أقبية التعذيب بتهمة " خيانة القائد والحزب". في كتابه " الدرب والرفاق" اتهم الرفيق اللبناني يوسف خطار الحلو قيادة الحزب الشيوعي السوري واللبناني بالمسؤولية عن تصفية النظام السوري للرفيق فرج الله الحلو وإذابة جسده بالأسيد عام ١٩٥٩، فعلى الصفحة ٤٦ من "الدرب والرفاق" كتب يوسف خطار الحلو / أبو وضاح قائلا :- " والسؤال الذي طرحه الألوف في لبنان وسوريا من الشيوعيين وسواهم من الناس ، لماذا ذهب فرج الله الحلو إلى دمشق، ولماذا ترك حزبه في لبنان واستقر هناك؟ وبكل صراحة ووجدان شيوعي، أطرح أنا هذا السؤال ، بالرغم من أنني متأكد أنني لن ألقى أي جواب عليه". من الذي أجهض تجربة الحزب الاشتراكي اليمني في اليمن الجنوبي؟ أليس من بين رفاق الحزب ، وتحديداً من بين أعضاء المكتب السياسي من اغتال الرئيس اليمنى عبد الفتاح إسماعيل "ذي يزن" أثناء اجتماع المكتب السياسي للحزب مطلع عام 1986؟ ولا أريد أن أسرد عليكم المزيد من الأمثلة عن أحزاب اليسار وقادتهم الذاتيون الأنانيون الذين لا يعرفون "العواطف". لكن هل حال أحزاب الرأسمالية والامبريالية ومن يتبعهم بأفضل؟ بالطبع لا مع اختلاف بسيط ألا وهو "الحلاقة ع الناعم" لمن يختلف معهم باعتماد أسلوب الدبلوماسية الهادئة، أولا بالاحتواء والتظاهر بانتهاج النهج الديمقراطي وتقبل وجهات النظر، لا بل والمنافسة الشريفة وعندما لا يجدي ذلك يتم اللجوء إلى دبلوماسية المخابرات " خذوه ... فغلّوه" وإن لزم الأمر وكان لا مندوحة ( عجبتني لا مندوحة هاي) فالتصفية الجسدية تعتبر " خياراً لا بد منه". في العام 1865 تم اغتيال "محرر العبيد" الرئيس السادس لأمريكا أبراهام لبنكولن، وجرى اغتيال الرئيس الخامس والعشرين ويليام ماكينلي عام 1901، ولا زلنا نذكر مشهد زوجة الرئيس جون كنيدي وهي تهرب من سيارة الرئيس جون كيندي لحظة اغتياله عام 1963 بمشهد يقول لنا " يا روح ... ما بعدك روح". من الذي إذا .... يعرف العواطف؟ الشعوب " المغلوبة على أمرها" هي التي تعرف العواطف، فهي التي يهتز بدنها عندما تشاهد سيارة تدهس قطة، وتسرع لإسعافها، فما بالكم عندما تشاهد المجازر في هذا البلد أو ذاك أو عندما يتم الكشف عن معتقلين في غياهب السجون. الشعوب هي التي تختزن في ذاكرتها كل المجازر في العالم، مذبحة الأرمن، المجازر في تيمور الشرقية، المجازر في البوسنة والهرسك، المجازر في فلسطين، علي الكيماوي في العراق، مجزرة حي التضامن في سوريا، مجازر روندا، وغيرها الكثير الكثير.
انطلاقا من ذلك كله ... لا تتوقعوا أن يلتفت السياسيون إلى معاناة الشعوب وتعاطف الرأي العام وإلى المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات ... سوف يعملون على امتصاص ذلك كله، بل قد يتقدمون هذه الفعاليات ويظهرون على وسائل الإعلام وهم يستنكرون ويشجبون بل وأحيانا يقومون بتدعيم وجهة نظرهم بالإحصائيات ويبتسمون للكاميرات. لنحتفظ بإنسانيتنا .. ولنترك للسياسيين مناصبهم وأنانيتهم ومصالحهم.
#خالد_بطراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سمات المرحلة الراهنة
-
متى ستضحك الشعوب؟
-
عشرون أربعون أو عشرون خمسون
-
الصراعات وجذورها الطبقية
-
المهندسة -م-
-
الغطرسة
-
قصة بلا نهاية
-
المحقق كونان
-
البوصلة
-
تعرف الكذبة .... من كبرها
-
البنيان المرصوص
-
كعكة العالم
-
سحابة صيف في الجامعات الأمريكية أم ماذا؟
-
موسيقى المسدس
-
حق الرد
-
علامة الرسوب هنا، في السجل ... والباب هناك
-
فاظفر بِحُبِ الناس ... تَرِبَتْ يداك
-
الصراع الطبقي
-
بوركينا فاسو وإبراهيم تراوري ... نموذجا
-
أمير الظلام ... حميدان
المزيد.....
-
اكتشاف جمجمة فيل ضخمة مدفونة بحديقة منزل.. إلى أي عصر تعود؟
...
-
ماذا نعرف عن التعيينات الجديدة في الحكومة السورية الانتقالية
...
-
البشر وحيوانات الكسلان العملاقة عاشوا معا لآلاف السنين.. اكت
...
-
تركيا تخطط لاستئناف عمل قنصليتها في حلب السورية قريبا
-
السعودية.. تنفيذ حكم القتل في مواطنين أدينا بالخيانة والإرها
...
-
قائد الإدارة السورية أحمد الشرع يستقبل وزير الخارجية التركي
...
-
خبير: الشعور بالوحدة الشكوى الأكثر شيوعا في ألمانيا
-
بوتين: لو لم نطلق العملية العسكرية في أوكرانيا لأجرمنا بحق ر
...
-
مشاهد تكدس الجرحى بممرات مستشفى كمال عدوان جراء قصف الاحتلال
...
-
قاضية أميركية: مجموعة -إن إس أو- الإسرائيلية مسؤولة عن اخترا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|