اسعد عبدالله عبدعلي
الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 09:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الملاحظ ومنذ اشهر سعي أنقرة إلى ملء فراغ السلطة الإقليمي, بعد انحسار سيطرة الاسد إلى حدوث السقوط الكامل لنظامه, لقد فتحت الأحداث الكارثية التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية في سوريا, فصلاً جديداً في الشرق الأوسط. الان هناك مخاوف حقيقية كبيرة بسبب ابتعاد سوريا عن محور المقاومة, حيث ينذر بصعود صوت الطائفية في سوريا, خصوصا مع صعود المتطرفين من ابناء القاعدة وتنظيم داعش للحكم في سوريا, لذلك سيكون تنافس كبير بين الدول الاقليمية من قبيل (تركيا والصهاينة) لملء الفراغ الذي تركته ايران في سوريا, مع تحرك أمريكي لأخذ مكان روسيا في سوريا, الملاحظ حاليا ان تركيا اصبحت اللاعب الأكبر في سوريا.
إن النهاية السريعة لنظام الأسد كانت لحظة فاصلة بالنسبة لسوريا, فهو أولا يمثل الخلاص من نظام حكم عمر طويلا (54 عاما), نظام شمولي دكتاتوري, خصوصا اخر اربعة عشر سنة كانت صعبة على كل الاطراف لتدخل اطراف خارجية خبيثة الاهداف من قبيل (أمريكا وتركيا والصهاينة),
• الاحتفالات العلنية والجرائم غير المعلنة
الاحتفالات الكبيرة والمنصات يتقدمها ذوي اللحى الطويلة من ابناء القاعدة وتنظيم داعش, مع رمزية الجامع الاموي, ورفع أعلام داعش, كلها تقودنا الى توقع قيام كيان مرعب متطرف خطر على الشرق الاوسط, وخلف هذه الاحتفالات كانت جرائم اغتيالات وخطف وقتل كبيرة جدا, تجري في سوريا على أسس مذهبية وقومية او لمجرد الاختلاف في الراي, ايام محملة بالدم والإرهاب تحت عنوان الثورة السورية, والتي انتهت باستيلاء المتمردين الارهابيين السوريين على دمشق، والمتتبع يدرك ان ما جرى كان لعبة تركية متقنة جدا, حيث كانت أنقرة الراعي الرئيسي للقوة الرئيسية المناهضة للأسد، هيئة تحرير الشام الارهابية وغيرها، وهي مسؤولة إلى حد كبير عن النجاحات التي حققتها المجموعة في ساحة المعركة.
تركيا هي الداعم للاحتفالات الكبيرة لانه يمثل نجاح جهدهم, لقد أعربت تركيا عن دهشتها من السرعة التي انهار بها نظام الأسد، لكن النتيجة كانت مقصودة, إنه عرض واضح لقدرة تركيا على إبراز القوة من خلال هيئة تحرير الشام والقوات المتحالفة معها، حيث تحل تركيا محل روسيا وإيران باعتبارها القوة الخارجية المهيمنة في سوريا, والمصيبة الاحتفالات السورية مستمرة وهي لا تدرك ما جرى من مصيبة لكيان الدولة السورية, حيث تنهشها الأتراك والصهاينة ويتمددون جغرافيا, وبمرور الوقت يمكن أن تؤدي مكاسب تركيا في سوريا أيضًا إلى توسيع نفوذ تركيا إلى لبنان والعراق.
• المكاسب التركية في سوريا
تشكل مكاسب تركيا في سوريا الجديدة مصدر قلق ملح, وتعتبر إيران تركيا منافسًا إقليميًا يتحدى مناطق نفوذها في الشرق الأوسط والقوقاز، حيث يتنافسان منذ فترة طويلة على النفوذ. ومع دعم تركيا القوي لأذربيجان، بما في ذلك الضربة الخاطفة التي وجهتها لاستعادة جيب ناجورنو كاراباخ من أرمينيا في سبتمبر/أيلول 2023، خسرت إيران تلك المنافسة فعلياً. وإذا قدمت تركيا الآن بعد أن شجعتها النتيجة في سوريا، الدعم لأذربيجان لتأكيد سيطرتها على ممر زانجيزور التجاري الذي يربط أذربيجان وأرمينيا بتركيا، فسيتم عزل إيران تماما عن القوقاز. بالنسبة لإيران قد يبدو هذا بمثابة إعادة تشكيل لسيطرة الإمبراطورية العثمانية على القوقاز وبلاد الشام التي تصارعت معها إيران بين القرنين السادس عشر والعشرين.
ومن عجيب المفارقات أن العدو الصهيوني لديه أيضاً أسباب للقلق بشأن تطور الأحداث في سوريا, فهي قلقة من التمدد التركي, حيث ينشط تنافس مصالح بين الاتراك والصهاينة, السؤال الذي تطرحه حكومة الصهاينة هل ان القوى الارهابية الصاعدة في سوريا اذا عززت سلطتها: هل ستبقى ساكتة عن احتلال الارض السورية من قبل الكيان الصهيوني؟ وهل ستدعم حماس في غزة ؟ خصوصا انهما من نفس الاتجاه الفقهي والمذهبي ونفس الروابط العربية السنية, هل ستكون الحدود مع الكيان الصهيوني ساخنة؟
ام ان الصهاينة مطمئنين من مواقف القوى الارهابية في سوريا, خصوصا انها خاضعة وداعمة لهم.
• تخوف عربي
بالنسبة للدول العربية – من مصر والأردن إلى دول الخليج (السعودية والكويت والإمارات والبحرين وقطر وعمان) – يبدو انتصار هيئة تحرير الشام في سوريا بمثابة صدى خطير للربيع العربي، الذي ظنوا أنهم هزموه, حيث حصلت انتفاضات جماهيرية انطلاقا من عام 2011 ضد الاستبداد العربي, والدعوة لولادة أنظمة حكم جديدة تمتاز بأنها عادلة وديمقراطية.
وسرعان ما دافعت عنها الأحزاب الإسلامية، حيث قبل بعضها الديمقراطية والبعض الآخر يهدف إلى إقامة دول إسلامية متشددة, لقد احتضن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتفاضات العربية، ورأى مستقبلاً للعالم العربي يعكس رؤيته الخاصة للديمقراطية الإسلامية, وفي المقابل اعتبرت العديد من الأحزاب الإسلامية ان تركيا هي مصدر إلهام لها ومصدر دعم.
لقد كافحت الدول العربية بقوة لسحق الحركات الإسلامية في بلدانها مثل مصر والأردن والبحرين، مما أدى إلى حشد تلك الدول ضد تركيا, وفي النهاية انتصرت الدول العربية, ولم تكن المخاطر أعلى بالنسبة لتركيا مما كانت عليه في سوريا, فقد دعمت بنشاط جزءاً من المعارضة، التي ضمت فصائل إسلامية، ورحبت بملايين اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية.
وفي تلك المعركة، كانت روسيا وإيران هي التي أحبطت جهود تركيا لإسقاط الأسد, ونظراً لأن الدول العربية تنظر إلى الأسد باعتباره ضمن خط المقاومة، فقد أدارت ظهرها له، لكن بقاءه كان مع ذلك يتناسب تماماً مع هدفها المتمثل في منع أي صعود للإسلاميين, وفي الآونة الأخيرة اتخذوا خطوات لإعادة بناء العلاقات مع الأسد والترحيب بعودة سوريا إلى الحظيرة العربية.
الآن، وبعد مرور 14 عامًا تقريبًا على بدء الانتفاضة السورية، انتصرت تركيا أخيرًا في معركتها للإطاحة بالأسد وإدخال نفسها في سوريا, ومما يثير قلق الدول العربية أن هذا النصر يمثل فصلاً متأخراً من فصول الربيع العربي، في هيئة انبعاث الإسلاموية كقوة سياسية تسيطر على دولة عربية حيوية.
• تركيا وجني الثمار
تنعم تركيا بالانتصار بعد انهيار نظام بشار الأسد، وتحاول الاستفادة من كل لحظة, ولم يضيع رئيس المخابرات التركية، إبراهيم كالين، أي وقت في زيارة دمشق، حيث رافقه أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، الحركة المتمردة التي أطاحت بالنظام السوري, وكانت هذه رحلة قيل إن تركيا نسقتها مع حلفائها الغربيين واستخدمتها كفرصة لنقل التوقعات المشتركة مع القيادة السورية الجديدة، وهو ما يمثل مظهراً للوحدة في العمل. وفي الوقت نفسه، استأنف التمثيل الدبلوماسي التركي في سوريا، الذي كان غائباً منذ عام 2012، عملياته بسرعة - وهي علامة على الوتيرة السريعة التي يتطور بها المشهد في دمشق.
ومع خروج الأسد وتراجع النفوذ الروسي والإيراني، وتحول الديناميكيات العامة في سوريا لصالح تركيا، فإن أنقرة متفائلة جدا فهي ترى فرصة تاريخية لتعزيز مصالحها الجيواستراتيجية, واكتساب ميزة على الاخرين من أجل الهيمنة الإقليمية، وهي تسعى جاهدة إلى وضع نفسها لتحقيق هذا الغرض.
قبل الأحداث الأخيرة، كانت قائمة أمنيات تركيا في سوريا تحتوي بشكل أساسي على ثلاثة عناصر رئيسية:
اولا:القضاء على التهديد العابر للحدود الذي تشكله قوات سوريا الديمقراطية (SDF) المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تتألف بشكل رئيسي من حزب العمال الكردستاني (PKK) والجماعات التابعة له في سوريا.
ثانيا: تهيئة الظروف لعودة أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري مسجل يعيشون حاليًا في تركيا.
ثالثا: الحفاظ على اليد العليا في التنافس غير المعلن ولكن الدائم مع إيران وروسيا. وهي الان تركيا في مرحلة جني الثمار, وترى أنقرة الآن طريقاً نحو الثلاثية - القدرة على إحراز تقدم على الجبهات الثلاث، وربما أكثر.
• التدخل التركي والمستقبل السوري
ينفي المسؤولون الاتراك أي تورط, ومع ذلك سيكون من السذاجة الافتراض أن أنقرة لم تكن على علم مطلق بما سيأتي، نظراً لتورطها في الشؤون السورية وشبكتها العسكرية والاستخباراتية الواسعة على الأرض, وعلى الرغم من عدم وجود علاقة راعي وموكل بين تركيا وهيئة تحرير الشام، فمن المرجح أن الجماعة المتمردة لم تكن لتتمكن من تعزيز قوتها والاستعداد لهذه الخطوة دون أن تلاحظ أنقرة.
وفي حديثه للصحافة كان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب واضحًا في اعتقاده بأن تركيا كانت وراء سقوط الأسد. وأشاد ترامب بقدرات تركيا العسكرية وعلاقته الشخصية مع الرئيس رجب طيب أردوغان، وقال إن تركيا تحمل مفتاح مستقبل سوريا، لكنه وصف أفعالها بأنها "استيلاء غير ودي"، الأمر الذي يحير المستمعين ويترك أنقرة تتساءل عما يخبئه عندما يتولى السلطة. مكتب.
بطريقة أو بأخرى، انقلبت الأمور في سوريا، وتتطلع تركيا إلى الاستفادة من هذه اللحظة لمعالجة بعض مخاوفها الأمنية الوطنية المباشرة وتعزيز نفوذها الإقليمي.
نجحت قوات المعارضة السورية المتحالفة مع تركيا في التقدم نحو مواقع قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع امريكا، مما أجبرها على التنازل عن الأراضي والتراجع شرق نهر الفرات, واستمرت تنازلاتها لقيادة هيئة تحرير الشام في دمشق. على سبيل المثال، رفعت علم الثورة في المناطق التي تسيطر عليها، كدليل على خضوعها للسلطات المركزية، التي تتمتع تركيا الآن بنفوذ أكبر عليها. وهذه مؤشرات واضحة على الوضع غير المستقر الذي تجد قوات سوريا الديمقراطية نفسها فيه، وأن أيام الحكم الذاتي الإقليمي قد تكون معدودة، خاصة وأن الشكوك تلوح في الأفق بشأن استمرار دعم امريكا لها في عهد ترامب المقبل.
• رؤية مخاطر المستقبل
قد يكون ذلك بمثابة حافز لجمهور اردوغان المحافظ، لكن ذلك سيكون له تداعيات سلبية للغاية في الخارج، ولن يؤدي إلا إلى تأكيد الشكوك العميقة حول نواياه الحقيقية. وما لم يتم كبح جماح هذه الدوافع، فإن صورة صعود تركيا في سوريا ستُنظر إليها على أنها تهديد من قبل الدول العربية وغيرها، مما يخلق مجموعات جديدة مناهضة لتركيا ويزيد من الصراع المعقد على السلطة في المنطقة.
هناك مخاطر أخرى يتعين على أنقرة أن تأخذها في الاعتبار بينما تتجه سوريا نحو مستقبل مليء بالعديد من الصعوبات والشكوك - وحول المكان الذي يُنظر إلى تركيا، كما قال ترامب، على أنها تمسك بالمفتاح, وقد أظهرت تجارب مماثلة في أماكن مثل العراق أو ليبيا أن النشوة بعد الإطاحة بنظام لا يحظى بشعبية من الممكن أن تتبخر بسرعة. وعندما يهدأ الغبار، تبدأ تحديات الحكم، والتنافس الطائفي والعرقي، والصراعات الداخلية على السلطة، والمصالح المتضاربة بين الجهات الفاعلة الخارجية. وتستغل القوى الخبيثة فراغ السلطة، وفي حالة سوريا، فإن عودة الظهور المحتمل داعش هو مصدر قلق مستمر.
وتتحدث قيادة هيئة تحرير الشام عن دور تركيا الفريد في المساهمة في هزيمة الأسد، وتعطيها مكانة خاصة في مستقبل البلاد, وتؤكد صورة تركيا المتمثلة في التعامل شبه السلس مع قيادة هيئة تحرير الشام هذه الديناميكية, ولكن إذا ساءت الأمور في سوريا ــ أو عندما يكون هناك قصور في الحكم، وهو ما قد يكون من الصعب منعه ــ فإن تركيا تخاطر بالظهور كمذنبة بسبب هذا الارتباط الوثيق.
لذلك أن تركيا متفائلة بالتحول في سوريا وتناغمه مع اهدافها, ولديها فرصة واضحة لتعزيز مصالحها وتوسيع نفوذها، إلا أنها يجب أن تكون أيضًا على دراية بالمزالق القائمة، والتي تحتاج لعناية في التعامل مع تلك الاطراف والا غرفت تركيا في مستنقع سوريا.
#اسعد_عبدالله_عبدعلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟